ركن التفسير
70 - (ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون) تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم أي لا تهتم بمكرهم عليك فإنا ناصروك عليهم
ثم قال تعالى مسليا لنبيه صلى الله عليه وسلم "ولا تحزن عليهم" أي المكذبين بما جئت به ولا تأسف عليهم وتذهب نفسك عليهم حسرات "ولا تكن في ضيق مما يمكرون" أي في كيدك ورد ما جئت به فإن الله مؤيدك وناصرك ومظهر دينك على من خالفه وعانده في المشارق والمغارب.
﴿ولا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ولا تَكُ في ضَيْقٍ مِمّا يَمْكُرُونَ﴾ كانَتِ الرَّحْمَةُ غالِبَةً عَلى النَّبِيءِ ﷺ والشَّفَقَةُ عَلى الأُمَّةِ مِن خِلالِهِ، فَلَمّا أُنْذِرَ المُكَذِّبُونَ بِهَذا الوَعِيدِ تَحَرَّكَتِ الشَّفَقَةُ في نَفْسِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَرَبَطَ اللَّهُ عَلى قَلْبِهِ بِهَذا التَّشْجِيعِ أنْ لا يَحْزَنَ عَلَيْهِمْ إذا أصابَهم ما أُنْذِرُوا بِهِ. وكانَ مِن رَحْمَتِهِ ﷺ حِرْصُهُ عَلى إقْلاعِهِمْ عَمّا هم عَلَيْهِ مِن تَكْذِيبِهِ والمَكْرِ بِهِ، فَألْقى اللَّهُ في رُوعِهِ رِباطَةَ جاشٍ بِقَوْلِهِ ﴿ولا تَكُنْ في ضَيْقٍ مِمّا يَمْكُرُونَ﴾ . والضَّيْقُ: بِفَتْحِ الضّادِ وكَسْرِها، قَرَأهُ الجُمْهُورُ بِالفَتْحِ، وابْنُ كَثِيرٍ بِالكَسْرِ. وحَقِيقَتُهُ: عَدَمُ كِفايَةِ المَكانِ أوِ الوِعاءِ لِما يُرادُ حُلُولُهُ فِيهِ، وهو هُنا مَجازٌ في الحالَةِ (p-٢٧)الحَرِجَةِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلنَّفْسِ عِنْدَ كَراهِيَةِ شَيْءٍ فَيُحِسُّ المَرْءُ في مَجارِي نَفَسِهِ بِمِثْلِ ضَيْقٍ عَرَضَ لَها. وإنَّما هو انْضِغاطٌ في أعْصابِ صَدْرِهِ. وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ ولا تَكُ في ضَيْقٍ مِمّا يَمْكُرُونَ في آخِرِ سُورَةِ النَّحْلِ. والظَّرْفِيَّةُ مَجازِيَّةٌ، أيْ لا تَكُنْ مُلْتَبِسًا ومَحُوطًا بِشَيْءٍ مِنَ الضَّيْقِ بِسَبَبِ مَكْرِهِمْ. والمَكْرُ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ومَكَرُوا ومَكَرَ اللَّهُ في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ. و”ما“ مَصْدَرِيَّةٌ، أيْ مِن مَكْرِهِمْ.