موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
السبت 2 ذو القعدة 1445 هجرية الموافق ل11 ماي 2024


الآية [33] من سورة  

لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْۖ ذَٰلِكَ جَزَٰٓؤُاْ اُ۬لْمُحْسِنِينَ


ركن التفسير

34 - (لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين) لأنفسهم بإيمانهم

"لهم ما يشاءون عند ربهم" يعني في الجنة مهما طلبوا وجدوا.

﴿والَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ﴾ ﴿لَهم ما يَشاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزاءُ المُحْسِنِينَ﴾ ﴿لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهم أسْوَأ الَّذِي عَمِلُوا ويَجْزِيَهم أجْرَهم بِأحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ . الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ هو مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ . والصِّدْقُ: القُرْآنُ؛ كَما تَقَدَّمَ آنِفًا في قَوْلِهِ وكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إذْ جاءَهُ. وجُمْلَةُ وصَدَّقَ بِهِ صِلَةُ مَوْصُولٍ مَحْذُوفٍ؛ تَقْدِيرُهُ: والَّذِي صَدَّقَ بِهِ، لِأنَّ المُصَدِّقَ غَيْرُ الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ، والقَرِينَةُ ظاهِرَةٌ لِأنَّ الَّذِي صَدَّقَ غَيْرُ الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ فالعَطْفُ عَطْفُ جُمْلَةٍ كامِلَةٍ ولَيْسَ عَطْفَ جُمْلَةِ صِلَةٍ. (p-٨)وضَمِيرُ ”بِهِ“ يَجُوزُ أنْ يَعُودَ عَلى ”الصِّدْقِ“ ويَجُوزُ أنْ يَعُودَ عَلى الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ والتَّصْدِيقُ بِكِلَيْهِما مُتَلازِمٌ، وإذْ قَدْ كانَ المُصَدِّقُونَ بِالقُرْآنِ أوْ بِالنَّبِيءِ ﷺ مَن ثَبَتَ لَهُ هَذا الوَصْفُ كانَ مُرادًا بِهِ أصْحابُ مُحَمَّدٍ ﷺ وهم جَماعَةٌ فَلا تَقَعُ صِفَتُهم صِلَةً لِـ ”الَّذِي“ لِأنَّ أصْلَهُ لِلْمُفْرَدِ، فَتَعَيَّنَ تَأْوِيلُهُ بِفَرِيقٍ، وقَرِينَتُهُ ﴿أُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ﴾ وإنَّما أُفْرِدَ عائِدُ المَوْصُولِ في قَوْلِهِ وصَدَّقَ رَعْيًا لِلَفْظِ ”الَّذِي“ وذَلِكَ كُلُّهُ مِنَ الإيجازِ. ورَوى الطَّبَرَيُّ بِسَنَدِهِ إلى عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ أنَّهُ قالَ: الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ مُحَمَّدٌ ﷺ والَّذِي صَدَّقَ بِهِ أبُو بَكْرٍ، وقالَهُ الكَلْبِيُّ وأبُو العالِيَةِ، ومَحْمَلُهُ عَلى أنَّ أبا بَكْرٍ أوَّلُ مَن صَدَّقَ النَّبِيءَ ﷺ . وجُمْلَةُ ﴿أُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ﴾ خَبَرٌ عَنِ اسْمِ المَوْصُولِ. وجِيءَ بِاسْمِ الإشارَةِ لِلْعِنايَةِ بِتَمْيِيزِهِمْ أكْمَلَ تَمْيِيزٍ. وضَمِيرُ الفَصْلِ في قَوْلِهِ ﴿هُمُ المُتَّقُونَ﴾ يُفِيدُ قَصْرَ جِنْسِ المُتَّقِينَ عَلى الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وصَدَّقَ بِهِ لِأنَّهُ لا مُتَّقٍ يَوْمَئِذٍ غَيْرُ الرَّسُولِ ﷺ وأصْحابِهِ؛ وكُلُّهم مُتَّقُونَ لِأنَّ المُؤْمِنِينَ بِالنَّبِيءِ ﷺ لَمّا أشْرَقَتْ عَلى نُفُوسِهِمْ أنْوارُ الرَّسُولِ ﷺ تَطَهَّرَتْ ضَمائِرُهم مِن كُلِّ سَيِّئَةٍ فَكانُوا مَحْفُوظِينَ مِنَ اللَّهِ بِالتَّقْوى قالَ تَعالى ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ﴾ [آل عمران: ١١٠] . والمَعْنى: أُولَئِكَ هُمُ الَّذِينَ تَحَقَّقَ فِيهِمْ ما أُرِيدَ مِن إنْزالِ القُرْآنِ الَّذِي أُشِيرَ إلَيْهِ في قَوْلِهِ ﴿لَعَلَّهم يَتَّقُونَ﴾ [الزمر: ٢٨] . وجُمْلَةُ ﴿لَهم ما يَشاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا لِأنَّهم لَمّا قُصِرَ عَلَيْهِمْ جِنْسُ المُتَّقِينَ كانَ ذَلِكَ مُشْعِرًا بِمَزِيَّةٍ عَظِيمَةٍ فَكانَ يَقْتَضِي أنْ يَسْألَ السّامِعُ عَنْ جَزاءِ هَذِهِ المَزِيَّةِ فَبَيَّنَ لَهُ أنَّ لَهم ما يَشاءُونَ عِنْدَ اللَّهِ. و﴿ما يَشاءُونَ﴾ هو ما يُرِيدُونَ ويَتَمَنَّوْنَ، أيْ: يُعْطِيهُمُ اللَّهُ ما يَطْلُبُونَ في الجَنَّةِ. ومَعْنى ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ أنَّ اللَّهَ ادَّخَرَ لَهم ما يَبْتَغُونَهُ، وهَذا مِن صِيَغِ الِالتِزامِ (p-٩)ووَعْدِ الإيجابِ، يُقالُ: لَكَ عِنْدِي كَذا، أيْ ألْتَزِمُ لَكَ بِكَذا، ثُمَّ يَجُوزُ أنَّ اللَّهَ يُلْهِمُهم أنْ يَشاءُوا ما لا يَتَجاوَزُ قَدْرَ ما عَيَّنَ اللَّهُ مِنَ الدَّرَجاتِ في الجَنَّةِ فَإنَّ أهْلَ الجَنَّةِ مُتَفاوِتُونَ في الدَّرَجاتِ. وفي الحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِأحَدِهِمْ: تَمَنَّهْ، فَلا يَزالُ يَتَمَنّى حَتّى تَنْقَطِعَ بِهِ الأمانِيُّ؛ فَيَقُولُ اللَّهُ: لَكَ ذَلِكَ وعَشَرَةُ أمْثالِهِ مَعَهُ» . ويَجُوزُ أنَّ ﴿ما يَشاءُونَ﴾ مِمّا يَقَعُ تَحْتَ أنْظارِهِمْ في قُصُورِهِمْ ويَحْجُبُ اللَّهُ عَنْهم ما فَوْقَ ذَلِكَ بِحَيْثُ لا يَسْألُونَ ما هو مِن عَطاءِ أمْثالِهِمْ وهو عَظِيمٌ ويَقْلَعُ اللَّهُ مِن نُفُوسِهِمْ ما لَيْسَ مِن حُظُوظِهِمْ. ويَجُوزُ أنَّ ﴿ما يَشاءُونَ﴾ كِنايَةٌ عَنْ سَعَةِ ما يُعْطَوْنَهُ، كَما ورَدَ في الحَدِيثِ: «ما لا عَيْنٌ رَأتْ ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ولا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ» وهَذا كَما يَقُولُ مَن أسْدَيْتَ إلَيْهِ بِعَمَلٍ عَظِيمٍ: لَكَ عَلَيَّ حُكْمُكَ، أوْ لَكَ عِنْدِي ما تَسْألُ، وأنْتَ تُرِيدُ ما هو غايَةُ الإحْسانِ لِأمْثالِهِ. وعَدَلَ عَنِ اسْمِ الجَلالَةِ إلى وصْفِ رَبِّهِمْ في قَوْلِهِ: عِنْدَ رَبِّهِمْ إيماءً إلى أنَّهُ يُعْطِيهِمْ عَطاءَ الرُّبُوبِيَّةِ والإيثارِ بِالخَيْرِ. ثُمَّ نَوَّهَ بِهَذا الوَعْدِ بِقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ جَزاءُ المُحْسِنِينَ﴾ والمُشارُ إلَيْهِ هو ﴿ما يَشاءُونَ﴾ لِما تَضَمَّنَهُ مِن أنَّهُ جَزاءٌ لَهم عَلى التَّصْدِيقِ. وأُشِيرَ إلَيْهِ بِاسْمِ الإشارَةِ لِتَضَمُّنِهِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِ المُشارِ إلَيْهِ. والمُرادُ بِالمُحْسِنِينَ أُولَئِكَ المَوْصُوفُونَ بِأنَّهم المُتَّقُونَ، وكانَ مُقْتَضى الظّاهِرِ أنْ يُؤْتى بِضَمِيرِهِمْ فَيُقالُ: ذَلِكَ جَزاؤُهم، فَوَقَعَ الإظْهارُ في مَقامِ الإضْمارِ لِإفادَةِ الثَّناءِ عَلَيْهِمْ بِأنَّهم مُحْسِنُونَ. والإحْسانُ: هو كَمالُ التَّقْوى لِأنَّهُ فَسَّرَهُ النَّبِيءُ ﷺ - بِأنَّهُ «أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَراهُ»، وأيُّ إحْسانٍ وأيُّ تَقْوًى أعْظَمُ مِن نَبْذِهِمْ ما نَشَئُوا عَلَيْهِ مِن عِبادَةِ الأصْنامِ، ومِن تَحَمُّلِهِمْ مُخالَفَةَ أهْلِيهِمْ وذَوِيهِمْ وعَداوَتِهم وأذاهم، ومِن صَبْرِهِمْ عَلى مُصادَرَةِ أمْوالِهِمْ ومُفارَقَةِ نِسائِهِمْ تَصْدِيقًا لِلَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وإيثارًا لِرِضى اللَّهِ عَلى شَهْوَةِ النَّفْسِ ورِضى العَشِيرَةِ. (p-١٠)وقَوْلُهُ: ﴿لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهم أسْوَأ الَّذِي عَمِلُوا﴾ اللّامُ لِلتَّعْلِيلِ وهي تَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿لَهم ما يَشاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾، والتَّقْدِيرُ: وعَدَهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ والتَزَمَ لَهم ذَلِكَ لِيُكَفِّرَ عَنْهم أسْوَأ الَّذِي عَمِلُوا. والمَعْنى: أنَّ اللَّهَ وعَدَهم وعْدًا مُطْلَقًا لِيُكَفِّرَ عَنْهم أسْوَأ ما عَمِلُوهُ، أيْ ما وعَدَهم بِذَلِكَ الجَزاءِ إلّا لِأنَّهُ أرادَ أنْ يُكَفِّرَ عَنْهم سَيِّئاتِ ما عَمِلُوا. والمَقْصُودُ مِن هَذا الخَبَرِ إعْلامُهم بِهِ لِيَطْمَئِنُّوا مِن عَدَمِ مُؤاخَذَتِهِمْ عَلى ما فَرَطَ مِنهم مِنَ الشِّرْكِ وأحْوالِهِ. و(أسْوَأ) يَجُوزُ أنْ يَكُونَ باقِيًا عَلى ظاهِرِ اسْمِ التَّفْضِيلِ مِنِ اقْتِضاءِ مُفَضَّلٍ عَلَيْهِ، فالمُرادُ بِأسْوَأِ عَمَلِهِمْ هو أعْظَمُهُ سُوءًا، وهو الشِّرْكُ «، سُئِلَ النَّبِيءُ ﷺ: أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ ؟ فَقالَ: أنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا وهو خَلَقَكَ»، وإضافَتُهُ إلى الَّذِي عَمِلُوا إضافَةٌ حَقِيقِيَّةٌ، ومَعْنى كَوْنِ الشِّرْكِ مِمّا عَمِلُوا بِاعْتِبارِ أنَّ الشِّرْكَ عَمَلٌ قَلْبِيٌّ أوْ بِاعْتِبارِ ما يَسْتَتْبِعُهُ مِنَ السُّجُودِ لِلصَّنَمِ، وإذا كَفَّرَ عَنْهم أسْوَأ الَّذِي عَمِلُوا كَفَّرَ عَنْهم ما دُونَهُ مِن سَيِّئِ أعْمالِهِمْ بِدَلالَةِ الفَحْوى، فَأفادَ أنَّهُ يُكَفِّرُ عَنْهم جَمِيعَ ما عَمِلُوا مِن سَيِّئاتٍ، فَإنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ ما سَبَقَ قَبْلَ الإسْلامِ فالآيَةُ تَعُمُّ كُلَّ مَن صَدَّقَ بِالرَّسُولِ ﷺ والقُرْآنِ بَعْدَ أنْ كانَ كافِرًا فَإنَّ الإسْلامَ يَجُبُّ ما قَبْلَهُ، وإنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ ما عَسى أنْ يَعْمَلَهُ أحَدٌ مِنهم مِنَ الكَبائِرِ في الإسْلامِ كانَ هَذا التَّكْفِيرُ خُصُوصِيَّةً لِأصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَإنَّ فَضْلَ الصُّحْبَةِ عَظِيمٌ. رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أنَّهُ قالَ: «لا تَسُبُّوا أصْحابِي فَوالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أنَّ أحَدَكم أنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا ما أدْرَكَ مُدَّ أحَدِهِمْ ولا نَصِيفَهُ» . ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ أسْوَأ مَسْلُوبَ المُفاضَلَةِ، وإنَّما هو مُجازٌ في السُّوءِ العَظِيمِ عَلى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قالَ رَبِّ السِّجْنُ أحَبُّ إلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إلَيْهِ﴾ [يوسف: ٣٣] أيِ العَمَلُ الشَّدِيدُ السُّوءِ، وهو الكَبائِرُ، وتَكُونُ إضافَتُهُ بَيانِيَّةً. وفِي هَذِهِ الآيَةِ دَلالَةٌ عَلى أنَّ رُتْبَةَ صُحْبَةِ النَّبِيءِ ﷺ عَظِيمَةٌ. وقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «اللَّهَ اللَّهَ في أصْحابِي لا تَتَّخِذُوهم (p-١١)غَرَضًا بَعْدِيَ، فَمَن أحَبَّهم فَبِحُبِّي أحَبَّهم ومَن أبْغَضَهم فَبِبُغْضِي أبْغَضَهم، ومَن آذاهم فَقَدْ آذانِي، ومَن آذانِي فَقَدْ آذى اللَّهَ ومَن آذى اللَّهَ فَيُوشِكُ أنْ يَأْخُذَهُ» . وقَدْ أوْصى أيِمَّةُ سَلَفِنا الصّالِحِ أنْ لا يُذْكَرَ مِن أصْحابِ الرَّسُولِ ﷺ إلّا بِأحْسَنِ ذِكْرٍ، وبِالإمْساكِ عَمّا شَجَرَ بَيْنَهم، وأنَّهم أحَقُّ النّاسِ بِأنْ يُلْتَمَسَ لَهم أحْسَنُ المَخارِجِ فِيما جَرى بَيْنَ بَعْضِهِمْ، ويُظَنَّ بِهِمْ أحْسَنُ المَذاهِبِ، ولِذَلِكَ اتَّفَقَ السَّلَفُ عَلى تَفْسِيقِ ابْنِ الأشْتَرِ النَّخَعِيِّ ومَن لَفَّ لَفَّهُ مِنَ الثُّوّارِ الَّذِينَ جاءُوا مِن مِصْرَ إلى المَدِينَةِ لِخَلْعِ عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ، واتَّفَقُوا عَلى أنَّ أصْحابَ الجَمَلِ وأصْحابَ صِفِّينَ كانُوا مُتَنازِعِينَ عَنِ اجْتِهادٍ وما دَفَعَهم عَلَيْهِ إلّا السَّعْيُ لِصَلاحِ الإسْلامِ والذَّبِّ عَنْ جامِعَتِهِ مِن أنْ تَتَسَرَّبَ إلَيْها الفُرْقَةُ والِاخْتِلالُ، فَإنَّهم جَمِيعًا قُدْوَتُنا وواسِطَةُ تَبْلِيغِ الشَّرِيعَةِ إلَيْنا، والطَّعْنُ في بَعْضِهِمْ يُفْضِي إلى مَخاوِفَ في الدِّينِ، ولِذَلِكَ أثْبَتَ عُلَماؤُنا عَدالَةَ جَمِيعِ أصْحابِ النَّبِيءِ ﷺ . وإظْهارُ اسْمِ الجَلالَةِ في مَوْضِعِ الإضْمارِ بِضَمِيرِ رَبِّهِمْ في قَوْلِهِ ﴿لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ لِزِيادَةِ تَمَكُّنِ الإخْبارِ بِتَكْفِيرِ سَيِّئاتِهِمْ تَمْكِينًا لِاطْمِئْنانِ نُفُوسِهِمْ بِوَعْدِ رَبِّهِمْ. وعُطِفَ عَلى الفِعْلِ المَجْعُولِ عِلَّةً أوْلى فِعْلٌ هو عِلَّةٌ ثانِيَةٌ وهو ﴿ويَجْزِيَهِمْ أجْرَهم بِأحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ﴾، وهو المَقْصُودُ مِنَ التَّعْلِيلِ لِلْوَعْدِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ ﴿لَهم ما يَشاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ . والبِناءُ في قَوْلِهِ بِأحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ لِلسَّبَبِيَّةِ وهي ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ صِفَةٌ لِ (أجْرَهم) ولَيْسَتْ مُتَعَلِّقَةً بِفِعْلِ (يَجْزِيَهِمْ)، أيْ يَجْزِيَهِمْ أجْرًا عَلى أحْسَنِ أعْمالِهِمْ. وإذا كانَ الجَزاءُ عَلى العَمَلِ الأحْسَنِ بِهَذا الوَعْدِ وهو لَهم ما يَشاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ، فَدَلَّ عَلى أنَّهم يُجازُونَ عَلى ما هو دُونَ الأحْسَنِ مِن مَحاسِنِ أعْمالِهِمْ، بِدَلالَةِ إيذانِ وصْفِ (الأحْسَنِ) بِأنَّ عِلَّةَ الجَزاءِ هي الأحْسَنِيَّةُ وهي تَتَضَمَّنُ أنَّ لِمَعْنى الحُسْنِ تَأْثِيرًا في الجَزاءِ فَإذا كانَ جَزاءُ أحْسَنِ أعْمالِهِمْ أنَّ لَهم ما يَشاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ كانَ جَزاءُ ما هو دُونَ الأحْسَنِ مِن أعْمالِهِمْ جَزاءً دُونَ ذَلِكَ بِأنْ يُجازُوا بِزِيادَةٍ وتَنْفِيلٍ عَلى ما اسْتَحَقُّوهُ عَلى أحْسَنِ أعْمالِهِمْ بِزِيادَةِ تَنَعُّمٍ أوْ كَرامَةٍ أوْ نَحْوِ ذَلِكَ. (p-١٢)وفِي مَفاتِيحِ الغَيْبِ: أنَّ مُقاتِلًا كانَ شَيْخَ المُرْجِئَةِ وهُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا يَضُرُّ شَيْءٌ مِنَ المَعاصِي مَعَ الإيمانِ واحْتَجَّ بِهَذِهِ الآيَةِ فَقالَ: إنَّها تَدُلُّ عَلى أنَّ مَن صَدَّقَ الأنْبِياءَ والرُّسُلَ فَإنَّهُ تَعالى يُكَفِّرُ عَنْهم أسْوَأ الَّذِي عَمِلُوا. ولا يَجُوزُ حَمْلُ الأسْوَأِ عَلى الكُفْرِ السّابِقِ لِأنَّ الظّاهِرَ مِنَ الآيَةِ يَدُلُّ عَلى أنَّ التَّكْفِيرَ إنَّما حَصَلَ في حالِ ما وصَفَهُمُ اللَّهُ بِالتَّقْوى مِنَ الشِّرْكِ وإذا كانَ كَذَلِكَ وجَبَ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنَ الأسْوَأِ الكَبائِرَ الَّتِي يَأْتِي بِها بَعْدَ الإيمانِ اهـ. ولَمْ يُجِبْ عَنْهُ في مَفاتِيحِ الغَيْبِ، وجَوابُهُ: لِأنَّ الأسْوَأ مُحْتَمَلٌ أنَّ أدِلَّةً كَثِيرَةً أحْرى تُعارِضُ الِاسْتِدْلالَ بِعُمُومِها. وفِي الجَمْعِ بَيْنَ كَلِمَةِ (أسْوَأ) وكَلِمَةِ (أحْسَنَ) مُحَسِّنُ الطَّباقِ.


ركن الترجمة

They shall have what they wish from their Lord. This is the recompense for the good,

Ils auront tout ce qu'ils désireront auprès de leur Seigneur; voilà la récompense des bienfaisants,

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :