موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
السبت 9 ذو القعدة 1445 هجرية الموافق ل18 ماي 2024


الآية [70] من سورة  

وَذَرِ اِ۬لذِينَ اَ۪تَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباٗ وَلَهْواٗ وَغَرَّتْهُمُ اُ۬لْحَيَوٰةُ اُ۬لدُّنْي۪اۖ وَذَكِّرْ بِهِۦٓ أَن تُبْسَلَ نَفْسُۢ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اِ۬للَّهِ وَلِيّٞ وَلَا شَفِيعٞۖ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٖ لَّا يُوخَذْ مِنْهَاۖ أُوْلَٰٓئِكَ اَ۬لذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْۖ لَهُمْ شَرَابٞ مِّنْ حَمِيمٖ وَعَذَابٌ اَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَۖ


ركن التفسير

70 - (وذر) اترك (الذين اتخذوا دينهم) الذي كلفوه (لعبا ولهوا) باستهزائهم به (وغرتهم الحياة الدنيا) فلا تتعرض لهم وهذا قبل الأمر بالقتال (وذكر) عظ (به) بالقرآن الناس (أن) لا (تبسل نفس) تسلم إلى الهلاك (بما كسبت) عملت (ليس لها من دون الله) أي غيره (ولي) ناصر (ولا شفيع) يمنع عنها العذاب (وإن تعدل كل عدل) تفد كل فداء (لا يؤخذ منها) ما تفدى به (أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم) ماء بالغ نهاية الحرارة (وعذاب أليم) مؤلم (بما كانوا يكفرون) بكفرهم

يقول تعالي "وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا" أي دعهم وأعرض عنهم وأمهلهم قليلا فإنهم صائرون إلى عذاب عظيم ولهذا قال وذكر به أي ذكر الناس بهذا القرآن وحذرهم نقمة الله وعذابه الأليم يوم القيامة وقوله تعالى "أن تبسل نفس بما كسبت" أي لئلا تبسل قال الضحاك عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن والسدي تبسل تسلم وقال الوالبى عن ابن عباس تفتضح. وقال قتادة تحبس وقال مرة وابن زيد تؤاخذ. وقال الكلبي تجزى وكل هذه الأقوال والعبارات متقاربة في المعنى وحاصلها الإسلام للهلكة والحبس عن الخير والارتهان عن درك المطلوب كقوله "كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين" وقوله "ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع" أي لا قريب ولا أحد يشفع فيها كقوله "من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون" وقوله "وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها" أي ولو بذلت كل مبذول ما قبل منها كقوله "إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا" الآية. وكذا قال ههنا "أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون".

﴿وذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهم لَعِبًا ولَهْوًا وغَرَّتْهُمُ الحَياةُ الدُّنْيا وذَكِّرْ بِهِ أنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِن دُونِ اللَّهِ ولِيٌّ ولا شَفِيعٌ وإنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنها أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهم شَرابٌ مِن حَمِيمٍ وعَذابٌ ألِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ﴾ . عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿فَأعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ [الأنعام: ٦٨] أوْ عَلى جُمْلَةِ ﴿وما عَلى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِن حِسابِهِمْ مِن شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٦٩] . وهَذا حُكْمٌ آخَرُ غَيْرُ حُكْمِ الإعْراضِ عَنِ الخائِضِينَ في آياتِ اللَّهِ ولِذَلِكَ عُطِفَ عَلَيْهِ. وأُتِيَ بِمَوْصُولٍ وصِلَةٍ أُخْرى فَلَيْسَ ذَلِكَ إظْهارًا في مَقامِ الإضْمارِ. و”ذَرْ“ فِعْلُ أمْرٍ. قِيلَ: لَمْ يَرِدْ لَهُ ماضٍ ولا مَصْدَرٌ ولا اسْمُ فاعِلٍ ولا اسْمُ مَفْعُولٍ. فَتَصارِيفُهُ هَذِهِ مُماثَلَةٌ في الِاسْتِعْمالِ اسْتِغْناءً عَنْها بِأمْثالِها مِن مادَّةِ تَرَكَ تَجَنُّبًا لِلثِّقَلِ واسْتَعْمَلُوا مُضارِعَهُ والأمْرَ مِنهُ. وجَعَلَهُ عُلَماءُ التَّصْرِيفِ مِثالًا واوِيًّا لِأنَّهم (p-٢٩٥)وجَدُوهُ مَحْذُوفَ أحَدِ الأُصُولِ، ووَجَدُوهُ جارِيًا عَلى نَحْوِ يَعِدُ ويَرِثُ فَجَزَمُوا بِأنَّ المَحْذُوفَ مِنهُ الفاءُ وأنَّها واوٌ. وإنَّما حُذِفَتْ في نَحْوِ ذَرْ ودَعْ مَعَ أنَّها مَفْتُوحَةُ العَيْنِ اتِّباعًا لِلِاسْتِعْمالِ، وهو حَذْفُ تَخْفِيفٍ لا حَذْفُ دَفْعِ ثِقَلٍ، بِخِلافِ حَذْفِ يَعِدُ ويَرِثُ. ومَعْنى (ذَرِ) اتْرُكْ، أيْ لا تُخالِطْ. وهو هُنا مَجازٌ في عَدَمِ الِاهْتِمامِ بِهِمْ وقِلَّةِ الِاكْتِراثِ بِاسْتِهْزائِهِمْ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿ذَرْنِي ومَن خَلَقْتُ وحِيدًا﴾ [المدثر: ١١] وقَوْلِهِ ﴿فَذَرْنِي ومَن يُكَذِّبُ بِهَذا الحَدِيثِ﴾ [القلم: ٤٤]، وقَوْلِ طَرَفَةَ: ؎فَذَرْنِي وخُلْقِي إنَّنِي لَكَ شاكِرٌ ولَوْ حَلَّ بَيْتِي نائِيًا عِنْدَ ضَرْغَدِ أيْ لا تُبالِ بِهِمْ ولا تَهْتَمَّ بِضَلالِهِمُ المُسْتَمِرِّ ولا تَشْغَلْ قَلْبَكَ بِهِمْ فالتَّذْكِيرُ بِالقُرْآنِ شامِلٌ لَهم، أوْ لا تَعْبَأْ بِهِمْ وذَكِّرْهم بِهِ، أيْ لا يَصُدَّكَ سُوءُ اسْتِجابَتِهِمْ عَنْ إعادَةِ تَذْكِيرِهِمْ. والدِّينُ في قَوْلِهِ ﴿اتَّخَذُوا دِينَهُمْ﴾ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ بِمَعْنى المِلَّةَ، أيْ ما يَتَدَيَّنُونَ بِهِ ويَنْتَحِلُونَهُ ويَتَقَرَّبُونَ بِهِ إلى اللَّهِ، كَقَوْلِ النّابِغَةِ: ؎مَجَلَّتُهم ذاتُ الإلَـهِ ودِينُـهُـمْ ∗∗∗ قَوِيمٌ فَما يَرْجُونَ غَيْرَ العَواقِبِ أيِ اتَّخَذُوهُ لَعِبًا ولَهْوًا، أيْ جَعَلُوا الدِّينَ مَجْمُوعَ أُمُورٍ هي مِنَ اللَّعِبِ واللَّهْوِ، أيِ العَبَثِ واللَّهْوِ عِنْدَ الأصْنامِ في مَواسِمِها، والمُكاءِ والتَّصْدِيَةِ عِنْدَ الكَعْبَةِ عَلى أحَدِ التَّفْسِيرَيْنِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وما كانَ صَلاتُهم عِنْدَ البَيْتِ إلّا مُكاءً وتَصْدِيَةً﴾ [الأنفال: ٣٥] . وإنَّما لَمْ يَقُلِ اتَّخَذُوا اللَّهْوَ واللَّعِبَ دِينًا لِمَكانِ قَوْلِهِ اتَّخَذُوا فَإنَّهم لَمْ يَجْعَلُوا كُلَّ ما هو مِنَ اللَّهْوِ واللَّعِبِ دِينًا لَهم بَلْ عَمَدُوا إلى أنْ يَنْتَحِلُوا دِينًا فَجَمَعُوا لَهُ أشْياءَ مِنَ اللَّعِبِ واللَّهْوِ وسَمَّوْها دِينًا. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنَ الدَّيْنِ العادَةَ، كَقَوْلِ المُثَقَّبِ العَبْدِيِّ: ؎تَقُولُ وقَدْ دَرَأْتُ لَها وضِينِي ∗∗∗ أهَذا دِينُـهُ أبَـدًا ودِينِـي أيِ الَّذِينَ دَأْبُهُمُ اللَّعِبُ واللَّهْوُ المُعْرِضُونَ عَنِ الحَقِّ، وذَلِكَ في مُعامَلَتِهِمُ الرَّسُولَ. ﷺ . (p-٢٩٦)واللَّعِبُ واللَّهْوُ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وما الحَياةُ الدُّنْيا إلّا لَعِبٌ ولَهْوٌ﴾ [الأنعام: ٣٢] في هَذِهِ السُّورَةِ. والَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهم لَعِبًا ولَهْوًا فَرِيقٌ عُرِفُوا بِحالِ هَذِهِ الصِّلَةِ واخْتُصَّتْ بِهِمْ، فَهم غَيْرُ المُرادِ مِنَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ في الآياتِ بَلْ بَيْنَهم وبَيْنَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ في الآياتِ؛ فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِهِمُ المُشْرِكِينَ كُلَّهم بِناءً عَلى تَفْسِيرِ الدِّينِ بِالمِلَّةِ والنِّحْلَةِ فَهم أعَمُّ مِنَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فَبَيْنَهُمُ العُمُومُ والخُصُوصُ المُطْلَقُ. وهَذا يُناسِبُ تَفْسِيرَ ذَرْ بِمَعْنى عَدَمِ الِاكْتِراثِ بِهِمْ وبِدِينِهِمْ لِقَصْدِ عَدَمِ اليَأْسِ مِن إيمانِهِمْ أوْ لِزِيادَةِ التَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ، أيْ وذَكِّرْهم بِالقُرْآنِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِهِمْ فَرِيقًا مِنَ المُشْرِكِينَ سُفَهاءَ اتَّخَذُوا دَأْبَهُمُ اللَّعِبَ واللَّهْوَ، بِناءً عَلى تَفْسِيرِ الدِّينِ بِمَعْنى العادَةِ فَبَيْنَهم وبَيْنَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ العُمُومُ والخُصُوصُ الوَجْهِيُّ. وغَرَّتْهم أيْ خَدَعَتْهُمُ الحَياةُ الدُّنْيا وظَنُّوا أنَّها لا حَياةَ بَعْدَها وأنَّ نَعِيمَها دائِمٌ لَهم بَطَرًا مِنهم. وتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الغُرُورِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا في البِلادِ﴾ [آل عمران: ١٩٦] في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ. وذِكْرُ الحَياةِ هُنا لَهُ مَوْقِعٌ عَظِيمٌ وهو أنَّ هَمَّهم مِن هَذِهِ الدُّنْيا هو الحَياةُ فِيها لا ما يُكْتَسَبُ فِيها مِنَ الخَيْراتِ الَّتِي تَكُونُ بِها سَعادَةُ الحَياةِ في الآخِرَةِ، أيْ غَرَّتْهُمُ الحَياةُ الدُّنْيا فَأوْهَمَتْهم أنْ لا حَياةَ بَعْدَها وقالُوا: ﴿إنْ هي إلّا حَياتُنا الدُّنْيا وما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ [الأنعام: ٢٩] . والضَّمِيرُ المَجْرُورُ في ﴿وذَكِّرْ بِهِ﴾ عائِدٌ عَلى القُرْآنِ لِأنَّ التَّذْكِيرَ هو التَّذْكِيرُ بِاللَّهِ وبِالبَعْثِ وبِالنَّعِيمِ والعَذابِ. وذَلِكَ إنَّما يَكُونُ بِالقُرْآنِ فَيَعْلَمُ السّامِعُ أنَّ ضَمِيرَ الغَيْبَةِ يَرْجِعُ إلى ما في ذِهْنِ المُخاطَبِ مِنَ المَقامِ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى ﴿فَذَكِّرْ بِالقُرْآنِ مَن يَخافُ وعِيدِ﴾ [ق: ٤٥] . وحَذَفَ مَفْعُولَ ذَكِّرْ لِدَلالَةِ قَوْلِهِ ﴿وذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهم لَعِبًا ولَهْوًا﴾ أيْ وذَكِّرْهم بِهِ. وقَوْلُهُ ﴿أنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ﴾ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَفْعُولًا ثانِيًا لِـ ذَكِّرْ وهو الأظْهَرُ، (p-٢٩٧)أيْ ذَكِّرْهم بِهِ إبْسالَ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ، فَإنَّ التَّذْكِيرَ يَتَعَدّى إلى مَفْعُولَيْنِ مِن بابِ أعْطى لِأنَّ أصْلَ فِعْلَهُ المُجَرَّدِ يَتَعَدّى إلى مَفْعُولٍ فَهو بِالتَّضْعِيفِ يَتَعَدّى إلى مَفْعُولَيْنِ هُما (هم) و﴿أنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ﴾ . وخُصَّ هَذا المَصْدَرُ مِن بَيْنِ الأحْداثِ المُذَكَّرِ بِها لِما فِيهِ مِنَ التَّهْوِيلِ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ﴿أنْ تُبْسَلَ﴾ عَلى تَقْدِيرِ لامِ الجَرِّ تَعْلِيلًا لِلتَّذْكِيرِ، فَهو كالمَفْعُولِ لِأجْلِهِ فَيَتَعَيَّنُ تَقْدِيرُ لا النّافِيَةِ بَعْدَ لامِ التَّعْلِيلِ المَحْذُوفَةِ. والتَّقْدِيرُ: لِئَلّا تُبْسَلَ نَفْسٌ، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكم أنْ تَضِلُّوا﴾ [النساء: ١٧٦]، وقَدْ تَقَدَّمَ في آخِرِ سُورَةِ النِّساءِ. وجُوِّزَ فِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ ولَمْ أكُنْ مِنهُ عَلى ثَلَجٍ. ووَقَعَ لَفْظُ ”نَفْسٌ“ وهو نَكِرَةٌ في سِياقِ الإثْباتِ وقُصِدَ بِهِ العُمُومُ بِقَرِينَةِ مَقامِ المَوْعِظَةِ، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وأخَّرَتْ﴾ [الإنفطار: ٥] أيْ كُلُّ نَفْسٍ عَلِمَتْ نَفْسَ ما أحْضَرَتْ، أيْ كُلُّ نَفْسٍ. والإبْسالُ: الإسْلامُ إلى العَذابِ، وقِيلَ: السَّجْنُ والِارْتِهانُ، وقَدْ ورَدَ في كَلامِهِمْ بِالمَعْنَيَيْنِ وهُما صالِحانِ هُنا. وأصْلُهُ مِنَ البَسْلِ وهو المَنعُ والحَرامُ. قالَ ضَمْرَةُ النَّهْشَلِيُّ: ؎بَكَرَتْ تَلُومُكَ بَعْدَ وهْنٍ في النَّدى ∗∗∗ بَسْلٌ عَلَيْكِ مَلامَتِي وعِتابِـي وأمّا الإبْسالُ بِمَعْنى الإسْلامِ فَقَدْ جاءَ فِيهِ قَوْلُ عَوْفِ بْنِ الأحْوَصِ الكِلابِيِّ: ؎وإبْسالِي بَنِيَّ بِغَيْرِ جُرْمٍ ∗∗∗ بَعَوْناهُ ولا بِدَمٍ مُراقِ ومَعْنى ﴿بِما كَسَبَتْ﴾ بِما جَنَتْ. فَهو كَسْبُ الشَّرِّ بِقَرِينَةِ تُبْسَلَ. وجُمْلَةُ ﴿لَيْسَ لَها مِن دُونِ اللَّهِ﴾ إلخ في مَوْضِعِ الحالِ مِن نَفْسٍ لِعُمُومِ ”نَفْسٌ“، أوْ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ نَظَرًا لِكَوْنِ لَفْظِهِ مُفْرَدًا. والوَلِيُّ: النّاصِرُ. والشَّفِيعُ: الطّالِبُ لِلْعَفْوِ عَنِ الجانِي لِمَكانَةٍ لَهُ عِنْدَ مَن بِيَدِهِ العِقابُ. وقَدْ تَقَدَّمَ الوَلِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿قُلْ أغَيْرَ اللَّهِ أتَّخِذُ ولِيًّا﴾ [الأنعام: ١٤] في هَذِهِ السُّورَةِ، والشَّفاعَةُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولا يُقْبَلُ مِنها شَفاعَةٌ ولا يُؤْخَذُ مِنها عَدْلٌ﴾ [البقرة: ٤٨] في سُورَةِ البَقَرَةِ. وجُمْلَةُ ﴿وإنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنها﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿لَيْسَ لَها مِن دُونِ اللَّهِ ولِيٌّ ولا شَفِيعٌ﴾ . (p-٢٩٨)وتَعْدِلُ مُضارِعُ عَدَلَ إذا فَدى شَيْئًا بِشَيْءٍ وقَدَّرَهُ بِهِ. فالفِداءُ يُسَمّى العَدْلُ كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولا يُؤْخَذُ مِنها عَدْلٌ﴾ [البقرة: ٤٨] في سُورَةِ البَقَرَةِ. وجِيءَ في الشَّرْطِ بِـ إنِ المُفِيدَةِ عَدَمَ تَحَقُّقِ حُصُولِ الشَّرْطِ لِأنَّ هَذا الشَّرْطَ مَفْرُوضٌ كَما يُفْرَضُ المُحالُ. والعَدْلُ في قَوْلِهِ ”كُلَّ عَدْلٍ“ مَصْدَرُ عَدَلَ المُتَقَدِّمِ. وهو مَصْدَرُهُ القِياسِيُّ فَيَكُونُ ”كُلَّ“ مَنصُوبًا عَلى المَفْعُولِيَّةِ المُطْلَقَةِ كَما في الكَشّافِ، أيْ وإنْ تُعْطَ كُلَّ عَطاءٍ لِلْفِداءِ لا يُقْبَلُ عَطاؤُها، ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِهِ لِـ تَعْدِلْ لِأنَّ فِعْلَ (عَدَلَ) يَتَعَدّى لِلْعِوَضِ بِالباءِ وإنَّما يَتَعَدّى بِنَفْسِهِ لِلْمُعَوَّضِ ولَيْسَ هو المَقْصُودُ هُنا. فَلِذَلِكَ مَنَعَ في الكَشّافِ أنْ يَكُونَ ”كُلَّ عَدْلٍ“ مَفْعُولًا بِهِ، وهو تَدْقِيقٌ. و”كُلَّ“ هُنا مُجازٌ في الكَثْرَةِ إذْ لَيْسَ لِلْعَدْلِ، أيْ لِلْفِداءِ حَصْرٌ حَتّى يُحاطَ بِهِ كُلِّهِ. وقَدْ تَقَدَّمَ اسْتِعْمالُ (كُلَّ) بِمَعْنى الكَثْرَةِ وهو مَجازٌ شائِعٌ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولَئِنْ أتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ﴾ [البقرة: ١٤٥] في سُورَةِ البَقَرَةِ. وقَوْلُهُ ﴿لا يُؤْخَذْ مِنها﴾ أيْ لا يُؤْخَذْ مِنها ما تَعْدِلُ بِهِ. فَقَوْلُهُ مِنها هو نائِبُ الفاعِلِ لِـ يُؤْخَذُ. ولَيْسَ في يُؤْخَذُ ضَمِيرُ العَدْلِ لِأنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ أنَّ العَدْلَ هُنا بِمَعْنى المَصْدَرِ، فَلا يُسْنَدُ إلَيْهِ الأخْذُ كَما في الكَشّافِ، فَقَدْ نَزَلَ فِعْلُ الأخْذِ مَنزِلَةَ اللّازِمِ ولَمْ يُقَدَّرْ لَهُ مَفْعُولٌ كَأنَّهُ قِيلَ: لا يُؤْخَذُ مِنها أخْذٌ. والمَعْنى لا يُؤْخَذُ مِنها شَيْءٌ. وقَدْ جَمَعَتِ الآيَةُ جَمِيعَ ما تَعارَفَ النّاسُ التَّخَلُّصَ بِهِ مِنَ القَهْرِ والغَلَبِ، وهو النّاصِرُ والشَّفِيعُ والفِدْيَةُ. فَهي كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿ولا يُقْبَلُ مِنها شَفاعَةٌ ولا يُؤْخَذُ مِنها عَدْلٌ ولا هم يُنْصَرُونَ﴾ [البقرة: ٤٨] . في سُورَةِ البَقَرَةِ. وجُمْلَةُ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا لِأنَّ الكَلامَ يُثِيرُ سُؤالَ سائِلٍ يَقُولُ: فَما حالُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهم لَعِبًا ولَهْوًا مِن حالِ النُّفُوسِ الَّتِي تُبْسَلُ بِما كَسَبَتْ، فَأُجِيبَ بِأنَّ أُولَئِكَ هُمُ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا، فَتَكُونُ الإشارَةُ إلى المَوْصُولِ بِما لَهُ مِنَ الصِّلَةِ، والتَّعْرِيفُ لِلْجُزْأيْنِ أفادَ القَصْرَ، أيْ أُولَئِكَ هُمُ المُبْسَلُونَ لا غَيْرُهم. وهو قَصْرُ مُبالَغَةٍ لِأنَّ إبْسالَهم هو أشَدُّ إبْسالٍ يَقَعُ فِيهِ النّاسُ فَجَعَلَ ما عَداهُ كالمَعْدُومِ. (p-٢٩٩)ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الإشارَةُ إلى النَّفْسِ في قَوْلِهِ ﴿أنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ﴾ بِاعْتِبارِ دَلالَةِ النَّكِرَةِ عَلى العُمُومِ، أيْ أنْ تَكُونَ الإشارَةُ إلى النَّفْسِ في قَوْلِهِ ﴿أنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ﴾ بِاعْتِبارِ دَلالَةِ النَّكِرَةِ عَلى العُمُومِ، أيْ أنَّ أُولَئِكَ المُبْسَلُونَ العادِمُونَ ولِيًّا وشَفِيعًا وقَبُولَ فِدْيَتِهِمْ هُمُ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا، أيْ ذَلِكَ هو الإبْسالُ الحَقُّ لا ما تَعْرِفُونَهُ في جَرائِرِكم وحُرُوبِكم مِنَ الإبْسالِ، كَإبْسالِ أبْناءِ عَوْفِ بْنِ الأحْوَصِ المُتَقَدِّمِ آنِفًا في شِعْرِهِ، فَهَذا كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿ذَلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ﴾ [التغابن: ٩] . وجُمْلَةُ ﴿لَهم شَرابٌ مِن حَمِيمٍ﴾ بَيانٌ لِمَعْنى الإبْسالِ أوْ بَدَلُ اشْتِمالٍ مِن مَعْنى الإبْسالِ، فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ. والحَمِيمُ: الماءُ الشَّدِيدُ الحَرارَةِ، ومِنهُ الحَمَّةُ بِفَتْحِ الحاءِ العَيْنُ الجارِيَةُ بِالماءِ الحارِّ الَّذِي يُسْتَشْفى بِهِ مِن أوْجاعِ الأعْضاءِ والدُّمَّلِ. وفي الحَدِيثِ «مَثَلُ العالِمِ مَثَلُ الحَمَّةِ يَأْتِيها البُعَداءُ ويَتْرُكُها القُرَباءُ» . وخُصَّ الشَّرابُ مِنَ الحَمِيمِ مِن بَيْنِ بَقِيَّةِ أنْواعِ العَذابِ المَذْكُورِ مِن بُعْدٍ لِلْإشارَةِ إلى أنَّهم يَعْطَشُونَ فَلا يَشْرَبُونَ إلّا ماءً يَزِيدُهم حَرارَةً عَلى حَرارَةِ العَطَشِ. والباءُ في ﴿بِما كانُوا يَكْفُرُونَ﴾ لِلسَّبَبِيَّةِ، وما مَصْدَرِيَّةٌ. وزِيدَ فِعْلُ (كانَ) لِيَدُلَّ عَلى تَمَكُّنِ الكُفْرِ مِنهم واسْتِمْرارِهِمْ عَلَيْهِ لِأنَّ فِعْلَ مادَّةِ الكَوْنِ تَدُلُّ عَلى الوُجُودِ، فالإخْبارُ بِهِ عَنْ شَيْءٍ مُخْبَرٍ عَنْهُ بِغَيْرِهِ أوْ مَوْصُوفٍ بِغَيْرِهِ لا يُفِيدُ فائِدَةَ الأوْصافِ سِوى أنَّهُ أفادَ الوُجُودَ في الزَّمَنِ الماضِي، وذَلِكَ مُسْتَعْمَلٌ في التَّمَكُّنِ.


ركن الترجمة

Leave those alone who have made a sport and frolic of their faith, and have been seduced by the life of this world. Remind them hereby lest a man is doomed for what he has done. He will have none to help him, or intercede for him, other than God; and even if he offer all the ransoms they will not be accepted from him. They are those who will be destroyed by their own acts. There will be scalding water to drink for them and painful punishment, for they had disbelieved.

Laisse ceux qui prennent leur religion pour jeu et amusement, et qui sont séduits par la vie sur terre. Et rappelle par ceci (le Coran) pour qu'une âme ne s'expose pas à sa perte selon ce qu'elle aura acquis, elle n'aura en dehors d'Allah, ni allié ni intercesseur. Et quelle que soit la compensation qu'elle offrirait, elle ne sera pas acceptée d'elle. Ceux-là se sont abandonnés à leur perdition à cause de ce qu'ils ont acquis. Leur breuvage sera l'eau bouillante et ils auront un châtiment douloureux, pour avoir mécru.

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :