موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
السبت 9 ذو القعدة 1445 هجرية الموافق ل18 ماي 2024


الآية [34] من سورة  

قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُۥ لَيُحْزِنُكَ اَ۬لذِے يَقُولُونَۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكْذِبُونَكَ وَلَٰكِنَّ اَ۬لظَّٰلِمِينَ بِـَٔايَٰتِ اِ۬للَّهِ يَجْحَدُونَۖ


ركن التفسير

33 - (قد) للتحقيق (نعلم إنه) أي الشأن (ليحزنك الذي يقولون) لك من التكذيب (فإنهم لا يكذبونك) في السر لعلمهم أنك صادق وفي قراءة بالتخفيف أي لا ينسبونك إلى الكذب (ولكن الظالمين) وضعه موضع المضمر (بآيات الله) القرآن (يجحدون) يكذبون

يقول تعالى مسليا لنبيه صلى الله عليه وسلم في تكذيب قومه له ومخالفتهم إياه "قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون" أي قد أحطنا علما بتكذيبهم ولك وحزنك وتأسفك عليهم كقوله "فلا تذهب نفسك عليهم حسرات" كما قال تعالى في الآية الأخرى "لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين" "فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا" وقوله "فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" أي لا يتهمونك بالكذب في نفس الأمر "ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" أي ولكنهم يعاندون الحق ويدفعونه بصدورهم كما قال سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي قال: قال أبو جهل للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إنا لا نكذبك ولكن نكذب ما جئت به فأنزل الله "فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" رواه الحاكم من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق. ثم قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن الوزير الواسطي بمكة حدثنا بشر بن المبشر الواسطي عن سلام بن مسكين عن أبي يزيد المدني أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي أبا جهل فصافحه قال له رجل ألا أراك تصافح هذا الصابئ؟ فقال والله إني لأعلم إنه لنبي ولكن متى كنا لبني عبد مناف تبعا؟ وتلا أبو يزيد "فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" وقال أبو صالح وقتادة: يعلمون أنك رسول الله و يجحدون; وذكر محمد بن إسحاق عن الزهري في قصة أبي جهل حين جاء يستمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم من الليل هو وأبو سفيان صخر بن حرب والأخنس بن شريق ولا يشعر أحد منهم بالآخر فاستمعوها إلى الصباح فلما هجم الصبح تفرقوا فجمعتهم الطريق فقال كل منهم للآخر ما جاء بك ؟ فذكر له ما جاء به ثم تعاهدوا أن لا يعودوا لما يخافون من علم شباب قريش بهم لئلا يفتتنوا بمجيئهم فلما كانت الليلة الثانية جاء كل منهم ظنا أن صاحبيه لا يجيئان لما سبق من العهود فلما أصبحوا جمعتهم الطريق فتلاوموا ثم تعاهدوا أن لا يعودوا فلما كانت الليلة الثالثة جاءوا أيضا فلما أصبحوا تعاهدوا أن لا يعودوا لمثلها ثم تفرقوا فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم خرج حتى أتى أبا سفيان بن حرب في بيته فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد قال يا أبا ثعلبة والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها قال الأخنس: وأنا والذي حلفت به ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه في بيته فقال يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال ماذا سمعت؟ قال تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه قال فقام عنه الأخنس وتركه. وروى ابن جرير من طريق أسباط عن السدي في قوله "قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" لما كان يوم بدر قال الأخنس بن شريق لبني زهرة: يا بني زهرة إن محمدا ابن أختكم فأنتم أحق من ذب عن ابن أخته فإنه إن كان نبيا لم تقاتلوه اليوم وإن كان كاذبا كنتم أحق من كف عن ابن أخته قفوا حتى ألقى أبا الحكم فإن غلب محمد رجعتم سالمين وإن غلب محمد فإن قومكم لم يصنعوا بكم شيئا - فيومئذ سمى الأخنس وكان اسمه أبي - فالتقى الأخنس بأبي جهل فخلا به فقال يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب فإنه ليس ههنا من قريش غيري وغيرك يستمع كلامنا؟ فقال أبو جهل ويحك والله إن محمدا لصادق وما كذب محمد قط ولكن إذا ذهبت بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش ؟ فذلك قوله "فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" فآيات الله محمد صلى الله عليه وسلم.

﴿قَدْ نَعْلَمُ إنَّهُ لَيُحْزِنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإنَّهم لا يُكْذِبُونَكَ ولَكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ . اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ قُصِدَتْ بِهِ تَسْلِيَةُ الرَّسُولِ ﷺ وأمْرُهُ بِالصَّبْرِ، ووَعْدُهُ بِالنَّصْرِ، وتَأْيِيسُهُ مِن إيمانِ المُتَغالِينَ في الكُفْرِ، ووَعْدُهُ بِإيمانِ فِرَقٍ مِنهم بِقَوْلِهِ: ﴿ولَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهم عَلى الهُدى﴾ [الأنعام: ٣٥] إلى قَوْلِهِ يَسْمَعُونَ. وقَدْ تَهَيَّأ المَقامُ لِهَذا الغَرَضِ بَعْدَ الفَراغِ مِن مُحاجَّةِ المُشْرِكِينَ في إبْطالِ شِرْكِهِمْ، وإبْطالِ إنْكارِهِمْ رِسالَةَ مُحَمَّدٍ ﷺ والفَراغِ مِن وعِيدِهِمْ وفَضِيحَةِ مُكابَرَتِهِمِ ابْتِداءً مِن قَوْلِهِ: ﴿وما تَأْتِيهِمْ مِن آيَةٍ مِن آياتِ رَبِّهِمْ﴾ [الأنعام: ٤] إلى هُنا. و(قَدْ) تَحْقِيقٌ لِلْخَبَرِ الفِعْلِيِّ، فَهو في تَحْقِيقِ الجُمْلَةِ الفِعْلِيَّةِ بِمَنزِلَةِ (إنَّ) في تَحْقِيقِ الجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ. فَحَرْفُ (قَدْ) مُخْتَصٌّ بِالدُّخُولِ عَلى الأفْعالِ المُتَصَرِّفَةِ الخَبَرِيَّةِ المُثْبَتَةِ المُجَرَّدَةِ مَن ناصِبٍ وجازِمٍ وحَرْفِ تَنْفِيسٍ، ومَعْنى التَّحْقِيقِ مُلازِمٌ لَهُ. والأصَحُّ أنَّهُ كَذَلِكَ سَواءٌ كانَ مَدْخُولُها ماضِيًا أوْ مُضارِعًا، ولا يَخْتَلِفُ مَعْنى (قَدْ) بِالنِّسْبَةِ لِلْفِعْلَيْنِ. وقَدْ شاعَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّحْوِيِّينَ أنَّ (قَدْ) إذا دَخَلَ عَلى المُضارِعِ أفادَ تَقْلِيلَ حُصُولِ الفِعْلِ. وقالَ بَعْضُهم: إنَّهُ مَأْخُوذٌ مِن كَلامِ سِيبَوَيْهِ، ومِن ظاهِرِ كَلامِ الكَشّافِ في هَذِهِ الآيَةِ. والتَّحْقِيقُ أنَّ كَلامَ سِيبَوَيْهِ لا يَدُلُّ إلّا عَلى أنَّ (قَدْ) يُسْتَعْمَلُ في الدَّلالَةِ عَلى التَّقْلِيلِ لَكِنْ بِالقَرِينَةِ ولَيْسَتْ بِدَلالَةٍ أصْلِيَّةٍ. وهَذا هو الَّذِي اسْتَخْلَصْتُهُ مِن كَلامِهِمْ وهو المُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدِي. ولِذَلِكَ فَلا فَرْقَ بَيْنَ دُخُولِ (قَدْ) عَلى فِعْلِ المُضِيِّ ودُخُولِهِ عَلى الفِعْلِ المُضارِعِ في إفادَةِ تَحْقِيقِ الحُصُولِ، كَما صَرَّحَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿قَدْ يَعْلَمُ ما أنْتُمْ عَلَيْهِ﴾ [النور: ٦٤] في سُورَةِ النُّورِ. فالتَّحْقِيقُ يُعْتَبَرُ في الزَّمَنِ الماضِي إنْ (p-١٩٧)كانَ الفِعْلُ الَّذِي بَعْدَ (قَدْ) فِعْلَ مُضِيٍّ، وفي زَمَنِ الحالِ أوِ الِاسْتِقْبالِ إنْ كانَ الفِعْلُ بَعْدَ (قَدْ) فِعْلًا مُضارِعًا مَعَ ما يُضَمُّ إلى التَّحْقِيقِ مِن دَلالَةِ المَقامِ، مِثْلَ تَقْرِيبِ زَمَنِ الماضِي مِنَ الحالِ في نَحْوِ: قَدْ قامَتِ الصَّلاةُ. وهو كِنايَةٌ تَنْشَأُ عَنِ التَّعَرُّضِ لِتَحْقِيقِ فِعْلٍ لَيْسَ مِن شَأْنِهِ أنْ يَشُكَّ السّامِعُ في أنَّهُ يَقَعُ، ومِثْلَ إفادَةِ التَّكْثِيرِ مَعَ المُضارِعِ تَبَعًا لِما يَقْتَضِيهِ المُضارِعُ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى التَّجَدُّدِ، كالبَيْتِ الَّذِي نَسَبَهُ سِيبَوَيْهِ لِلْهُذَلِيِّ، وحَقَّقَ ابْنُ بَرِّيٍّ أنَّهُ لِعَبِيدِ بْنِ الأبْرَصِ، وهو: ؎قَدْ أتْرُكُ القِرْنَ مُصْفَرًّا أنامِلُهُ كَأنَّ أثْوابَهُ مُجَّتْ بِفِرْصَـادِ وبَيْتُ زُهَيْرٍ: ؎أخا ثِقَةٍ لا تُهْلِكُ الخَمْرُ مالَهُ ∗∗∗ ولَكِنَّهُ قَدْ يُهْلِكُ المالَ نائِلُهُ وإفادَةُ اسْتِحْضارِ الصُّورَةِ، كَقَوْلِ كَعْبٍ: ؎لَقَدْ أقُومُ مَقامًا لَوْ يَقُومُ بِهِ ∗∗∗ أرى وأسْمَعُ ما لَوْ يَسْمَعُ الفِيلُ ؎لَظَلَّ يُرْعَدُ إلّا أنْ يَكُونَ لَهُ ∗∗∗ مِنَ الرَّسُولِ بِإذْنِ اللَّهِ تَنْوِيلُ أرادَ تَحْقِيقَ حُضُورِهِ لَدى الرَّسُولِ ﷺ مَعَ اسْتِحْضارِ تِلْكَ الحالَةِ العَجِيبَةِ مِنَ الوَجَلِ المَشُوبِ بِالرَّجاءِ. والتَّحْقِيقُ أنَّ كَلامَ سِيبَوَيْهِ بَرِيءٌ مِمّا حَمَّلُوهُ، وما نَشَأ اضْطِرابُ كَلامِ النُّحاةِ فِيهِ إلّا مِن فَهْمِ ابْنِ مالِكٍ لِكَلامِ سِيبَوَيْهِ. وقَدْ رَدَّهُ عَلَيْهِ أبُو حَيّانَ رَدًّا وجِيهًا. فَمَعْنى الآيَةِ عَلِمْنا بِأنَّ الَّذِي يَقُولُونَهُ يُحْزِنُكَ مُحَقَّقًا فَتَصْبِرُ. وقَدْ تَقَدَّمَ لِي كَلامٌ في هَذِهِ المَسْألَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وجْهِكَ في السَّماءِ﴾ [البقرة: ١٤٤] في سُورَةِ البَقَرَةِ، فَكانَ فِيهِ إجْمالٌ وأحَلْتُ عَلى تَفْسِيرِ آيَةِ سُورَةِ الأنْعامِ، فَهَذا الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيِي. وفِعْلُ نَعْلَمُ مُعَلَّقٌ عَنِ العَمَلِ في مَفْعُولَيْنِ بِوُجُودِ اللّامِ. (p-١٩٨)والمُرادُ بِـ (الَّذِي يَقُولُونَ) أقْوالَهُمُ الدّالَّةَ عَلى عَدَمِ تَصْدِيقِهِمُ الرَّسُولَ ﷺ كَما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ ولَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ، فَعَدَلَ عَنْ ذِكْرِ اسْمِ التَّكْذِيبِ ونَحْوِهِ إلى اسْمِ المَوْصُولِ وصِلَتِهِ تَنْزِيهًا لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَنْ ذِكْرِ هَذا اللَّفْظِ الشَّنِيعِ في جانِبِهِ تَلَطُّفًا مَعَهُ. وقَرَأ نافِعٌ، وأبُو جَعْفَرٍ لَيُحْزِنُكَ بِضَمِّ الياءِ وكَسْرِ الزّايِ. وقَرَأهُ الباقُونَ بِفَتْحِ الياءِ وضَمِّ الزّايِ. يُقالُ: أحْزَنْتَ الرَّجُلَ بِهَمْزَةِ تَعْدِيَةٍ لِفِعْلِ حَزَنَ، ويُقالُ: حَزَنْتُهُ أيْضًا. وعَنِ الخَلِيلِ: أنَّ حَزَنْتُهُ، مَعْناهُ جَعَلْتُ فِيهِ حُزْنًا كَما يُقالُ: دَهَنْتُهُ. وأمّا التَّعْدِيَةُ فَلَيْسَتْ إلّا بِالهَمْزَةِ. قالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: حَزَنْتُ الرَّجُلَ، أكْثَرُ اسْتِعْمالًا، وأحْزَنْتُهُ، أقْيَسُ. و(الَّذِي يَقُولُونَ) هو قَوْلُهم ساحِرٌ، مَجْنُونٌ، كاذِبٌ، شاعِرٌ. فَعَدَلَ عَنْ تَفْصِيلِ قَوْلِهِمْ إلى إجْمالِهِ إيجازًا أوْ تَحاشِيًا عَنِ التَّصْرِيحِ بِهِ في جانِبِ المُنَزَّهِ عَنْهُ. والضَّمِيرُ المَجْعُولُ اسْمَ (إنَّ) ضَمِيرُ الشَّأْنِ، واللّامُ لامُ القَسَمِ، وفِعْلُ (يُحْزِنُكَ) فِعْلُ القَسَمِ، و(الَّذِي يَقُولُونَ) فاعِلُهُ، واللّامُ في (لَيُحْزِنُكَ) لامُ الِابْتِداءِ، وجُمْلَةُ (يُحْزِنُكَ) خَبَرُ إنَّ، وضَمائِرُ الغَيْبَةِ راجِعَةٌ إلى الَّذِينَ كَفَرُوا في قَوْلِهِ ثُمَّ ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [الأنعام: ١] . والفاءُ في قَوْلِهِ (فَإنَّهم) يَجُوزُ أنْ تَكُونَ لِلتَّعْلِيلِ، والمُعَلَّلُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (قَدْ نَعْلَمُ)، أيْ فَلا تَحْزَنْ فَإنَّهم لا يُكَذِّبُونَكَ، أيْ لِأنَّهم لا يُكَذِّبُونَكَ. ويَجُوزُ كَوْنُها لِلْفَصِيحَةِ، والتَّقْدِيرُ: فَإنْ كانَ يُحْزِنُكَ ذَلِكَ لِأجْلِ التَّكْذِيبِ فَإنَّهم لا يُكَذِّبُونَكَ، فاللَّهُ قَدْ سَلّى رَسُولَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِأنْ أخْبَرَهُ بِأنَّ المُشْرِكِينَ لا يُكَذِّبُونَهُ ولَكِنَّهم أهْلُ جُحُودٍ ومُكابَرَةٍ. وكَفى بِذَلِكَ تَسْلِيَةً. ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ لِلتَّفْرِيعِ عَلى قَدْ نَعْلَمُ، أيْ فَعِلْمُنا بِذَلِكَ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أنّا نُثَبِّتُ فُؤادَكَ ونَشْرَحُ صَدْرَكَ بِإعْلامِكَ أنَّهم لا يُكَذِّبُونَكَ، وبِأنْ نُذَكِّرَكَ بِسُنَّةِ الرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ، ونُذَكِّرَكَ بِأنَّ العاقِبَةَ هي نَصْرُكَ كَما سَبَقَ في عِلْمِ اللَّهِ. وقَرَأ نافِعٌ، والكِسائِيُّ، وأبُو جَعْفَرٍ (﴿لا يُكْذِبُونَكَ﴾)، بِسُكُونِ الكافِ وتَخْفِيفِ الذّالِ. وقَرَأهُ الجُمْهُورُ بِفَتْحِ الكافِ وتَشْدِيدِ الذّالِ. وقَدْ قالَ بَعْضُ أئِمَّةِ اللُّغَةِ إنَّ أكْذَبَ وكَذَّبَ بِمَعْنًى واحِدٍ، أيْ نَسَبَهُ إلى الكَذِبِ. وقالَ بَعْضُهم: أكْذَبَهُ، وجَدَهُ كاذِبًا، (p-١٩٩)كَما يُقالُ: أحْمَدَهُ، وجَدَهُ مَحْمُودًا. وأمّا كَذَّبَ بِالتَّشْدِيدِ فَهو لِنِسْبَةِ المَفْعُولِ إلى الكَذِبِ. وعَنِ الكِسائِيِّ: أنَّ أكْذَبَهُ هو بِمَعْنى كَذَّبَ ما جاءَ بِهِ ولَمْ يَنْسِبِ المَفْعُولَ إلى الكَذِبِ، وأنَّ كَذَّبَهُ هو نَسَبَهُ إلى الكَذِبِ. وهو مَعْنى ما نُقِلَ عَنِ الزَّجّاجِ مَعْنى كَذَّبْتُهُ، قُلْتُ لَهُ: كَذَبْتَ، ومَعْنى أكْذَبْتُهُ، أرَيْتُهُ أنَّ ما أتى بِهِ كَذِبٌ. وقَوْلُهُ: ﴿ولَكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ اسْتِدْراكٌ لِدَفْعِ أنْ يَتَوَهَّمَ مِن قَوْلِهِ: ﴿لا يُكْذِبُونَكَ﴾ عَلى قِراءَةِ نافِعٍ ومَن وافَقَهُ أنَّهم صَدَّقُوا وآمَنُوا، وعَلى قِراءَةِ البَقِيَّةِ ﴿لا يُكْذِبُونَكَ﴾ أنَّهم لَمْ يَصْدُرْ مِنهم أصْلُ التَّكْذِيبِ مَعَ أنَّ الواقِعَ خِلافُ ذَلِكَ، فاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ بِأنَّهم يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ فَيَظْهَرُ حالُهم كَحالِ مَن يَنْسُبُ الآتِيَ بِالآياتِ إلى الكَذِبِ وما هم بِمُكَذِّبِينَ في نُفُوسِهِمْ. والجَحْدُ والجُحُودُ، الإنْكارُ لِلْأمْرِ المَعْرُوفِ، أيِ الإنْكارُ مَعَ العِلْمِ بِوُقُوعِ ما يُنْكَرُ، فَهو نَفْيُ ما يَعْلَمُ النّافِي ثُبُوتَهُ، فَهو إنْكارُ مُكابَرَةٍ. وعَدَلَ عَنِ الإضْمارِ إلى قَوْلِهِ: ﴿ولَكِنَّ الظّالِمِينَ﴾ ذَمًّا لَهم وإعْلامًا بِأنَّ شَأْنَ الظّالِمِ الجَحْدُ بِالحُجَّةِ، وتَسْجِيلًا عَلَيْهِمْ بِأنَّ الظُّلْمَ سَجِيَّتُهم. وعَدّى يَجْحَدُونَ بِالباءِ كَما عُدِّيَ في قَوْلِهِ ﴿وجَحَدُوا بِها واسْتَيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ﴾ [النمل: ١٤] لِتَأْكِيدِ تَعَلُّقِ الجَحْدِ بِالمَجْحُودِ، كالباءِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ [المائدة: ٦]، وفي قَوْلِهِ: ﴿وما مَنَعَنا أنْ نُرْسِلَ بِالآياتِ إلّا أنْ كَذَّبَ بِها الأوَّلُونَ﴾ [الإسراء: ٥٩]، وقَوْلِ النّابِغَةِ: ؎لَكَ الخَيْرُ إنْ وارَتْ بِكَ الأرْضُ واحِدًا ∗∗∗ وأصْبَحَ جَدُّ النّاسِ يَظْلَـعُ عَـاثِـرا ثُمَّ إنَّ الجَحْدَ بِآياتِ اللَّهِ أُرِيدَ بِهِ الجَحْدُ بِما جاءَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ مِنَ الآياتِ. وجَحْدُها إنْكارُ أنَّها مِن آياتِ اللَّهِ، أيْ تَكْذِيبُ الآتِي بِها في قَوْلِهِ: إنَّها مِن عِنْدِ اللَّهِ، فَآلَ ذَلِكَ إلى أنَّهم يُكَذِّبُونَ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ. فَكَيْفَ يُجْمَعُ هَذا مَعَ قَوْلِهِ ﴿فَإنَّهم لا يُكْذِبُونَكَ﴾ عَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ. والَّذِي يُسْتَخْلَصُ مِن سِياقِ الآيَةِ أنَّ المُرادَ فَإنَّهم لا يَعْتَقِدُونَ أنَّكَ كاذِبٌ لِأنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مَعْرُوفٌ عِنْدَهم بِالصِّدْقِ وكانَ يُلَقَّبُ بَيْنَهم بِالأمِينِ. وقَدْ قالَ النَّضْرُ بْنُ الحارِثِ لَمّا تَشاوَرَتْ قُرَيْشٌ في شَأْنِ الرَّسُولِ: يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَدْ كانَ مُحَمَّدٌ فِيكم غُلامًا أرْضاكم (p-٢٠٠)فِيكم وأصْدَقُكم حَدِيثًا حَتّى إذا رَأيْتُمُ الشَّيْبَ في صُدْغَيْهِ قُلْتُمْ ساحِرٌ وقُلْتُمْ كاهِنٌ وقُلْتُمْ شاعِرٌ وقُلْتُمْ مَجْنُونٌ وواللَّهِ ما هو بِأُولَئِكم. ولِأنَّ الآياتِ الَّتِي جاءَ بِها لا يَمْتَرِي أحَدٌ في أنَّها مِن عِنْدِ اللَّهِ، ولِأنَّ دَلائِلَ صِدْقِهِ بَيِّنَةٌ واضِحَةٌ ولَكِنَّكم ظالِمُونَ. والظّالِمُ هو الَّذِي يَجْرِي عَلى خِلافِ الحَقِّ بِدُونِ شُبْهَةٍ. فَهم يُنْكِرُونَ الحَقَّ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأنَّهُ الحَقُّ، وذَلِكَ هو الجُحُودُ. وقَدْ أخْبَرَ اللَّهُ عَنْهم بِذَلِكَ وهو أعْلَمُ بِسَرائِرِهِمْ. ونَظِيرُها قَوْلُهُ تَعالى حِكايَةً عَنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ ﴿وجَحَدُوا بِها واسْتَيْقَنَتْها أنْفُسُهم ظُلْمًا وعُلُوًّا﴾ [النمل: ١٤] فَيَكُونُ في الآيَةِ احْتِباكٌ. والتَّقْدِيرُ: فَإنَّهم لا يُكَذِّبُونَكَ ولا يُكَذِّبُونَ الآياتِ ولَكِنَّهم يَجْحَدُونَ بِالآياتِ ويَجْحَدُونَ بِصِدْقِكَ، فَحَذَفَ مِن كُلٍّ لِدَلالَةِ الآخَرِ. وأخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ناجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ التّابِعِيِّ «أنَّ أبا جَهْلٍ قالَ لِلنَّبِيءِ ﷺ لا نُكَذِّبُكَ ولَكِنْ نُكَذِّبُ ما جِئْتَ بِهِ. فَأنْزَلَ اللَّهُ فَإنَّهم ﴿لا يُكْذِبُونَكَ ولَكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ»﴾ . ولا أحْسَبُ هَذا هو سَبَبُ نُزُولِ الآيَةِ. لِأنَّ أبا جَهْلٍ إنْ كانَ قَدْ قالَ ذَلِكَ فَقَدْ أرادَ الِاسْتِهْزاءَ، كَما قالَ ابْنُ العَرَبِيِّ في العارِضَةِ: ذَلِكَ أنَّهُ التَّكْذِيبُ بِما جاءَ بِهِ تَكْذِيبٌ لَهُ لا مَحالَةَ، فَقَوْلُهُ: لا نُكَذِّبُكَ، اسْتِهْزاءٌ بِإطْماعِ التَّصْدِيقِ.


ركن الترجمة

We know what they say distresses you. It is not you in fact they accuse of lies, but the wicked deny the revelations of God!

Nous savons qu'en vérité ce qu'ils disent te chagrine. Or, vraiment ils ne croient pas que tu es menteur, mais ce sont les versets (le Coran) d'Allah, que les injustes renient.

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :