ركن التفسير
6 - (وإنك) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم (لتلقى القرآن) يلقى عليك بشدة (من لدن) من عند (حكيم عليم) في ذلك
أي "وإنك" يا محمد "لتلقى" أي لتأخذ "القرآن من لدن حكيم عليم" أي من عند حكيم عليم أي حكيم في أمره ونهيه عليم بالأمور جليلها وحقرها فخبره هو الصدق المحض وحكمه هو العدل التام كما قال تعالى: "وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا".
﴿وإنَّكَ لَتُلَقّى القُرْآنَ مِن لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ . عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ (﴿تِلْكَ آياتُ القُرْآنِ﴾ [النمل: ١]) انْتِقالٌ مِنَ التَّنْوِيهِ بِالقُرْآنِ إلى التَّنْوِيهِ بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ بِأنَّ القُرْآنَ آياتٌ دالَّةٌ عَلى أنَّهُ كِتابٌ مُبِينٌ. وذَلِكَ آيَةُ أنَّهُ مِن عِنْدِ اللَّهِ، ثُمَّ بِأنَّهُ آيَةٌ عَلى صِدْقِ مَن أُنْزِلَ عَلَيْهِ إذْ أنْبَأهُ بِأخْبارِ الأنْبِياءِ والأُمَمِ الماضِينَ الَّتِي ما كانَ يَعْلَمُها هو ولا قَوْمُهُ قَبْلَ القُرْآنِ. وما كانَ يَعْلَمُ خاصَّةُ أهْلِ الكِتابِ إلّا قَلِيلًا مِنها وأكْثَرُهُ مُحَرَّفٌ. وأيْضًا فَهَذا تَمْهِيدٌ لِما يَذْكُرُ بَعْدَهُ مِنَ القِصَصِ. و(تُلَقّى) مُضارِعُ لَقّاهُ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ، أيْ: جَعَلَهُ لاقَيًا. واللُّقِيُّ واللِّقاءُ: وُصُولُ أحَدِ الشَّيْئَيْنِ إلى شَيْءٍ آخَرَ قَصْدًا أوْ مُصادَفَةً. والتَّلْقِيَةُ: جَعْلُ الشَّيْءِ لاقِيًا غَيْرَهُ، قالَ تَعالى: ﴿ولَقّاهم نَضْرَةً وسُرُورًا﴾ [الإنسان: ١١]، وهو هُنا تَمْثِيلٌ لِحالِ إنْزالِ القُرْآنِ إلى النَّبِيءِ ﷺ بِحالِ التَّلْقِيَةِ كَأنَّ جِبْرِيلَ سَعى لِلْجَمْعِ بَيْنَ النَّبِيءِ ﷺ والقُرْآنِ. وإنَّما بُنِيَ الفِعْلُ إلى غَيْرِ مَذْكُورٍ لِلْعِلْمِ بِأنَّهُ لِلَّهِ أوْ جِبْرِيلَ، والمَعْنى واحِدٌ: وهو يَكُونُ التَّأْكِيدُ مُوَجَّهًا إلى السّامِعِينَ مِنَ الكُفّارِ عَلى طَرِيقَةِ التَّعْرِيضِ. وفِي إقْحامِ اسْمِ (لَدُنْ) بَيْنَ (مِن) و(حَكِيمٍ) تَنْبِيهٌ عَلى شِدَّةِ انْتِسابِ القُرْآنِ إلى جانِبِ اللَّهِ تَعالى فَإنَّ أصْلَ (لَدُنْ) الدَّلالَةُ عَلى المَكانِ مِثْلُ (عِنْدَ) ثُمَّ شاعَ (p-٢٢٤)إطْلاقُها عَلى ما هو مِن خَصائِصِ ما تُضافُ هي إلَيْهِ تَنْوِيهًا بِشَأْنِهِ، قالَ تَعالى: ﴿وعَلَّمْناهُ مِن لَدُنّا عِلْمًا﴾ [الكهف: ٦٥] . والحَكِيمُ: القَوِيُّ الحِكْمَةِ، والعَلِيمُ: الواسِعُ العِلْمِ. وفي التَّنْكِيرِ إيذانٌ بِتَعْظِيمِ هَذا الحَكِيمِ العَلِيمِ كَأنَّهُ قِيلَ: مِن حَكِيمٍ: أيُّ حَكِيمٍ، وعَلِيمٍ: أيُّ عَلِيمٍ. وفِي الوَصْفَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ مُناسَبَةٌ لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ولِلْمُمَهَّدِ إلَيْهِ، فَإنَّ ما في القُرْآنِ دَلِيلٌ عَلى حِكْمَةِ وعِلْمِ مَن أوْحى بِهِ، وأنَّ ما يُذْكَرُ هُنا مِنَ القَصَصِ وما يُسْتَخْلَصُ مِنها مِنَ المَغازِي والأمْثالِ والمَوْعِظَةِ، مِن آثارِ حِكْمَةِ وعَلْمِ حَكِيمٍ عَلِيمٍ وكَذَلِكَ ما في ذَلِكَ مِن تَثْبِيتِ فُؤادِ الرَّسُولِ ﷺ .