ركن التفسير
26 - (قل الله يحييكم) حين كنتم نطفا (ثم يميتكم ثم يجمعكم) أحياء (إلى يوم القيامة لا ريب) لا شك (فيه ولكن أكثر الناس) وهم القائلون ما ذكر (لا يعلمون)
قال الله تعالى"قل الله يحيكم ثم يميتكم" أي كما تشاهدون ذلك يخرجكم من العدم إلى الوجود"كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم" أي الذي قدر على البداءة قادر على الإعادة بطريق الأولى والأخرى "وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه" "ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه" أي إنما يجمعكم إلى يوم القيامة لا يعيدكم في الدنيا حتى تقولوا"ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين" "يوم يجمعكم ليوم الجمع" "لأي يوم أجلت ليوم الفصل" "وما نؤخره إلا لأجل معدود" وقال ههنا"ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه" أي لا شك فيه"ولكن أكثر الناس لا يعلمون"أي فلهذا ينكرون المعاد وستبعدون قيام الأجساد قال الله تعالى"إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا" أي يرون وقوعه بعيدا والمؤمنون يرون ذلك سهلا قريبا.
(p-٣٦٥)﴿قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكم ثُمَّ يُمِيتُكم ثُمَّ يَجْمَعُكم إلى يَوْمِ القِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ تَلْقِينٌ لِإبْطالِ قَوْلِهِمْ ﴿وما يُهْلِكُنا إلّا الدَّهْرُ﴾ [الجاثية: ٢٤] يَتَضَمَّنُ إبْطالَ قَوْلِهِمْ ﴿ما هي إلّا حَياتُنا الدُّنْيا نَمُوتُ ونَحْيا﴾ [الجاثية: ٢٤] . والمَقْصُودُ مِنهُ قَوْلُهُ ثُمَّ يُمِيتُكم وإنَّما قُدِّمَ عَلَيْهِ يُحْيِيكم تَوْطِئَةً لَهُ، أيْ كَما هو أوْجَدَكم هو يُمِيتُكم لا الدَّهْرُ، فَتَقْدِيمُ اسْمِ اللَّهِ عَلى المَسْنَدِ الفِعْلِيِّ وهو ”﴿يُحْيِيكم ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾“ يُفِيدُ تَخْصِيصَ الإحْياءِ والإماتَةِ بِهِ لِإبْطالِ قَوْلِهِمْ، إنَّ الدَّهْرَ هو الَّذِي يُمِيتُهم. وقَوْلُهُ ثُمَّ يَجْمَعُكم إلى يَوْمِ القِيامَةِ إبْطالٌ لِقَوْلِهِمْ ما هي إلّا حَياتُنا الدُّنْيا ولَيْسَ هو إبْطالًا بِطَرِيقِ الِاسْتِدْلالِ لِأنَّ أدِلَّةَ هَذا تَكَرَّرَتْ فِيما نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ فاسْتُغْنِيَ عَنْ تَفْصِيلِها ولَكِنَّهُ إبْطالٌ بِطَرِيقِ الإجْمالِ والمُعارَضَةِ. وقَوْلُهُ ”لا رَيْبَ فِيهِ“ حالٌ مِن يَوْمِ القِيامَةِ، أيْ لا رَيْبَ في وُجُودِهِ بِما يَقْتَضِيهِ مِن إحْياءِ الأمْواتِ، ومَعْنى نَفْيِ الرَّيْبِ فِيهِ أنَّهُ حَقِيقَةُ الرَّيْبِ وهي الَّتِي تَتَقَوَّمُ مِن دَلائِلَ تُفْضِي إلى الشَّكِّ مُنْتَفِيَةً عَنْ قَضِيَّةِ وُقُوعِ يَوْمِ القِيامَةِ بِكَثْرَةِ الدَّلائِلِ الدّالَّةِ عَلى إمْكانِهِ وعَلى أنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِقُدْرَةِ اللَّهِ لَيْسَ أعْجَبَ مِن بَدْءِ الخَلْقِ، وأنَّ اللَّهَ أخْبَرَ عَنْ وُقُوعِهِ فَوَجَبَ القَطْعُ بِوُقُوعِهِ. فَكانَ الشَّكُّ فِيهِ جَدِيرًا بِالِاقْتِلاعِ فَكَأنَّهُ مَعْدُومٌ. وهَذا كَما «قالَ النَّبِيءُ ﷺ لَمّا سُئِلَ عَنِ الكُهّانِ لَيْسُوا بِشَيْءٍ» مَعَ أنَّهم مَوْجُودُونَ فَأرادَ أنَّهم لَيْسُوا بِشَيْءٍ حَقِيقٍ، وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ذَلِكَ الكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ في سُورَةِ البَقَرَةِ. وعُطِفَ ﴿ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ عَلى قَوْلِهِ ﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾ أيْ ولَكِنَّ ارْتِيابَ كَثِيرٍ مِنَ النّاسِ فِيهِ لِأنَّهم لا يَعْلَمُونَ دَلائِلَ وُقُوعِهِ.