ركن التفسير
85 - (ووقع القول) حق العذاب (عليهم بما ظلموا) أشركوا (فهم لا ينطقون) إذ لا حجة لهم
أي بهتوا فلم يكن لهم جواب لأنهم كانوا في الدار الدنيا ظلمة لأنفسهم وقد ردوا إلى عالم الغيب والشهادة الذي لا تخفى عليه خافية.
(p-٤٢)﴿ووَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهم لا يَنْطِقُونَ﴾ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ الواوُ لِلْحالِ، والمَعْنى: يُقالُ لَهم أكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وقَدْ وقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ. وهَذا القَوْلُ هو القَوْلُ السّابِقُ في آيَةِ ﴿وإذا وقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ﴾ [النمل: ٨٢] فَإنَّ ذَلِكَ القَوْلَ مُشْتَمِلٌ عَلى حَوادِثَ كَثِيرَةٍ فَكُلَّما تَحَقَّقَ شَيْءٌ مِنها فَقَدْ وقَعَ القَوْلُ. والتَّعْبِيرُ بِالماضِي في قَوْلِهِ ”وقَعَ“ هُنا عَلى حَقِيقَتِهِ، وأُعِيدَ ذِكْرُهُ تَعْظِيمًا لِهَوْلِهِ. ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الواوُ عاطِفَةً والقَوْلُ هو القَوْلُ الأوَّلُ وعُطِفَتِ الجُمْلَةُ عَلى الجُمْلَةِ المُماثِلَةِ لَها لِيُبْنى عَلَيْها سَبَبُ وُقُوعِ القَوْلِ وهو أنَّهُ بِسَبَبِ ظُلْمِهِمْ ولِيُفَرَّعَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ﴿فَهم لا يَنْطِقُونَ﴾ والتَّعْبِيرُ بِفِعْلِ المُضِيِّ عَلى هَذا الوَجْهِ؛ لِأنَّهُ مُحَقَّقُ الحُصُولِ في المُسْتَقْبَلِ فَجُعِلَ كَأنَّهُ حَصَلَ ومَضى. وما ظَلَمُوا بِمَعْنى المَصْدَرِ، والباءُ السَّبَبِيَّةُ، أيْ بِسَبَبِ ظُلْمِهِمْ، والظُّلْمُ هُنا الشِّرْكُ وما يَتْبَعُهُ مِنَ الِاعْتِداءِ عَلى حُقُوقِ اللَّهِ وحُقُوقِ المُؤْمِنِينَ فَكانَ ظُلْمُهم سَبَبَ حُلُولِ الوَعِيدِ بِهِمْ، وفي الحَدِيثِ «الظُّلْمُ ظُلُماتٌ يَوْمَ القِيامَةِ» فَكُلُّ مَن ظَلَمَ سَيَقَعُ عَلَيْهِ القَوْلُ المَوْعُودُ بِهِ الظّالِمُونَ؛ لِأنَّ الظُّلْمَ يَنْتَسِبُ إلى الشِّرْكِ ويَنْتَسِبُ هَذا إلَيْهِ كَما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهم خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا﴾ [النمل: ٥٢] في هَذِهِ السُّورَةِ. وجُمْلَةُ ﴿فَهم لا يَنْطِقُونَ﴾ مُفَرَّعَةٌ عَلى ﴿وقَعَ القَوْلُ﴾ [النمل: ٨٢] أيْ وقَعَ عَلَيْهِمْ وُقُوعًا يَمْنَعُهُمُ الكَلامَ، أيْ كَلامَ الِاعْتِذارِ أوِ الإنْكارِ، أيْ فَوَجَمُوا لِوُقُوعِ ما وُعِدُوا بِهِ قالَ تَعالى ﴿هَذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ﴾ [المرسلات: ٣٥] ﴿ولا يُؤْذَنُ لَهم فَيَعْتَذِرُونَ﴾ [المرسلات: ٣٦] .