موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الجمعة 16 شوال 1445 هجرية الموافق ل26 أبريل 2024


الآية [25] من سورة  

إِنِّىٓ ءَامَنتُ بِرَبِّكُمْ فَٱسْمَعُونِ


ركن التفسير

25 - (إني آمنت بربكم فاسمعون) اسمعوا قولي فرجموه فمات

وقوله تعالى: "إني آمنت بربكم فاسمعون" قال ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن عباس رضي الله عنهما وكعب ووهب يقول لقومه "إني آمنت بربكم" الذي كفرتم به "فاسمعون" أي فاسمعوا قولي ويحتمل أن يكون خطابه للرسل بقوله "إني آمنت بربكم" أي الذي أرسلكم "فاسمعون" أي فاشهدوا لي بذلك عنده وقد حكاه ابن جرير فقال وقال آخرون بل خاطب بذلك الرسل وقال لهم اسمعوا قولي لتشهدوا لي بما أقول لكم عند ربي إنى آمنت بربكم واتبعتكم وهذا القول الذي حكاه عن هؤلاء أظهر في المعنى والله أعلم. قال ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن عباس رضي الله عنهما وكعب ووهب رضي الله عنهم فلما قال ذلك وثبوا عليه وثبة رجل واحد فقتلوه ولم يكن له أحد يمنع عنه وقال قتادة جعلوا يرجمونه بالحجارة وهو يقول اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون فلم يزالوا به حتى أقعصوه وهو يقول كذلك فقتلوه رحمه الله.

﴿وجاءَ مِن أقْصى المَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا المُرْسَلِينَ﴾ ﴿اتَّبِعُوا مَن لا يَسْألُكم أجْرًا وهم مُهْتَدُونَ﴾ ﴿وما لِيَ لا أعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ ﴿أأتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهم شَيْئًا ولا يُنْقِذُونِ﴾ ﴿إنِّيَ إذًا لَفي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ ﴿إنِّيَ آمَنتُ بِرَبِّكم فاسْمَعُونِ﴾ عُطِفَ عَلى قِصَّةِ التَّحاوُرِ الجارِي بَيْنَ أصْحابِ القَرْيَةِ والرُّسُلِ الثَّلاثَةِ لِبَيانِ البَوْنِ بَيْنَ حالِ المُعانِدِينَ مِن أهَّلِ القَرْيَةِ وحالِ الرَّجُلِ المُؤْمِنِ مِنهُمُ الَّذِي وعَظَهم بِمَوْعِظَةٍ بالِغَةٍ وهو مِن نَفَرٍ قَلِيلٍ مِن أهْلِ القَرْيَةِ. فَلَكَ أنْ تَجْعَلَ جُمْلَةَ ﴿وجاءَ مِن أقْصى المَدِينَةِ﴾ عَطْفًا عَلى جُمْلَةِ جاءَها المُرْسَلُونَ ولَكَ أنْ تَجْعَلَها عَطْفًا عَلى جُمْلَةِ ﴿فَقالُوا إنّا إلَيْكم مُرْسَلُونَ﴾ [يس: ١٤] . والمُرادُ بِالمَدِينَةِ هُنا نَفْسُ القَرْيَةِ المَذْكُورَةِ في قَوْلِهِ (﴿أصْحابَ القَرْيَةِ﴾ [يس: ١٣]) عُبِّرَ عَنْها هُنا بِالمَدِينَةِ تَفَنُّنًا، فَيَكُونُ أقْصى صِفَةً لِمَحْذُوفٍ هو المُضافُ في المَعْنى إلى المَدِينَةِ. والتَّقْدِيرُ: مِن بَعِيدِ المَدِينَةِ، أيْ طَرَفِ المَدِينَةِ، وفائِدَةُ ذِكْرِ أنَّهُ جاءَ مِن أقْصى المَدِينَةِ الإشارَةُ إلى أنَّ الإيمانَ بِاللَّهِ ظَهَرَ في أهْلِ رَبَضِ المَدِينَةِ قَبْلَ ظُهُورِهِ في قَلْبِ المَدِينَةِ لِأنَّ قَلْبَ المَدِينَةِ هو مَسْكَنُ حُكّامِها وأحْبارِ اليَهُودِ وهم أبْعَدُ عَنِ الِإنْصافِ والنَّظَرِ في صِحَّةِ ما يَدْعُوهم إلَيْهِمُ الرُّسُلُ، وعامَّةُ سُكّانِها تَبَعٌ لِعُظَمائِها لِتَعَلُّقِهِمْ بِهِمْ وخَشْيَتِهِمْ بَأْسَهم بِخِلافِ أطْرافِ سُكّانِ المَدِينَةِ فَهم أقْرَبُ إلى الِاسْتِقْلالِ بِالنَّظَرِ وقِلَّةِ اكْتِراثٍ بِالآخَرِينَ لِأنَّ سُكّانَ أطْرافِ المَدِينَةِ غالِبُهم عَمَلَةُ أنْفُسِهِمْ لِقُرْبِهِمْ مِنَ البَدْوِ. وبِهَذا يَظْهَرُ وجْهُ تَقْدِيمِ (مِن أقْصى المَدِينَةِ) عَلى (رَجُلٍ) لِلِاهْتِمامِ بِالثَّناءِ (p-٣٦٦)عَلى أهْلِ أقْصى المَدِينَةِ. وأنَّهُ قَدْ يُوجَدُ الخَيْرُ في الأطْرافِ ما لا يُوجَدُ في الوَسَطِ، وأنَّ الإيمانَ يَسْبِقُ إلَيْهِ الضُّعَفاءُ لِأنَّهم لا يَصُدُّهم عَنِ الحَقِّ ما فِيهِ أهَّلُ السِّيادَةِ مِن تَرَفُّقٍ وعَظَمَةٍ إذِ المُعْتادُ أنَّهم يَسْكُنُونَ وسَطَ المَدِينَةِ، قالَ أبُو تَمّامٍ: ؎كانَتْ هي الوَسَطَ المَحْمِيَّ فاتَّصَلَتْ بِها الحَوادِثُ حَتّى أصْبَحَتْ طَرَفا وأمّا قَوْلُهُ تَعالى في سُورَةِ القَصَصِ ﴿وجاءَ رَجُلٌ مِن أقْصى المَدِينَةِ يَسْعى﴾ [القصص: ٢٠] . فَجاءَ النَّظْمُ عَلى التَّرْتِيبِ الأصْلِيِّ إذْ لا داعِي إلى التَّقْدِيمِ إذْ كانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ ناصِحًا ولَمْ يَكُنْ داعِيًا لِلْإيمانِ. وعَلى هَذا فَهَذا الرَّجُلُ غَيْرُ مَذْكُورٍ في سِفْرِ أعْمالِ الرُّسُلِ وهو مِمّا امْتازَ القُرْآنُ بِالإعْلامِ بِهِ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وأصْحابِهِ وُجِدَ أنَّ اسْمَهُ حَبِيبُ بْنُ مُرَّةَ قِيلَ كانَ نَجّارًا - وقِيلَ غَيْرَ ذَلِكَ - فَلَمّا أشْرَفَ الرُّسُلُ عَلى المَدِينَةِ رَآهم ورَأى مُعْجِزَةً لَهم أوْ كَرامَةً فَآمَنَ. وقِيلَ: كانَ مُؤْمِنًا مِن قَبْلُ، ولا يَبْعُدُ أنْ يَكُونَ هَذا الرَّجُلُ الَّذِي وصَفَهُ المُفَسِّرُونَ بِالنَّجّارِ أنَّهُ هو ”سَمْعانُ“ الَّذِي يُدْعى ”بِالنَّيْجَرِ“ المَذْكُورُ في الإصْحاحِ الحادِيَ عَشَرَ مِن سِفْرِ أعْمالِ الرُّسُلِ وأنَّ وصْفَ النَّجّارِ مُحَرَّفٌ عَنْ ”نَيْجَر“ فَقَدْ جاءَ في الأسْماءِ الَّتِي جَرَتْ في كَلامِ المُفَسِّرِينَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ اسْمُ شَمْعُونَ الصَّفا أوْ سَمْعانَ. ولَيْسَ هَذا الِاسْمُ مَوْجُودًا في كِتابِ أعْمالِ الرُّسُلِ. ووَصْفُ الرَّجُلِ بِالسَّعْيِ يُفِيدُ أنَّهُ جاءَ مُسْرِعًا وأنَّهُ بَلَغَهُ هَمُّ أهْلِ المَدِينَةِ بِرَجْمِ الرُّسُلِ أوْ تَعْذِيبِهِمْ، فَأرادَ أنْ يَنْصَحَهم خَشْيَةً عَلَيْهِمْ وعَلى الرُّسُلِ، وهَذا ثَناءٌ عَلى هَذا الرَّجُلِ يُفِيدُ أنَّهُ مِمَّنْ يُقْتَدى بِهِ في الإسْراعِ إلى تَغَيُّرِ المُنْكَرِ. وجُمْلَةُ قالَ (يا قَوْمِ) بَدَلُ اشْتِمالٍ مِن جُمْلَةِ (جاءَ رَجُلٌ) لِأنَّ مَجِيئَهُ لَمّا كانَ لِهَذا الغَرَضِ كانَ مِمّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ المَجِيءُ المَذْكُورُ. وافْتِتاحُ خِطابِهِ إيّاهم بِنِدائِهِمْ بِوَصْفِ القَوْمِيَّةِ لَهُ قَصْدٌ مِنهُ أنَّ في كَلامِهِ الإيماءَ إلى أنَّ ما سَيُخاطِبُهم بِهِ هو مَحْضُ نَصِيحَةٍ لِأنَّهُ يُحِبُّ لِقَوْمِهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ. والِاتِّباعُ: الِامْتِثالُ، اسْتُعِيرَ لَهُ الِاتِّباعُ تَشْبِيهًا لِلْأخْذِ بِرَأْيِ غَيْرِهِ بِالمُتَّبِعِ لَهُ في سَيْرِهِ. والتَّعْرِيفُ في المُرْسَلِينَ لِلْعَهْدِ. (p-٣٦٧)وجُمْلَةُ ﴿اتَّبِعُوا مَن لا يَسْألُكم أجْرًا﴾ مُؤَكِّدَةٌ لِجُمْلَةِ (﴿اتَّبِعُوا المُرْسَلِينَ﴾) مَعَ زِيادَةِ الإيماءِ إلى عِلَّةِ اتِّباعِهِمْ بِلَوائِحِ عَلاماتِ الصِّدْقِ والنُّصْحِ عَلى رِسالَتِهِمْ إذْ هم يَدْعُونَ إلى هُدًى، ولا نَفْعَ يَنْجَرُّ لَهم مِن ذَلِكَ فَتَمَحَّضَتْ دَعْوَتُهم لِقَصْدِ هِدايَةِ المُرْسَلِ إلَيْهِمْ، وهَذِهِ كَلِمَةٌ حِكْمَةٌ جامِعَةٌ، أيِ اتَّبِعُوا مَن لا تَخْسَرُونَ مَعَهم شَيْئًا مِن دُنْياكم وتَرْبَحُونَ صِحَّةَ دِينِكم. وإنَّما قُدِّمَ في الصِّلَةِ عَدَمُ سُؤالِ الأجْرِ عَلى الِاهْتِداءِ لِأنَّ القَوْمَ كانُوا في شَكٍّ مِن صِدْقِ المُرْسَلِينَ وكانَ مِن دَواعِي تَكْذِيبِهِمُ اتِّهامُهم بِأنَّهم يَجُرُّونَ لِأنْفُسِهِمْ نَفْعًا مِن ذَلِكَ لِأنَّ القَوْمَ لَمّا غَلَبَ عَلَيْهِمُ التَّعَلُّقُ بِحُبِّ المالِ وصارُوا بُعَداءَ عَنْ إدْراكِ المَقاصِدِ السّامِيَةِ كانُوا يَعُدُّونَ كُلَّ سَعْيٍ يَلُوحُ عَلى امْرِئٍ إنَّما يَسْعى بِهِ إلى نَفْعِهِ. فَقَدَّمَ ما يُزِيلُ عَنْهم هَذِهِ الِاسْتِرابَةَ ولِيتَهَيَّوْا إلى التَّأمُّلِ فِيما يَدْعُونَهم إلَيْهِ، ولِأنَّ هَذا مِن قَبِيلِ التَّخْلِيَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُرْسَلِينَ والمُرْسَلِ إلَيْهِمْ، والتَّخْلِيَةُ تُقَدَّمُ عَلى التَّحْلِيَةِ، فَكانَتْ جُمْلَةُ لا يَسْألُكم أجْرًا أهَمَّ في صِلَةِ المَوْصُولِ. والأجْرُ يَصْدُقُ بِكُلِّ نَفْعٍ دُنْيَوِيٍّ يَحْصُلُ لِأحَدٍ مِن عَمَلِهِ فَيَشْمَلُ المالَ والجاهَ والرِّئاسَةَ. فَلَمّا نُفِيَ عَنْهم أنْ يَسْألُوا أجْرًا فَقَدْ نُفِيَ عَنْهم أنْ يَكُونُوا يَرْمُونَ مِن دَعْوَتِهِمْ إلى نَفْعٍ دُنْيَوِيٍّ يَحْصُلُ لَهم. وبَعْدَ ذَلِكَ تَهَيَّأُ المَوْقِعُ لِجُمْلَةِ (﴿وهم مُهْتَدُونَ﴾) أيْ وهم مُتَّصِفُونَ بِالِاهْتِداءِ إلى ما يَأْتِي بِالسَّعادَةِ الأبَدِيَّةِ، وهم إنَّما يَدْعُونَكم إلى أنْ تَسِيرُوا سِيرَتَهم فَإذا كانُوا هم مُهْتَدِينَ فَإنَّ ما يَدْعُونَكم إلَيْهِ مِنَ الِاقْتِداءِ بِهِمْ دَعْوَةً إلى الهُدى، فَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الجُمْلَةُ بِمَوْقِعِها بَعْدَ الَّتِي قَبْلَها ثَناءً عَلى المُرْسَلِينَ وعَلى ما يَدْعُونَ إلَيْهِ وتَرْغِيبًا في مُتابَعَتِهِمْ. واعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ قَدْ مَثَّلَ بِها القَزْوِينِيُّ في الإيضاحِ والتَّلْخِيصِ لِلْإطْنابِ المُسَمّى بِالإيغالِ وهو أنْ يُؤْتى بَعْدَ تَمامِ المَعْنى المَقْصُودِ بِكَلامٍ آخَرَ يَتِمُّ المَعْنى بِدُونِهِ لِنُكْتَةٍ، وقَدْ تَبَيَّنَ لَكَ مِمّا فَسَّرْنا بِهِ أنَّ قَوْلَهُ (﴿وهم مُهْتَدُونَ﴾) لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدَ زِيادَةٍ بَلْ كانَ لِتَوَقُّفِ المَوْعِظَةِ عَلَيْها، وكانَ قَوْلُهُ (﴿مَن لا يَسْألُكم أجْرًا﴾) كالتَّوْطِئَةِ لَهُ. ونَعْتَذِرُ لِصاحِبِ التَّلْخِيصِ بِأنَّ المِثالَ يَكْفِي فِيهِ الفَرْضُ والتَّقْدِيرُ. (p-٣٦٨)وجاءَتِ الجُمْلَةُ الأُولى مِنَ الصِّلَةِ فِعْلِيَّةً مَنفِيَّةً لِأنَّ المَقْصُودَ نَفْيُ أنْ يَحْدُثَ مِنهم سُؤالُ أجْرٍ فَضْلًا عَنْ دَوامِهِ وثَباتِهِ، وجاءَتِ الجُمْلَةُ الثّانِيَةُ اسْمِيَّةً لِإفادَةِ إثْباتِ اهْتِدائِهِمْ ودَوامِهِ بِحَيْثُ لا يُخْشى مَن يَتَّبِعُهم أنْ يَكُونَ في وقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ غَيْرَ مُهْتَدٍ. وقَوْلُهُ (﴿ومالِيَ لا أعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾) عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ (﴿اتَّبِعُوا المُرْسَلِينَ﴾) قَصَدَ إشْعارَهم بِأنَّهُ اتَّبَعَ المُرْسَلِينَ وخَلَعَ عِبادَةَ الأوْثانِ، وأبْرَزَ الكَلامَ في صُورَةِ اسْتِفْهامٍ إنْكارِيٍّ وبِصِيغَةِ: ما لِيَ لا أفْعَلُ، الَّتِي شَأْنُها أنْ يُورِدَها المُتَكَلِّمُ في رَدِّ مَن أنْكَرَ عَلَيْهِ فِعْلًا، أوْ مَلَكَهُ العَجَبُ مِن فِعْلِهِ أوْ يُورِدُها مَن يُقَدِّرُ ذَلِكَ في قَلْبِهِ، فَفِيهِ إشْعارٌ بِأنَّهم كانُوا مُنْكِرِينَ عَلَيْهِ الدَّعْوَةَ إلى تَصْدِيقِ الرُّسُلِ الَّذِينَ جاءُوا بِتَوْحِيدِ اللَّهِ فَإنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أنَّهُ سَبَقَهم بِما أمَرَهم بِهِ. و”ما“ اسْتِفْهامِيَّةٌ في مَوْضِعِ رَفْعِ الِابْتِداءِ، والمَجْرُورُ مِن قَوْلِهِ لِي خَبَرٌ عَنْ ما الِاسْتِفْهامِيَّةِ. وجُمْلَةُ لا أعْبُدُ حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ. والمَعْنى: وما يَكُونُ لِي في حالِ لا أعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي، أيْ لا شَيْءَ يَمْنَعُنِي مِن عِبادَةِ الَّذِي خَلَقَنِي، وهَذا الخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ في التَّعْرِيضِ بِهِمْ كَأنَّهُ يَقُولُ: وما لِيَ لا أعْبُدُ وما لَكَمَ لا تَعْبُدُونَ الَّذِي فَطَرَكم بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ (وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ) إذْ جَعَلَ الإسْنادَ إلى ضَمِيرِهِمْ تَقْوِيَةً لِمَعْنى التَّعَرُّضِ، وإنَّما ابْتَدَأهُ بِإسْنادِ الخَبَرِ إلى نَفْسِهِ لِإبْرازِهِ في مَعْرِضِ المُناصَحَةِ لِنَفْسِهِ وهو مُرِيدٌ مُناصَحَتَهم لِيَتَلَطَّفَ بِهِمْ ويُدارِئَهم فَيُسْمِعَهُمُ الحَقَّ عَلى وجْهٍ لا يُثِيرُ غَضَبَهم ويَكُونُ أعْوَنَ عَلى قَبُولِهِمْ إيّاهُ حِينَ يَرَوْنَ أنَّهُ لا يُرِيدُ لَهم إلّا ما يُرِيدُ لِنَفْسِهِ. ثُمَّ أتْبَعَهُ بِإبْطالِ عِبادَةِ الأصْنامِ فَرَجَعَ إلى طَرِيقَةِ التَّعْرِيضِ بِقَوْلِهِ ﴿أأتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً﴾ وهي جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا لِاسْتِشْعارِ سُؤالٍ عَنْ وُقُوعِ الِانْتِفاعِ بِشَفاعَةِ تِلْكَ الآلِهَةِ عِنْدَ الَّذِي فَطَرَهُ، والِاسْتِفْهامُ إنْكارِيُّ أيْ أُنْكِرُ عَلى نَفْسِي أنْ أتَّخِذَ مِن دُونِهِ آلِهَةً، أيْ لا أتَّخِذُ آلِهَةً. والِاتِّخاذٌ: افْتِعالٌ مِنَ الأخْذِ وهو التَّناوُلُ، والتَّناوُلُ يُشْعِرُ بِتَحْصِيلِ ما لَمْ يَكُنْ قَبْلُ، فالِاتِّخاذُ مُشْعِرٌ بِأنَّهُ صُنِعَ وذَلِكَ مِن تَمامِ التَّعْرِيضِ بِالمُخاطَبِينَ أنَّهم جَعَلُوا الأوْثانَ آلِهَةً ولَيْسَتْ بِآلِهَةٍ لِأنَّ الإلَهَ الحَقَّ لا يُجْعَلُ جَعْلًا ولَكِنَّهُ مُسْتَحِقٌّ الإلَهِيَّةَ بِالذّاتِ. (p-٣٦٩)ووَصَفَ الآلِهَةَ المَزْعُومَةَ المَفْرُوضَةَ الِاتِّخاذِ بِجُمْلَةِ الشَّرْطِ بِقَوْلِهِ ﴿إنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهم شَيْئًا ولا يُنْقِذُونِ﴾، والمَقْصُودُ: التَّعْرِيضُ بِالمُخاطَبِينَ في اتِّخاذِهِمْ تِلْكَ الآلِهَةِ بِعِلَّةِ أنَّها تَشْفَعُ لَهم عِنْدَ اللَّهِ وتُقَرِّبُهم إلَيْهِ زُلْفى. وقَدْ عَلِمَ مِنِ انْتِفاءِ دَفْعِهِمُ الضُّرَّ أنَّهم عاجِزُونَ عَنْ جَلْبِ نَفْعٍ لِأنَّ دَواعِيَ دَفْعِ الضُّرِّ عَنِ المَوْلى أقْوى وأهَمُّ، ولَحاقُ العارِ بِالوَلِيِّ في عَجْزِهِ عَنْهُ أشَدُّ. وجاءَ بِوَصْفِ الرَّحْمَنِ دُونَ اسْمِ الجَلالَةِ لِلْوَجْهِ المُتَقَدِّمِ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿قالُوا ما أنْتُمْ إلّا بَشَرٌ مِثْلُنا وما أنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِن شَيْءٍ﴾ [يس: ١٥] . والإنْقاذُ: التَّخْلِيصُ مِن غَلَبٍ أوْ كَرْبٍ أوْ حَيْرَةٍ، أيْ لا تَنْفَعُنِي شَفاعَتُهم عِنْدَ اللَّهِ الَّذِي أرادَنِي بِضُرٍّ ولا يُنْقِذُونَنِي مِنَ الضُّرِّ إذا أصابَنِي. وإذْ قَدْ نُفِيَ عَنْ شَفاعَتِهِمُ النَّفْعُ لِلْمَشْفُوعِ فِيهِ فَقَدْ نُفِيَ عَنْهم أنْ يَشْفَعُوا بِطَرِيقِ الِالتِزامِ لِأنَّ مَن يَعْلَمُ أنَّهُ لا يُشَفَّعُ لا يَشْفَعُ، فَكَأنَّهُ قالَ: أأتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً لا شَفاعَةَ لَهم عِنْدَ اللَّهِ، لِإبْطالِ اعْتِقادِهِمْ أنَّهم شُفَعاءُ مَقْبُولُو الشَّفاعَةِ. وإذْ كانَتْ شَفاعَتُهم لا تَنْفَعُ لِعَجْزِهِمْ وعَدَمِ مُساواتِهِمْ لِلَّهِ الَّذِي يَضُرُّ ويَنْفَعُ في صِفاتِ الإلَهِيَّةِ كانَ انْتِفاءُ أنْ يُنْقِذُوا أوْلى. وإنَّما ذُكِرَ العُدُولُ عَنْ دَلالَةِ الفَحْوى إلى دَلالَةِ المَنطُوقِ لِأنَّ المَقامَ مَقامُ تَصْرِيحٍ لِتَعَلُّقِهِ بِالإيمانِ وهو أساسُ الصَّلاحِ. وجُمْلَةُ ﴿إنِّي إذًا لَفي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ جَوابٌ لِلِاسْتِفْهامِ الإنْكارِيِّ. فَحَرْفُ إذًا جَزاءٌ لِلْمَنفِيِّ لا لِلنَّفْيِ، أيْ إنِ اتَّخَذَتُ مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً أكُنْ في ضَلالٍ مُبِينٍ. وجُمْلَةُ ﴿إنِّي آمَنتُ بِرَبِّكم فاسْمَعُونِ﴾ واقِعَةٌ مَوْقِعَ الغايَةِ مِنَ الخِطابِ والنَّتِيجَةِ مِنَ الدَّلِيلِ. وهَذا إعْلانٌ لِإيمانِهِ وتَسْجِيلٌ عَلَيْهِمْ بِأنَّ اللَّهَ هو رَبُّهم لا تِلْكَ الأصْنامِ. وأُكِّدَ الإعْلانُ بِتَفْرِيعِ فاسْمَعُونِ اسْتِدْعاءً لِتَحْقِيقِ أسْماعِهِمْ إنْ كانُوا في غَفْلَةٍ.


ركن الترجمة

I believe in your Lord, so listen to me."

[Mais] je crois en votre Seigneur. Ecoutez-moi donc».

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :