موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الجمعة 1 ذو القعدة 1445 هجرية الموافق ل10 ماي 2024


الآية [80] من سورة  

فَلَمَّا جَآءَ اَ۬لسَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوس۪يٰٓ أَلْقُواْ مَآ أَنتُم مُّلْقُونَۖ


ركن التفسير

80 - (فلما جاء السحرة قال لهم موسى) بعد ما قالوا له {إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين} (ألقوا ما أنتم ملقون)

وإنما قال لهم ذلك لأنهم لما اصطفوا وقد وعدوا من فرعون بالتقريب والعطاء الجزيل" قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا" فأراد موسى أن تكون البداءة منهم ليرى الناس ما صنعوا ثم يأتي بالحق بعده فيدمغ باطلهم. ولهذا لما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم "فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى".

(p-٢٥٣)﴿وقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ﴾ ﴿فَلَمّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهم مُوسى ألْقُوا ما أنْتُمْ مُلْقُونَ﴾ ﴿فَلَمّا ألْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ﴾ ﴿ويُحِقُّ اللَّهُ الحَقَّ بِكَلِماتِهِ ولَوْ كَرِهَ المُجْرِمُونَ﴾ جُمْلَةُ ﴿وقالَ فِرْعَوْنُ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿قالُوا إنَّ هَذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [يونس: ٧٦]، فَهَذِهِ الجُمْلَةُ في حُكْمِ جَوابٍ ثانٍ لِحَرْفِ (لَمّا) حُكِيَ أوَّلًا ما تَلَقّى بِهِ فِرْعَوْنُ ومَلَؤُهُ دَعْوَةَ مُوسى ومُعْجِزَتَهُ مَن مَنعِ أنْ يَكُونَ ما جاءَ بِهِ تَأْيِيدًا مِن عِنْدِ اللَّهِ. ثُمَّ حُكِيَ ثانِيًا ما تَلَقّى بِهِ فِرْعَوْنُ خاصَّةً تِلْكَ الدَّعْوَةَ مِن مُحاوَلَةِ تَأْيِيدِ قَوْلِهِمْ ﴿إنَّ هَذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [يونس: ٧٦] لِيُثْبِتُوا أنَّهم قادِرُونَ عَلى الإتْيانِ بِمِثْلِها مِمّا تَحْصِيلُ أسْبابِهِ مِن خَصائِصِ فِرْعَوْنَ، لِما فِيهِ مِنَ الأمْرِ لِخاصَّةِ الأُمَّةِ بِالِاسْتِعْدادِ لِإبْطالِ ما يُخْشى مِنهُ. والمُخاطَبُ بِقَوْلِهِ: ”ائْتُونِي“ هم مَلَأُ فِرْعَوْنَ وخاصَّتُهُ الَّذِينَ بِيَدِهِمْ تَنْفِيذُ أمْرِهِ. وأمَرَ بِإحْضارِ جَمِيعِ السَّحَرَةِ المُتَمَكِّنِينَ في عِلْمِ السِّحْرِ لِأنَّهم أبْصَرُ بِدَقائِقِهِ، وأقْدَرُ عَلى إظْهارِ ما يَفُوقُ خَوارِقَ مُوسى في زَعْمِهِ، فَحُضُورُهم مُغْنٍ عَنْ حُضُورِ السَّحَرَةِ الضُّعَفاءِ في عِلْمِ السِّحْرِ لِأنَّ عَمَلَهم مَظِنَّةُ أنْ لا يُوازِيَ ما أظْهَرُهُ مُوسى مِنَ المُعْجِزَةِ فَإذا أتَوْا بِما هو دُونَ مُعْجِزَةِ مُوسى كانَ ذَلِكَ مُرَوِّجًا لِدَعْوَةِ مُوسى بَيْنَ دَهْماءِ الأُمَّةِ. والعُمُومُ في قَوْلِهِ: ﴿بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ﴾ عُمُومٌ عُرْفِيٌّ، أيْ بِكُلِّ ساحِرٍ تَعْلَمُونَهُ وتَظْفَرُونَ بِهِ، أوْ أُرِيدَ بِكُلِّ مَعْنى الكَثْرَةَ، كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ: ﴿ولَئِنْ أتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ﴾ [البقرة: ١٤٥] في سُورَةِ البَقَرَةِ. وجُمْلَةُ ﴿فَلَمّا جاءَ السَّحَرَةُ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿وقالَ فِرْعَوْنُ﴾، عَطَفَ مَجِيءَ السَّحَرَةِ وقَوْلَ مُوسى لَهم عَلى جُمْلَةِ قالَ فِرْعَوْنُ بِفاءِ التَّعْقِيبِ لِلدَّلالَةِ عَلى الفَوْرِ في إحْضارِهِمْ وهو تَعْقِيبٌ بِحَسْبِ المُتَعارَفِ في الإسْراعِ بِمِثْلِ الشَّيْءِ المَأْمُورِ (p-٢٥٤)بِهِ، والمَعْطُوفُ في المَعْنى مَحْذُوفٌ لِأنَّ الَّذِي يَعْقُبُ قَوْلَهُ: ﴿ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ﴾ هو إتْيانُهم بِهِمْ، ولَكِنَّ ذَلِكَ لِقِلَّةِ جَدْواهُ في الغَرَضِ الَّذِي سِيقَتِ القِصَّةُ لِأجْلِهِ حُذِفَ اسْتِغْناءً عَنْهُ بِما يَقْتَضِيهِ ويَدُلُّ عَلَيْهِ دَلالَةً عَقْلِيَّةً ولَفْظِيَّةً مِن قَوْلِهِ: جاءَ السَّحَرَةُ عَلى طَرِيقَةِ الإيجازِ. والتَّقْدِيرُ: فَأتَوْهُ بِهِمْ فَلَمّا جاءُوا قالَ لَهم مُوسى. والتَّعْرِيفُ في السَّحَرَةِ تَعْرِيفُ العَهْدِ الذِّكْرِيِّ. وإنَّما أمَرَهم مُوسى بِأنْ يَبْتَدِئُوا بِإلْقاءِ سِحْرِهِمْ إظْهارًا لِقُوَّةِ حُجَّتِهِ لِأنَّ شَأْنَ المُبْتَدِئِ بِالعَمَلِ المُتَبارِي فِيهِ أنْ يَكُونَ أمْكَنَ في ذَلِكَ العَمَلِ مِن مُبارِيهِ، ولا سِيَّما الأعْمالِ الَّتِي قِوامُها التَّمْوِيهُ والتَّرْهِيبُ، والَّتِي يَتَطَلَّبُ المُسْتَنْصِرُ فِيها السَّبْقَ إلى تَأثُّرِ الحاضِرِينَ وإعْجابِهِمْ، وقَدْ ذَكَرَ القُرْآنُ في آياتٍ أُخْرى أنَّ السَّحَرَةَ خَيَّرُوا مُوسى بَيْنَ أنْ يَبْتَدِئَ هو بِإظْهارِ مُعْجِزَتِهِ وبَيْنَ أنْ يَبْتَدِئُوا، وأنَّ مُوسى اخْتارَ أنْ يَكُونُوا المُبْتَدِئِينَ. وفَعْلُ الأمْرِ في قَوْلِهِ: ﴿ألْقُوا ما أنْتُمْ مُلْقُونَ﴾ مُسْتَعْمَلٌ في التَّسْوِيَةِ المُرادُ مِنها الِاخْتِيارُ وإظْهارُ قِلَّةِ الِاكْتِراثِ بِأحَدِ الأمْرَيْنِ. والإلْقاءُ: رَمْيُ شَيْءٍ في اليَدِ إلى الأرْضِ. وإطْلاقُ الإلْقاءِ عَلى عَمَلِ السِّحْرِ لِأنَّ أكْثَرَ تَصارِيفِ السَّحَرَةِ في أعْمالِهِمُ السِّحْرِيَّةِ يَكُونُ بِرَمْيِ أشْياءَ إلى الأرْضِ. وقَدْ ورَدَ في آياتٍ كَثِيرَةٍ أنَّهم ألْقَوْا حِبالَهم وعِصِيَّهم، وأنَّها يُخَيَّلُ مِن سِحْرِهِمْ أنَّها تَسْعى، وكانَ مُنْتَهى أعْمالِ السّاحِرِ أنْ يُخَيِّلَ الجَمادَ حَيًّا. و﴿ما أنْتُمْ مُلْقُونَ﴾ قُصِدَ بِهِ التَّعْمِيمُ البَدَلِيُّ، أيَّ شَيْءٍ تُلْقُونَهُ، وهَذا زِيادَةٌ في إظْهارِ عَدَمِ الِاكْتِراثِ بِمَبْلَغِ سِحْرِهِمْ، وتَهْيِئَةٍ لِلْمَلَأ الحاضِرِينَ أنْ يَعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ مُبْطِلٌ سِحْرَهم عَلى يَدِ رَسُولِهِ. ولا يُشْكِلُ أنْ يَأْمُرَهم مُوسى بِإلْقاءِ السِّحْرِ بِأنَّهُ أمَرَ بِمَعْصِيَةٍ لِأنَّ القَوْمَ كانُوا كافِرِينَ والكافِرُ غَيْرُ مُخاطَبٍ بِالشَّرائِعِ الإلَهِيَّةِ، ولِأنَّ المَقْصُودَ مِنَ الأمْرِ بِإلْقائِهِ (p-٢٥٥)إظْهارُ بُطْلانِهِ فَذَلِكَ بِمَنزِلَةِ تَقْرِيرِ شُبْهَةِ المُلْحِدِ مِمَّنْ يَتَصَدّى لِإبْطالِها بَعْدَ تَقْرِيرِها مِثْلُ طَرِيقَةِ عَضُدِ الدِّينِ الأيْجِي في كِتابِهِ المَواقِفِ. وقَدْ طُوِيَ ذِكْرُ صُورَةِ سِحْرِهِمْ في هَذِهِ الآيَةِ؛ لِأنَّ الغَرَضَ مِنَ العِبْرَةِ في هَذِهِ الآيَةِ وصْفُ إصْرارِ فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ عَلى الإعْراضِ عَنِ الدَّعْوَةِ، وما لَقِيَهُ المُسْتَضْعَفُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِمُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - مِنِ اعْتِلاءِ فِرْعَوْنَ عَلَيْهِمْ وكَيْفَ نَصَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ والمُسْتَضْعَفِينَ مَعَهُ، وكَيْفَ كانَتْ لَهُمُ العاقِبَةُ الحُسْنى ولِمَن كَفَرُوا عاقِبَةُ السُّوءِ، لِيَكُونُوا مَثَلًا لِلْمُكَذِّبِينَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ ولِذَلِكَ لَمْ يُعَرِّجُ بِالذِّكْرِ إلّا عَلى مَقالَةِ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - حِينَ رَأى سِحْرَهُمُ الدّالَّةِ عَلى يَقِينِهِ بِرَبِّهِ ووَعْدِهِ، وبِأنَّ العاقِبَةَ لِلْحَقِّ. وذَلِكَ أهَمُّ في هَذا المَقامِ مِن ذِكْرِ انْدِحاضِ سِحْرِهِمْ تِجاهَ مُعْجِزَةِ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ -، ولِأجْلِ هَذا لَمْ يُذْكَرْ مَفْعُولَ ألْقَوْا لِتَنْزِيلِ فِعْلِ ألْقُوا مَنزِلَةَ اللّازِمِ، لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الغَرَضِ بِبَيانِ مَفْعُولِهِ. ومَعْنى جِئْتُمْ بِهِ أظْهَرْتُمُوهُ لَنا، فالمَجِيءُ قَدِ اسْتُعْمِلَ مَجازًا في الإظْهارِ؛ لِأنَّ الَّذِي يَجِيءُ بِالشَّيْءِ يُظْهِرُهُ في المَكانِ الَّذِي جاءَهُ، فالمُلازَمَةُ عُرْفِيَّةٌ. ولَيْسَ المُرادُ أنَّهم جاءُوا مِن بِقاعٍ أُخْرى مُصاحِبِينَ لِلسِّحْرِ؛ لِأنَّهُ وإنْ كانَ كَثِيرٌ مِنَ السَّحَرَةِ أوْ كُلُّهم قَدْ أقْبَلُوا مِن مُدُنٍ عَدِيدَةٍ، غَيْرَ أنَّ ذَلِكَ التَّقْدِيرَ لا يَطَّرِدُ في كُلِّ ما يُعَبَّرُ فِيهِ بِنَحْوِ: جاءَ بِكَذا، فَإنَّهُ وإنِ اسْتَقامَ في نَحْوِ ﴿وجاءُوا عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ [يوسف: ١٨] لا يَسْتَقِيمُ في نَحْوِ ﴿إنَّ الَّذِينَ جاءُوا بِالإفْكِ﴾ [النور: ١١] ونَظْمُ الكَلامِ عَلى هَذا الأُسْلُوبِ بِجَعْلِ ما جِئْتُمْ مُسْنَدًا إلَيْهِ دُونَ أنْ يُجْعَلَ مَفْعُولًا لِفِعْلِ سَيُبْطِلُهُ، وبِجَعْلِهِ اسْمًا مُبْهَمًا، ثُمَّ تَفْسِيرِهِ بِجُمْلَةِ جِئْتُمْ بِهِ ثُمَّ بَيانِهِ بِعَطْفِ البَيانِ لِقَصْدِ الِاهْتِمامِ بِذِكْرِهِ والتَّشْوِيقِ إلى مَعْرِفَةِ الخَبَرِ، وهو جُمْلَةُ إنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ثُمَّ مَجِيءُ ضَمِيرِ السِّحْرِ مَفْعُولًا لِفِعْلِ سَيُبْطِلُهُ، كُلُّ ذَلِكَ إطْنابٌ وتَخْرِيجٌ عَلى خِلافِ مُقْتَضى الظّاهِرِ، لِيَتَقَرَّرَ الإخْبارُ بِثُبُوتِ حَقِيقَةٍ في السِّحْرِ لَهُ ويَتَمَكَّنُ في أذْهانِ السّامِعِينَ فَضْلُ تَمَكُّنٍ ويَقَعُ الرُّعْبُ في نُفُوسِهِمْ. (p-٢٥٦)وقَوْلُهُ: السِّحْرُ قَرَأهُ الجُمْهُورُ بِهَمْزَةِ وصْلٍ في أوَّلِهِ هي هَمْزَةُ ال، فَتَكُونُ ما في قَوْلِهِ: ما جِئْتُمْ بِهِ اسْمٌ مَوْصُولٌ، والسَّحَرُ عَطْفُ بَيانٍ لِاسْمِ المَوْصُولِ. وقَرَأهُ أبُو عَمْرٍو، وأبُو جَعْفَرٍ ”آلسِّحْرَ“ بِهَمْزَةِ اسْتِفْهامٍ في أوَّلِهِ وبِالمَدِّ لِتَسْهِيلِ الهَمْزَةِ الثّانِيَةِ، فَتَكُونُ (ما) في قَوْلِهِ: ما جِئْتُمْ بِهِ اسْتِفْهامِيَّةً ويَكُونُ ”آلسِّحْرَ“ اسْتِفْهامًا مُبَيِّنًا لِـ ما الِاسْتِفْهامِيَّةِ. وهو مُسْتَعْمَلٌ في التَّحْقِيرِ. والمَعْنى: أنَّهُ أمْرٌ هَيِّنٌ يَسْتَطِيعُهُ ناسٌ كَثِيرُونَ. وإنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ خَبَرُ ما المَوْصُولَةِ عَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ، واسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ عَلى قِراءَةِ أبِي عَمْرٍو ومَن وافَقَهُ وتَأْكِيدُ الخَبَرِ بِـ إنَّ زِيادَةٌ في إلْقاءِ الرَّوْعِ في نُفُوسِهِمْ. وإبْطالُهُ: إظْهارُ أنَّهُ تَخْيِيلٌ لَيْسَ بِحَقِيقَةٍ؛ لِأنَّ إظْهارَ ذَلِكَ إبْطالٌ لِما أُرِيدَ مِنهُ، أيْ إنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُ تَأْثِيرَهُ عَلى النّاسِ بِفَضْحِ سَرِّهِ، وأشارَتْ عَلّامَةُ الِاسْتِقْبالِ إلى قُرْبِ إبْطالِهِ، وقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ العِلْمُ لِمُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِطَرِيقِ الوَحْيِ الخاصِّ في تِلْكَ القَضِيَّةِ، أوِ العامِّ بِانْدِراجِهِ تَحْتَ قاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ، وهي مَدْلُولُ ﴿إنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ﴾ فَجُمْلَةُ ﴿إنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ﴾ مُعْتَرِضَةٌ، وهي تَعْلِيلٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ ﴿إنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ﴾، وتَذْيِيلٌ لِلْكَلامِ بِما فِيهِ نَفْيُ الإصْلاحِ. وتَعْرِيفُ المُفْسِدِينَ بِلامِ الجِنْسِ، مِنَ التَّعْمِيمِ في جِنْسِ الإصْلاحِ المَنفِيِّ وجِنْسِ المُفْسِدِينَ لِيُعْلَمَ أنَّ سِحْرَهم هو مِن قَبِيلِ عَمَلِ المُفْسِدِينَ، وإضافَةُ عَمَلَ إلى المُفْسِدِينَ يُؤْذِنُ بِأنَّهُ عَمَلٌ فاسِدٌ؛ لِأنَّهُ فِعْلُ مَن شَأْنُهُمُ الإفْسادُ فَيَكُونُ نَسْجًا عَلى مِنوالِهِمْ وسِيرَةً عَلى مُعْتادِهِمْ، والمُرادُ بِإصْلاحِ عَمَلِ المُفْسِدِينَ الَّذِي نَفاهُ أنَّهُ لا يُؤَيِّدُهُ. ولَيْسَ المُرادُ نَفْيَ تَصْيِيرِهِ صالِحًا؛ لِأنَّ ماهِيَّةَ الإفْسادِ لا تَقْبَلُ أنْ تَصِيرَ صَلاحًا حَتّى يُنْفى تَصْيِيرُها كَذَلِكَ عَنِ اللَّهِ، وإنَّما إصْلاحُها هو إعْطاؤُها الصَّلاحَ، فَإذا نَفى اللَّهُ إصْلاحَها فَذَلِكَ بِتَرْكِها وشَأْنِها، ومِن شَأْنِ الفَسادِ أنْ يَتَضاءَلَ مَعَ الزَّمانِ حَتّى يَضْمَحِلَّ. (p-٢٥٧)ولَمّا قُدِّمَ قَوْلُهُ: ﴿إنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ﴾ عُلِمَ أنَّ المُرادَ مِن نَفْيِ إصْلاحِهِ تَسْلِيطُ أسْبابِ بُطْلانِهِ عَلَيْهِ حَتّى يَبْطُلَ تَأْثِيرُهُ، وأنَّ عَدَمَ إصْلاحِ أعْمالِ أمْثالِهِمْ هو إبْطالُ أغْراضِهِمْ مِنها كَقَوْلِهِ - تَعالى: ﴿ويُبْطِلَ الباطِلَ﴾ [الأنفال: ٨] أيْ يُظْهِرَ بُطْلانَهُ. وإنَّما كانَ السَّحَرَةُ مُفْسِدِينَ لِأنَّ قَصْدَهم تَضْلِيلُ عُقُولِ النّاسِ لِيَكُونُوا مُسَخَّرِينَ لَهم ولا يَعْلَمُوا أسْبابَ الأشْياءِ فَيَبْقُوا آلَةً فِيما تَأْمُرُهُمُ السَّحَرَةُ، ولا يَهْتَدُوا إلى إصْلاحِ أنْفُسِهِمْ سَبِيلًا. أمّا السَّحَرَةُ الَّذِينَ خاطَبَهم مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَإفْسادُهم أظْهَرُ لِأنَّهم يُحاوِلُونَ إبْطالَ دَعْوَةِ الحَقِّ والدِّينِ القَوِيمِ وتَرْوِيجِ الشِّرْكِ والضَّلالاتِ. وجُمْلَةُ ﴿ويُحِقُّ اللَّهُ الحَقَّ﴾ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿إنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ﴾ أيْ سَيُبْطِلُهُ ويُحِقُّ الحَقَّ، أيْ يُثْبِتُ المُعْجِزَةَ. والإحْقاقُ: التَّثْبِيتُ. ومِنهُ سُمِّيَ الحَقُّ حَقًّا لِأنَّهُ الثّابِتُ. وإظْهارُ اسْمِ الجَلالَةِ في هَذِهِ الجُمْلَةِ مَعَ أنَّ مُقْتَضى الظّاهِرِ الإضْمارُ لِقَصْدِ تَرْبِيَةِ المَهابَةِ في نُفُوسِهِمْ. والباءُ في بِكَلِماتِهِ لِلسَّبَبِيَّةِ. والكَلِماتُ: مُسْتَعارَةٌ لِتَعَلُّقِ قُدْرَتِهِ - تَعالى - بِالإيجادِ وهو التَّعَلُّقُ المُعَبَّرُ عَنْهُ بِالتَّكْوِينِ الجارِي عَلى وفْقِ إرادَتِهِ وعَلى وفْقِ عِلْمِهِ. وهي اسْتِعارَةٌ رَشِيقَةٌ؛ لِأنَّ ذَلِكَ التَّعَلُّقَ يُشْبِهُ الكَلامَ في أنَّهُ يَنْشَأُ عَنْهُ إدْراكُ مَعْنًى ويَدُلُّ عَلى إرادَةِ المُتَكَلِّمِ، وعَلى عِلْمِهِ. وجُمْلَةُ ﴿ولَوْ كَرِهَ المُجْرِمُونَ﴾ في مَوْضِعِ الحالِ، ولَوْ وصْلِيَةٌ، وهي تَقْتَضِي أنَّ الحالَةَ الَّتِي بَعْدَها غايَةٌ فِيما يُظَنُّ فِيهِ تَخَلُّفُ حُكْمِ ما قَبْلَها، كَما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى: ﴿ولَوِ افْتَدى بِهِ﴾ [آل عمران: ٩١] في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ، فَيَكُونُ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الأحْوالِ أجْدَرَ وأوْلى بِتَحْقِيقِ الحُكْمِ السّابِقِ مَعَهُ. وإنَّما كانَتْ كَراهِيَةُ المُجْرِمِينَ إحْقاقَ الحَقِّ غايَةً لِما يُظَنُّ فِيهِ تَخَلُّفَ الإحْقاقِ لِأنَّ تِلْكَ الكَراهِيَةَ مِن شَأْنِها أنْ تَبْعَثَهم عَلى (p-٢٥٨)مُعارَضَةِ الحَقِّ الَّذِي يَسُوءُهم ومُحاوَلَةِ دَحْضِهِ وهم جَماعَةٌ أقْوِياءُ يَصْعُبُ عَلَيْهِمُ الصَّعْبُ فَأعْلَمَهم أنَّ اللَّهَ خاذِلُهم. وأرادَ بِالمُجْرِمِينَ فِرْعَوْنَ ومَلَأهُ فَعَدَلَ عَنْ ضَمِيرِ الخِطابِ إلى الِاسْمِ الظّاهِرِ لِما فِيهِ مِن وصْفِهِمْ بِالإجْرامِ تَعْرِيضًا بِهِمْ. وإنَّما لَمْ يُخاطِبْهم بِصِفَةِ الإجْرامِ بِأنْ يَقُولَ: وإنْ كَرِهْتُمْ أيُّها المُجْرِمُونَ عُدُولًا عَنْ مُواجَهَتِهِمْ بِالذَّمِّ، وُقُوفًا عِنْدَ أمْرِ اللَّهِ - تَعالى - إذْ قالَ لَهُ ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا﴾ [طه: ٤٤] فَأتى بِالقَضِيَّةِ في صُورَةِ قَضِيَّةٍ كُلِّيَّةٍ وهو يُرِيدُ أنَّهم مِن جُزْئِيّاتِها بِدُونِ تَصْرِيحٍ بِذَلِكَ. وهَذا بِخِلافِ مَقامِ النَّبِيءِ مُحَمَّدٍ ﷺ إذْ قالَ اللَّهُ لَهُ ﴿قُلْ أفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أعْبُدُ أيُّها الجاهِلُونَ﴾ [الزمر: ٦٤] لِأنَّ ذَلِكَ كانَ بَعْدَ تَكْرِيرِ دَعْوَتِهِمْ، ومُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - كانَ في ابْتِداءِ الدَّعْوَةِ. ولِأنَّ المُشْرِكِينَ كانُوا مُحاوِلِينَ مِنَ النَّبِيءِ أنْ يَعْبُدَ آلِهَتَهم، فَكانَ في مَقامِ الإنْكارِ بِأبْلَغِ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ، ومُوسى كانَ مُحاوِلًا فِرْعَوْنَ ومَلَأهُ أنْ يُؤْمِنُوا، فَكانَ في مَقامِ التَّرْغِيبِ بِاللِّينِ.


ركن الترجمة

So when the magicians arrived, Moses said to them: "Cast whatever (spell) you have to cast."

Puis, lorsque vinrent les magiciens, Moïse leur dit: «Jetez ce que vous avez à jeter».

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :