موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الجمعة 1 ذو القعدة 1445 هجرية الموافق ل10 ماي 2024


الآية [1] من سورة  

قَٓۖ وَالْقُرْءَانِ اِ۬لْمَجِيدِ


ركن التفسير

سورة ق 1 - (ق ) الله أعلم بمراده به (والقرآن المجيد) الكريم ما آمن كفار مكة بمحمد صلى الله عليه وسلم

سورة ق: هذء السورة هي أول الحزب المفصل على الصحيح وقيل من الحجرات وأما ما يقوله العوام إنه من"عم" فلا أصل له ولم يقله أحد من العلماء رضي الله عنهم المعتبرين فيما نعلم والدليل على أن هذه السورة هي أول المفصل ما رواه أبو داود في سننه باب تحزيب القرآن ثم قال حدثنا مسدد حدثنا قراب بن تمام وحدثنا عبدالله بن سعيد أبو سعد الأشج حدثنا أبو خالد ثنا سليمان بن حبان وهذا لفظه عن عبدالله بن عبدالرحمن بن يعلى عن عثمان بن عبدالله بن أوس عن جده قال عبدالله بن سعيد حدثنيه أوس بن حذيفة ثم اتفقا قال قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف قال فنزلت الأحلاف على المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بني مالك فى قبة له قال مسدد وكان في الوفد الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثقيف قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ليلة يأتينا بعد العشاء يحدثنا قال أبو سعيد قائما على رجله حتى يراوح بين رجليه من طول القيام فأكثر ما يحدثنا صلى الله عليه وسلم ما لقي من قومه قريش ثم يقول صلى الله عليه وسلم" لا أساء وكنا مستضعفين مستذلين- قال مسدد بمكة- فلما خرجنا إلى المدينة كانت الحرب سجالا بيننا وبينهم ندال عليهم ويدالون علينا" فلما كانت ليلة أبطأ عنا صلى الله عليه وسلم عن الوقت الذي كان يأتينا فيه فقلنا لقد أبطأت علينا الليلة قال صلى الله عليه وسلم" إنه طرأ علي حزبي من القرآن فكرهت أن أجيء حتى أتمه" قال أوس سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يحزبون القرآن فقالوا ثلاث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة وثلاث عشرة وحزب المفصل وحده ورواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر به ورواه الإمام أحمد عن عبدالرحمن بن مهدي عن عبدالله بن عبدالرحمن هو ابن يعلى الطائفي به إذا علم هذا فإذا عددت ثمانيا وأربعين سورة فالتي بعدهن سورة ق بيانه ثلاث: البقرة وآل عمران والنساء وخمس: المائدة والأنعام والأعراف والأنفال وبراءة وسبع: يونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر والنحل وتسع: سبحان والكهف ومريم وطه والأنبياء والحج والمؤمنون والنور والفرقان وإحدى عشرة: الشعراء والنمل والقصص والعنكبوت والروم ولقمان وألم السجدة والأحزاب وسبأ وفاطر ويس وثلاث عشرة: الصافات وص والزمر وغافر وحم السجدة وحم عسق والزخرف والدخان والجاثية والأحقاف والقتال والفتح والحجرات ثم بعد ذلك الحزب المفصل كما قاله الصحابة رضي الله عنهم فتعين أن أوله سورة ق وهو الذي قلناه ولله الحمد والمنة قال الإمام أحمد حدثنا عبدالرحمن بن مهدي حدثنا مالك عن ضمرة بن سعيد عن عبدالله بن عبدالله أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيد؟ قال بقاف واقتربت ورواه مسلم وأهل السنن الأربعة من حديث مالك به وفي رواية لمسلم عن مالك عن ضمرة عن عبدالله عن أبي واقد قال سألني عمر رضي الله عنه فذكره. " حديث آخر" وقال أحمد حدثنا يعقوب حدثنا أبي ثنا أبي إسحاق حدثني عبدالله بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن يحيى بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أسعد بن زرارة عن أم هشام بنت حارثة قالت لقد كان تنورنا وتنور النبي صلى الله عليه وسلم واحدا سنتين أو سنة وبعض سنة وما أخذت" ق والقرآن المجيد" إلا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس رواه مسلم من حديث ابن إسحاق به وقال أبو داود حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن حبيب بن عبدالله بن محمد بن معن عن ابنة الحارث بن النعمان قالت ما حفظت ق إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بها كل جمعة قالت وكان تنورك وتنور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا وكذا رواه مسلم والنسائي وابن ماجة من حديث شعبة به والقصد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهذه السورة في المجامع الكبار كالعيد والجمع لاشتمالها على ابتداء الخلق والبعث والنشور والمعاد والقيام والحساب والجنة والنار والثواب والعقاب والترغيب والترهيب والله أعلم. "ق" حرف من حروف الهجاء المذكورة في أوائل السور كقوله تعالى "ص - ون - والم - وحم - وطس" ونحو ذلك قاله مجاهد وغيره وقد أسلفنا الكلام عليها في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته وقد روي عن بعض السلف أنهم قالوا ق جبل محيط بجميع الأرض يقال له جبل قاف وكأن هذا والله أعلم من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس لما رأى من جواز الرواية عنهم مما لا يصدق ولا يكذب وعندي أن هذا وأمثاله وأشباهه من اختلاق بعض زنادقتهم يلبسون به على الناس أمر دينهم كما افتري في هذه الأمة مع جلالة قدر علمائها وحفاظها وأئمتها أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وما بالعهد من قدم فكيف بأمة بني إسرائيل مع طول المدى وقلة الحفاظ النقاد فيهم وشربهم الخمور وتحريف علمائهم الكلم عن مواضعه وتبديل كتب الله وآياته وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله "وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" فيما قد يجوزه العقل فأما فيما تحيله العقول ويحكم فيه بالبطلان ويغلب على الظنون كذبه فليس من هذا القبيل والله أعلم وقد أكثر كثير من السلف من المفسرين وكذا طائفة كثيرة من الخلف من الحكاية عن كتب أهل الكتاب في تفسير القرآن المجيد وليس بهم احتياج إلى أخبارهم ولله الحمد والمنة حتى إن الإمام أبا محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي رحمه الله عليه أورد ههنا أثرا غريبا لا يصح سنده عن ابن عباس رضي الله عنهما فقال حدثنا أبي قال حدثت عن محمد بن إسماعيل - المخزومي حدثنا ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خلق الله تبارك وتعالى من وراء هذه الأرض بحرا محيطا بها ثم خلق من وراء ذلك البحر جبلا يقال له قاف سماء الدنيا مرفوعة عليه ثم خلق الله تعالى من وراء ذلك الجبل أرضا مثل تلك الأرض سبع مرات ثم خلق من وراء ذلك بحرا محيطا بها ثم خلق من وراء ذلك جبلا يقال له قاف السماء الثانية مرفوعة عليه حتى عد سبع أرضين وسبعة أبحر وسبعة أجبل وسبع سموات قال وذلك قوله تعالى "والبحر يمده من بعده سبعة أبحر" فإسناد هذا الأثر فيه انقطاع والذي رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل "ق" هو اسم من أسماء الله عز وجل والذي ثبت عن مجاهد أنه حرف من حروف الهجاء كقوله تعالى "ص - ن - حم - طس - الم" ونحو ذلك فهذه تبعد ما تقدم عن ابن عباس رضي الله عنهما وقيل المرد قضي الأمر والله وأن قوله جل ثناؤه "ق" دلت على المحذوف من بقية الكلمة كقول الشاعر: قلت لها قفي فقالت ق وفي هذا التفسير نظر لأن الحذف في الكلام إنما يكون إذا دل دليل عليه ومن أين يفهم هذا من ذكر هذا الحرف؟ وقوله تعالى "والقرآن المجيد" أي الكريم العظيم الذي "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" واختلفوا في جواب القسم ما هو؟ فحكى ابن جرير عن بعض النحاة أنه قوله تعالى "قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ" وفي هذا نظر بل الجواب هو مضمون الكلام بعد القسم وهو إثبات النبوة وإثبات المعاد وتقريره وتحقيقه وإن لم يكن القسم يتلقى لفظا وهذا كثير في أقسام القرآن كما تقدم في قوله " ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا فى عزة وشقاق".

﴿ق﴾ القَوْلُ فِيهِ نَظِيرُ القَوْلِ في أمْثالِهِ مِنَ الحُرُوفِ المُقَطَّعَةِ الواقِعَةِ في أوائِلِ السُّوَرِ. فَهو حَرْفٌ مِن حُرُوفِ التَّهَجِّي. وقَدْ رَسَمُوهُ في المُصْحَفِ بِصُورَةِ حَرْفِ القافِ الَّتِي يُتَهَجّى بِها في المَكْتَبِ، وأجْمَعُوا عَلى أنَّ النُّطْقَ بِها بِاسْمِ الحَرْفِ المَعْرُوفِ، أيْ يَنْطِقُونَ بِقافٍ بَعْدَها ألِفٌ، بَعْدَهُ فاءٌ. (p-٢٧٦)وقَدْ أجْمَعَ مَن يُعْتَدُّ بِهِ مِنَ القُرّاءِ عَلى النُّطْقِ بِهِ ساكِنَ الآخِرِ سُكُونَ هِجاءٍ في الوَصْلِ والوَقْفِ. ووَقَعَ في رِوايَةِ بَعْضِ القَصّاصِينَ المَكْذُوبَةِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ المُرادَ بِقَوْلِهِ: ق اسْمُ جَبَلٍ عَظِيمٍ مُحِيطٍ بِالأرْضِ. وفي رِوايَةٍ عَنْهُ أنَّهُ اسْمٌ لِكُلِّ واحِدٍ مِن جِبالٍ سَبْعَةٍ مُحِيطَةٍ بِالأرَضِينَ السَّبْعِ واحِدًا وراءَ واحِدٍ كَما أنَّ الأرَضِينَ السَّبْعَ أرْضٌ وراءَ أرْضٍ. أيْ فَهو اسْمُ جِنْسٍ انْحَصَرَتْ أفْرادُهُ في سَبْعَةٍ، وأطالُوا في وصْفِ ذَلِكَ بِما أمْلاهُ عَلَيْهِمُ الخَيالُ المَشْفُوعُ بِقِلَّةِ التَّثَبُّتِ فِيما يَرْوُونَهُ لِلْإغْرابِ، وذَلِكَ مِنَ الأوْهامِ المَخْلُوطَةِ بِبَعْضِ أقْوالِ قُدَماءِ المَشْرِقِيِّينَ، وبِسُوءِ فَهْمِ البَعْضِ في عِلْمِ جُغْرافِيَةِ الأرْضِ وتَخَيُّلِهِمْ إيّاها رِقاعًا مُسَطَّحَةً ذاتَ تَقاسِيمَ يُحِيطُ بِكُلِّ قِسْمٍ مِنها ما يَفْصِلُهُ عَنِ القِسْمِ الآخَرِ مِن بِحارٍ وجِبالٍ، وهَذا مِمّا يَنْبَغِي تَرَفُّعُ العُلَماءِ عَنِ الِاشْتِغالِ بِذِكْرِهِ لَوْلا أنَّ كَثِيرًا مِنَ المُفَسِّرِينَ ذَكَرُوهُ. ومِنَ العَجَبِ أنَ تُفْرَضَ هَذِهِ الأوْهامُ في تَفْسِيرِ هَذا الحَرْفِ مِنَ القُرْآنِ ألَمْ يَكْفِهِمْ أنَّهُ مَكْتُوبٌ عَلى صُورَةِ حُرُوفِ التَّهَجِّي مِثْلَ: الم والمص وكهيعص ولَوْ أُرِيدَ الجَبَلُ المَوْهُومُ لَكُتِبَ قافٌ ثَلاثَةُ حُرُوفٍ كَما تُكْتَبُ دَوالُ الأشْياءِ مِثْلُ عَيْنٍ: اسْمُ الجارِحَةِ، وغَيْنٍ: مَصْدَرُ غانَ عَلَيْهِ، فَلا يَصِحُ أنْ يُدَلَّ عَلى هَذِهِ الأسْماءِ بِحُرُوفِ التَّهَجِّي كَما لا يَخْفى. * * * ﴿والقُرْآنِ المَجِيدِ﴾ ﴿بَلْ عَجِبُوا أنْ جاءَهم مُنْذِرٌ مِنهم فَقالَ الكافِرُونَ هَذا شَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ ﴿أئِذا مِتْنا وكُنّا تُرابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بِعِيدٌ﴾ قَسَمٌ بِالقُرْآنِ، والقَسَمُ بِهِ كِنايَةٌ عَنِ التَّنْوِيهِ بِشَأْنِهِ لِأنَّ القَسَمَ لا يَكُونُ إلّا بِعَظِيمٍ عِنْدَ المُقْسِمِ فَكانَ التَّعْظِيمُ مِن لَوازِمِ القَسَمِ. وأتْبَعَ هَذا التَّنْوِيهَ الكِنائِيَّ بِتَنْوِيهٍ صَرِيحٍ بِوَصْفِ القُرْآنِ بِـ ”المَجِيدِ“ فالمَجِيدُ المُتَّصِفُ بِقُوَّةِ المَجْدِ. والمَجْدُ ويُقالُ المُجادَّةُ: الشَّرَفُ الكامِلُ وكَرَمُ النَّوْعِ. (p-٢٧٧)وشَرَفُ القُرْآنِ مِن بَيْنِ أنْواعِ الكَلامِ أنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلى أعْلى المَعانِي النّافِعَةِ لِصَلاحِ النّاسِ فَذَلِكَ مَجْدُهُ. وأمّا كَمالُ مَجْدِهِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ صِيغَةُ المُبالَغَةِ بِوَصْفِ ”مَجِيدٍ“ فَذَلِكَ بِأنَّهُ يَفُوقُ أفْضَلَ ما أبْلَغَهُ اللَّهُ لِلنّاسِ مِن أنْواعِ الكَلامِ الدّالِّ عَلى مُرادِ اللَّهِ تَعالى إذْ أوْجَدَ ألْفاظَهُ وتَراكِيبَهُ وصُورَةَ نَظْمِهِ بِقُدْرَتِهِ دُونَ واسِطَةٍ، فَإنَّ أكْثَرَ الكَلامِ الدّالِّ عَلى مُرادِ اللَّهِ تَعالى أوْجَدَهُ الرُّسُلُ والأنْبِياءُ المُتَكَلِّمُونَ بِهِ يُعَبِّرُونَ بِكَلامِهِمْ عَمّا يُلْقى إلَيْهِمْ مِنَ الوَحْيِ. ويَدْخُلُ في كَمالِ مَجْدِهِ أنَّهُ يَفُوقُ كُلَّ كَلامٍ أوْجَدَهُ اللَّهُ تَعالى بِقُدْرَتِهِ عَلى سَبِيلِ خَرْقِ العادَةِ مِثْلَ الكَلامِ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ بِهِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بِدُونِ واسِطَةِ المَلائِكَةِ، ومِثْلَ ما أُوحِيَ بِهِ إلى مُحَمَّدٍ ﷺ مِن أقْوالِ اللَّهِ تَعالى المُعَبَّرِ عَنْهُ في اصْطِلاحِ عُلَمائِنا بِالحَدِيثِ القُدُسِيِّ، فَإنَّ القُرْآنَ يَفُوقُ ذَلِكَ كُلَّهُ لَمّا جَعَلَهُ اللَّهُ بِأفْصَحِ اللُّغاتِ وجَعَلَهُ مُعْجِزًا لِبُلَغاءِ أهْلِ تِلْكَ اللُّغَةِ عَنِ الإتْيانِ بِمِثْلِ أقْصَرِ سُورَةٍ مِنهُ. ويَفُوقُ كُلَّ كَلامٍ مِن ذَلِكَ القَبِيلِ بِوَفْرَةِ مَعانِيهِ وعَدَمِ انْحِصارِها، وأيْضًا بِأنَّهُ تَمَيَّزَ عَلى سائِرِ الكُتُبِ الدِّينِيَّةِ بِأنَّهُ لا يَنْسَخُهُ كِتابٌ يَجِيءُ بَعْدَهُ وما يُنْسَخُ مِنهُ إلّا شَيْءٌ قَلِيلٌ يَنْسَخُهُ بَعْضُهُ. وجَوابُ القَسَمِ مَحْذُوفٌ لِتَذْهَبَ نَفْسُ السّامِعِ في تَقْدِيرِهِ كُلَّ طَرِيقٍ مُمْكِنٍ في المَقامِ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ ابْتِداءُ السُّورَةِ بِحَرْفِ ق المُشْعِرِ بِالنِّداءِ عَلى عَجْزِهِمْ عَنْ مُعارَضَةِ القُرْآنِ بَعْدَ تَحَدِّيهِمْ بِذَلِكَ، أوْ يَدُلُّ عَلَيْهِ الإضْرابُ في قَوْلِهِ: ﴿بَلْ عَجِبُوا أنْ جاءَهم مُنْذِرٌ مِنهُمْ﴾ . والتَّقْدِيرُ: والقُرْآنُ المَجِيدُ إنَّكَ لِرَسُولُ اللَّهِ بِالحَقِّ، كَما صَرَّحَ بِهِ في قَوْلِهِ: ﴿يس﴾ [يس: ١] ﴿والقُرْآنِ الحَكِيمِ﴾ [يس: ٢] ﴿إنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ﴾ [يس: ٣] ﴿عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [يس: ٤] . أوْ يُقَدَّرُ الجَوابُ: إنَّهُ لَتَنْزِيلٌ مِن رَبِّ العالَمِينَ، أوْ نَحْوُ ذَلِكَ كَما صَرَّحَ بِهِ في نَحْوِ ﴿حم﴾ [الزخرف: ١] ﴿والكِتابِ المُبِينِ﴾ [الزخرف: ٢] ﴿إنّا جَعَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكم تَعْقِلُونَ﴾ [الزخرف: ٣] ونَحْوِ ذَلِكَ. والإضْرابُ الِانْتِقالِيُّ يَقْتَضِي كَلامًا مُنْتَقَلًا مِنهُ والقَسَمُ بِدُونِ جَوابٍ لا يُعْتَبَرُ كَلامًا تامًّا فَتَعَيَّنَ أنْ يُقَدِّرَ السّامِعُ جَوابًا تَتِمُّ بِهِ الفائِدَةُ يَدُلُّ عَلَيْهِ الكَلامُ. (p-٢٧٨)وهَذا مِن إيجازِ الحَذْفِ وحَسَّنَهُ أنَّ الِانْتِقالَ مُشْعِرٌ بِأهَمِّيَّةِ المُنْتَقَلِ إلَيْهِ، أيْ عُدْ عَمّا تُرِيدُ تَقْدِيرَهُ مِن جَوابٍ، وانْتَقَلَ إلى بَيانِ سَبَبِ إنْكارِهِمُ الَّذِي حَدا بِنا إلى القَسَمِ كَقَوْلِ القائِلِ: دَعْ ذا، وقَوْلِ امْرِئِ القَيْسِ: ؎فَدَعْ ذا وسَلِ الهَمَّ عَنْكَ بِجَسْرَةٍ ذُمُولٍ إذا صامَ النَّهارُ وهَجَّرا وقَوْلِ الأعْشى: ؎فَدَعْ ذا ولَكِنْ رُبَّ أرْضٍ مُتَيَّهَةٍ ∗∗∗ قَطَعْتُ بِحُرْجُوجٍ إذا اللَّيْلُ أظْلَما وتَقَدَّمَ بَيانُ نَظِيرِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا في عِزَّةٍ وشِقاقٍ﴾ [ص: ٢] في سُورَةِ ص. وقَوْلِهِ: ”عَجِبُوا“ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ في الإنْكارِ إنْكارًا لِعَجَبِهِمُ البالِغِ حَدَّ الإحالَةِ. و”عَجِبُوا“ حَصَلَ لَهُمُ العَجَبُ بِفَتْحِ الجِيمِ وهو الأمْرُ غَيْرُ المَأْلُوفِ لِلشَّخْصِ ﴿قالَتْ يا ويْلَتا أألِدُ وأنا عَجُوزٌ وهَذا بَعْلِي شَيْخًا إنَّ هَذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ [هود: ٧٢] ﴿قالُوا أتَعْجَبِينَ مِن أمْرِ اللَّهِ﴾ [هود: ٧٣] فَإنَّ الِاسْتِفْهامَ في أتَعْجَبِينَ إنْكارٌ وإنَّما تُنْكَرُ إحالَةُ ذَلِكَ لا كَوْنُهُ مُوجِبَ تَعَجُّبٍ. فالمَعْنى هُنا: أنَّهم نَفَوْا جَوازَ أنْ يُرْسِلَ اللَّهُ إلَيْهِمْ بَشَرًا مِثْلَهم، قالَ تَعالى: ﴿وما مَنَعَ النّاسَ أنْ يُؤْمِنُوا إذْ جاءَهُمُ الهُدى إلّا أنْ قالُوا أبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: ٩٤] . وضَمِيرُ ”عَجِبُوا“ عائِدٌ إلى غَيْرِ مَذْكُورٍ، فَمَعادُهُ مَعْلُومٌ مِنَ السِّياقِ أعْنِي افْتِتاحَ السُّورَةِ بِحَرْفِ التَّهَجِّي الَّذِي قُصِدَ مِنهُ تَعْجِيزُهم عَنِ الإتْيانِ بِمِثْلِ القُرْآنِ لِأنَّ عَجْزَهم عَنِ الإتْيانِ بِمِثْلِهِ في حالِ أنَّهُ مُرَكَّبٌ مِن حُرُوفِ لُغَتِهِمْ يَدُلُّهم عَلى أنَّهُ لَيْسَ بِكَلامِ بَشَرٍ بَلْ هو كَلامٌ أبْدَعَتْهُ قُدْرَةُ اللَّهِ وأبْلَغَهُ اللَّهُ إلى رَسُولِهِ ﷺ عَلى لِسانِ المَلَكِ فَإنَّ المُتَّحَدِّينَ بِالإعْجازِ مَشْهُورُونَ يَعْلَمُهُمُ المُسْلِمُونَ وهم أيْضًا يَعْلَمُونَ أنَّهُمُ المَعْنِيُّونَ بِالتَّحَدِّي بِالإعْجازِ. عَلى أنَّهُ سَيَأْتِي ما يُفَسِّرُ الضَّمِيرَ بِقَوْلِهِ: ”فَقالَ الكافِرُونَ“ . وضَمِيرُ ”مِنهم“ عائِدٌ إلى ما عادَ إلَيْهِ ضَمِيرُ ”عَجِبُوا“ . والمُرادُ: أنَّهُ مِن نَوْعِهِمْ أيْ مِن بَنِي الإنْسانِ. (p-٢٧٩)و”أنْ جاءَهم“ مَجْرُورٌ بِـ (مِن) المَحْذُوفَةِ مَعَ (أنْ)، أيْ عَجِبُوا مِن مَجِيءِ مُنْذِرٍ مِنهم، أوْ عَجِبُوا مِنِ ادِّعاءِ أنْ جاءَهم مُنْذِرٌ مِنهم. وعَبَّرَ عَنِ الرَّسُولِ ﷺ بِوَصْفِ مُنْذِرٍ وهو المُخْبِرُ بِشَرٍّ سَيَكُونُ، لِلْإيماءِ إلى أنَّ عَجَبَهم كانَ ناشِئًا عَنْ صِفَتَيْنِ في الرَّسُولِ ﷺ إحْداهُما أنَّهُ مُخْبِرٌ بِعَذابٍ يَكُونُ بَعْدَ المَوْتِ، أيْ مُخْبِرٌ بِما لا يُصَدِّقُونَ بِوُقُوعِهِ، وإنَّما أنْذَرَهُمُ الرَّسُولُ ﷺ بِعَذابِ الآخِرَةِ بَعْدَ البَعْثِ كَما قالَ تَعالى: ﴿إنْ هو إلّا نَذِيرٌ لَكم بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ﴾ [سبإ: ٤٦] . والثّانِيَةُ: كَوْنُهُ مِن نَوْعِ البَشَرِ. وفَرَّعَ عَلى التَّكْذِيبِ الحاصِلِ في نُفُوسِهِمْ ذِكْرَ مَقالَتِهِمُ الَّتِي تُفْصِحُ عَنْهُ وعَنْ شُبْهَتِهِمُ الباطِلَةِ بِقَوْلِهِ ﴿فَقالَ الكافِرُونَ هَذا شَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ الآيَةَ. وخَصَّ هَذا بِالعِنايَةِ بِالذِّكْرِ لِأنَّهُ أدْخَلُ عِنْدَهم في الِاسْتِبْعادِ وأحَقُّ بِالإنْكارِ فَهو الَّذِي غَرَّهم فَأحالُوا أنْ يُرْسِلَ اللَّهُ إلَيْهِمْ أحَدًا مِن نَوْعِهِمْ ولِذَلِكَ وصَفَ الرَّسُولَ ﷺ ابْتِداءً بِصِفَةِ مُنْذِرٍ قَبْلَ وصْفِهِ بِأنَّهُ مِنهم لِيَدُلَّ عَلى أنَّ ما أنْذَرَهم بِهِ هو الباعِثُ الأصْلِيُّ لِتَكْذِيبِهِمْ إيّاهُ وأنَّ كَوْنَهُ مِنهم إنَّما قَوّى الِاسْتِبْعادَ والتَّعَجُّبَ. ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ يُتَخَلَّصُ مِنهُ إلى إبْطالِ حُجَّتِهِمْ وإثْباتِ البَعْثِ وهو المَقْصُودُ بِقَوْلِهِ ﴿قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الأرْضُ مِنهُمْ﴾ [ق: ٤] إلى قَوْلِهِ كَذَلِكَ الخُرُوجُ. فَقَدْ حَصَلَ في ضِمْنِ هاتَيْنِ الفاصِلَتَيْنِ خُصُوصِيّاتٌ كَثِيرَةٌ مِنَ البَلاغَةِ: مِنها إيجازُ الحَذْفِ، ومِنها ما أفادَهُ الإضْرابُ مِنَ الِاهْتِمامِ بِأمْرِ البَعْثِ، ومِنها الإيجازُ البَدِيعُ الحاصِلُ مِنَ التَّعْبِيرِ بِـ ”مُنْذِرٌ“، ومِنها إقْحامُ وصْفِهِ بِأنَّهُ مِنهم لِأنَّ لِذَلِكَ مَدْخَلًا في تَعَجُّبِهِمْ، ومِنها الإظْهارُ في مَقامِ الإضْمارِ عَلى خِلافِ مُقْتَضى الظّاهِرِ، ومِنها الإجْمالُ المُعَقَّبُ بِالتَّفْصِيلِ في قَوْلِهِ: ﴿هَذا شَيْءٌ عَجِيبٌ أئِذا مِتْنا﴾ إلَخْ. وعَبَّرَ عَنْهم بِالِاسْمِ الظّاهِرِ في ”﴿فَقالَ الكافِرُونَ﴾“ دُونَ: فَقالُوا، لِتَوْسِيمِهِمْ فَإنَّ هَذِهِ المَقالَةَ مِن آثارِ الكُفْرِ، ولِيَكُونَ فِيهِ تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرَيْنِ السّابِقَيْنِ. (p-٢٨٠)والإشارَةُ بِقَوْلِهِمْ ”هَذا شَيْءٌ عَجِيبٌ“ إلى ما هو جارٍ في مَقامِ مَقالَتِهِمْ تِلْكَ مِن دُعاءِ النَّبِيءِ ﷺ إيّاهم لِلْإيمانِ بِالرَّجْعِ، أيِ البَعْثِ وهو الَّذِي بَيَّنَتْهُ جُمْلَةُ ”أئِذا مُتْنا وكُنّا تُرابًا“ إلَخْ. والِاسْتِفْهامُ مُسْتَعْمَلٌ في التَّعْجِيبِ والإبْطالِ، يُرِيدُونَ تَعْجِيبَ السّامِعِينَ مِن ذَلِكَ تَعْجِيبَ إحالَةٍ لِئَلّا يُؤْمِنُوا بِهِ. وجَعَلُوا مَناطَ التَّعْجِيبِ الزَّمانَ الَّذِي أفادَتْهُ (إذا) وما أُضِيفَ إلَيْهِ، أيْ زَمَنَ مَوْتِنا وكَوْنِنا تُرابًا. والمُسْتَفْهَمُ عَنْهُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ ظَرْفُ ”أئِذا مُتْنا وكُنّا تُرابًا“ والتَّقْدِيرُ: أنَرْجِعُ إلى الحَياةِ في حِينِ انْعِدامِ الحَياةِ مِنّا بِالمَوْتِ وحِينِ تَفَتُّتِ الجَسَدِ وصَيْرُورَتِهِ تُرابًا، وذَلِكَ عِنْدَهم أقْصى الِاسْتِبْعادِ. ومُتَعَلِّقُ (إذا) هو المُسْتَفْهَمُ عَنْهُ المَحْذُوفُ المُقَدَّرُ، أيْ نَرْجِعُ أوْ نَعُودُ إلى الحَياةِ وهَذِهِ الجُمْلَةُ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِها. وجُمْلَةُ ”ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ“ مُؤَكِّدَةٌ لِجُمْلَةِ ”أئِذا مُتْنا وكُنّا تُرابًا“ بِطَرِيقِ الحَقِيقَةِ والذِّكْرِ، بَعْدَ أنْ أُفِيدَ بِطَرِيقِ المَجازِ والحَذْفِ، لِأنَّ شَأْنَ التَّأْكِيدِ أنْ يَكُونَ أجْلى دَلالَةً. والرَّجْعُ: مَصْدَرُ رَجَعَ، أيِ الرُّجُوعُ إلى الحَياةِ. ومَعْنى ”بَعِيدٌ“ أنَّهُ بَعِيدٌ عَنْ تَصَوُّرِ العَقْلِ، أيْ هو أمْرٌ مُسْتَحِيلٌ.


ركن الترجمة

QAF. I CALL to witness the glorious Qur'an.

Qâf. Par le Coran glorieux!

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :