موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
السبت 2 ذو القعدة 1445 هجرية الموافق ل11 ماي 2024


الآية [230] من سورة  

وَإِذَا طَلَّقْتُمُ اُ۬لنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ اَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٖۖ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراٗ لِّتَعْتَدُواْۖ وَمَنْ يَّفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَد ظَّلَمَ نَفْسَهُۥۖ وَلَا تَتَّخِذُوٓاْ ءَايَٰتِ اِ۬للَّهِ هُزُؤاٗۖ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اَ۬للَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ اَ۬لْكِتَٰبِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِۦۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ وَاعْلَمُوٓاْ أَنَّ اَ۬للَّهَ بِكُلِّ شَےْءٍ عَلِيمٞۖ


ركن التفسير

231 - (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن) قاربن انقضاء عدتهن (فأمسكوهن) بأن تراجعوهن (بمعروف) من غير ضرر (أو سرحوهن بمعروف) اتركوهن حتى تنتهي عدتهن (ولا تمسكوهن) بالرجعة (ضراراً) مفعول لأجله (لتعتدوا) عليهن بالإلجاء إلى الافتداء والتطليق وتطويل الحبس (ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه) بتعريضها إلى عذاب الله (ولا تتخذوا آيات الله هزواً) مهزوءاً بها بمخالفتها (واذكروا نعمة الله عليكم) بالإسلام (وما أنزل عليكم من الكتاب) القرآن (والحكمة) ما فيه من الأحكام (يعظكم به) بأن تشكروها بالعمل به (واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم) ولا يخفى عليه شيء

هذا أمر من الله عز وجل للرجال إذا طلق أحدهم المرأة طلاقا له عليها فيه رجعة أن يحسن في أمرها إذا انقضت عدتها ولم يبق منها إلا مقدار ما يمكنه فيه رجعتها فإما أن يمسكها أي يرتجعها إلى عصمة نكاحه بمعروف وهو أن يشهد على رجعتها وينوي عشرتها بالمعروف أو يسرحها أي يتركها حتى تنقضي عدتها ويخرجها من منزله بالتي هي أحسن من غير شقاق ولا مخاصمة ولا تقابح قال الله تعالى "ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا" قال ابن عباس ومجاهد ومسروق والحسن وقتادة والضحاك والربيع ومقاتل بن حيان وغير واحد: كان الرجل يطلق المرأة فإذا قاربت انقضاء العدة راجعها ضرارا لئلا تذهب إلى غيره ثم يطلقها فتعتد فإذا شارفت على انقضاء العدة طلق لتطول عليها العدة فنهاهم الله عن ذلك وتوعدهم عليه فقال "ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه" أي بمخالفته أمر الله تعالى. وقوله تعالى "ولا تتخذوا آيات الله هزوا" قال ابن جرير: عند هذه الآية أخبرنا أبو كريب أخبرنا إسحق بن منصور عن عبدالسلام بن حرب عن يزيد بن عبدالرحمن عن أبي العلاء الأزدي عن حميد بن عبدالرحمن عن أبي موسى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غضب على الأشعريين فأتاه أبو موسى فقال يا رسول الله أغضبت على الأشعريين؟ فقال "يقول أحدكم قد طلقت قد راجعت ليس هذا طلاق المسلمين طلقوا المرأة في قبل عدتها" ثم رواه من وجه آخر عن أبي خالد الدلال وهو يزيد بن عبدالرحمن وفيه كلام. وقال مسروق: هو الذي يطلق في غير كنهه ويضار امرأته بطلاقها وارتجاعها لتطول عليها العدة. وقال الحسن وقتادة وعطاء الخراساني والربيع ومقاتل بن حيان: هو الرجل يطلق ويقول: كنت لاعبا أو يعتق أو ينكح ويقول كنت لاعبا فأنزل الله "ولا تتخذوا آيات الله هزوا" فألزم الله بذلك. وقال ابن مردويه: حدثنا إبراهيم بن محمد حدثنا أبو أحمد الصيرفي حدثني جعفر بن محمد السمسار عن إسماعيل بن يحيى عن سفيان عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس قال: طلق رجل امرأته وهو يلعب لا يريد الطلاق فأنزل الله "ولا تتخذوا آيات الله هزوا" فألزمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطلاق. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عصام بن رواد حدثنا آدم حدثنا المبارك بن فضالة عن الحسن هو البصري قال كان الرجل يطلق ويقول: كنت لاعبا ويعتق ويقول: كنت لاعبا وينكح ويقول: كنت لاعبا فأنزل الله "ولا تتخذوا آيات الله هزوا". وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من طلق أو أعتق أو نكح أو أنكح جادا أو لاعبا فقد جاز عليه". وكذا رواه ابن جرير من طريق الزهري عن سليمان بن أرقم عن الحسن مثله وهذا مرسل وقد رواه ابن مردويه من طريق عمرو بن عبيد عن الحسن عن أبي الدرداء موقوفا عليه. وقال أيضا حدثنا أحمد بن الحسن بن أيوب حدثنا يعقوب بن أبي يعقوب حدثنا يحيى بن عبد الحميد حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن سلمة عن الحسن عن عبادة بن الصامت في قول الله تعالى "ولا تتخذوا آيات الله هزوا". قال: كان الرجل على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول للرجل زوجتك ابنتي ثم يقول: كنت لاعبا ويقول: قد أعتقت ويقول: كنت لاعبا فأنزل الله "ولا تتخذوا آيات الله هزوا". فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ثلاث من قالهن لاعبا أو غير لاعب فهن جائزات عليه الطلاق والعتاق والنكاح" والمشهور في هذا الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من طريق عبدالرحمن بن حبيب بن أدرك عن عطاء عن ابن ماهك عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة" وقال الترمذي: حسن غريب. وقوله "واذكروا نعمة الله عليكم" أي في إرساله الرسول بالهدى والبينات إليكم "وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة" أي السنة "يعظكم به" أي يأمركم وينهاكم ويتوعدكم على ارتكاب المحارم "واتقوا الله" أي فيما تأتون وفيما تذرون "واعلموا أن الله بكل شيء عليم" أي فلا يخفى عليه شيء من أموركم السرية والجهرية وسيجازيكم على ذلك.

﴿وإذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أجْلَهُنَّ فَأمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ولا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرارًا لِتَعْتَدُوا ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿فَإنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أنْ يَتَراجَعا﴾ [البقرة: ٢٣٠] الآيَةُ عَطْفُ حُكْمٍ عَلى حُكْمٍ، وتَشْرِيعٍ عَلى تَشْرِيعٍ، لِقَصْدِ زِيادَةِ الوَصاةِ بِحُسْنِ المُعامَلَةِ في الِاجْتِماعِ والفُرْقَةِ، وما تَبِعَ ذَلِكَ مِنَ التَّحْذِيرِ الَّذِي سَيَأْتِي بَيانُهُ. وقَوْلُهُ فَبَلَغْنَ أجْلَهُنَّ مُؤْذِنٌ بِأنَّ المُرادَ: وإذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ طَلاقًا فِيهِ أجَلٌ. والأجَلُ هُنا لَمّا أُضِيفَ إلى ضَمِيرِ النِّساءِ المُطَلَّقاتِ عُلِمَ أنَّهُ أجَلٌ مَعْهُودٌ بِالمُضافِ إلَيْهِ. أعْنِي أجَلَ الِانْتِظارِ، وهو العِدَّةُ، وهو التَّرَبُّصُ في الآيَةِ السّابِقَةِ. وبُلُوغُ الأجَلِ: الوُصُولُ إلَيْهِ، والمُرادُ بِهِ هُنا مُشارَفَةُ الوُصُولِ إلَيْهِ بِإجْماعِ العُلَماءِ؛ لِأنَّ الأجَلَ إذا انْقَضى زالَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الإمْساكِ والتَّسْرِيحِ، وقَدْ يُطْلَقُ البُلُوغُ عَلى مُشارَفَةِ الوُصُولِ ومُقارَبَتِهِ، تَوَسُّعًا أيْ مَجازًا بِالأوَّلِ. وفي القاعِدَةِ الخامِسَةِ مِنَ البابِ الثّامِنِ مِن مُغْنِي اللَّبِيبِ، أنَّ العَرَبَ يُعَبِّرُونَ بِالفِعْلِ عَنْ أُمُورٍ: أحَدُها، وهو الكَثِيرُ المُتَعارَفُ، عَنْ حُصُولِ الفِعْلِ، وهو الأصْلُ. الثّانِي: عَنْ مُشارَفَتِهِ نَحْوَ ﴿وإذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنَّ﴾ ﴿والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكم ويَذَرُونَ أزْواجًا وصِيَّةٌ لِأزْواجِهِمْ﴾ [البقرة: ٢٤٠] أيْ يُقارِبُونَ الوَفاةَ، لِأنَّهُ حِينَ الوَصِيَّةِ. (p-٤٢٢)الثّالِثُ: إرادَتُهُ نَحْوَ ﴿إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا﴾ [المائدة: ٦] . الرّابِعُ: القُدْرَةُ عَلَيْهِ نَحْوَ ﴿وعْدًا عَلَيْنا إنّا كُنّا فاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٤] أيْ قادِرِينَ. (والأجَلُ) في كَلامِ العَرَبِ يُطْلَقُ عَلى المُدَّةِ الَّتِي يُمْهَلُ إلَيْها الشَّخْصُ في حُدُوثِ حادِثٍ مُعَيَّنٍ، ومِنهُ قَوْلُهم: ضَرَبَ لَهُ أجَلًا، ﴿أيَّما الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ﴾ [القصص: ٢٨] . والمُرادُ بِالأجَلِ هُنا آخِرُ المُدَّةِ، لِأنَّ قَوْلَهُ (فَبَلَغْنَ) مُؤْذِنٌ بِأنَّهُ وصُولٌ بَعْدَ مَسِيرٍ إلَيْهِ، وأسْنَدَ بَلَغْنَ إلى النِّساءِ لِأنَّهُنَّ اللّاتِي يَنْتَظِرْنَ انْقِضاءَ الأجَلِ، لِيَخْرُجْنَ مِن حَبْسِ العِدَّةِ، وإنْ كانَ الأجَلُ لِلرِّجالِ والنِّساءِ مَعًا: لِلْأوَّلِينَ تَوْسِعَةً لِلْمُراجَعَةِ، ولِلْأخِيراتِ تَحْدِيدًا لِلْحِلِّ لِلتَّزَوُّجِ. وأُضِيفَ الأجَلُ إلى ضَمِيرِ النِّساءِ لَهاتِهِ النُّكْتَةِ. والقَوْلُ في الإمْساكِ والتَّسْرِيحِ مَضى قَرِيبًا. وفي هَذا الوَجْهِ تَكْرِيرُ الحُكْمِ المُفادِ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿فَإمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أوْ تَسْرِيحٌ بِإحْسانٍ﴾ [البقرة: ٢٢٩] فَأُجِيبَ عَنْ هَذا بِما قالَهُ الفَخْرُ: إنَّ الآيَةَ السّابِقَةَ أفادَتِ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الإمْساكِ والتَّسْرِيحِ، في مُدَّةِ العِدَّةِ، وهَذِهِ أفادَتْ ذَلِكَ التَّخْيِيرَ في آخِرِ أوْقاتِ العِدَّةِ، تَذْكِيرًا بِالإمْساكِ وتَحْرِيضًا عَلى تَحْصِيلِهِ، ويَسْتَتْبِعُ هَذا التَّذْكِيرُ الإشارَةَ إلى التَّرْغِيبِ في الإمْساكِ، مِن جِهَةِ إعادَةِ التَّخْيِيرِ بَعْدَ تَقَدُّمِ ذِكْرِهِ، وذَكَرَ التَّسْرِيحَ هُنا مَعَ الإمْساكِ لِيُظْهِرَ مَعْنى التَّخْيِيرِ بَيْنَ أمْرَيْنِ ولِيَتَوَسَّلَ بِذَلِكَ إلى الإشارَةِ إلى رَغْبَةِ الشَّرِيعَةِ في الإمْساكِ، وذَلِكَ بِتَقْدِيمِهِ في الذِّكْرِ؛ إذْ لَوْ لَمْ يَذْكُرِ الأمْرانِ لَما تَأتّى التَّقْدِيمُ المُؤْذِنُ بِالتَّرْغِيبِ وعِنْدِي أنَّهُ عَلى هَذا الوَجْهِ أُعِيدَ الحُكْمُ، ولِيَبْنِيَ عَلَيْهِ ما قَصَدَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الضِّرارِ وما تَلا ذَلِكَ مِنَ التَّحْذِيرِ والمَوْعِظَةِ وذَلِكَ كُلُّهُ مِمّا أُبْعِدَ عَنْ تَذَكُّرِهِ الجُمَلُ السّابِقَةِ: الَّتِي اقْتَضى الحالُ الِاعْتِراضَ بِها. وقَوْلُهُ ﴿أوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ قَيَّدَ التَّسْرِيحَ هُنا بِالمَعْرُوفِ، وقَيَّدَ في قَوْلِهِ السّالِفِ أوْ ﴿تَسْرِيحٌ بِإحْسانٍ﴾ [البقرة: ٢٢٩]، بِالإحْسانِ لِلْإشارَةِ إلى أنَّ الإحْسانَ المَذْكُورَ هُنالِكَ، هو عَيْنُ المَعْرُوفِ الَّذِي يُعْرَضُ لِلتَّسْرِيحِ، فَلَمّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ لَمْ يُحْتَجْ هُنا إلى الفَرْقِ بَيْنَ قَيْدِهِ وقَيْدِ الإمْساكِ. أوْ لِأنَّ إعادَةَ أحْوالِ الإمْساكِ والتَّسْرِيحِ هُنا لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ النَّهْيَ عَنِ المُضارَّةِ، والَّذِي تُخافُ مُضارَّتُهُ بِمَنزِلَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ أنْ يُطْلَبَ مِنهُ الإحْسانُ، فَطَلَبَ مِنهُ الحَقَّ، وهو المَعْرُوفُ الَّذِي عَدَمُ المُضارَّةِ مِن فُرُوعِهِ، سَواءٌ في الإمْساكِ أوْ في التَّسْرِيحِ، ومُضارَّةُ كُلٍّ بِما يُناسِبُهُ. وقالَ ابْنُ عَرَفَةَ: تَقَدَّمَ أنَّ المَعْرُوفَ أخَفُّ مِنَ الإحْسانِ فَلَمّا وقَعَ الأمْرُ في الآيَةِ الأُخْرى (p-٤٢٣)بِتَسْرِيحِهِنَّ، مُقارِنًا لِلْإحْسانِ، خِيفَ أنْ يُتَوَهَّمَ أنَّ الأمْرَ بِالإحْسانِ عِنْدَ تَسْرِيحِهِنَّ لِلْوُجُوبِ فَعَقَّبَهُ بِهَذا تَنْبِيهًا عَلى أنَّ الأمْرَ لِلنَّدْبِ لا لِلْوُجُوبِ. وقَوْلُهُ ﴿ولا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرارًا﴾ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومٍ ﴿فَأمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ إذِ الضِّرارُ ضِدُّ المَعْرُوفِ، وكَأنَّ وجْهَ عَطْفِهِ مَعَ اسْتِفادَتِهِ مِنَ الأمْرِ بِضِدِّهِ التَّشْوِيهُ بِذِكْرِ هَذا الضِّدِّ لِأنَّهُ أكْثَرُ أضْدادِ المَعْرُوفِ يَقْصِدُهُ الأزْواجُ المُخالِفُونَ لِحُكْمِ الإمْساكِ بِالمَعْرُوفِ، مَعَ ما فِيهِ مِنَ التَّأْكِيدِ، ونُكْتَتُهُ تَقْرِيرُ المَعْنى المُرادِ في الذِّهْنِ بِطَرِيقَتَيْنِ غايَتُهُما واحِدَةٌ وقالَ الفَخْرُ: نُكْتَةُ عَطْفِ النَّهْيِ عَلى الأمْرِ بِالضِّدِّ في الآيَةِ هي أنَّ الأمْرَ لا يَقْتَضِي التَّكْرارَ بِخِلافِ النَّهْيِ، وهَذِهِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الأمْرِ والنَّهْيِ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ، وفِيها نِزاعٌ في عِلْمِ الأُصُولِ، ولَكِنَّهُ بَناها عَلى أنَّ الفَرْقَ بَيْنَ الأمْرِ والنَّهْيِ هو مُقْتَضى اللُّغَةِ. عَلى أنَّ هَذا العَطْفَ إنْ قُلْنا: إنَّ المَعْرُوفَ في الإمْساكِ حَيْثُما تَحَقَّقَ انْتَفى الضِّرارُ، وحَيْثُما انْتَفى المَعْرُوفُ تَحَقَّقَ الضِّرارُ، فَيَصِيرُ الضِّرارُ مُساوِيًا لِنَقِيضِ المَعْرُوفِ، قُلْنا أنْ نَجْعَلَ نُكْتَةَ العَطْفِ، حِينَئِذٍ، لِتَأْكِيدِ حُكْمِ الإمْساكِ بِالمَعْرُوفِ: بِطَرِيقَيْ إثْباتٍ، ونَفْيٍ، كَأنَّهُ قِيلَ: (ولا تُمْسِكُوهُنَّ إلّا بِالمَعْرُوفِ)، كَما في قَوْلِ السَّمَوْألِ: ؎تَسِيلُ عَلى حَدِّ الظُّباتِ نُفُوسُنَـا ولَيْسَتْ عَلى غَيْرِ الظِّباتِ تَسِيلُ والضِّرارُ مَصْدَرُ ضارَّ، وأصْلُ هَذِهِ الصِّيغَةِ أنْ تَدُلَّ عَلى وُقُوعِ الفِعْلِ مِنَ الجانِبَيْنِ، مِثْلُ خاصَمَ، وقَدْ تُسْتَعْمَلُ في الدَّلالَةِ عَلى قُوَّةِ الفِعْلِ مِثْلَ: عافاكَ اللَّهُ، والظّاهِرُ أنَّها هُنا مُسْتَعْمَلَةٌ لِلْمُبالَغَةِ في الضُّرِّ، تَشْنِيعًا عَلى مَن يَقْصِدُهُ بِأنَّهُ مُفْحِشٌ فِيهِ. ونَصَبَ ضِرارًا عَلى الحالِ أوِ المَفْعُولِيَّةِ لِأجْلِهِ. وقَوْلُهُ لِتَعْتَدُوا جُرَّ بِاللّامِ ولَمْ يُعْطَفُ بِالفاءِ؛ لِأنَّ الجَرَّ بِاللّامِ هو أصْلُ التَّعْلِيلِ، وحَذَفَ مَفْعُولَ (تَعْتَدُوا) لِيَشْمَلَ الِاعْتِداءُ عَلَيْهِنَّ، وعَلى أحْكامِ اللَّهِ تَعالى، فَتَكُونُ اللّامُ مُسْتَعْمَلَةً في التَّعْلِيلِ والعاقِبَةِ. والِاعْتِداءُ عَلى أحْكامِ اللَّهِ لا يَكُونُ عِلَّةً لِلْمُسْلِمِينَ، فَنَزَلَ مَنزِلَةَ العِلَّةِ مَجازًا في الحُصُولِ، تَشْنِيعًا عَلى المُخالِفِينَ، فَحَرْفُ اللّامِ مُسْتَعْمَلٌ في حَقِيقَتِهِ ومَجازِهِ. وقَوْلُهُ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ جَعَلَ ظُلْمَهم نِساءَهم ظُلْمًا لِأنْفُسِهِمْ، لِأنَّهُ يُؤَدِّي إلى اخْتِلالِ المُعاشَرَةِ، واضْطِرابِ حالِ البَيْتِ، وفَواتِ المَصالِحِ: بِشَغَبِ الأذْهانِ في المُخاصَماتِ. وظَلَمَ نَفْسَهُ أيْضًا بِتَعْرِيضِها لِعِقابِ اللَّهِ في الآخِرَةِ. * * * (p-٤٢٤)﴿ولا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُؤًا واذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكم وما أنْزَلَ عَلَيْكم مِنَ الكِتابِ والحِكْمَةِ يَعِظُكم بِهِ واتَّقُوا اللَّهَ واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ عَطْفُ هَذا النَّهْيِ عَلى النَّهْيِ في قَوْلِهِ ﴿ولا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرارًا لِتَعْتَدُوا﴾ لِزِيادَةِ التَّحْذِيرِ مِن صَنِيعِهِمْ في تَطْوِيلِ العِدَّةِ، لِقَصْدِ المُضارَّةِ، بِأنَّ في ذَلِكَ اسْتِهْزاءً بِأحْكامِ اللَّهِ الَّتِي شَرَّعَ فِيها حَقَّ المُراجَعَةِ، مُرِيدًا رَحْمَةَ النّاسِ، فَيَجِبُ الحَذَرُ مِن أنْ يَجْعَلُوها هُزُؤًا، وآياتُ اللَّهِ هي ما في القُرْآنِ مِن شَرائِعِ المُراجِعَةِ نَحْوَ قَوْلِهِ ﴿والمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨] - إلى قَوْلِهِ - ﴿وتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٣٠] . والهُزُءُ بِضَمَّتَيْنِ، مَصْدَرُ هَزَأ بِهِ إذا سَخِرَ ولَعِبَ، وهو هُنا مَصْدَرٌ بِمَعْنى اسْمِ المَفْعُولِ، أيْ لا تَتَّخِذُوها مُسْتَهْزَأً بِهِ، ولَمّا كانَ المُخاطَبُ بِهَذا المُؤْمِنِينَ، وقَدْ عُلِمَ أنَّهم لَمْ يَكُونُوا بِالَّذِينَ يَسْتَهْزِئُونَ بِالآياتِ، تَعَيَّنَ أنَّ الهُزُءَ مُرادٌ بِهِ مَجازُهُ وهو الِاسْتِخْفافُ، وعَدَمُ الرِّعايَةِ، لِأنَّ المُسْتَخِفَّ بِالشَّيْءِ المُهِمِّ يُعَدُّ لِاسْتِخْفافِهِ بِهِ، مَعَ العِلْمِ بِأهَمِّيَّتِهِ، كالسّاخِرِ واللّاعِبِ. وهو تَحْذِيرٌ لِلنّاسِ مِنَ التَّوَصُّلِ بِأحْكامِ الشَّرِيعَةِ إلى ما يُخالِفُ مُرادَ اللَّهِ، ومَقاصِدَ شَرْعِهِ، ومِن هَذا التَّوَصُّلِ المَنهِيِّ عَنْهُ، ما يُسَمّى بِالحِيَلِ الشَّرْعِيَّةِ بِمَعْنى أنَّها جارِيَةٌ عَلى صُوَرٍ صَحِيحَةِ الظّاهِرِ، بِمُقْتَضى حُكْمِ الشَّرْعِ، كَمَن يَهِبُ مالَهُ لِزَوْجِهِ لَيْلَةَ الحَوْلِ لِيَتَخَلَّصَ مِن وُجُوبِ زَكاتِهِ، ومِن أبْعَدِ الأوْصافِ عَنْها الوَصْفُ بِالشَّرْعِيَّةِ. فالمُخاطَبُونَ بِهَذِهِ الآياتِ مُحَذَّرُونَ أنْ يَجْعَلُوا حُكْمَ اللَّهِ في العِدَّةِ، الَّذِي قُصِدَ مِنهُ انْتِظارُ النَّدامَةِ وتَذَكُّرُ حُسْنِ المُعاشَرَةِ، لَعَلَّهُما يَحْمِلانِ المُطَّلِقَ عَلى إمْساكِ زَوْجَتِهِ حِرْصًا عَلى بَقاءِ المَوَدَّةِ والرَّحْمَةِ، فَيُغَيِّرُوا ذَلِكَ ويَجْعَلُوهُ وسِيلَةً إلى زِيادَةِ النِّكايَةِ، وتَفاقُمِ الشَّرِّ والعَداوَةِ. وفي المُوَطَّأِ أنَّ رَجُلًا قالَ لِابْنِ عَبّاسٍ: إنِّي طَلَّقْتُ امْرَأتِي مِائَةَ طَلْقَةٍ فَقالَ لَهُ ابْنُ عَبّاسٍ بانَتْ مِنكَ بِثَلاثٍ، وسَبْعٌ وتِسْعُونَ اتَّخَذْتَ بِها آياتِ اللَّهِ هُزُؤًا. يُرِيدُ أنَّهُ عَمَدَ إلى ما شَرَعَهُ اللَّهُ مِن عَدَدِ الطَّلاقِ، بِحِكْمَةِ تَوَقُّعِ النَّدامَةِ مَرَّةً أُولى وثانِيَةً، فَجَعَلَهُ سَبَبُ نِكايَةٍ وتَغْلِيظٍ، حَتّى اعْتَقَدَ أنَّهُ يُضَيِّقُ عَلى نَفْسِهِ المُراجَعَةِ إذْ جَعَلَهُ مِائَةً، ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعالى بَعْدَ أنْ حَذَّرَهم دَعاهم بِالرَّغْبَةِ فَقالَ (p-٤٢٥)﴿واذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ فَذَكَّرَهم بِما أنْعَمَ عَلَيْهِمْ، بَعْدَ الجاهِلِيَّةِ، بِالإسْلامِ، الَّذِي سَمّاهُ نِعْمَةً كَما سَمّاهُ بِذَلِكَ في قَوْلِهِ ﴿واذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكم إذْ كُنْتُمْ أعْداءً فَألَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكم فَأصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إخْوانًا﴾ [آل عمران: ١٠٣] فَكَما أنْعَمَ عَلَيْكم بِالِانْسِلاخِ عَنْ تِلْكَ الضَّلالَةِ، فَلا تَرْجِعُوا إلَيْها بِالتَّعاهُدِ بَعْدَ الإسْلامِ وقَوْلُهُ ﴿وما أنْزَلَ عَلَيْكم مِنَ الكِتابِ والحِكْمَةِ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى نِعْمَةٍ، وجُمْلَةُ يَعِظُكم بِهِ حالٌ ويَجُوزُ جَعْلُهُ مُبْتَدَأً؛ وجُمْلَةُ يَعِظُكم خَبَرٌ، والكِتابُ: القُرْآنُ. والحِكْمَةُ: العِلْمُ المُسْتَفادُ مِنَ الشَّرِيعَةِ، وهو العِبْرَةُ بِأحْوالِ الأُمَمِ الماضِيَةِ وإدْراكُ مَصالِحِ الدِّينِ، وأسْرارِ الشَّرِيعَةِ، كَما قالَ تَعالى، بَعْدَ أنْ بَيَّنَ حُكْمَ الخَمْرِ والمَيْسِرِ ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكم تَتَفَكَّرُونَ﴾ [البقرة: ٢١٩] ﴿فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ﴾ [البقرة: ٢٢٠] ومَعْنى إنْزالِ الحِكْمَةِ أنَّها كانَتْ حاصِلَةً مِن آياتِ القُرْآنِ، كَما ذَكَرْنا، ومِنَ الإيماءِ إلى العِلَلِ، ومِمّا يَحْصُلُ أثْناءَ مُمارَسَةِ الدِّينِ، وكُلُّ ذَلِكَ مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى بِالوَحْيِ إلى الرَّسُولِ ﷺ، ومَن فَسَّرَ الحِكْمَةَ بِالسَّنَةِ فَقَدْ فَسَّرَها بِبَعْضِ دَلائِلِها. والمَوْعِظَةُ والوَعْظُ: النُّصْحُ والتَّذْكِيرُ بِما يُلِينُ القُلُوبَ، ويُحَذِّرُ المَوْعُوظَ. وقَوْلُهُ ﴿واتَّقُوا اللَّهَ واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ تَذْكِيرٌ بِالتَّقْوى وبِمُراعاةِ عِلْمِهِمْ بِأنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ تَنْزِيلًا لَهم في حِينِ مُخالَفَتِهِمْ بِأفْعالِهِمْ لِمَقاصِدِ الشَّرِيعَةِ، مَنزِلَةَ مَن يَجْهَلُ أنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ، فَإنَّ العَلِيمَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ، وهو إذا عَلِمَ مُخالَفَتَهم لا يَحُولُ بَيْنَ عِقابِهِ وبَيْنَهم شَيْءٌ، لِأنَّ هَذا العَلِيمَ قَدِيرٌ.


ركن الترجمة

When you have divorced your wives, and they have reached the end of the period of waiting, then keep them honourably (by revoking the divorce), or let them go with honour, and do not detain them with the intent of harassing lest you should transgress. He who does so will wrong himself. Do not mock the decrees of God, and remember the favours God has bestowed on you, and revealed to you the Book and the Law to warn you of the consequences of doing wrong. Have fear of God, and remember, God is cognisant of everything.

Et quand vous divorcez d'avec vos épouses, et que leur délai expire, alors, reprenez-les conformément à la bienséance ou libérez-les conformément à la bienséance. Mais ne les retenez pas pour leur faire du tort: vous transgresseriez alors et quiconque agit ainsi se fait du tort à lui-même. Ne prenez pas en moquerie les versets d'Allah. Et rappelez-vous le bienfait d'Allah envers vous, ainsi que le Livre et la Sagesse qu'Il vous a fait descendre; par lesquels Il vous exhorte. Et craignez Allah, et sachez qu'Allah est Omniscient.

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :