ركن التفسير
35 - (الذين إذا ذكر الله وجلت) خافت (قلوبهم والصابرين على ما أصابهم) من البلايا (والمقيمي الصلاة) في أوقاتها (ومما رزقناهم ينفقون) يتصدقون
هو قوله " الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " أي خافت منه قلوبهم " والصابرين على ما أصابهم " أي من المصائب قال الحسن البصري والله لنصبرن أو لنهلكن " والمقيمي الصلاة " قرأ الجمهور بالإضافة السبعة وبقية العشرة أيضا وقرأ ابن السميفع " والمقيمين الصلاة " بالنصب وعن الحسن البصري " والمقيمي الصلاة " وإنما حذف النون ههنا تخفيفا ولو حذفت للإضافة لوجب خفض الصلاة ولكن على سبيل التخفيف فنصبت أي المؤدين حق الله فما أوجب عليهم من أداء فرائضه " ومما رزقناهم ينفقون " أي وينفقون ما آتاهم الله من طيب الرزق على أهليهم وأقاربهم وفقرائهم ومحاويجهم ويحسنون إلى الخلق مع محافظتهم على حدود الله وهذه بخلاف صفات المنافقين فإنهم بالعكس من هذا كله كما تقدم تفسيره في سورة براءة.
﴿وبَشِّرِ المُخْبِتِينَ﴾ [الحج: ٣٤] ﴿الَّذِينَ إذا ذُكِرَ اللَّهُ وجِلَتْ قُلُوبُهم والصّابِرِينَ عَلى ما أصابَهم والمُقِيمِي الصَّلاةِ ومِمّا رَزَقْناهم يُنْفِقُونَ﴾ اعْتِراضٌ بَيْنَ سَوْقِ المِنَنِ. والخِطابُ لِلنَّبِيءِ ﷺ . وأصْحابُ هَذِهِ الصِّفاتِ هُمُ المُسْلِمُونَ. والمُخْبِتُ: المُتَواضِعُ الَّذِي لا تَكَبُّرَ عِنْدَهُ. وأصْلُ المُخْبِتِ مَن سَلَكَ الخَبْتَ. وهو المَكانُ المُنْخَفِضُ ضِدُّ المُصْعِدِ. ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِلْمُتَواضِعِ (p-٢٦١)كَأنَّهُ سَلَكَ نَفْسَهُ في الِانْخِفاضِ، والمُرادُ بِهِمْ هُنا المُؤْمِنُونَ؛ لِأنَّ التَّواضُعَ مِن شِيَمِهِمْ كَما كانَ التَّكَبُّرُ مِن سِماتِ المُشْرِكِينَ قالَ تَعالى ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّارٍ﴾ [غافر: ٣٥] . والوَجَلُ: الخَوْفُ الشَّدِيدُ. وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿قالَ إنّا مِنكم وجِلُونَ﴾ [الحجر: ٥٢] في سُورَةِ الحِجْرِ. وقَدْ أتْبَعَ صِفَةَ (المُخْبِتِينَ) بِأرْبَعِ صِفاتٍ وهي: وجَلُ القُلُوبِ عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ، والصَّبْرُ عَلى الأذى في سَبِيلِهِ، وإقامَةُ الصَّلاةِ، والإنْفاقُ. وكُلُّ هَذِهِ الصِّفاتِ الأرْبَعِ مَظاهِرُ لِلتَّواضُعِ فَلَيْسَ المَقْصُودُ مَن جَمَعَ تِلْكَ الصِّفاتِ؛ لِأنَّ بَعْضَ المُؤْمِنِينَ لا يَجِدُ ما يُنْفِقُ مِنهُ وإنَّما المَقْصُودُ مَن لَمْ يُخِلَّ بِواحِدَةٍ مِنها عِنْدَ إمْكانِها. والمُرادُ مِنَ الإنْفاقِ الإنْفاقُ عَلى المُحْتاجِينَ الضُّعَفاءِ مِنَ المُؤْمِنِينَ لِأنَّ ذَلِكَ هو دَأْبُ المُخْبِتِينَ. وأمّا الإنْفاقُ عَلى الضَّعِيفِ والأصْحابِ فَذَلِكَ مِمّا يَفْعَلُهُ المُتَكَبِّرُونَ مِنَ العَرَبِ كَما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿كُتِبَ عَلَيْكم إذا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرًا الوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ والأقْرَبِينَ﴾ [البقرة: ١٨٠] . وهو نَظِيرُ الإنْفاقِ عَلى النُّدَماءِ في مَجالِسِ الشَّرابِ. ونَظِيرُ إتْمامِ الإيسارِ في مَواقِعِ المَيْسِرِ، كَما قالَهُ النّابِغَةُ: ؎إنِّي أُتَمِّمُ أيْسارِي وأمْنَحُهم مُثْنِي الأيادِي وأكْسُو الجَفْنَةَ الأُدُما والمُرادُ بِالصَّبْرِ: الصَّبْرُ عَلى ما يُصِيبُهم مِنَ الأذى في سَبِيلِ الإسْلامِ. وأمّا الصَّبْرُ في الحُرُوبِ وعَلى فَقْدِ الأحِبَّةِ فَمِمّا تَشْتَرِكُ فِيهِ النُّفُوسُ الجَلْدَةُ مِنَ المُتَكَبِّرِينَ والمُخْبِتِينَ. وفي كَثِيرٍ مِن ذَلِكَ الصَّبْرِ فَضِيلَةٌ إسْلامِيَّةٌ إذا كانَ تَخَلُّقًا بِأدَبِ الإسْلامِ قالَ تَعالى ﴿وبَشِّرِ الصّابِرِينَ الَّذِينَ إذا أصابَتْهم مُصِيبَةٌ قالُوا إنّا لِلَّهِ وإنّا إلَيْهِ راجِعُونَ﴾ [البقرة: ١٥٥] الآيَةَ.