ركن التفسير
76 - (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) أي ما قدموا وما خلفوا وما عملوا وما هم عاملون بعد (وإلى الله ترجع الأمور)
وقوله " يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الأمور " أي يعلم ما يفعل برسله فيما أرسلهم به فلا يخفى عليه شيء من أمورهم كما قال " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا" - إلى قوله - وأحصى كل شيء عددا " فهو سبحانه رقيب عليهم شهيد على ما يقال لهم حافظ لهم ناصر لجنابهم " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " الآية.
﴿يَعْلَمُ ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ وما خَلْفَهم وإلى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ﴾ جُمْلَةٌ مُقَرِّرَةٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ ﴿إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [الحج: ٧٥] . وفائِدَتُها - زِيادَةً عَلى التَّقْرِيرِ - أنَّها تَعْرِيضٌ بِوُجُوبِ مُراقَبَتِهِمْ رَبَّهم في السِّرِّ والعَلانِيَةِ لِأنَّهُ لا تَخْفى عَلَيْهِ خافِيَةٌ. و﴿ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ﴾ مُسْتَعارٌ لِما يُظْهِرُونَهُ، وما خَلْفَهم هو ما يُخْفُونَهُ لِأنَّ الشَّيْءَ الَّذِي يُظْهِرُهُ صاحِبُهُ يَجْعَلُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ والشَّيْءَ الَّذِي يُخْفِيهِ يَجْعَلُهُ وراءَهُ. (p-٣٤٥)ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ﴿ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ﴾ مُسْتَعارًا لِما سَيَكُونُ مِن أحْوالِهِمْ لِأنَّها تُشْبِهُ الشَّيْءَ الَّذِي هو تُجاهَ الشَّخْصِ وهو يَمْشِي إلَيْهِ. وما خَلْفَهم مُسْتَعارٌ لِما مَضى وغَبَرَ مِن أحْوالِهِمْ لِأنَّها تُشْبِهُ ما تَرَكَهُ السّائِرُ وراءَهُ وتَجاوَزَهُ. وضَمِيرُ (أيْدِيهِمْ) و(خَلْفَهم) عائِدانِ: إمّا إلى المُشْرِكِينَ الَّذِينَ عادَ إلَيْهِمْ ضَمِيرُ ﴿فَلا يُنازِعُنَّكَ في الأمْرِ﴾ [الحج: ٦٧]، وإمّا إلى المَلائِكَةِ والنّاسِ. وإرْجاعُ الأُمُورِ إرْجاعُ القَضاءِ في جَزائِها مِن ثَوابٍ وعِقابٍ إلَيْهِ يَوْمَ القِيامَةِ. وبُنِيَ فِعْلُ (تُرْجَعُ) إلى النّائِبِ لِظُهُورِ مَن هو فاعِلُ الإرْجاعِ فَإنَّهُ لا يَلِيقُ إلّا بِاللَّهِ تَعالى، فَهو يُمْهِلُ النّاسَ في الدُّنْيا وهو يَرْجِعُ الأُمُورَ إلَيْهِ يَوْمَ القِيامَةِ. وتَقْدِيمُ المَجْرُورِ لِإفادَةِ الحَصْرِ الحَقِيقِيِّ، أيْ إلى اللَّهِ لا إلى غَيْرِهِ يَرْجِعُ الجَزاءُ لِأنَّهُ مَلِكُ يَوْمِ الدِّينِ. والتَّعْرِيفُ في (الأُمُورِ) لِلِاسْتِغْراقِ، أيْ كُلِّ أمْرٍ. وذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ البِشارَةِ والنِّذارَةِ تَبَعًا لِما قَبْلَهُ مِن قَوْلِهِ ﴿يَعْلَمُ ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ وما خَلْفَهُمْ﴾ .