ركن التفسير
39 - (قال رب انصرني بما كذبون)
قال رب انصرني بما كذبون " أي استفتح عليهم الرسول واستنصر ربه عليهم فأجاب دعاءة.
﴿قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ﴾ ﴿قالَ عَمّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ﴾ اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ؛ لِأنَّ ما حُكِيَ مِن صَدِّ المَلَأِ النّاسَ عِنْدَ اتِّباعِهِ وإشاعَتِهِمْ عَنْهُ أنَّهُ مُفْتَرٍ عَلى اللَّهِ وتَلْفِيقِهِمُ الحُجَجَ الباطِلَةَ عَلى ذَلِكَ مِمّا يُثِيرُ سُؤالَ سائِلٍ عَمّا (p-٥٨)كانَ مِن شَأْنِهِ وشَأْنِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَيُجابُ بِأنَّهُ تَوَجَّهَ إلى اللَّهِ الَّذِي أرْسَلَهُ بِالدُّعاءِ بِأنْ يَنْصُرَهُ عَلَيْهِمْ. وتَقَدَّمَ القَوْلُ في نَظِيرِهِ آنِفًا في قِصَّةِ نُوحٍ. وجاءَ جَوابُ دُعاءِ هَذا الرَّسُولِ غَيْرَ مَعْطُوفٍ؛ لِأنَّهُ جَرى عَلى أُسْلُوبِ حِكايَةِ المُحاوَراتِ الَّذِي بَيَّناهُ في مَواضِعَ مِنها قَوْلُهُ: ﴿قالُوا أتَجْعَلُ فِيها مَن يُفْسِدُ فِيها﴾ [البقرة: ٣٠] في سُورَةِ البَقَرَةِ. و(﴿عَمّا قَلِيلٍ﴾) أفادَ حَرْفُ (عَنْ) المُجاوَزَةَ، أيْ: مُجاوَزَةَ مَعْنى مُتَعَلَّقِها الِاسْمَ المَجْرُورَ بِها. ويَكْثُرُ أنْ تُفِيدَ مُجاوَزَةَ مَعْنى مُتَعَلَّقِها الِاسْمَ المَجْرُورَ بِها فَيَنْشَأُ مِنها مَعْنى (بَعْدَ) نَحْوَ ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ [الإنشقاق: ١٩] فَيُقالُ: إنَّها تَجِيءُ بِمَعْنى (بَعْدَ) كَما ذَكَرَهُ النُّحاةُ وهم جَرَوْا عَلى الظّاهِرِ وتَفْسِيرِ المَعْنى إذْ لا يَكُونُ حَرْفٌ بِمَعْنى اسْمٍ، فَإنَّ مَعانِيَ الحُرُوفِ ناقِصَةٌ ومَعانِيَ الأسْماءِ تامَّةٌ. فَمَعْنى ﴿عَمّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ﴾: أنَّ إصْباحَهم نادِمِينَ يَتَجاوَزُ زَمَنًا قَلِيلٍ، أيْ: مِن زَمانِ التَّكَلُّمِ وهو تَجاوُزٌ مَجازِيٌّ بِحَرْفِ (عَنْ) مُسْتَعارٌ لِمَعْنى (بَعْدَ) اسْتِعارَةً تَبَعِيَّةً. و(ما) زائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ. و(قَلِيلٍ) صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ السِّياقُ أوْ فِعْلُ الإصْباحِ الَّذِي هو مِن أفْعالِ الزَّمَنِ فَوَعَدَ اللَّهُ هَذا الرَّسُولَ نَصْرًا عاجِلًا. ونَدَمُهم يَكُونُ عِنْدَ رُؤْيَةِ مَبْدَأِ الِاسْتِئْصالِ ولا يَنْفَعُهم نَدَمُهم بَعْدَ حُلُولِ العَذابِ. والإصْباحُ هُنا مُرادٌ بِهِ زَمَنُ الصَّباحِ لا مَعْنى الصَّيْرُورَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ في سُورَةِ الحِجْرِ: ﴿فَأخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ﴾ [الحجر: ٨٣] .