ركن التفسير
80 - (وهو الذي يحيي) بنفخ الروح في المضغة (ويميت وله اختلاف الليل والنهار) بالسواد والبياض والزيادة والنقصان (أفلا تعقلون) صنعه تعالى فتعتبروا
ولهذا قال " وهو الذي يحيي ويميت " أي يحيي الرمم ويميت الأمم " وله اختلاف الليل والنهار " أي وعن أمره تسخير الليل والنهار كل منهما يطلب الآخر طلبا حثيثا يتعاقبان لا يفتران ولا يفترقان بزمان غيرهما كقوله " لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار " الآية. وقوله " أفلا تعقلون " أي أفليس لكم عقول تدلكم على العزيز العليم الذي قد قهر كل شيء وعز كل شيء وخضع له كل شيء ثم قال مخبرا عن منكري البعث الذين أشبهوا من قبلهم من المكذبين.
﴿وهْوَ الَّذِي يُحْيِي ويُمِيتُ ولَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ والنَّهارِ أفَلا تَعْقِلُونَ﴾ هُوَ مِن أُسْلُوبِ ﴿وهُوَ الَّذِي أنْشَأ لَكُمُ السَّمْعَ﴾ [المؤمنون: ٧٨] . وأُعْقِبَ ذِكْرُ الحَشْرِ بِذِكْرِ الإحْياءِ؛ لِأنَّ البَعْثَ إحْياءٌ إدْماجًا لِلِاسْتِدْلالِ عَلى إمْكانِ البَعْثِ في الِاسْتِدْلالِ عَلى عُمُومِ التَّصَرُّفِ في العالَمِ. وأمّا ذِكْرُ الإماتَةِ فَلِمُناسَبَةِ التَّضادِّ، ولِأنَّ فِيها دَلالَةً عَلى عَظِيمِ القُدْرَةِ والقَهْرِ. ولَمّا كانَ مِنَ الإحْياءِ خَلْقُ الإيقاظِ، ومِنَ الإماتَةِ خَلْقُ النَّوْمِ كَما قالَ تَعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِها﴾ [الزمر: ٤٢] الآيَةَ، عُطِفَ عَلى ذَلِكَ أنَّ بِقُدْرَتِهِ اخْتِلافُ اللَّيْلِ والنَّهارِ لِتِلْكَ المُناسَبَةِ، ولِأنَّ في تَصْرِيفِ اللَّيْلِ والنَّهارِ دَلالَةً عَلى عَظِيمِ القُدْرَةِ، والعِلْمُ دَلالَةٌ عَلى الِانْفِرادِ بِصِفاتِ الإلَهِيَّةِ وعَلى وُقُوعِ البَعْثِ كَما قالَ تَعالى: ﴿كَما بَدَأكم تَعُودُونَ﴾ [الأعراف: ٢٩] . (p-١٠٦)واللّامُ في ﴿لَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ والنَّهارِ﴾ [يونس: ٦] لِلْمِلْكِ، أيْ: بِقُدْرَتِهِ تَصْرِيفُ اللَّيْلِ والنَّهارِ، فالنَّهارُ يُناسِبُ الحَياةَ ولِذَلِكَ يُسَمّى الهُبُوبُ في النَّهارِ بَعْثًا، واللَّيْلُ يُناسِبُ المَوْتَ، ولِذَلِكَ سَمّى اللَّهُ النَّوْمَ وفاةً في قَوْلِهِ: ﴿وهُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكم بِاللَّيْلِ ويَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكم فِيهِ﴾ [الأنعام: ٦٠] . وتَقْدِيمُ المَجْرُورِ لِلْقَصْرِ، أيْ: لَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ والنَّهارِ لا لِغَيْرِهِ، أيْ: فَغَيْرُهُ لا تَحِقُّ لَهُ الإلَهِيَّةُ. ولَمّا كانَتْ هَذِهِ الأدِلَّةُ تُفِيدُ مَن نَظَرَ فِيها عِلْمًا بِأنَّ الإلَهَ واحِدٌ وأنَّ البَعْثَ واقِعٌ وكانَ المَقْصُودُونَ بِالخِطابِ قَدْ أشْرَكُوا بِهِ ولَمْ يَهْتَدُوا بِهَذِهِ الأدِلَّةِ جُعِلُوا بِمَنزِلَةِ غَيْرِ العُقَلاءِ فَأُنْكِرَ عَلَيْهِمْ عَدَمُ العَقْلِ بِالِاسْتِفْهامِ الإنْكارِيِّ المُفَرَّعِ عَلى الأدِلَّةِ الأرْبَعَةِ بِالفاءِ في قَوْلِهِ: أفَلا تَعْقِلُونَ. وهَذا تَذْيِيلٌ راجِعٌ إلى قَوْلِهِ: وإلَيْهِ تُحْشَرُونَ وما بَعْدَهُ.