ركن التفسير
23 - فقال تعالى (فأسر) بقطع الهمزة ووصلها (بعبادي) بني إسرائيل (ليلا إنكم متبعون) يتبعكم فرعون وقومه
كما قال تعالى "ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى".
﴿فاسْرِ بِعِبادِي لَيْلًا إنَّكم مُتَّبَعُونَ﴾ تَفْرِيعٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿إنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ﴾ [الدخان: ٢٢] . والمُفَرَّعُ قَوْلٌ مَحْذُوفٌ دَلَّتْ عَلَيْهِ صِيغَةُ الكَلامِ، أيْ فَدَعا فَقُلْنا: أسْرِ بِعِبادِي. وقَرَأهُ نافِعٌ وابْنُ كَثِيرٍ وأبُو جَعْفَرٍ (فاسْرِ) بِهَمْزَةِ وصْلٍ عَلى أنَّهُ أمْرٌ مِن (سَرى)، وقَرَأهُ الباقُونَ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ مِن (أسْرى) يُقالُ: سَرى وأسْرى. وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿سُبْحانَ الَّذِي أسْرى بِعَبْدِهِ﴾ [الإسراء: ١] فَتَقْيِيدُهُ بِزَمانِ اللَّيْلِ هَنا نَظِيرُ تَقْيِيدِهِ في سُورَةِ الإسْراءِ، والمَقْصُودُ مِنهُ تَأْكِيدُ مَعْنى الإسْراءِ بِأنَّهُ حَقِيقَةٌ ولَيْسَ مُسْتَعْمَلًا مَجازًا في التَّبْكِيرِ بِناءً عَلى أنَّ المُتَعارَفَ في الرَّحِيلِ أنْ يَكُونَ فَجْرًا. وفائِدَةُ التَّأْكِيدِ أنْ يَكُونَ لَهُ مِن سَعَةِ الوَقْتِ ما يَبْلُغُونَ بِهِ إلى شاطِئِ البَحْرِ الأحْمَرِ قَبْلَ أنْ يُدْرِكَهم فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ. وجُمْلَةُ ﴿إنَّكم مُتَّبَعُونَ﴾ تُقَيِّدُ تَعْلِيلًا لِلْأمْرِ بِالإسْراءِ لَيْلًا لِأنَّهُ مِمّا يُسْتَغْرَبُ، أيْ إنَّكم مُتَّبَعُونَ فَأرَدْنا أنْ تَقْطَعُوا مَسافَةً يَتَعَذَّرُ عَلى فِرْعَوْنَ لَحاقُكم. وتَأْكِيدُ الخَبَرِ بِـ (إنَّ) لِتَنْزِيلِ غَيْرِ السّائِلِ مَنزِلَةَ السّائِلِ إذا قُدِّمَ إلَيْهِ ما يُلَوِّحُ لَهُ (p-٣٠٠)بِالخَبَرِ فَيَسْتَشْرِفُ لَهُ اسْتِشْرافَ المُتَرَدِّدِ السّائِلِ، عَلى حَدِّ قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولا تُخاطِبْنِي في الَّذِينَ ظَلَمُوا إنَّهم مُغْرَقُونَ﴾ [هود: ٣٧] . وأُسْنِدَ الِاتِّباعُ إلى غَيْرِ مَذْكُورٍ لِأنَّهُ مِنَ المَعْلُومِ أنَّ الَّذِي سَيَتْبَعُهم هو فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ.