موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
السبت 17 شوال 1445 هجرية الموافق ل27 أبريل 2024


الآية [26] من سورة  

لِّيَشْهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اُ۪سْمَ اَ۬للَّهِ فِےٓ أَيَّامٖ مَّعْلُومَٰتٍ عَلَيٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ اِ۬لَانْعَٰمِۖ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ اُ۬لْبَآئِسَ اَ۬لْفَقِيرَۖ


ركن التفسير

28 - (ليشهدوا) أن يحضروا (منافع لهم) في الدنيا بالتجارة أو في الآخرة أو فيهما أقوال (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات) أي عشر ذي الحجة أو يوم عرفة أو يوم النحر إلى آخر أيام التشريق أقوال (على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) الإبل والبقر والغنم التي تنحر في يوم العيد وما بعده من الهدايا والضحايا (فكلوا منها) إذا كانت مستحبة (وأطعموا البائس الفقير) أي شديد الفقر

عباس " ليشهدوا منافع لهم " قال منافع الدنيا والآخرة: أما منافع الآخرة فرضوان الله تعالى وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البدن والذبائح والتجارات وكذا قال مجاهد وغير واحد إنها منافع الدنيا والآخرة ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم " وقوله " ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام " قال شعبة وهشيم عن أبي بشر عن سعيد عن ابن عباس رضي الله عنهما: الأيام المعلومات أيام العشر وعلقه البخاري عنه بصيغة الجزم به وروي مثله عن أبي موسى الأشعري ومجاهد وقتادة وعطاء بن جبير والحسن والضحاك وعطاء الخراساني وإبراهيم النخعي وهو مذهب الشافعي والمشهور عن أحمد ابن حنبل وقال البخاري حدثنا محمد بن عرعرة حدثنا شعبة عن سليمان عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما العمل في أيام أفضل منها في هذه " قالوا ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل يخرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء " رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه بنحوه وقال الترمذي حديث حسن غريب صحيح. وفي الباب عن ابن عمر وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو وجابر قلت وقد تقصيت هذه الطرق وأفردت لها جزأ على حدة فمن ذلك ما قال الإمام أحمد حدثنا عثمان أنبأنا أبو عوانة عن يزيد بن أبي زياد مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد " وروي من وجه آخر مجاهد عن ابن عمر بنحوه وقال البخاري وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما وقد روى أحمد عن جابر مرفوعا أن هذا هو العشر الذي أقسم الله به في قوله " والفجر وليال عشر " وقال بعض السلف إنه المراد بقوله " وأتممناها بعشر " وفي سنن أبي داود أن رسول الله كان يصوم هذا العشر وهذا العشر مشتمل على يوم عرفة الذي ثبت في صحيح مسلم عن أبي قتادة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة فقال أحتسب على الله أن يكفر به السنة الماضية والآتية ويشتمل على يوم النحر الذي هو يوم الحج الأكبر وقد ورد في حديث أنه أفضل الأيام عند الله وبالجملة فهذا العشر قد قيل إنه أفضل أيام السنة كما نطق به الحديث وفضله كثير على عشر رمضان الأخير لأن هذا يشرع فيه ما يشرع في ذلك من صلاة وصيام وصدقة وغيره ويمتاز هذا باختصاصه بأداء فرض الحج فيه وقيل ذاك أفضل لاشتماله على ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر وتوسط آخرون فقالوا أيام هذا أفضل وليالي ذاك أفضل وبهذا يجتمع شمل الأدلة والله أعلم "قول ثان" في الأيام المعلومات قال الحكم عن مقسم عن ابن عباس الأيام المعلومات يوم النحر وثلاثة أيام بعده ويروى هذا عن ابن عمر وإبراهيم النخعي وإليه ذهب أحمد بن حنبل في رواية عنه " قول ثالث " قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا علي بن المديني حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا ابن عجلان حدثني نافع أن ابن عمر كان يقول: الأيام المعلومات المعدودات هن جميعهن أربعة أيام فالأيام المعلومات يوم النحر ويومان بعده والأيام المعدودات ثلاثة أيام بعد يوم النحر هذا إسناد صحيح إليه وقاله السدي وهو مذهب الإمام مالك بن أنس ويعضد هذا القول والذي قبله قوله تعالى " على ما رزقهم من بهيمة الأنعام " يعني به ذكر الله عند ذبحها " قول رابع إنها يوم عرفة ويوم النحر ويوم آخر بعده وهو مذهب أبي حنيفة وقال ابن وهب حدثني ابن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال المعلومات يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق وقوله " على ما رزقهم من بهيمة الأنعام " يعني الإبل والبقر والغنم كما فصلها تعالى في سورة الأنعام " ثمانية أزواج " الآية فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير " استدل بهذه الآية من ذهب إلى وجوب الأكل من الأضاحي وهو قول غريب والذي عليه الأكثرون أنه من باب الرخصة أو الاستحباب كما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نحر هديه أمر من كل بدنة ببضعة فتطبخ فأكل من لحمها وحسا من مرقها قال عبد الله بن وهب قال لي مالك أحب أن يأكل من أضحيته لأن الله يقول " فكلوا منها " قال ابن وهب وسألت الليث فقال لي مثل ذلك وقال سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم " فكلوا منها " قال كان المشركون لا يأكلون من ذبائحهم فرخص للمسلمين فمن شاء أكل ومن لم يشأ لم يأكل وروي عن مجاهد وعطاء نحو ذلك قال هشيم عن حصين عن مجاهد في قوله " فكلوا منها " قال هي كقوله " فإذا حللتم فاصطادوا " " فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض " وهذا اختيار ابن جرير في تفسيره واستدل من نصر القول بأن الآضاحي يتصدق منها بالنصف بقوله في هذه الآية " فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير" فجزأها نصفين نصف للمضحي ونصف للفقراء والقول الآخر أنها تجزأ ثلاثة أجزاء ثلث له وثلث يهديه وثلث يتصدق به لقوله تعالى في الآية الأخرى " فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر " وسيأتي الكلام عليها عندها إن شاء الله وبه الثقة وقوله " البائس الفقير " قال عكرمة هو المضطر الذي عليه البؤس وهو الفقير المتعفف وقال مجاهد هو الذي لا يبسط يده وقال قتادة هو الزمن وقال مقاتل بن حيان هو الضرير.

﴿وأذِّنْ في النّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ ﴿لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهم ويَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ في أيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهم مِن بَهِيمَةِ الأنْعامِ فَكُلُوا مِنها وأطْعِمُوا البائِسَ الفَقِيرَ﴾ (وأذِّنْ) عَطْفٌ عَلى ﴿وطَهِّرْ بَيْتِيَ﴾ [الحج: ٢٦] . وفِيهِ إشارَةٌ إلى أنَّ مِن إكْرامِ الزّائِرِ تَنْظِيفَ المَنزِلِ وأنَّ ذَلِكَ يَكُونُ قَبْلَ نُزُولِ الزّائِرِ بِالمَكانِ. والتَّأْذِينُ: رَفْعُ الصَّوْتِ بِالإعْلامِ بِشَيْءٍ. وأصْلُهُ مُضاعَفُ أذِنَ إذا سَمِعَ، ثُمَّ صارَ بِمَعْنى بَلَغَهُ الخَبَرُ فَجاءَ مِنهُ آذَنَ بِمَعْنى أخْبَرَ. وأذِّنْ بِما فِيهِ مِن مُضاعَفَةِ الحُرُوفِ مُشْعِرٌ بِتَكْرِيرِ الفِعْلِ، أيْ أكْثِرِ الإخْبارَ بِالشَّيْءِ، والكَثْرَةُ تَحْصُلُ بِالتَّكْرارِ وبِرَفْعِ الصَّوْتِ القائِمِ مَقامَ التَّكْرارِ. ولِكَوْنِهِ بِمَعْنى الإخْبارِ يُعَدّى إلى المَفْعُولِ الثّانِي بِالباءِ. والنّاسُ يَعُمُّ كُلَّ البَشَرِ، أيْ كُلَّ ما أمْكَنَهُ أنْ يُبَلِّغَ إلَيْهِ ذَلِكَ. (p-٢٤٣)والمُرادُ بِالحَجِّ: القَصْدُ إلى بَيْتِ اللَّهِ. وصارَ لَفْظُ الحَجِّ عَلَمًا بِالغَلَبَةِ عَلى الحُضُورِ بِالمَسْجِدِ الحَرامِ لِأداءِ المَناسِكِ. ومِن حِكْمَةِ مَشْرُوعِيَّتِهِ تَلَقِّي عَقِيدَةِ تَوْحِيدِ اللَّهِ بِطَرِيقِ المُشاهِدَةِ لِلْهَيْكَلِ الَّذِي أُقِيمَ لِذَلِكَ حَتّى يَرْسَخَ مَعْنى التَّوْحِيدِ في النُّفُوسِ لِأنَّ لِلنُّفُوسِ مَيْلًا إلى المَحْسُوساتِ لِيَتَقَوّى الإدْراكُ العَقْلِيُّ بِمُشاهَدَةِ المَحْسُوسِ. فَهَذِهِ أصْلٌ في سُنَّةِ المُؤَثِّراتِ لِأهْلِ المَقْصِدِ النّافِعِ. وفي تَعْلِيقِ فِعْلِ (يَأْتُوكَ) بِضَمِيرِ خِطابِ إبْراهِيمَ دَلالَةٌ عَلى أنَّهُ كانَ يَحْضُرُ مَوْسِمَ الحَجِّ كُلَّ عامٍ يُبْلِغُ لِلنّاسَ التَّوْحِيدَ وقَواعِدَ الحَنِيفِيَّةِ. رُوِيَ أنَّ إبْراهِيمَ لَمّا أمَرَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ اعْتَلى جَبَلَ أبِي قَيْسٍ وجَعَلَ إصْبُعَيْهِ في أُذُنَيْهِ ونادى: ”إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الحَجَّ فَحُجُّوا“ . وذَلِكَ أقْصى اسْتِطاعَتِهِ في امْتِثالِ الأمْرِ بِالتَّأْذِينِ. وقَدْ كانَ إبْراهِيمُ رَحّالَةً فَلَعَلَّهُ كانَ يُنادِي في النّاسِ في كُلِّ مَكانٍ يَحِلُّ فِيهِ. وجُمْلَةُ (يَأْتُوكَ) جَوابٌ لِلْأمْرِ، جَعَلَ التَّأْذِينَ سَبَبًا لِلْإتْيانِ تَحْقِيقًا لِتَيْسِيرِ الحَجِّ عَلى النّاسِ. فَدَلَّ جَوابُ الأمْرِ عَلى أنَّ اللَّهَ ضَمِنَ لَهُ اسْتِجابَةَ نِدائِهِ. وقَوْلُهُ (رِجالًا) حالٌ مِن ضَمِيرِ الجَمْعِ في قَوْلِهِ (يَأْتُوكَ) . وعُطِفَ عَلَيْهِ ﴿وعَلى كُلِّ ضامِرٍ﴾ بِواوِ التَّقْسِيمِ الَّتِي بِمَعْنى (أوْ) كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿ثَيِّباتٍ وأبْكارًا﴾ [التحريم: ٥] إذْ مَعْنى العَطْفِ هُنا عَلى اعْتِبارِ التَّوْزِيعِ بَيْنَ راجِلٍ وراكِبٍ، إذِ الرّاكِبُ لا يَكُونُ راجِلًا ولا العَكْسَ. والمَقْصُودُ مِنهُ اسْتِيعابُ أحْوالِ الآتِينَ تَحْقِيقًا لِلْوَعْدِ بِتَيْسِيرِ الإتْيانِ المُشارِ إلَيْهِ بِجَعْلِ إتْيانِهِمْ جَوابًا لِلْأمْرِ، أيْ يَأْتِيكَ مَن لَهم رَواحِلُ ومَن يَمْشُونَ عَلى أرْجُلِهِمْ. (p-٢٤٤)ولِكَوْنِ هَذِهِ الحالِ أغْرَبَ قُدِّمَ قَوْلُهُ (رِجالًا) ثُمَّ ذُكِرَ بَعْدَهُ ﴿وعَلى كُلِّ ضامِرٍ﴾ تَكْمِلَةً لِتَعْمِيمِ الأحْوالِ إذْ إتْيانُ النّاسِ لا يَعْدُو أحَدَ هَذَيْنِ الوَصْفَيْنِ. و(رِجالًا): جَمْعُ راجِلٍ وهو ضِدُّ الرّاكِبِ. والضّامِرُ: قَلِيلُ لَحْمِ البَطْنِ. يُقالُ: ضَمُرَ ضُمُورًا فَهو ضامِرٌ، وناقَةٌ ضامِرٌ أيْضًا. والضُّمُورُ مِن مَحاسِنِ الرَّواحِلِ والخَيْلِ لِأنَّهُ يُعِينُها عَلى السَّيْرِ والحَرَكَةِ. فالضّامِرُ هُنا بِمَنزِلَةِ الِاسْمِ كَأنَّهُ قالَ: وعَلى كُلِّ راحِلَةٍ. وكَلِمَةُ (كُلِّ) مِن قَوْلِهِ ﴿وعَلى كُلِّ ضامِرٍ﴾ مُسْتَعْمَلَةٌ في الكَثْرَةِ، أيْ وعَلى رَواحِلَ كَثِيرَةٍ. وكَلِمَةُ (كُلِّ) أصْلُها الدَّلالَةُ عَلى اسْتِغْراقِ جِنْسِ ما تُضافُ إلَيْهِ ويَكْثُرُ اسْتِعْمالُها في مَعْنًى كَثِيرٍ مِمّا تُضافُ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾ [النمل: ٢٣] أيْ مِن أكْثَرِ الأشْياءِ الَّتِي يُؤْتاها أهْلُ المُلْكِ، وقَوْلِ النّابِغَةِ: ؎بِها كُلُّ ذَيّالٍ وخَنْساءَ تَرْعَوِي إلى كُلِّ رَجّافٍ مِنَ الرَّمْلِ فارِدِ أيْ بِها وحْشٌ كَثِيرٌ في رِمالٍ كَثِيرَةٍ. وتَكَرَّرَ هَذا الإطْلاقُ ثَلاثَ مَرّاتٍ في قَوْلِ عَنْتَرَةَ: ؎جادَتْ عَلَيْهِ كُلُّ بِكْرٍ حُرَّةٍ ∗∗∗ فَتَرَكْنَ كُلَّ قَرارَةٍ كالدِّرْهَمِ ؎سَحًّا وتَسْكابًا فَكُلَّ عَشِيَّةٍ ∗∗∗ يَجْرِي عَلَيْها الماءُ لَمْ يَتَصَرَّمِ وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولَئِنْ أتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ﴾ [البقرة: ١٤٥] في سُورَةَ البَقَرَةِ. ويَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ في سُورَةَ النَّمْلِ. (p-٢٤٥)و(يَأْتِينَ) يَجُوزُ أنْ يَكُونَ صِفَةً لِـ ﴿كُلِّ ضامِرٍ﴾ لِأنَّ لَفْظَ ”كُلِّ“ صَيَّرَهُ في مَعْنى الجَمْعِ. وإذْ هو جَمْعٌ لِما لا يَعْقِلُ فَحَقُّهُ التَّأْنِيثُ، وإنَّما أُسْنِدَ الإتْيانُ إلى الرَّواحِلِ دُونَ النّاسِ فَلَمْ يَقُلْ: يَأْتُونَ، لِأنَّ الرَّواحِلَ هي سَبَبُ إتْيانِ النّاسِ مِن بُعْدٍ لِمَن لا يَسْتَطِيعُ السَّفَرَ عَلى رِجْلَيْهِ. ويَجُوزُ أنْ تُجْعَلَ جُمْلَةُ (يَأْتِينَ) حالًا ثانِيَةً مِن ضَمِيرِ الجَمْعِ في (يَأْتُوكَ) لِأنَّ الحالَ الأُولى تَضَمَّنَتْ مَعْنى التَّنْوِيعِ والتَّصْنِيفِ، فَصارَ المَعْنى: يَأْتُوكَ جَماعاتٍ، فَلَمّا تَأوَّلَ ذَلِكَ بِمَعْنى الجَماعاتِ جَرى عَلَيْهِمُ الفِعْلُ بِضَمِيرِ التَّأْنِيثِ. وهَذا الوَجْهُ أظْهَرُ لِأنَّهُ يَتَضَمَّنُ زِيادَةَ التَّعْجِيبِ مِن تَيْسِيرِ الحَجِّ حَتّى عَلى المُشاةِ، وقَدْ تُشاهِدُ في طَرِيقِ الحَجِّ جَماعاتٍ بَيْنَ مَكَّةَ والمَدِينَةِ يَمْشُونَ رِجالًا بِأوْلادِهِمْ وأزْواجِهِمْ وكَذَلِكَ يَقْطَعُونَ المَسافاتِ بَيْنَ مَكَّةَ وبِلادِهِمْ. والفَجُّ: الشِّقُّ بَيْنَ جَبَلَيْنِ تَسِيرُ فِيهِ الرِّكابُ، فَغَلَبَ الفَجُّ عَلى الطَّرِيقِ لِأنَّ أكْثَرَ الطُّرُقِ المُؤَدِّيَةِ إلى مَكَّةَ تُسْلَكُ بَيْنَ الجِبالِ. والعَمِيقُ: البَعِيدُ إلى أسْفَلَ لِأنَّ العُمْقَ البُعْدُ في القَعْرِ، فَأُطْلِقَ عَلى البَعِيدِ مُطْلَقًا بِطَرِيقَةِ المَجازِ المُرْسَلِ، أوْ هو اسْتِعارَةٌ بِتَشْبِيهِ مَكَّةَ بِمَكانٍ مُرْتَفِعٍ والنّاسُ مُصَعِّدُونَ إلَيْهِ. وقَدْ يُطْلَقُ عَلى السَّفَرِ مِن مَوْطِنِ المُسافِرِ إلى مَكانٍ آخَرَ إصْعادٌ كَما يُطْلَقُ عَلى الرُّجُوعِ انْحِدارٌ وهُبُوطٌ، فَإسْنادُ الإتْيانِ إلى الرَّواحِلِ تَشْرِيفٌ لَها بِأنْ جَعَلَها مُشارَكَةً لِلْحَجِيجِ في الإتْيانِ إلى البَيْتِ. وقَوْلُهُ (لِيَشْهَدُوا) يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ (يَأْتُوكَ) فَهو عِلَّةٌ لِإتْيانِهِمُ الَّذِي هو مُسَبَّبٌ عَلى التَّأْذِينِ بِالحَجِّ فَآلَ إلى كَوْنِهِ عِلَّةً في التَّأْذِينِ بِالحَجِّ. ومَعْنى (لِيَشْهَدُوا) لِيَحْضُرُوا مَنافِعَ لَهم، أيْ لِيَحْضُرُوا فَيُحَصِّلُوا مَنافِعَ لَهم إذْ يُحَصِّلُ كُلُّ واحِدٍ ما فِيهِ نَفْعُهُ. وأهَمُّ المَنافِعِ (p-٢٤٦)ما وعَدَهُمُ اللَّهُ عَلى لِسانِ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - مِنَ الثَّوابِ. فَكَنى بِشُهُودِ المَنافِعِ عَنْ نَيْلِها. ولا يُعْرَفُ ما وعَدَهُمُ اللَّهُ عَلى ذَلِكَ بِالتَّعْيِينِ. وأعْظَمُ ذَلِكَ اجْتِماعُ أهْلِ التَّوْحِيدِ في صَعِيدٍ واحِدٍ لِيَتَلَقّى بَعْضُهم عَنْ بَعْضٍ ما بِهِ كَمالُ إيمانِهِ. وتَنْكِيرُ (مَنافِعَ) لِلتَّعْظِيمِ المُرادِ مِنهُ الكَثْرَةُ وهي المَصالِحُ الدِّينِيَّةُ والدُّنْيَوِيَّةُ لِأنَّ في مَجْمَعِ الحَجِّ فَوائِدَ جَمَّةً لِلنّاسِ؛ لِأفْرادِهِمْ مِنَ الثَّوابِ والمَغْفِرَةِ لِكُلِّ حاجٍّ، ولِمُجْتَمَعِهِمْ لِأنَّ في الِاجْتِماعِ صَلاحًا في الدُّنْيا بِالتَّعارُفِ والتَّعامُلِ. وخَصَّ مِنَ المَنافِعِ أنْ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ في أيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهم مِن بَهِيمَةِ الأنْعامِ. وذَلِكَ هو النَّحْرُ والذَّبْحُ لِلْهَدايا. وهو مُجْمَلٌ في الواجِبَةِ والمُتَطَوَّعِ بِها. وقَدْ بَيَّنَتْهُ شَرِيعَةُ إبْراهِيمَ مِن قَبْلُ بِما لَمْ يَبْلُغْ إلَيْنا. وبَيَّنَهُ الإسْلامُ بِما فِيهِ شِفاءٌ. وحَرْفُ (عَلى) مُتَعَلِّقٌ بِـ (يَذْكُرُوا) . وهو لِلِاسْتِعْلاءِ المُجازِيِّ الَّذِي هو بِمَعْنى المُلابَسَةِ والمُصاحَبَةِ، أيْ عَلى الأنْعامِ. وهو عَلى تَقْدِيرِ مُضافٍ، أيْ عِنْدِ نَحْرِ بَهِيمَةِ الأنْعامِ أوْ ذَبْحِها. و(ما) مَوْصُولَةٌ، ومِن بَهِيمَةِ الأنْعامِ بَيانٌ لِمَدْلُولِ (ما) . والمَعْنى: لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى بَهِيمَةِ الأنْعامِ. وأُدْمِجَ في هَذا الحُكْمِ الِامْتِنانُ بِأنَّ اللَّهَ رَزَقَهم تِلْكَ الأنْعامَ. وهَذا تَعْرِيضٌ بِطَلَبِ الشُّكْرِ عَلى هَذا الرِّزْقِ بِالإخْلاصِ لِلَّهِ في العِبادَةِ وإطْعامِ المَحاوِيجِ مِن عِبادِ اللَّهِ مِن لُحُومِها، وفي ذَلِكَ سَدٌّ لِحاجَةِ الفُقَراءِ بِتَزْوِيدِهِمْ ما يَكْفِيهِمْ لِعامِهِمْ. ولِذَلِكَ فَرَّعَ عَلَيْهِ ﴿فَكُلُوا مِنها وأطْعِمُوا البائِسَ الفَقِيرَ﴾ . (p-٢٤٧)فالأمْرُ بِالأكْلِ مِنها يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ أمْرَ وُجُوبٍ في شَرِيعَةِ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَيَكُونُ الخِطابُ في قَوْلِهِ (فَكُلُوا) لِإبْراهِيمَ ومَن مَعَهُ. وقَدْ عَدَلَ عَنِ الغَيْبَةِ الواقِعَةِ في ضَمائِرِ ﴿لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهم ويَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ في أيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهم مِن بَهِيمَةِ الأنْعامِ﴾، إلى الخِطابِ بِذَلِكَ في قَوْلِهِ ﴿فَكُلُوا مِنها وأطْعِمُوا البائِسَ﴾ إلَخْ. عَلى طَرِيقَةِ الِالتِفاتِ أوْ عَلى تَقْدِيرِ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ مَأْمُورٍ بِهِ إبْراهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - . وفي حِكايَةِ هَذا تَعْرِيضٌ بِالرَّدِّ عَلى أهْلِ الجاهِلِيَّةِ إذْ كانُوا يَمْنَعُونَ الأكْلَ مِنَ الهَدايا. ثُمَّ عادَ الأُسْلُوبُ إلى الغَيْبَةِ في قَوْلِهِ ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ [الحج: ٢٩] . ويَحْتَمِلُ أنْ تَكُونَ جُمْلَةُ فَكُلُوا مِنها إلَخْ مُعْتَرِضَةً مُفَرَّعَةً عَلى خِطابِ إبْراهِيمَ ومَن مَعَهُ تَفْرِيعَ الخَبَرِ عَلى الخَبَرِ تَحْذِيرًا مِن أنْ يُمْنَعَ الأكْلُ مِن بَعْضِها. والأيّامُ المَعْلُوماتُ أُجْمِلَتْ هُنا لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الغَرَضِ بِبَيانِها إذْ غَرَضُ الكَلامِ ذِكْرُ حَجِّ البَيْتِ وقَدْ بَيَّنْتُ عِنْدَ التَّعَرُّضِ لِأعْمالِ الحَجِّ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿واذْكُرُوا اللَّهَ في أيّامٍ مَعْدُوداتٍ﴾ [البقرة: ٢٠٣] . والبائِسُ: الَّذِي أصابَهُ البُؤْسُ، وهو ضِيقُ المالِ، وهو الفَقِيرُ. هَذا قَوْلُ جَمْعٍ مِنَ المُفَسِّرِينَ. وفي المُوَطَّأِ: في بابِ ما يُكْرَهُ مِن أكْلِ الدَّوابِّ. قالَ مالِكٌ: سَمِعْتُ أنَّ البائِسَ هو الفَقِيرُ اهـ. وقُلْتُ: مِن أجْلِ ذَلِكَ لَمْ يُعْطَفْ أحَدُ الوَصْفَيْنِ عَلى الآخَرِ لِأنَّهُ كالبَيانِ لَهُ وإنَّما ذُكِرَ البائِسُ مَعَ أنَّ الفَقِيرَ مُغْنٍ عَنْهُ لِتَرْقِيقِ أفْئِدَةِ النّاسِ عَلى الفَقِيرِ بِتَذْكِيرِهِمْ أنَّهُ في بُؤْسٍ لِأنَّ وصْفَ فَقِيرٍ لِشُيُوعِ تَداوُلِهِ عَلى الألْسُنِ صارَ كاللَّقَبِ (p-٢٤٨)غَيْرَ مُشْعِرٍ بِمَعْنى الحاجَةِ وقَدْ حَصَلَ مِن ذِكْرِ الوَصْفَيْنِ التَّأْكِيدُ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: البائِسُ الَّذِي ظَهَرَ بُؤْسُهُ في ثِيابِهِ وفي وجْهِهِ، والفَقِيرُ الَّذِي تَكُونُ ثِيابُهُ نَقِيَّةً ووَجْهُهُ وجْهَ غَنِيٍّ. فَعَلى هَذا التَّفْسِيرِ يَكُونُ البائِسُ هو المِسْكِينُ ويَكُونُ ذِكْرُ الوَصْفَيْنِ لِقَصْدِ اسْتِيعابِ أحْوالِ المُحْتاجِينَ والتَّنْبِيهِ إلى البَحْثِ عَنْ مَوْقِعِ الِامْتِناعِ.


ركن الترجمة

In order to reach the place of advantage for them, and to pronounce the name of God on appointed days over cattle He has given them for food; then eat of the meat and feed the needy and the poor.

pour participer aux avantages qui leur ont été accordés et pour invoquer le nom d'Allah aux jours fixés, sur la bête de cheptel qu'Il leur a attribuée, «Mangez-en vous-mêmes et faites-en manger le besogneux misérable.

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :