موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الأحد 25 شوال 1445 هجرية الموافق ل05 ماي 2024


الآية [31] من سورة  

أَلَّا تَعْلُوا۟ عَلَىَّ وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ


ركن التفسير

31 - (ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين)

قال قتادة يقول لا تجبروا علي "وأتوني مسلمين" وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لا تمتنعوا ولا تتكبروا علي وأتوني مسلمين قال ابن عباس موحدين وقال غيره مخلصين وقال سفيان بن عينة طائعين.

(p-٢٥٨)﴿قالَتْ يا أيُّها المَلَأُ إنِّيَ أُلْقِيَ إلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ﴾ ﴿إنَّهُ مِن سُلَيْمانَ وإنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ﴿ألّا تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ . طُوِيَتْ أخْبارٌ كَثِيرَةٌ دَلَّ عَلَيْها ما بَيْنَ الخَبِرَيْنِ المَذْكُورَيْنِ مِنِ اقْتِضاءِ عِدَّةِ أحْداثٍ، إذِ التَّقْدِيرُ: فَذَهَبَ الهُدْهُدُ إلى سَبَأٍ فَرَمى بِالكِتابِ فَأبْلَغَ الكِتابَ إلى المَلِكَةِ وهي في مَجْلِسِ مُلْكِها فَقَرَأتْهُ قالَتْ: ﴿يا أيُّها المَلَأُ﴾ إلَخْ. وجُمْلَةُ (قالَتْ) مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا؛ لِأنَّ غَرابَةَ قِصَّةِ إلْقاءِ الكِتابِ إلَيْها يُثِيرُ سُؤالًا عَنْ شَأْنِها حِينَ بَلَغَها الكِتابُ. والمَلَأُ: الجَماعَةُ مِن أشْرافِ القَوْمِ وهم أهْلُ مَجْلِسِها. وظاهِرُ قَوْلِها (﴿أُلْقِيَ إلَيَّ﴾) أنَّ الكِتابَ سُلِّمَ إلَيْها دُونَ حُضُورِ أهْلِ مَجْلِسِها. وتَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ وذَلِكَ أنْ يَكُونَ نِظامُ بَلاطِها أنْ تُسَلَّمَ الرَّسائِلُ إلَيْها رَأْسًا. والإلْقاءُ تَقَدَّمَ آنِفًا. ووَصْفُ الكِتابِ بِالكَرِيمِ يَنْصَرِفُ إلى نَفاسَتِهِ في جِنْسِهِ كَما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَهم مَغْفِرَةٌ ورِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال: ٧٤] في سُورَةِ الأنْفالِ؛ بِأنْ كانَ نَفِيسَ الصَّحِيفَةِ نَفِيسَ التَّخْطِيطِ بَهِيجَ الشَّكْلِ مُسْتَوْفِيًا كُلَّ ما جَرَتْ عادَةُ أمْثالِهِمْ بِالتَّأنُّقِ فِيهِ. ومِن ذَلِكَ أنْ يَكُونَ مَخْتُومًا، وقَدْ قِيلَ: كَرَمُ الكِتابِ خَتْمُهُ لِيَكُونَ ما في ضِمْنِهِ خاصًّا بِاطِّلاعِ مَن أُرْسِلَ إلَيْهِ وهو يُطْلِعُ عَلَيْهِ مَن يَشاءُ ويَكْتُمُهُ عَمَّنْ يَشاءُ. قالَ ابْنُ العَرَبِيِّ: (الوَصْفُ بِالكَرَمِ في الكِتابِ غايَةُ الوَصْفِ؛ ألا تَرى إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾ [الواقعة: ٧٧] وأهْلُ الزَّمانِ يَصِفُونَ الكِتابَ بِالخَطِيرِ، والأثِيرِ، والمَبْرُورِ، فَإنْ كانَ لِمَلِكٍ قالُوا: العَزِيزُ، وأسْقَطُوا الكَرِيمَ غَفْلَةً وهو أفْضَلُها خَصْلَةً) . وأمّا ما يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الكِتابُ مِنَ المَعانِي فَلَمْ يَكُنْ مَحْمُودًا عِنْدَها؛ لِأنَّها قالَتْ: ﴿إنَّ المُلُوكَ إذا دَخَلُوا قَرْيَةً أفْسَدُوها وجَعَلُوا أعِزَّةَ أهْلِها أذِلَّةً﴾ [النمل: ٣٤] . ثُمَّ قَصَّتْ عَلَيْهِمُ الكِتابَ حِينَ قالَتْ: (﴿إنَّهُ مِن سُلَيْمانَ وإنَّهُ﴾) إلى آخِرِهِ. فَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ قَدْ تُرْجِمَ لَها قَبْلَ أنْ تَخْرُجَ إلى مَجْلِسِ مَشُورَتِها، ويُحْتَمَلُ أنْ (p-٢٥٩)تَكُونَ عارِفَةً بِالعِبْرانِيَّةِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الكِتابُ مَكْتُوبًا بِالعَرَبِيَّةِ القَحْطانِيَّةِ فَإنَّ عَظَمَةَ مُلْكِ سُلَيْمانَ لا تَخْلُو مِن كُتّابٍ عارِفِينَ بِلُغاتِ الأُمَمِ المُجاوِرَةِ لِمَمْلَكَتِهِ، وكَوْنُهُ بَلُغَتِهِ أظْهَرُ وأنْسَبُ بِشِعارِ المُلُوكِ، وقَدْ كَتَبَ النَّبِيءُ ﷺ لِلْمُلُوكِ بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ. أمّا الكَلامُ المَذْكُورُ في هَذِهِ الآيَةِ فَهو تَرْجَمَةُ الكِتابِ إلى اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ الفُصْحى بِتَضْمِينِ دَقائِقِهِ وخُصُوصِيّاتِ اللُّغَةِ الَّتِي أُنْشِئَ بِها. وقَوْلُهُ: ﴿إنَّهُ مِن سُلَيْمانَ﴾ هو مِن كَلامِ المَلِكَةِ ابْتَدَأتْ بِهِ مُخاطَبَةَ أهْلِ مَشُورَتِها لِإيقاظِ أفْهامِهِمْ إلى التَّدَبُّرِ في مَغْزاهُ؛ لِأنَّ اللّائِقَ بِسُلَيْمانَ أنْ لا يُقَدِّمَ في كِتابِهِ شَيْئًا قَبْلَ اسْمِ اللَّهِ تَعالى، وأنَّ مَعْرِفَةَ اسْمِ سُلَيْمانَ تُؤْخَذُ مِن خَتْمِهِ وهو خارِجُ الكِتابِ فَلِذَلِكَ ابْتَدَأتْ بِهِ أيْضًا. والتَّأْكِيدُ بِ (إنَّ) في المَوْضِعَيْنِ يُتَرْجِمُ عَمّا في كَلامِهِما بِاللُّغَةِ السَّبائِيَّةِ مِن عِباراتٍ دالَّةٍ عَلى اهْتِمامِها بِمُرْسِلِ الكِتابِ وبِما تَضَمَّنَهُ الكِتابُ اهْتِمامًا يُؤَدّى مِثْلُهُ في العَرَبِيَّةِ الفُصْحى بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ الَّذِي يَدُلُّ عَلى الِاهْتِمامِ في مَقامٍ لا شَكَّ فِيهِ. وتَكْرِيرُ حَرْفِ (إنَّ) بَعْدَ واوِ العَطْفِ إيماءٌ إلى اخْتِلافِ المَعْطُوفِ والمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِأنَّ المُرادَ بِالمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ذاتُ الكِتابَةِ والمُرادَ بِالمَعْطُوفِ مَعْناهُ وما اشْتَمَلَ عَلَيْهِ، كَما تَقُولُ: إنَّ فَلانًا لَحَسَنُ الطَّلْعَةِ وإنَّهُ لَزَكِيٌّ. وهَذا مِن خُصُوصِيّاتِ إعادَةِ العامِلِ بَعْدَ حَرْفِ العَطْفِ مَعَ إغْناءِ حَرْفِ العَطْفِ عَنْ ذِكْرِ العامِلِ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللَّهَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الأمْرِ مِنكُمْ﴾ [النساء: ٥٩]، أُعِيدَ (أطِيعُوا) لِاخْتِلافِ مَعْنى الطّاعَتَيْنِ؛ لِأنَّ طاعَةَ اللَّهِ تَنْصَرِفُ إلى الأعْمالِ الدِّينِيَّةِ وطاعَةَ الرَّسُولِ مُرادٌ بِها طاعَتُهُ في التَّصَرُّفاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ ولِذَلِكَ عُطِفَ عَلى الرَّسُولِ أُولُو الأمْرِ مِنَ الأُمَّةِ. وقَوْلُهُ: ﴿إنَّهُ مِن سُلَيْمانَ﴾ حِكايَةٌ لِمَقالِها، وعَرَفَتْ هي ذَلِكَ مِن عُنْوانِ الكِتابِ بِأعْلاهُ أوْ بِظاهِرِهِ عَلى حَسَبِ طَرِيقَةِ الرَّسائِلِ السُّلْطانِيَّةِ في ذَلِكَ العَهْدِ في بَنِي إسْرائِيلَ، مِثْلُ افْتِتاحِ كُتُبِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلى المُلُوكِ بِجُمْلَةِ (مِن مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ) . (p-٢٦٠)وافْتِتاحُ الكِتابِ بِجُمْلَةِ البَسْمَلَةِ يَدُلُّ عَلى أنَّ مُرادِفَها كانَ خاصًّا بِكُتُبِ النَّبِيءِ سُلَيْمانَ أنْ يُتْبِعَ اسْمَ الجَلالَةِ بِوَصْفَيِ: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَصارَ ذَلِكَ سُنَّةً لِافْتِتاحِ الأُمُورِ ذَواتِ البالِ في الإسْلامِ ادَّخَرَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ مِن بَقايا سُنَّةِ الأنْبِياءِ بَعْدَ أنْ تُنُوسِيَ ذَلِكَ فَإنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ أنَّ بَنِي إسْرائِيلَ افْتَتَحُوا كُتُبَهم بِاسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. رَوى أبُو داوُدَ في كِتابِ المَراسِيلِ: «أنَّ النَّبِيءَ ﷺ كانَ يَكْتُبُ (بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ) كَما كانَتْ قُرَيْشٌ تَكْتُبُ، فَلَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ صارَ يَكْتُبُ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»)، أيْ: صارَ يَكْتُبُ البَسْمَلَةَ في أوَّلِ كُتُبِهِ. وأمّا جَعْلُها فَصْلًا بَيْنَ السُّوَرِ أوْ آيَةً مِن كُلِّ سُورَةٍ فَمَسْألَةٌ أُخْرى. وكانَ كِتابُ سُلَيْمانَ وجِيزًا؛ لِأنَّ ذَلِكَ أنْسَبُ بِمُخاطَبَةِ مَن لا يُحْسِنُ لُغَةَ المُخاطِبِ فَيَقْتَصِرُ لَهُ عَلى المَقْصُودِ لِإمْكانِ تَرْجَمَتِهِ وحُصُولِ فَهْمِهِ فَأحاطَ كِتابُهُ بِالمَقْصُودِ، وهو تَحْذِيرُ مَلِكَةِ سَبَأٍ مِن أنْ تُحاوِلَ التَّرَفُّعَ عَلى الخُضُوعِ إلى سُلَيْمانَ والطّاعَةِ لَهُ كَما كانَ شَأْنُ المُلُوكِ المُجاوِرِينَ لَهُ بِمِصْرَ وصُورَ والعِراقِ. فالإتْيانُ المَأْمُورُ بِهِ في قَوْلِهِ: ﴿وأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ هو إتْيانٌ مَجازِيٌّ مِثْلُ ما يُقالُ: اتَّبِعْ سَبِيلِي. و(مُسْلِمِينَ) مُشْتَقٌّ مِن أسْلَمَ إذا تَقَلَّدَ الإسْلامَ. وإطْلاقُ اسْمِ الإسْلامِ عَلى الدِّينِ يَدُلُّ عَلى أنَّ سُلَيْمانَ إنَّما دَعا مَلِكَةَ سَبَأٍ وقَوْمَها إلى نَبْذِ الشِّرْكِ والِاعْتِرافِ لِلَّهِ بِالإلَهِيَّةِ والوَحْدانِيَّةِ ولَمْ يَدْعُهم إلى اتِّباعِ شَرِيعَةِ التَّوْراةِ؛ لِأنَّهم غَيْرُ مُخاطَبِينَ بِها وأمّا دَعْوَتُهم إلى إفْرادِ اللَّهِ بِالعِبادَةِ والِاعْتِرافِ لَهُ بِالوَحْدانِيَّةِ في الإلَهِيَّةِ فَذَلِكَ مِمّا خاطَبَ اللَّهُ بِهِ البَشَرَ كُلَّهم، وشاعَ ذَلِكَ فِيهِمْ مِن عَهْدِ آدَمَ ونُوحٍ وإبْراهِيمَ. وقَدْ بَيَّنّا ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلا تَمُوتُنَّ إلّا وأنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة: ١٣٢] في سُورَةِ البَقَرَةِ، قالَ تَعالى: ﴿ألَمْ أعْهَدْ إلَيْكم يا بَنِي آدَمَ أنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ﴾ [يس: ٦٠] . جَمَعَ سُلَيْمانُ بَيْنَ دَعْوَتِها إلى مُسالَمَتِهِ وطاعَتِهِ، وذَلِكَ تَصَرُّفٌ بِصِفَةِ المُلْكِ، وبَيْنَ دَعْوَةِ قَوْمِها إلى اتِّباعِ دِينِ التَّوْحِيدِ وذَلِكَ تَصَرُّفٌ بِالنُّبُوءَةِ؛ لِأنَّ النَّبِيءَ يُلْقِي الإرْشادَ إلى الهُدى حَيْثُما تَمَكَّنَ مِنهُ كَما قالَ شُعَيْبٌ: ﴿إنْ أُرِيدُ إلّا الإصْلاحَ ما اسْتَطَعْتُ﴾ [هود: ٨٨] وهَذا نَظِيرُ قَوْلِ يُوسُفَ لِصاحِبَيِ السِّجْنِ: ﴿أأرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أمِ اللَّهُ الواحِدُ القَهّارُ﴾ [يوسف: ٣٩] الآيَةَ. وإنْ كانَ لَمْ يُرْسَلْ (p-٢٦١)إلَيْهِمْ، فالأنْبِياءُ مَأْمُورُونَ أمْرًا عامًّا بِالإرْشادِ إلى الحَقِّ وكَذَلِكَ دُعاءُ سُلَيْمانَ هُنا، وقالَ النَّبِيءُ ﷺ: «لَأنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِن حُمْرِ النَّعَمِ» فَهَذِهِ سُنَّةُ الشَّرائِعِ؛ لِأنَّ الغايَةَ المُهِمَّةَ عِنْدَها هو إصْلاحُ النُّفُوسِ دُونَ التَّشَفِّي وحُبِّ الغَلَبَةِ. وحَرْفُ (أنْ) مِن قَوْلِهِ: ﴿أنْ لا تَعْلُوا عَلَيَّ﴾ في مَوْقِعِهِ غُمُوضٌ؛ لِأنَّ الظّاهِرَ أنَّهُ مِمّا شَمَلَهُ كِتابُ سُلَيْمانَ لِوُقُوعِهِ بَعْدَ البَسْمَلَةِ الَّتِي هي مَبْدَأُ الكِتابِ. وهَذا الحَرْفُ لا يَخْلُو مِن كَوْنِهِ (أنِ) المَصْدَرِيَّةَ النّاصِبَةَ لِلْمُضارِعِ، أوِ المُخَفَّفَةَ مِنَ الثَّقِيلَةِ، أوِ التَّفْسِيرِيَّةَ. فَأمّا مَعْنى (أنِ) المَصْدَرِيَّةِ النّاصِبَةِ لِلْمُضارِعِ فَلا يَتَّضِحُ؛ لِأنَّها تَسْتَدْعِي عامِلًا يَكُونُ مَصْدَرُها المُنْسَبِكُ بِها مَعْمُولًا لَهُ ولَيْسَ في الكَلامِ ما يَصْلُحُ لِذَلِكَ لَفْظًا مُطْلَقًا ولا مَعْنًى إلّا بِتَعَسُّفٍ وقَدْ جَوَّزَهُ ابْنُ هِشامٍ في مُغْنِي اللَّبِيبِ في بَحْثِ (ألّا) الَّذِي هو حَرْفُ تَحْضِيضٍ وهو وُجْهَةُ شَيْخِنا مُحَمَّدٍ النَّجّارِ رَحِمَهُ اللَّهُ بِأنْ يَجْعَلَ (﴿أنْ لا تَعْلُوا﴾) إلَخْ خَبَرًا عَنْ ضَمِيرِ (كِتابٌ) في قَوْلِهِ: (وإنَّهُ) فَحَيْثُ كانَ مَضْمُونُ الكِتابِ النَّهْيَ عَنِ العُلُوِّ جُعِلَ (﴿أنْ لا تَعْلُوا﴾) نَفْسَ الكِتابِ كَما يَقَعُ الإخْبارُ بِالمَصْدَرِ. وهَذا تَكَلُّفٌ؛ لِأنَّهُ يَقْتَضِي الفَصْلَ بَيْنَ أجْزاءِ الكِتابِ بِقَوْلِهِ: (﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾) . وأمّا مَعْنى المُخَفَّفَةِ مِنَ الثَّقِيلَةِ فَكَذَلِكَ؛ لِوُجُوبِ سَدِّ مَصْدَرٍ مَسَدَّها وكَوْنِها مَعْمُولَةً لِعامِلٍ، ولَيْسَ في الكَلامِ ما يَصْلُحُ لِذَلِكَ أيْضًا. وقَدْ ذُكِرَ وجْهًا ثالِثًا في الآيَةِ في بَعْضِ نُسَخِ مُغْنِي اللَّبِيبِ في بَحْثِ (ألّا) أيْضًا، ولَمْ يُوجَدْ في النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ مِنَ المُغْنِي ولا مِن شُرُوحِهِ، ولَعَلَّهُ مِن زِياداتِ بَعْضِ الطَّلَبَةِ. وقَدِ اقْتَصَرَ في الكَشّافِ عَلى وجْهِ التَّفْسِيرِيَّةِ لِعِلْمِهِ بِأنَّ غَيْرَ ذَلِكَ لا يَنْبَغِي أنْ يُفْرَضَ. وأعْقَبَهُ بِما رُوِيَ مِن نُسْخَةِ كِتابِ سُلَيْمانَ لِيَظْهَرَ أنَّ لَيْسَ في كِتابِ سُلَيْمانَ ما يُقابِلُ حَرْفَ (أنْ) فَلِذَلِكَ تَتَعَيَّنُ (أنْ) لِمَعْنى التَّفْسِيرِيَّةِ لِضَمِيرِ (وإنَّهُ) العائِدِ إلى (كِتابٌ) كَما عَلِمْتَهُ آنِفًا؛ لِأنَّهُ لَمّا كانَ عائِدًا إلى (كِتابٌ) كانَ بِمَعْنى مُعادِهِ فَكانَ مِمّا فِيهِ مَعْنى القَوْلِ دُونَ حُرُوفِهِ فَصَحَّ وقْعُ (أنْ) بَعْدَهُ فَيَكُونُ (أنْ) مِن كَلامِ (p-٢٦٢)مَلِكَةِ سَبَأٍ فَسَّرَتْ بِها وبِما بَعْدَها مَضْمُونَ (كِتابٌ) في قَوْلِها: ﴿أُلْقِيَ إلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ﴾ . و(﴿ألّا تَعْلُوا عَلَيَّ﴾) يَكُونُ هو أوَّلَ كِتابِ سُلَيْمانَ، وأنَّها حِكايَةٌ لِكَلامِ بِلْقِيسَ. قالَ في الكَشْفِ: يَتَبَيَّنُ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿إنَّهُ مِن سُلَيْمانَ﴾ بَيانٌ لِعُنْوانِ الكِتابِ وأنَّ قَوْلَهُ: ﴿وإنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ إلَخْ بَيانٌ لِمَضْمُونِ الكِتابِ فَلا يَرِدُ سُؤالُ كَيْفَ قَدَّمَ قَوْلَهُ: (﴿إنَّهُ مِن سُلَيْمانَ﴾) عَلى (﴿وإنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾) . ولَمْ تَزَلْ نَفْسِي غَيْرَ مُنْثَلِجَةٍ لِهَذِهِ الوُجُوهِ في هَذِهِ الآيَةِ، ويَخْطُرُ بِبالِي أنَّ مَوْقِعَ (أنْ) هَذِهِ اسْتِعْمالٌ خاصٌّ في افْتِتاحِ الكَلامِ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ المُتَكَلِّمُ في أوَّلِ كَلامِهِ. وأنَّها المُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ. وقَدْ رَأيْتُ في بَعْضِ خُطَبِ النَّبِيءِ ﷺ الِافْتِتاحَ بِ (أنْ) في ثانِي خُطْبَةٍ خَطَبَها بِالمَدِينَةِ في سِيرَةِ ابْنِ إسْحاقَ. وذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ: أنِ الحَمْدُ، مَضْبُوطٌ بِضَمَّةٍ عَلى تَقْدِيرِ ضَمِيرِ الأمْرِ والشَّأْنِ. ولَكِنَّ كَلامَهُ جَرى عَلى أنَّ حَرْفَ (إنَّ) مَكْسُورُ الهَمْزَةِ مُشَدَّدُ النُّونِ. ويَظْهَرُ لِي أنَّ الهَمْزَةَ مَفْتُوحَةٌ وأنَّهُ اسْتِعْمالٌ لِـ (أنِ) المُخَفَّفَةِ مِنَ الثَّقِيلَةِ في افْتِتاحِ الأُمُورِ المُهِمَّةِ وأنَّ مِنهُ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وآخِرُ دَعْواهم أنِ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾ [يونس: ١٠] . و﴿ألّا تَعْلُوا عَلَيَّ﴾ نَهْيٌ مُسْتَعْمَلٌ في التَّهْدِيدِ ولِذَلِكَ أتْبَعَتْهُ مَلِكَةُ سَبَأٍ بِقَوْلِها: ﴿يا أيُّها المَلَأُ أفْتُونِي في أمْرِي﴾ [النمل: ٣٢] .


ركن الترجمة

Do not rise against me, but come to me in submission.'

Ne soyez pas hautains avec moi et venez à moi en toute soumission».

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :