موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
السبت 2 ذو القعدة 1445 هجرية الموافق ل11 ماي 2024


الآية [222] من سورة  

نِسَآؤُكُمْ حَرْثٞ لَّكُمْ فَاتُواْ حَرْثَكُمُۥٓ أَنّ۪يٰ شِئْتُمْۖ وَقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُمْۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ وَاعْلَمُوٓاْ أَنَّكُم مُّلَٰقُوهُۖ وَبَشِّرِ اِ۬لْمُومِنِينَۖ


ركن التفسير

223 - (نساؤكم حرث لكم) أي محل زرعكم الولد (فأتوا حرثكم) أي محله وهو القبل (أنَّى) كيف (شئتم) من قيام وقعود واضطجاع وإقبال وإدبار ونزل ردا لقول اليهود: من أتى امرأته في قبلها أي من جهة دبرها جاء الولد أحول (وقدموا لأنفسكم) العمل الصالح كالتسمية عند الجماع (واتقوا الله) في أمره ونهيه (واعلموا أنكم ملاقوه) بالبعث فيجازيكم بأعمالكم (وبشر المؤمنين) الذين اتقوه بالجنة

وقوله "نساؤكم حرث لكم" قال ابن عباس: الحرث موضع الولد "فأتوا حرثكم أنى شئتم" أي كيف شئتم مقبلة ومدبرة في صمام واحد كما ثبتت بذلك الأحاديث قال البخاري: حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن ابن المنكدر قال سمعت جابرا قال: كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول فنزلت "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" ورواه مسلم وأبو داود من حديث سفيان الثوري به. وقال ابن أبي حاتم حدثنا يونس بن عبدالأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني مالك بن أنس وابن جريج وسفيان بن سعيد الثوري أن محمد بن المنكدر حدثهم أن جابر بن عبدالله أخبره أن اليهود قالوا للمسلمين من أتى امرأة وهي مدبرة جاء الولد أحول فأنزل الله "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" قال ابن جريج في الحديث. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج" وفي حديث بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه عن جده أنه قال: يا رسول الله: نساؤنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: "حرثك ائت حرثك أنى شئت غير أن لا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت" الحديث رواه أحمد وأهل السنن حديث آخر قال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس أخبرنا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عامر بن يحيى عن عبدالله بن حنش عن عبدالله بن عباس قال: أتى ناس من حمير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألوه عن أشياء فقال له رجل إني أجب النساء فكيف ترى في؟ فأنزل الله "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" ورواه الإمام أحمد حدثنا يحيى بن غيلان حدثنا رشدين حدثني الحسن بن ثوبان عن عامر بن يحيى المعافري عن حنش عن ابن عباس قال: أنزلت هذه الآية "نساؤكم حرث لكم" في أناس من الأنصار أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "ائتها على كل حال إذا كان في الفرج" "حديث آخر" قال أبو جعفر الطحاوي في كتابه مشكل الحديث حدثنا أحمد بن داود بن موسى حدثنا يعقوب بن كاسب حدثنا عبدالله بن نافع عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رجلا أصاب امرأة في دبرها فأنكر الناس عليه ذلك فأنزل الله "نساؤكم حرث لكم" الآية. ورواه ابن جرير عن يونس عن يعقوب ورواه الحافظ أبو يعلى الموصلي عن الحارث بن شريح عن عبدالله بن نافع به "حديث آخر" قال الإمام أحمد: حدثنا عفان حدثنا وهيب حدثنا عبيد الله بن عثمان بن خثيم عن عبدالله بن سابط قال: دخلت على حفصة بنت عبدالرحمن بن أبي بكر فقلت إني لسائلك عن أمر وأنا أستحيي أن أسألك قالت: فلا تستحي يا ابن أخي قال عن إتيان النساء في أدبارهن قالت: حدثتني أم سلمة أن الأنصار كانوا يجبون النساء وكانت اليهود تقول: إنه من أجبى امرأته كان ولده أحول فلما قدم المهاجرون المدينة نكحوا في نساء الأنصار فأجبوهن فأبت امرأة أن تطيع زوجها وقالت: لن تفعل ذلك حتى آتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخلت على أم سلمة فذكرت لها ذلك فقالت: اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - استحت الأنصارية أن تسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرجت فسألته أم سلمة فقال "ادعي الأنصارية" فدعتها فتلا عليها هذه الآية "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" صماما واحدا " ورواه الترمذي عن بندار عن ابن مهدي عن سفيان عن أبي خثيم به وقال حسن. "قلت" وقد روي من طريق حماد بن أبى حنيفة عن أبيه عن ابن خثيم عن يوسف بن ماهك عن حفصة أم المؤمنين أن امرأة أتتها فقالت: إن زوجي يأتيني مجبية ومستقبلة فكرهته فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لا بأس إذا كان في صمام واحد" "حديث آخر" قال الإمام أحمد: حدثنا حسن حدثنا يعقوب يعني القمي عن جعفر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله هلكت قال "وما الذي أهلكك" قال: حولت رحلي البارحة قال فلم يرد عليه شيئا قال فأوحى الله إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" "أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة" ورواه الترمذي عن عبد بن حميد عن حسن بن موسى الأشيب به وقال حسن غريب وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا الحارث بن شريح حدثنا عبدالله بن نافع حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد قال: أثفر رجل امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: أثفر فلان امرأته فأنزل الله عز وجل "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" قال أبو داود: حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ قال حدثني محمد يعني ابن سلمة عن محمد بن إسحق عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس قال: إن ابن عمر قال ـ والله يغفر له ـ أوهم وإنما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم فكانوا يقتدون كثيرا من فعلهم وكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف وذلك أستر ما تكون المرأة فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا منكرا ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني فسرى أمرهما فبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات يعني بذلك موضع الولد تفرد به أبو داود ويشهد له بالصحة ما تقدم له من الأحاديث ولا سيما رواية أم سلمة فإنها مشابهة لهذا السياق وقد روى هذا الحديث الحافظ أبو القاسم الطبراني من طريق محمد بن إسحق عن أبان بن صالح عن مجاهد قال: عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها حتى انتهيت إلى هذه الآية "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" فقال ابن عباس: إن هذا الحي من قريش كانوا يشرحون النساء بمكة ويتلذذون بهن فذكر القصة بتمام سياقها وقول ابن عباس إن ابن عمر الله ـ يغفر له ـ أوهم وكأنه يشير إلى ما رواه البخاري حدثنا إسحق حدثنا النضر بن شميل أخبرنا ابن عون عن نافع قال كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه فأخذت عنه يوما فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان قال: أتدري فيم أنزلت؟ قلت لا قال: أنزلت في كذا وكذا ثم مضى. وعن عبدالصمد قال: حدثني أبي حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر "فأتوا حرثكم أنى شئتم" قال: أن يأتيها في؟ هكذا رواه البخاري وقد تفرد به من هذا الوجه وقال ابن جرير حدثني يعقوب حدثنا ابن علية حدثنا ابن عون عن نفاع قال: قرأت ذات يوم "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" فقال ابن عمر أتدري فيم نزلت؟ قلت لا قال نزلت في إتيان النساء في أدبارهن. وحدثني أبو قلابة حدثنا عبدالصمد بن عبدالوارث حدثني أبي عن أيوب عن نافع عن ابن عمر "فأتوا حرثكم أنى شئتم" قال: في الدبر. وروي من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر ولا يصح وروى النسائي عن محمد بن عبدالله بن عبدالحكم عن أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن ابن عمر أن رجلا أتى امرأته في دبرها فوجد في نفسه من ذلك وجدا شديدا فأنزل الله "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" قال أبو حاتم الرازي: لو كان هذا عند زيد بن أسلم عن ابن عمر لما أولع الناس بنافع وهذا تعليل منه لهذا الحديث وقد رواه عبدالله بن نافع عن داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عمر فذكره وهذا الحديث محمول على ما تقدم وهو أنه يأتيها في قبلها من دبرها لما رواه النسائي عن علي بن عثمان النفيلي عن سعيد بن عيسى عن الفضل بن فضالة عن عبدالله بن سليمان الطويل عن كعب بن علقمة عن أبي النضر أنه أخبره أنه قال لنافع مولى ابن عمر إنه قد أكثر عليك القول إنك تقول عن ابن عمر إنه أفتى أن تؤتى النساء في أدبارهن قال: كذبوا علي ولكن سأحدثك كيف كان الأمر إن ابن عمر عرض المصحف يوما وأنا عنده حتى بلغ "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" فقال يا نافع هل تعلم من أمر هذه الآية؟ قلت: لا قال: إنا كنا معشر قريش نجبي النساء فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن مثل ما كنا نريد فآذاهن فكرهن ذلك وأعظمنه وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود إنما يؤتين على جنوبهن فأنزل الله "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" وهذا إسناد صحيح. وقد رواه ابن مردويه عن الطبراني عن الحسين بن إسحق عن زكريا بن يحيى الكاتب العمري عن مفضل بن فضالة عن عبدالله بن عياش عن كعب بن علقمة فذكره وقد روينا عن ابن عمر خلاف ذلك صريحا وأنه لا يباح ولا يحل كما سيأتي وإن كان قد نسب هذا القول إلى طائفة من فقهاء المدينة وغيرهم وعزاه بعضهم إلى الإمام مالك في كتاب السر وأكثر الناس ينكر أن يصح ذلك عن الإمام مالك رحمه الله. وقد وردت الأحاديث المروية من طرق متعددة بالزجر عن فعله وتعاطيه. فقال الحسن بن عرفة حدثنا إسماعيل بن عياش عن سهيل بن أبي صالح عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "استحيوا إن الله لا يستحيي من الحق لا يحل أن تأتوا النساء في حشوشهن" وقال الإمام أحمد: حدثنا عبدالرحمن حدثنا سفيان عن عبدالله بن شداد عن خزيمة بن ثابت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يأتي الرجل امرأته في دبرها "طريق أخرى" قال أحمد: حدثنا يعقوب سمعت أبي يحدث عن يزيد بن عبدالله بن أسامة بن الهاد أن عبيد الله بن الحسين الوالبي حدثه أن عبدالله الواقفي حدثه أن خزيمة بن ثابت الخطمي حدثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "استحيوا إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن". رواه النسائي وابن ماجه من طرق عن خزيمة بن ثابت وفي إسناده اختلاف كثير "حديث آخر" قال أبو عيسى الترمذي والنسائي حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو خالد الأحمر عن الضحاك بن عثمان عن مخرمة بن سليمان عن كريب عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في الدبر" ثم قال الترمذي هذا حديث حسن غريب وهكذا أخرجه ابن حبان في صحيحه وصححه ابن حزم أيضا ولكن رواه النسائي أيضا عن هناد عن وكيع عن الضحاك به موقوفا. وقال عبد أخبرنا عبدالرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه أن رجلا سأل ابن عباس عن إتيان المرأة في دبرها قال: تسألني عن الكفر إسناده صحيح وكذا رواه النسائي من طريق ابن المبارك عن معمر به نحوه وقال عبد أيضا في تفسيره: حدثنا إبراهيم بن الحاكم عن أبيه عن عكرمة قال: جاء رجل إلى ابن عباس وقال: كنت آتي أهلي في دبرها وسمعت قول الله "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" فظننت أن ذلك لي حلال فقال: يا لكع إنما قوله "فأتوا حرثكم أنى شئتم" قائمة وقاعدة ومقبلة ومدبرة في أقبالهن لا تعدوا ذلك إلى غيره "حديث آخر" قال الإمام أحمد: حدثنا عبدالصمد حدثنا همام حدثنا قتادة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى" وقال عبدالله بن أحمد: حدثني هدبة حدثنا همام قال: سئل قتادة عن الذي يأتي امرأته في دبرها فقال قتادة: أخبرنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال "هي اللوطية الصغرى" قال قتادة وحدثني عقبة بن وساج عن أبي الدرداء قال: وهل يفعل ذلك إلا كافر؟ وقد روى هذا الحديث يحيى بن سعيد القطان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي أيوب عن عبدالله بن عمرو بن العاص قوله وهذا أصح والله أعلم وكذلك رواه عبد بن حميد عن يزيد بن هرون عن حميد الأعرج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبدالله بن عمرو موقوفا من قوله "طريق أخرى" قال جعفر الفريابي حدثنا قتيبة حدثنا ابن لهيعة عن عبدالرحمن بن زياد بن أنعم عن أبي عبدالرحمن الحبلي عن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ويقول ادخلوا النار مع الداخلين: الفاعل والمفعول به والناكح يده وناكح البهيمة وناكح المرأة في دبرها وجامع بين المرأة وابنتها والزاني بحليلة جاره ومؤذي جاره حتى يلعنه" ابن لهيعة وشيخه ضعيفان "حديث آخر" قال الإمام أحمد حدثنا عبدالرزاق أخبرنا سفيان عن عاصم عن عيسى بن حطان عن مسلم بن سلام عن علي بن طلق قال نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تؤتى النساء في أدبارهن فإن الله لا يستحيي من الحق وأخرجه أحمد أيضا عن أبي معاوية وأبو عيسى الترمذي من طريق أبي معاوية أيضا عن عاصم الأحول به وفيه زيادة وقال: هو حديث حسن ومن الناس من يورد هذا الحديث في مسند علي بن أبي طالب كما وقع في مسند الإمام أحمد بن حنبل والصحيح أنه علي بن طلق "حديث آخر" قال الإمام أحمد: حدثنا عبدالرزاق أخبرنا معمر عن سهيل بن أبي صالح عن الحارث بن مخلد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن الذي يأتي امرأته في دبرها لا ينظر الله إليه" وقال أحمد أيضا: حدثنا عفان حدثنا وهيب حدثنا سهيل عن الحارت بن مخلد عن أبي هريرة يرفعه قال "لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها" وكذا رواه ابن ماجه من طريق سهيل وقال أحمد أيضا: حدثنا وكيع عن سهيل بن أبي صالح عن الحارث بن مخلد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ملعون من أتى امرأته في دبرها" وهكذا رواه أبو داود والنسائي من طريق وكيع به "طريق أخرى". قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني أخبرنا أحمد بن القاسم بن الريان حدثنا أبو عبدالرحمن النسائي حدثنا هناد ومحمد بن إسماعيل واللفظ له قالا: حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - "ملعون من أتى امرأة في دبرها" ليس هذا الحديث هكذا في سنن النسائي وإنما الذي فيه عن سهيل عن الحارث بن مخلد كما تقدم: قال شيخنا الحافظ أبو عبدالله الذهبي: ورواية أحمد بن القاسم بن الريان هذا الحديث بهذا السند وهم منه وقد ضعفوه "طريق أخرى" رواها مسلم بن خالد الزنجي عن العلاء بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى عليه وعلى آله وسلم قال "ملعون من أتى النساء في أدبارهن" ومسلم بن خالد فيه كلام والله أعلم "طريق أخرى" رواها الإمام أحمد وأهل السنن من حديث حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال "من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد" وقال الترمذي: ضعف البخاري هذا الحديث والذي قاله البخاري في حديث الترمذي عن أبي تميمة لا يتابع على حديثه "طريق أخرى" قال النسائي: حدثنا عثمان بن عبدالله حدثنا سليمان بن عبدالرحمن من كتابه عن عبدالملك بن محمد الصنعاني عن سعيد بن عبدالعزيز عن الزهري عن أبي سلمة - رضي الله عنه - عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "استحيوا من الله حق الحياء لا تأتوا النساء في أدبارهن" تفرد به النسائي من هذا الوجه. قال حمزة بن محمد الكناني الحافظ هذا حديث منكر باطل من حديث الزهري ومن حديث أبي سلمة ومن حديث سعيد فإن كان عبدالملك سمعه من سعيد فإنما سمعه بعد الاختلاط وقد رواه الترمذي عن أبي سلمة أنه كان ينهى عن ذلك فأما عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا انتهى كلامه وقد أجاد وأحسن الانتقاد إلا أن عبدالملك بن محمد الصنعاني لا يعرف أنه اختلط ولم يذكر ذلك أحد غير حمزة عن الكناني وهو ثقة ولكن تكلم فيه دحيم وأبو حاتم وابن حبان وقال: لا يجوز الاحتجاج به والله أعلم. وقد تابعه زيد بن يحيى بن عبيد عن سعيد بن عبدالعزيز. وروي من طريقين آخرين عن أبي سلمة ولا يصح منها شيء "طريق أخرى" قال النسائي: حدثنا إسحق بن منصور حدثنا عبدالرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن أبي هريرة قال: إتيان الرجال النساء في أدبارهن كفر. ثم رواه عن بندار عن عبدالرحمن به قال: من أتى امرأة في دبرها وتلك كفر هكذا رواه النسائي من طريق الثوري عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة موقوفا. وكذا رواه من طريق علي بن نديمة عن مجاهد عن أبي هريرة موقوفا ورواه بكر بن خنيس عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "من أتى شيئا من الرجال والنساء في الأدبار فقد كفر" والموقوف أصح وبكر بن خنيس ضعفه غير واحد من الأئمة وتركه آخرون "حديث آخر" قال: قال محمد بن أبان البلخي حدثنا وكيع حدثني زمعة بن صالح عن ابن طاوس عن أبيه وعن عمرو بن دينار عن عبدالله بن زيد بن الهاد قالا: قال عمر بن الخطاب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن" وقد رواه النسائي حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني عن عثمان بن اليمان عن زمعة بن صالح عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن الهاد عن عمر قال: لا تأتوا النساء في أدبارهن. وحدثنا إسحق بن إبراهيم حدثنا زيد بن أبي حكيم عن زمعة بن صالح عن عمرو بن دينار عن طاوس عن عبدالله بن الهاد الليثي قال: قال عمر - رضي الله عنه - استحيوا من الله فإن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن والموقوف أصح "حديث آخر" قال الإمام أحمد: حدثنا غندر ومعاذ بن معاذ قالا: حدثنا شعبة عن عاصم الأحول عن عيسى بن حطان عن مسلم بن سلام عن طلق بن يزيد أو يزيد بن طلق عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في أستاههن" وكذا رواه غير واحد عن شعبة ورواه عبدالرزاق عن معمر عن عاصم الأحول عن عيسى بن حطان عن مسلم بن سلام عن طلق بن علي والأشبه أنه علي بن طلق كما تقدم والله أعلم "حديث آخر" قال أبو بكر الأثرم في سننه: حدثنا أبو مسلم الجرمي حدثنا أخو أنيس بن إبراهيم أن أباه إبراهيم بن عبدالرحمن بن القعقاع أخبره عن أبيه أبي القعقاع عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "محاش النساء حرام". وقد رواه إسماعيل بن علية وسفيان الثوري وشعبة وغيرهم عن أبي عبدالله الشقري واسمه سلمة بن تمام ثقة عن أبي القعقاع عن ابن مسعود موقوفا وهو أصح "طريق أخرى" قال ابن عدي حدثنا أبو عبدالله المحاملي حدثنا سعيد بن يحيى الثوري حدثنا محمد بن حمزة عن زيد بن رفيع عن أبي عبيدة عن عبدالله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لا تأتوا النساء في أعجازهن" محمد بن حمزة وهو الجزري وشيخه فيهما مقال. وقد روي من حديث أبي بن كعب والبراء بن عازب وعقبة بن عامر وأبي ذر وغيرهم وفي كل منها مقال لا يصح معه الحديث والله أعلم. وقال الثوري عن الصلت بن بهرام عن أبي المعتمر عن أبي جويرة قال: سأل رجل عليا عن إتيان امرأة في دبرها فقالت: سفلت سفل الله بك ألم تسمع قول الله عز وجل "أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين" وقد تقدم قول ابن مسعود وأبي الدرداء وأبي هريرة وابن عباس وعبدالله بن عمرو في تحريم ذلك وهو الثابت بلا شك عن عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه يحرمه. قال أبو محمد عبدالرحمن بن عبدالله الدارمي في مسنده حدثنا عبدالله بن صالح حدثنا الليث عن الحارث بن يعقوب عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال: قلت لابن عمر ما تقول في الجواري أيحمض لهن؟ قال: وما التحميض؟ فذكر الدبر فقال: وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين؟ وكذا رواه ابن وهب وقتيبة عن الليث به وهذا إسناد صحيح ونص صريح منه بتحريم ذلك فكل ما ورد عنه مما يحتمل ويحتمل فهو مردود إلى هذا الحكم قال ابن جرير: حدثني عبدالرحمن بن عبدالرحمن بن عبدالله بن عبدالحكم حدثنا أبو زيد أحمد بن عبدالرحمن بن أحمد بن أبي العمر حدثني عبدالرحمن بن القاسم عن مالك بن أنس أنه قيل له يا أبا عبدالله إن الناس يروون عن سالم بن عبدالله أنه قال: كذب العبد أو العلج على أبي عبدالله قال مالك: أشهد على يزيد بن رومان أنه أخبرني عن سالم بن عبدالله عن ابن عمر مثل ما قال نافع فقيل له فإن الحارث بن يعقوب يروي عن أبي الحباب سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر فقال له يا أبا عبدالرحمن إنا نشتري الجواري أفنحمض لهن فقال وما التحميض؟ فذكر له الدبر فقال ابن عمر: أف أف وهل يفعل ذلك مؤمن أو قال مسلم؟ فقال مالك أشهد على ربيعة لأخبرني عن أبي الحباب عن ابن عمر مثل ما قال نافع. وروى النسائي عن الربيع بن سليمان عن أصبغ بن الفرج الفقيه حدثنا عبدالرحمن بن القاسم قال: قلت لمالك إن عندنا بمصر الليث بن سعد يحدث عن الحارث بن يعقوب عن سعيد بن يسار قال قلت لابن عمر إنا نشتري الجواري أفنحمض لهن؟ قال: وما التحميض؟ قلت: نأتيهن في أدبارهن فقال: أف أف أويعمل هذا مسلم؟ فقال لي مالك فأشهد على ربيعة لحدثني عن سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر فقال: لا بأس به وروى النسائي أيضا من طريق يزيد بن رومان عن عبيد الله بن عبدالله أن ابن عمر كان لا يرى بأسا أن يأتي الرجل المرأة في دبرها. وروى معمر بن عيسى عن مالك أن ذلك حرام. وقال أبو بكر بن زياد النيسابوري حدثني إسماعيل بن حسين حدثني إسرائيل بن روح سألت مالك بن أنس ما تقول في إتيان النساء في أدبارهن قال: ما أنتم إلا قوم عرب هل يكون الحرث إلا موضع الزرع؟ لا تعدوا الفرج قلت يا أبا عبدالله إنهم يقولون إنك تقول ذلك. قال يكذبون علي يكذبون علي فهذا هو الثابت عنه وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم قاطبة وهو قول سعيد بن المسيب وأبي سلمة وعكرمة وطاوس وعطاء وسعيد بن جبير وعروة بن الزبير ومجاهد بن جبر والحسن وغيرهم من السلف أنهم أنكروا ذلك أشد الإنكار ومنهم من يطلق على فعله الكفر وهو مذهب جمهور العلماء وقد حكي في هذا شيء عن بعض فقهاء المدينة حتى حكوه عن الإمام مالك وفي صحته نظر. قال الطحاوي: روى أصبغ بن الفرج عن عبدالرحمن بن القاسم قال: ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك أنه حلال يعني وطء المرأة في دبرها ثم قرأ "نساؤكم حرث لكم" ثم قال: فأي شيء أبين من هذا؟ هذه حكاية الطحاوي وقد روى الحاكم والدارقطني والخطيب البغدادي عن الإمام مالك من طرق ما يقتضي إباحة ذلك ولكن في الأسانيد ضعف شديد وقد استقصاها شيخنا الحافظ أبو عبدالله الذهبي في جزء جمعه في ذلك والله أعلم. وقال الطحاوي: حكى لنا محمد بن عبدالله بن عبدالحكم أنه سمع الشافعي يقول: ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تحليله ولا تحريمه شيء والقياس أنه حلال وقد روى ذلك أبو بكر الخطيب عن أبي سعيد الصيرفي عن أبي العباس الأصم سمعت محمد بن عبدالله بن عبدالحكم سمعت الشافعي يقول فذكره قال أبو نصر الصباغ: كان الربيع يحلف بالله الذي لا إله إلا هو لقد كذب ـ يعني ابن عبدالحكم ـ على الشافعي في ذلك لأن الشافعي نص على تحريمه في ستة كتب من كتبه والله أعلم. وقوله "وقدموا لأنفسكم" أي من فعل الطاعات مع امتثال ما أنهاكم عنه من ترك المحرمات ولهذا قال "واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه" أي فيحاسبكم على أعمالكم جميعها "وبشر المؤمنين" أي المطيعين لله فيما أمرهم التاركين ما عنه زجرهم. وقال ابن جرير: حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثني محمد بن كثير عن عبدالله بن واقد عن عطاء قال أراه عن ابن عباس "وقدموا لأنفسكم" قال: تقول بسم الله التسمية عند الجماع وقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبدا".

﴿نِساؤُكم حَرْثٌ لَكم فَأْتُوا حَرْثَكم أنّى شِئْتُمْ﴾ هَذِهِ الجُمْلَةُ تَذْيِيلٌ ثانٍ لِجُمْلَةِ ﴿فَأْتُوهُنَّ مِن حَيْثُ أمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢] قُصِدَ بِهِ الِارْتِفاقُ بِالمُخاطَبِينَ والتَّأنُّسُ لَهم لِإشْعارِهِمْ بِأنَّ مَنعَهم مِن قِرْبانِ النِّساءِ في مُدَّةِ المَحِيضِ مَنعٌ مُؤَقَّتٌ لِفائِدَتِهِمْ وأنَّ اللَّهَ (p-٣٧١)يَعْلَمُ أنَّ نِساءَهم مَحَلُّ تَعَهُّدِهِمْ ومُلابَسَتِهِمْ لَيْسَ مَنعُهم مِنهُنَّ في بَعْضِ الأحْوالِ بِأمْرٍ هَيِّنٍ عَلَيْهِمْ لَوْلا إرادَةُ حِفْظِهِمْ مِنَ الأذى، كَقَوْلِ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ لَمّا حَمى الحِمى: لَوْلا المالُ الَّذِي أحْمِلُ عَلَيْهِ في سَبِيلِ اللَّهِ ما حَمَيْتُ عَلَيْهِمْ مِن بِلادِهِمْ شِبْرًا إنَّها لَبِلادُهم. وتُعْتَبَرُ جُمْلَةُ ﴿نِساؤُكم حَرْثٌ﴾ مُقَدِّمَةً لِجُمْلَةِ ﴿فَأْتُوا حَرْثَكم أنّى شِئْتُمْ﴾ وفِيها مَعْنى التَّعْلِيلِ لِلْإذْنِ بِإتْيانِهِنَّ أنّى شاءُوا، والعِلَّةُ قَدْ تُجْعَلُ مُقَدِّمَةً فَلَوْ أُوثِرَ مَعْنى التَّعْلِيلِ لَأُخِّرَتْ عَنْ جُمْلَةِ ﴿فَأْتُوا حَرْثَكم أنّى شِئْتُمْ﴾ ولَكِنْ أُوثِرَ أنْ تَكُونَ مُقَدِّمَةً لِلَّتِي بَعْدَها لِأنَّهُ أحْكَمُ نَسِيجٍ نُظِمَ ولِتَتَأتّى عَقِبَهُ الفاءُ الفَصِيحَةُ. والحَرْثُ مَصْدَرُ حَرَثَ الأرْضَ إذا شَقَّها بِآلَةٍ تَشُقُّ التُّرابَ لِيُزْرَعَ في شُقُوقِهِ زَرِيعَةٌ أوْ تُغْرَسَ أشْجارٌ. وهو هَنا مُطْلَقٌ عَلى مَعْنى اسْمِ المَفْعُولِ. وإطْلاقُ الحَرْثِ عَلى المَحْرُوثِ وأنْواعِهِ إطْلاقٌ مُتَعَدِّدٌ فَيُطْلَقُ عَلى الأرْضِ المَجْعُولَةِ لِلزَّرْعِ أوِ الغَرْسِ، كَما قالَ تَعالى ﴿وقالُوا هَذِهِ أنْعامٌ وحَرْثٌ حِجْرٌ﴾ [الأنعام: ١٣٨] أيْ أرْضُ زَرْعٍ مَحْجُورَةٌ عَلى النّاسِ أنْ يَزْرَعُوها. وقالَ ﴿والخَيْلِ المُسَوَّمَةِ والأنْعامِ والحَرْثِ﴾ [آل عمران: ١٤] أيِ الجَنّاتِ والحَوائِطِ والحُقُولِ. وقالَ ﴿كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أنْفُسَهم فَأهْلَكَتْهُ﴾ [آل عمران: ١١٧] أيْ أهْلَكَتْ زَرْعَهم. وقالَ ﴿فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ أنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكم إنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ﴾ [القلم: ٢١] يَعْنُونَ بِهِ جَنَّتَهم أيْ صارِمِينَ عَراجِينَ التَّمْرِ. والحَرْثُ في هَذِهِ الآيَةِ مُرادٌ بِهِ المَحْرُوثُ بِقَرِينَةِ كَوْنِهِ مَفْعُولًا لِفِعْلِ ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ﴾ ولَيْسَ المُرادُ بِهِ المَصْدَرَ لِأنَّ المَقامَ يَنْبُو عَنْهُ، وتَشْبِيهُ النِّساءِ بِالحَرْثِ تَشْبِيهٌ لَطِيفٌ كَما شُبِّهَ النَّسْلُ بِالزَّرْعِ في قَوْلِ أبِي طالِبٍ في خِطْبَتِهِ خَدِيجَةَ لِلنَّبِيءِ ﷺ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنا مِن ذُرِّيَّةِ إبْراهِيمَ وزَرْعِ إسْماعِيلَ. والفاءُ في ﴿فَأْتُوا حَرْثَكم أنّى شِئْتُمْ﴾ فاءٌ فَصِيحَةٌ لِابْتِناءِ ما بَعْدَها عَلى تَقَرُّرِ أنَّ النِّساءَ حَرْثٌ لَهم، لا سِيَّما إذا كانُوا قَدْ سَألُوا عَنْ ذَلِكَ بِلِسانِ المَقالِ أوْ بِلِسانِ الحالِ. وكَلِمَةُ أنّى اسْمٌ لِمَكانٍ مُبْهَمٍ تُبَيِّنُهُ جُمْلَةٌ مُضافٌ هو إلَيْها، وقَدْ كَثُرَ اسْتِعْمالُهُ مَجازًا في مَعْنى كَيْفَ بِتَشْبِيهِ حالِ الشَّيْءِ بِمَكانِهِ، لِأنَّ كَيْفَ اسْمٌ لِلْحالِ المُبْهَمَةِ يُبَيِّنُها عامِلُها نَحْوَ كَيْفَ (p-٣٧٢)يَشاءُ وقالَ في لِسانِ العَرَبِ: إنَّ (أنّى) تَكُونُ بِمَعْنى (مَتى)، وقَدْ أُضِيفَ (أنّى) في هَذِهِ الآيَةِ إلى جُمْلَةِ شِئْتُمْ والمَشِيئاتُ شَتّى فَتَأوَّلَهُ كَثِيرٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ عَلى حَمْلِ (أنّى) عَلى المَعْنى المَجازِيِّ وفَسَّرُوهُ بِكَيْفَ شِئْتُمْ وهو تَأْوِيلُ الجُمْهُورِ الَّذِي عَضَّدُوهُ بِما رَوَوْهُ في سَبَبِ نُزُولِ الآيَةِ وفِيها رِوايَتانِ. إحْداهُما عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ والأُخْرى عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وتَأوَّلَهُ الضَّحّاكُ عَلى مَعْنى: مَتى شِئْتُمْ وتَأوَّلَهُ جَمْعٌ عَلى مَعْناهُ الحَقِيقِيِّ مِن كَوْنِهِ اسْمَ مَكانٍ مُبْهَمٍ، فَمِنهم مَن جَعَلُوهُ ظَرْفًا لِأنَّهُ الأصْلُ في أسْماءِ المَكانِ إذا لَمْ يُصَرَّحُ فِيها بِما يَصْرِفُ عَنْ مَعْنى الظَّرْفِيَّةِ وفَسَّرُوهُ بِمَعْنى: في أيِّ مَكانٍ مِنَ المَرْأةِ شِئْتُمْ وهو المَرْوِيُّ في صَحِيحِ البُخارِيِّ تَفْسِيرًا مِنِ ابْنِ عُمَرَ، ومِنهم مَن جَعَلُوهُ اسْمَ مَكانٍ غَيْرَ ظَرْفٍ وقَدَّرُوا أنَّهُ مَجْرُورٌ بِـ (مِن) فَفَسَّرُوهُ مِن أيِّ مَكانٍ أوْ جِهَةٍ شِئْتُمْ وهو يَئُولُ إلى تَفْسِيرِهِ بِمَعْنى كَيْفَ، ونَسَبَ القُرْطُبِيُّ هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ إلى سِيبَوَيْهِ. فالَّذِي يَتَبادَرُ مِن مَوْقِعِ الآيَةِ وتُساعِدُ عَلَيْهِ مَعانِي ألْفاظِها أنَّها تَذْيِيلٌ وارِدٌ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْ قِرْبانِ النِّساءِ في حالِ الحَيْضِ. فَتُحْمَلُ (أنّى) عَلى مَعْنى ”مَتى“ ويَكُونُ المَعْنى: فَأْتُوا نِساءَكم مَتى شِئْتُمْ إذا تَطَهَّرْنَ فَوِزانُها وِزانُ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وإذا حَلَلْتُمْ فاصْطادُوا﴾ [المائدة: ٢] بَعْدَ قَوْلِهِ ﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وأنْتُمْ حُرُمٌ﴾ [المائدة: ١] . ولا مُناسَبَةَ تَبْعَثُ لِصَرْفِ الآيَةِ عَنْ هَذا المَعْنى إلّا أنَّ ما طارَ بَيْنَ عُلَماءِ السَّلَفِ ومَن بَعْدَهم مِنَ الخَوْضِ في مَحامِلَ أُخْرى لِهَذِهِ الآيَةِ، وما رَوَوْهُ مِن آثارٍ في أسْبابِ النُّزُولِ يَضْطَرُّنا إلى اسْتِفْصالِ البَيانِ في مُخْتَلَفِ الأقْوالِ والمَحامِلِ مُقْتَنِعِينَ بِذَلِكَ، لِما فِيهِ مِن إشارَةٍ إلى اخْتِلافِ الفُقَهاءِ في مَعانِي الآيَةِ، وإنَّها لَمَسْألَةٌ جَدِيرَةٌ بِالِاهْتِمامِ، عَلى ثِقَلٍ في جَرَيانِها، عَلى الألْسِنَةِ والأقْلامِ. رَوى البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ في صَحِيحَيْهِما عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أنَّ اليَهُودَ قالُوا إذا أتى الرَّجُلُ امْرَأتَهُ مُجْبِيَةً جاءَ الوَلَدُ أُحْوَلَ، فَسَألَ المُسْلِمُونَ عَنْ ذَلِكَ فَنَزَلَتْ ﴿نِساؤُكم حَرْثٌ لَكُمْ﴾ الآيَةَ، وأخْرَجَ أبُو داوُدَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: كانَ هَذا الحَيُّ مِنَ الأنْصارِ وهم أهْلُ وثَنٍ مَعَ هَذا الحَيِّ مِنَ اليَهُودِ وهم أهْلُ كِتابٍ وكانُوا يَرَوْنَ لَهم فَضْلًا عَلَيْهِمْ في العِلْمِ فَكانُوا يَقْتَدُونَ بِكَثِيرٍ مِن فِعْلِهِمْ، وكانَ مِن أمْرِ أهْلِ الكِتابِ ألّا يَأْتُوا النِّساءَ إلّا عَلى حَرْفٍ وذَلِكَ أسْتَرُ ما تَكُونُ المَرْأةُ، فَكانَ هَذا الحَيُّ مِنَ الأنْصارِ قَدْ أخَذُوا بِذَلِكَ، وكانَ هَذا الحَيُّ مِن قُرَيْشٍ (p-٣٧٣)يَشْرَحُونَ النِّساءَ شَرْحًا أيْ يَطَئُونَهُنَّ وهُنَّ مُسْتَلْقِياتٍ عَنْ أقَفِيَتِهِنَّ، ومُقْبِلاتٍ ومُدْبِراتٍ ومُسْتَلْقِياتٍ، فَلَمّا قَدِمَ المُهاجِرُونَ المَدِينَةَ تَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنهُمُ امْرَأةً مِنَ الأنْصارِ فَذَهَبَ يَصْنَعُ بِها ذَلِكَ فَأنْكَرَتْهُ عَلَيْهِ، وقالَتْ: إنَّما كُنّا نُؤْتى عَلى حَرْفٍ فاصْنَعْ ذَلِكَ وإلّا فاجْتَنِبْنِي حَتّى شَرى أمْرُهُما أيْ تَفاقَمَ اللَّجاجُ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيءَ فَأنْزَلَ اللَّهُ ﴿فَأْتُوا حَرْثَكم أنّى شِئْتُمْ﴾ أيْ مُقْبِلاتٍ كُنَّ أوْ مُدْبِراتٍ أوْ مُسْتَلْقِياتٍ يَعْنِي بِذَلِكَ في مَوْضِعِ الوَلَدِ، ورُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيءِ ﷺ في التِّرْمِذِيِّ، وما أخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: جاءَ عُمَرُ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ قالَ، وما أهْلَكَكَ ؟ قالَ: حَوَّلْتُ رَحْلِي اللَّيْلَةَ يُرِيدُ أنَّهُ أتى امْرَأتَهُ وهي مُسْتَدْبِرَةٌ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ شَيْئًا فَأوْحى اللَّهُ إلى رَسُولِهِ هَذِهِ الآيَةَ ﴿نِساؤُكم حَرْثٌ لَكُمْ﴾ الآيَةَ. ورَوى البُخارِيُّ عَنْ نافِعٍ قالَ: كانَ ابْنُ عُمَرَ إذا قَرَأ القُرْآنَ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَتّى يَفْرُغَ مِنهُ فَأخَذْتُ عَلَيْهِ المُصْحَفَ يَوْمًا فَقَرَأ سُورَةَ البَقَرَةِ حَتّى انْتَهى إلى ﴿فَأْتُوا حَرْثَكم أنّى شِئْتُمْ﴾ قالَ: تَدْرِي فِيمَ أُنْزِلَتْ ؟ قُلْتُ: لا قالَ: أُنْزِلَتْ في كَذا وكَذا وفي رِوايَةٍ عَنْ نافِعٍ في البُخارِيِّ: يَأْتِيها في. . .، ولَمْ يَزِدْ وهو يَعْنِي في كِلْتا الرِّوايَتَيْنِ عَنْهُ إتْيانَ النِّساءِ في أدْبارِهِنَّ كَما صَرَّحَ بِذَلِكَ في رِوايَةِ الطَّبَرِيِّ وإسْحاقَ بْنِ راهَوَيْهِ: أُنْزِلَتْ إتْيانَ النِّساءِ في أدْبارِهِنَّ، ورَوى الدّارَقُطْنِيُّ في غَرائِبَ مالِكٍ والطَّبَرِيِّ عَنْ نافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أنَّ رَجُلًا أتى امْرَأتَهُ في دُبُرِها فَوَجَدَ في نَفْسِهِ مِن ذَلِكَ فَأنْزَلَ اللَّهُ ﴿نِساؤُكم حَرْثٌ لَكم فَأْتُوا حَرْثَكم أنّى شِئْتُمْ﴾ وقَدْ رُوِيَ أنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ هو عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وعَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ أنَّ رَجُلًا أصابَ امْرَأتَهُ في دُبُرِها عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ . فَأنْكَرَ النّاسُ عَلَيْهِ وقالُوا: أثْفَرَها فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى ﴿نِساؤُكم حَرْثٌ لَكُمْ﴾، فَعَلى تَأْوِيلِ هَؤُلاءِ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿نِساؤُكم حَرْثٌ لَكم فَأْتُوا حَرْثَكم أنّى شِئْتُمْ﴾ تَشْبِيهًا لِلْمَرْأةِ بِالحَرْثِ أيْ بِأرْضِ الحَرْثِ وأطْلَقَ ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ﴾ عَلى مَعْنى: فاحْرُثُوا في أيِّ مَكانٍ شِئْتُمْ. أقُولُ: قَدْ أُجْمِلَ كَلامُ اللَّهِ تَعالى هُنا، وأُبْهِمَ وبَيَّنَ المُبْهَماتِ بِمُبْهَماتٍ مِن جِهَةٍ أُخْرى لِاحْتِمالِ (أمَرَكُمُ اللَّهُ) مَعانِيَ لَيْسَ مَعْنى الإيجابِ والتَّشْرِيعِ مِنها، إذْ لَمْ يُعْهَدْ سَبْقُ تَشْرِيعٍ مِنَ اللَّهِ في هَذا كَما قَدَّمْناهُ، ثُمَّ أُتْبِعَ بِقَوْلِهِ ﴿يُحِبُّ التَّوّابِينَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] فَرُبَّما أشْعَرَ بِأنَّ فِعْلًا في هَذا البَيانِ كانَ يُرْتَكَبُ واللَّهُ يَدْعُو إلى الِانْكِفافِ عَنْهُ وأُتْبِعَ بِقَوْلِهِ ﴿ويُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] فَأشْعَرَ بِأنَّ فِعْلًا (p-٣٧٤)فِي هَذا الشَّأْنِ قَدْ يَلْتَبِسُ بِغَيْرِ التَّنَزُّهِ واللَّهُ يُحِبُّ التَّنَزُّهَ عَنْهُ، مَعَ احْتِمالِ المَحَبَّةِ عَنْهُ لِمَعْنى التَّفْضِيلِ والتَّكْرِمَةِ مِثْلَ ﴿يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَهَّرُوا واللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة: ١٠٨]، واحْتِمالُها لِمَعْنى: ويُبْغِضُ غَيْرَ ذَلِكَ، ثُمَّ جاءَ ما هو كالدَّلِيلِ وهو قَوْلُهُ ﴿نِساؤُكم حَرْثٌ لَكُمْ﴾ فَجُعِلْنَ حَرْثًا عَلى احْتِمالِ وُجُوهٍ في الشَّبَهِ؛ فَقَدْ قالَ: إنَّهُ وُكِّلَ لِلْمَعْرُوفِ، وقَدْ يُقالُ: إنَّهُ جُعِلَ شائِعًا في المَرْأةِ، فَلِذَلِكَ نِيطَ الحُكْمُ بِذاتِ النِّساءِ كُلِّها، ثُمَّ قالَ ﴿فَأْتُوا حَرْثَكم أنّى شِئْتُمْ﴾ فَجاءَ بِأنّى المُحْتَمِلَةِ لِلْكَيْفِيّاتِ ولِلْأمْكِنَةِ وهي أصْلٌ في الأمْكِنَةِ ووَرَدَتْ في الكَيْفِيّاتِ، وقَدْ قِيلَ: إنَّها تَرِدُ لِلْأزْمِنَةِ فاحْتُمِلَ كَوْنُها أمْكِنَةَ الوُصُولِ مِن هَذا الإتْيانِ، أوْ أمْكِنَةَ الوُرُودِ إلى مَكانٍ آخَرَ مَقْصُودٍ فَهي أمْكِنَةُ ابْتِداءِ الإتْيانِ أوْ أمْكِنَةُ الِاسْتِقْرارِ فَأُجْمِلَ في هَذا كُلِّهِ إجْمالٌ بَدِيعٌ وأُثْنِيَ ثَناءٌ حَسَنٌ. واخْتِلافُ مَحامِلِ الآيَةِ في أنْظارِ المُفَسِّرِينَ والفُقَهاءِ طَوْعُ عِلْمِ المُتَأمِّلِ، وفِيها أقْوالٌ كَثِيرَةٌ ومَذاهِبُ مُخْتَلِفَةٌ لِفُقَهاءِ الأمْصارِ مُسْتَقْصاةٌ في كُتُبِ أحْكامِ القُرْآنِ، وكُتُبِ السُّنَّةِ، وفي دَواوِينِ الفِقْهِ، وقَدِ اقْتَصَرْنا عَلى الآثارِ الَّتِي تَمَّتْ إلى الآيَةِ بِسَبَبِ نُزُولٍ، وتَرَكْنا ما عَداهُ إلى أفْهامِ العُقُولِ. * * * ﴿وقَدِّمُوا لِأنْفُسِكم واتَّقُوا اللَّهَ واعْلَمُوا أنَّكم مُلاقُوهُ وبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ﴾، أوْ عَلى جُمْلَةِ ﴿إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ ويُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] . عَطْفَ الإنْشاءِ عَلى الخَبَرِ، عَلى أنَّ الجُمْلَةَ المَعْطُوفَ عَلَيْها وإنْ كانَتْ خَبَرًا فالمَقْصُودُ مِنها الأمْرُ بِالتَّوْبَةِ والتَّطَهُّرِ؛ فَكُرِّرَ ذَلِكَ اهْتِمامًا بِالحِرْصِ عَلى الأعْمالِ الصّالِحَةِ بَعْدَ الكَلامِ عَلى اللَّذائِذِ العاجِلَةِ. وحُذِفَ مَفْعُولُ قَدِّمُوا اخْتِصارًا لِظُهُورِهِ؛ لِأنَّ التَّقْدِيمَ هُنا إعْدادُ الحَسَناتِ فَإنَّها بِمَنزِلَةِ الثَّقَلِ الَّذِي يُقَدِّمُهُ المُسافِرُ. وقَوْلُهُ لِأنْفُسِكم مُتَعَلِّقٌ بِـ (قَدِّمُوا)، واللّامُ لِلْعِلَّةِ أيْ لِأجْلِ أنْفُسِكم أيْ لِنَفْعِها، وقَوْلُهُ ﴿واتَّقُوا اللَّهَ﴾ تَحْرِيضٌ عَلى امْتِثالِ الشَّرْعِ بِتَجَنُّبِ المُخالَفَةِ، فَيَدْخُلُ تَحْتَهُ التَّخَلِّي عَنِ السَّيِّئاتِ والتَّحَلِّي بِالواجِباتِ والقُرُباتِ، فَمَضْمُونُها أعَمُّ مِن مَضْمُونِ جُمْلَةِ ﴿وقَدِّمُوا لِأنْفُسِكُمْ﴾ فَلِذَلِكَ كانَتْ هَذِهِ تَذْيِيلًا. (p-٣٧٥)وقَوْلُهُ ﴿واعْلَمُوا أنَّكم مُلاقُوهُ﴾ يَجْمَعُ التَّحْذِيرَ والتَّرْغِيبَ، أيْ فَلاقُوهُ بِما يَرْضى بِهِ عَنْكم كَقَوْلِهِ: ووَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ، وهو عَطْفٌ عَلى قَوْلِهِ ﴿واتَّقُوا اللَّهَ﴾ . والمُلاقاةُ: مُفاعَلَةٌ مِنَ اللِّقاءِ وهو الحُضُورُ لَدى الغَيْرِ بِقَصْدٍ أوْ مُصادَفَةٍ. وأصْلُ مادَّةِ لَقِيَ تَقْتَضِي الوُقُوعَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَكانَتْ مُفِيدَةً مَعْنى المُفاعَلَةِ بِمُجَرَّدِها، فَلِذَلِكَ كانَ لَقِيَ ولاقى بِمَعْنًى واحِدٍ، وإنَّما أمَرَهُمُ اللَّهُ بِعِلْمِ أنَّهم مُلاقُوهُ مَعَ أنَّ المُسْلِمِينَ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ تَنْزِيلًا لِعِلْمِهِمْ مَنزِلَةَ العَدَمِ في هَذا الشَّأْنِ، لِيُزادَ مِن تَعْلِيمِهِمُ اهْتِمامًا بِهَذا المَعْلُومِ وتَنافُسًا فِيهِ عَلى أنَّنا رَأيْنا أنَّ في افْتِتاحِ الجُمْلَةِ بِكَلِمَةِ: ”اعْلَمُوا“ اهْتِمامًا بِالخَبَرِ واسْتِنْصاتًا لَهُ وهي نُقْطَةٌ عَظِيمَةٌ سَيَأْتِي الكَلامُ عَلَيْها عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ﴾ [الأنفال: ٢٤] في سُورَةِ الأنْفالِ. وقَدْ رُتِّبَتِ الجُمَلُ الثَّلاثُ الأُوَلُ عَلى عَكْسِ تَرْتِيبِ حُصُولِ مَضامِينِها في الخارِجِ؛ فَإنَّ الظّاهِرَ أنْ يَكُونَ الإعْلامُ بِمُلاقاةِ اللَّهِ هو الحاصِلَ أوَّلًا ثُمَّ يَعْقُبُهُ الأمْرُ بِالتَّقْوى، ثُمَّ الأمْرُ بِأنْ يُقَدِّمُوا لِأنْفُسِهِمْ، فَخُولِفَ الظّاهِرُ لِلْمُبادَرَةِ بِالأمْرِ بِالِاسْتِعْدادِ لِيَوْمِ الجَزاءِ، وأُعْقِبَ بِالأمْرِ بِالتَّقْوى إشْعارًا بِأنَّها هي الِاسْتِعْدادُ، ثُمَّ ذُكِّرُوا بِأنَّهم مُلاقُو اللَّهِ فَجاءَ ذَلِكَ بِمَنزِلَةِ التَّعْلِيلِ. وقَوْلُهُ ﴿وبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ﴾ تَعْقِيبٌ لِلتَّحْذِيرِ بِالبِشارَةِ، والمُرادُ: المُؤْمِنُونَ الكامِلُونَ وهُمُ الَّذِينَ يُسَرُّونَ بِلِقاءِ اللَّهِ كَما جاءَ: «مَن أحَبِّ لِقاءَ اللَّهِ أحَبَّ اللَّهُ لِقاءَهُ»، وذِكْرُ هَذِهِ البِشارَةِ عَقِبَ ما تَقَدَّمَ إشارَةٌ إلى أنَّ امْتِثالَ الأحْكامِ المُتَقَدِّمَةِ مِن كَمالِ الإيمانِ، وجُمْلَةُ: ﴿وبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ﴾، مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ: ﴿واعْلَمُوا أنَّكم مُلاقُوهُ﴾، عَلى الأظْهَرِ مِن جَعْلِ جُمْلَةِ: ﴿نِساؤُكم حَرْثٌ لَكُمْ﴾، اسْتِئْنافًا غَيْرَ مَعْمُولَةٍ لِـ ﴿قُلْ هو أذًى﴾ [البقرة: ٢٢٢]، وإذا جَعَلْتَ جُمْلَةَ (نِساؤُكم) مِن مَعْمُولِ القَوْلِ كانَتْ جُمْلَةُ (وبَشِّرْ) مَعْطُوفَةً عَلى جُمْلَةِ ﴿قُلْ هو أذًى﴾ [البقرة: ٢٢٢]؛ إذْ لا يَصِحُّ وُقُوعُها مَقُولًا لِلْقَوْلِ كَما اخْتارَهُ التَّفْتازانِيُّ.


ركن الترجمة

Women are like fields for you; so seed them as you intend, but plan the future in advance. And fear God, and remember, you have to face Him in the end. So convey glad tidings to those who believe.

Vos épouses sont pour vous un champ de labour; allez à votre champ comme [et quand] vous le voulez et œuvrez pour vous-mêmes à l'avance. Craignez Allah et sachez que vous Le rencontrerez. Et fais gracieuse annonce aux croyants!

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :