موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الخميس 22 شوال 1445 هجرية الموافق ل02 ماي 2024


الآية [2] من سورة  

بَلْ عَجِبُوٓا۟ أَن جَآءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ ٱلْكَٰفِرُونَ هَٰذَا شَىْءٌ عَجِيبٌ


ركن التفسير

2 - (بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم) رسول من أنفسهم يخوفهم بالنار بعد البعث (فقال الكافرون هذا) الانذار (شيء عجيب)

وقال ههنا "بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب" أي تعجبوا من إرسال رسول إليهم من البشر كقوله جل جلاله "أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس" أي وليس هذا بعحيب فإن الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس. ثم قال عز وجل مخبرا عنهم في تعجبهم أيضا من المعاد واستبعادهم لوقوعه.

﴿ق﴾ القَوْلُ فِيهِ نَظِيرُ القَوْلِ في أمْثالِهِ مِنَ الحُرُوفِ المُقَطَّعَةِ الواقِعَةِ في أوائِلِ السُّوَرِ. فَهو حَرْفٌ مِن حُرُوفِ التَّهَجِّي. وقَدْ رَسَمُوهُ في المُصْحَفِ بِصُورَةِ حَرْفِ القافِ الَّتِي يُتَهَجّى بِها في المَكْتَبِ، وأجْمَعُوا عَلى أنَّ النُّطْقَ بِها بِاسْمِ الحَرْفِ المَعْرُوفِ، أيْ يَنْطِقُونَ بِقافٍ بَعْدَها ألِفٌ، بَعْدَهُ فاءٌ. (p-٢٧٦)وقَدْ أجْمَعَ مَن يُعْتَدُّ بِهِ مِنَ القُرّاءِ عَلى النُّطْقِ بِهِ ساكِنَ الآخِرِ سُكُونَ هِجاءٍ في الوَصْلِ والوَقْفِ. ووَقَعَ في رِوايَةِ بَعْضِ القَصّاصِينَ المَكْذُوبَةِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ المُرادَ بِقَوْلِهِ: ق اسْمُ جَبَلٍ عَظِيمٍ مُحِيطٍ بِالأرْضِ. وفي رِوايَةٍ عَنْهُ أنَّهُ اسْمٌ لِكُلِّ واحِدٍ مِن جِبالٍ سَبْعَةٍ مُحِيطَةٍ بِالأرَضِينَ السَّبْعِ واحِدًا وراءَ واحِدٍ كَما أنَّ الأرَضِينَ السَّبْعَ أرْضٌ وراءَ أرْضٍ. أيْ فَهو اسْمُ جِنْسٍ انْحَصَرَتْ أفْرادُهُ في سَبْعَةٍ، وأطالُوا في وصْفِ ذَلِكَ بِما أمْلاهُ عَلَيْهِمُ الخَيالُ المَشْفُوعُ بِقِلَّةِ التَّثَبُّتِ فِيما يَرْوُونَهُ لِلْإغْرابِ، وذَلِكَ مِنَ الأوْهامِ المَخْلُوطَةِ بِبَعْضِ أقْوالِ قُدَماءِ المَشْرِقِيِّينَ، وبِسُوءِ فَهْمِ البَعْضِ في عِلْمِ جُغْرافِيَةِ الأرْضِ وتَخَيُّلِهِمْ إيّاها رِقاعًا مُسَطَّحَةً ذاتَ تَقاسِيمَ يُحِيطُ بِكُلِّ قِسْمٍ مِنها ما يَفْصِلُهُ عَنِ القِسْمِ الآخَرِ مِن بِحارٍ وجِبالٍ، وهَذا مِمّا يَنْبَغِي تَرَفُّعُ العُلَماءِ عَنِ الِاشْتِغالِ بِذِكْرِهِ لَوْلا أنَّ كَثِيرًا مِنَ المُفَسِّرِينَ ذَكَرُوهُ. ومِنَ العَجَبِ أنَ تُفْرَضَ هَذِهِ الأوْهامُ في تَفْسِيرِ هَذا الحَرْفِ مِنَ القُرْآنِ ألَمْ يَكْفِهِمْ أنَّهُ مَكْتُوبٌ عَلى صُورَةِ حُرُوفِ التَّهَجِّي مِثْلَ: الم والمص وكهيعص ولَوْ أُرِيدَ الجَبَلُ المَوْهُومُ لَكُتِبَ قافٌ ثَلاثَةُ حُرُوفٍ كَما تُكْتَبُ دَوالُ الأشْياءِ مِثْلُ عَيْنٍ: اسْمُ الجارِحَةِ، وغَيْنٍ: مَصْدَرُ غانَ عَلَيْهِ، فَلا يَصِحُ أنْ يُدَلَّ عَلى هَذِهِ الأسْماءِ بِحُرُوفِ التَّهَجِّي كَما لا يَخْفى. * * * ﴿والقُرْآنِ المَجِيدِ﴾ ﴿بَلْ عَجِبُوا أنْ جاءَهم مُنْذِرٌ مِنهم فَقالَ الكافِرُونَ هَذا شَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ ﴿أئِذا مِتْنا وكُنّا تُرابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بِعِيدٌ﴾ قَسَمٌ بِالقُرْآنِ، والقَسَمُ بِهِ كِنايَةٌ عَنِ التَّنْوِيهِ بِشَأْنِهِ لِأنَّ القَسَمَ لا يَكُونُ إلّا بِعَظِيمٍ عِنْدَ المُقْسِمِ فَكانَ التَّعْظِيمُ مِن لَوازِمِ القَسَمِ. وأتْبَعَ هَذا التَّنْوِيهَ الكِنائِيَّ بِتَنْوِيهٍ صَرِيحٍ بِوَصْفِ القُرْآنِ بِـ ”المَجِيدِ“ فالمَجِيدُ المُتَّصِفُ بِقُوَّةِ المَجْدِ. والمَجْدُ ويُقالُ المُجادَّةُ: الشَّرَفُ الكامِلُ وكَرَمُ النَّوْعِ. (p-٢٧٧)وشَرَفُ القُرْآنِ مِن بَيْنِ أنْواعِ الكَلامِ أنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلى أعْلى المَعانِي النّافِعَةِ لِصَلاحِ النّاسِ فَذَلِكَ مَجْدُهُ. وأمّا كَمالُ مَجْدِهِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ صِيغَةُ المُبالَغَةِ بِوَصْفِ ”مَجِيدٍ“ فَذَلِكَ بِأنَّهُ يَفُوقُ أفْضَلَ ما أبْلَغَهُ اللَّهُ لِلنّاسِ مِن أنْواعِ الكَلامِ الدّالِّ عَلى مُرادِ اللَّهِ تَعالى إذْ أوْجَدَ ألْفاظَهُ وتَراكِيبَهُ وصُورَةَ نَظْمِهِ بِقُدْرَتِهِ دُونَ واسِطَةٍ، فَإنَّ أكْثَرَ الكَلامِ الدّالِّ عَلى مُرادِ اللَّهِ تَعالى أوْجَدَهُ الرُّسُلُ والأنْبِياءُ المُتَكَلِّمُونَ بِهِ يُعَبِّرُونَ بِكَلامِهِمْ عَمّا يُلْقى إلَيْهِمْ مِنَ الوَحْيِ. ويَدْخُلُ في كَمالِ مَجْدِهِ أنَّهُ يَفُوقُ كُلَّ كَلامٍ أوْجَدَهُ اللَّهُ تَعالى بِقُدْرَتِهِ عَلى سَبِيلِ خَرْقِ العادَةِ مِثْلَ الكَلامِ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ بِهِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بِدُونِ واسِطَةِ المَلائِكَةِ، ومِثْلَ ما أُوحِيَ بِهِ إلى مُحَمَّدٍ ﷺ مِن أقْوالِ اللَّهِ تَعالى المُعَبَّرِ عَنْهُ في اصْطِلاحِ عُلَمائِنا بِالحَدِيثِ القُدُسِيِّ، فَإنَّ القُرْآنَ يَفُوقُ ذَلِكَ كُلَّهُ لَمّا جَعَلَهُ اللَّهُ بِأفْصَحِ اللُّغاتِ وجَعَلَهُ مُعْجِزًا لِبُلَغاءِ أهْلِ تِلْكَ اللُّغَةِ عَنِ الإتْيانِ بِمِثْلِ أقْصَرِ سُورَةٍ مِنهُ. ويَفُوقُ كُلَّ كَلامٍ مِن ذَلِكَ القَبِيلِ بِوَفْرَةِ مَعانِيهِ وعَدَمِ انْحِصارِها، وأيْضًا بِأنَّهُ تَمَيَّزَ عَلى سائِرِ الكُتُبِ الدِّينِيَّةِ بِأنَّهُ لا يَنْسَخُهُ كِتابٌ يَجِيءُ بَعْدَهُ وما يُنْسَخُ مِنهُ إلّا شَيْءٌ قَلِيلٌ يَنْسَخُهُ بَعْضُهُ. وجَوابُ القَسَمِ مَحْذُوفٌ لِتَذْهَبَ نَفْسُ السّامِعِ في تَقْدِيرِهِ كُلَّ طَرِيقٍ مُمْكِنٍ في المَقامِ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ ابْتِداءُ السُّورَةِ بِحَرْفِ ق المُشْعِرِ بِالنِّداءِ عَلى عَجْزِهِمْ عَنْ مُعارَضَةِ القُرْآنِ بَعْدَ تَحَدِّيهِمْ بِذَلِكَ، أوْ يَدُلُّ عَلَيْهِ الإضْرابُ في قَوْلِهِ: ﴿بَلْ عَجِبُوا أنْ جاءَهم مُنْذِرٌ مِنهُمْ﴾ . والتَّقْدِيرُ: والقُرْآنُ المَجِيدُ إنَّكَ لِرَسُولُ اللَّهِ بِالحَقِّ، كَما صَرَّحَ بِهِ في قَوْلِهِ: ﴿يس﴾ [يس: ١] ﴿والقُرْآنِ الحَكِيمِ﴾ [يس: ٢] ﴿إنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ﴾ [يس: ٣] ﴿عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [يس: ٤] . أوْ يُقَدَّرُ الجَوابُ: إنَّهُ لَتَنْزِيلٌ مِن رَبِّ العالَمِينَ، أوْ نَحْوُ ذَلِكَ كَما صَرَّحَ بِهِ في نَحْوِ ﴿حم﴾ [الزخرف: ١] ﴿والكِتابِ المُبِينِ﴾ [الزخرف: ٢] ﴿إنّا جَعَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكم تَعْقِلُونَ﴾ [الزخرف: ٣] ونَحْوِ ذَلِكَ. والإضْرابُ الِانْتِقالِيُّ يَقْتَضِي كَلامًا مُنْتَقَلًا مِنهُ والقَسَمُ بِدُونِ جَوابٍ لا يُعْتَبَرُ كَلامًا تامًّا فَتَعَيَّنَ أنْ يُقَدِّرَ السّامِعُ جَوابًا تَتِمُّ بِهِ الفائِدَةُ يَدُلُّ عَلَيْهِ الكَلامُ. (p-٢٧٨)وهَذا مِن إيجازِ الحَذْفِ وحَسَّنَهُ أنَّ الِانْتِقالَ مُشْعِرٌ بِأهَمِّيَّةِ المُنْتَقَلِ إلَيْهِ، أيْ عُدْ عَمّا تُرِيدُ تَقْدِيرَهُ مِن جَوابٍ، وانْتَقَلَ إلى بَيانِ سَبَبِ إنْكارِهِمُ الَّذِي حَدا بِنا إلى القَسَمِ كَقَوْلِ القائِلِ: دَعْ ذا، وقَوْلِ امْرِئِ القَيْسِ: ؎فَدَعْ ذا وسَلِ الهَمَّ عَنْكَ بِجَسْرَةٍ ذُمُولٍ إذا صامَ النَّهارُ وهَجَّرا وقَوْلِ الأعْشى: ؎فَدَعْ ذا ولَكِنْ رُبَّ أرْضٍ مُتَيَّهَةٍ ∗∗∗ قَطَعْتُ بِحُرْجُوجٍ إذا اللَّيْلُ أظْلَما وتَقَدَّمَ بَيانُ نَظِيرِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا في عِزَّةٍ وشِقاقٍ﴾ [ص: ٢] في سُورَةِ ص. وقَوْلِهِ: ”عَجِبُوا“ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ في الإنْكارِ إنْكارًا لِعَجَبِهِمُ البالِغِ حَدَّ الإحالَةِ. و”عَجِبُوا“ حَصَلَ لَهُمُ العَجَبُ بِفَتْحِ الجِيمِ وهو الأمْرُ غَيْرُ المَأْلُوفِ لِلشَّخْصِ ﴿قالَتْ يا ويْلَتا أألِدُ وأنا عَجُوزٌ وهَذا بَعْلِي شَيْخًا إنَّ هَذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ [هود: ٧٢] ﴿قالُوا أتَعْجَبِينَ مِن أمْرِ اللَّهِ﴾ [هود: ٧٣] فَإنَّ الِاسْتِفْهامَ في أتَعْجَبِينَ إنْكارٌ وإنَّما تُنْكَرُ إحالَةُ ذَلِكَ لا كَوْنُهُ مُوجِبَ تَعَجُّبٍ. فالمَعْنى هُنا: أنَّهم نَفَوْا جَوازَ أنْ يُرْسِلَ اللَّهُ إلَيْهِمْ بَشَرًا مِثْلَهم، قالَ تَعالى: ﴿وما مَنَعَ النّاسَ أنْ يُؤْمِنُوا إذْ جاءَهُمُ الهُدى إلّا أنْ قالُوا أبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: ٩٤] . وضَمِيرُ ”عَجِبُوا“ عائِدٌ إلى غَيْرِ مَذْكُورٍ، فَمَعادُهُ مَعْلُومٌ مِنَ السِّياقِ أعْنِي افْتِتاحَ السُّورَةِ بِحَرْفِ التَّهَجِّي الَّذِي قُصِدَ مِنهُ تَعْجِيزُهم عَنِ الإتْيانِ بِمِثْلِ القُرْآنِ لِأنَّ عَجْزَهم عَنِ الإتْيانِ بِمِثْلِهِ في حالِ أنَّهُ مُرَكَّبٌ مِن حُرُوفِ لُغَتِهِمْ يَدُلُّهم عَلى أنَّهُ لَيْسَ بِكَلامِ بَشَرٍ بَلْ هو كَلامٌ أبْدَعَتْهُ قُدْرَةُ اللَّهِ وأبْلَغَهُ اللَّهُ إلى رَسُولِهِ ﷺ عَلى لِسانِ المَلَكِ فَإنَّ المُتَّحَدِّينَ بِالإعْجازِ مَشْهُورُونَ يَعْلَمُهُمُ المُسْلِمُونَ وهم أيْضًا يَعْلَمُونَ أنَّهُمُ المَعْنِيُّونَ بِالتَّحَدِّي بِالإعْجازِ. عَلى أنَّهُ سَيَأْتِي ما يُفَسِّرُ الضَّمِيرَ بِقَوْلِهِ: ”فَقالَ الكافِرُونَ“ . وضَمِيرُ ”مِنهم“ عائِدٌ إلى ما عادَ إلَيْهِ ضَمِيرُ ”عَجِبُوا“ . والمُرادُ: أنَّهُ مِن نَوْعِهِمْ أيْ مِن بَنِي الإنْسانِ. (p-٢٧٩)و”أنْ جاءَهم“ مَجْرُورٌ بِـ (مِن) المَحْذُوفَةِ مَعَ (أنْ)، أيْ عَجِبُوا مِن مَجِيءِ مُنْذِرٍ مِنهم، أوْ عَجِبُوا مِنِ ادِّعاءِ أنْ جاءَهم مُنْذِرٌ مِنهم. وعَبَّرَ عَنِ الرَّسُولِ ﷺ بِوَصْفِ مُنْذِرٍ وهو المُخْبِرُ بِشَرٍّ سَيَكُونُ، لِلْإيماءِ إلى أنَّ عَجَبَهم كانَ ناشِئًا عَنْ صِفَتَيْنِ في الرَّسُولِ ﷺ إحْداهُما أنَّهُ مُخْبِرٌ بِعَذابٍ يَكُونُ بَعْدَ المَوْتِ، أيْ مُخْبِرٌ بِما لا يُصَدِّقُونَ بِوُقُوعِهِ، وإنَّما أنْذَرَهُمُ الرَّسُولُ ﷺ بِعَذابِ الآخِرَةِ بَعْدَ البَعْثِ كَما قالَ تَعالى: ﴿إنْ هو إلّا نَذِيرٌ لَكم بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ﴾ [سبإ: ٤٦] . والثّانِيَةُ: كَوْنُهُ مِن نَوْعِ البَشَرِ. وفَرَّعَ عَلى التَّكْذِيبِ الحاصِلِ في نُفُوسِهِمْ ذِكْرَ مَقالَتِهِمُ الَّتِي تُفْصِحُ عَنْهُ وعَنْ شُبْهَتِهِمُ الباطِلَةِ بِقَوْلِهِ ﴿فَقالَ الكافِرُونَ هَذا شَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ الآيَةَ. وخَصَّ هَذا بِالعِنايَةِ بِالذِّكْرِ لِأنَّهُ أدْخَلُ عِنْدَهم في الِاسْتِبْعادِ وأحَقُّ بِالإنْكارِ فَهو الَّذِي غَرَّهم فَأحالُوا أنْ يُرْسِلَ اللَّهُ إلَيْهِمْ أحَدًا مِن نَوْعِهِمْ ولِذَلِكَ وصَفَ الرَّسُولَ ﷺ ابْتِداءً بِصِفَةِ مُنْذِرٍ قَبْلَ وصْفِهِ بِأنَّهُ مِنهم لِيَدُلَّ عَلى أنَّ ما أنْذَرَهم بِهِ هو الباعِثُ الأصْلِيُّ لِتَكْذِيبِهِمْ إيّاهُ وأنَّ كَوْنَهُ مِنهم إنَّما قَوّى الِاسْتِبْعادَ والتَّعَجُّبَ. ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ يُتَخَلَّصُ مِنهُ إلى إبْطالِ حُجَّتِهِمْ وإثْباتِ البَعْثِ وهو المَقْصُودُ بِقَوْلِهِ ﴿قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الأرْضُ مِنهُمْ﴾ [ق: ٤] إلى قَوْلِهِ كَذَلِكَ الخُرُوجُ. فَقَدْ حَصَلَ في ضِمْنِ هاتَيْنِ الفاصِلَتَيْنِ خُصُوصِيّاتٌ كَثِيرَةٌ مِنَ البَلاغَةِ: مِنها إيجازُ الحَذْفِ، ومِنها ما أفادَهُ الإضْرابُ مِنَ الِاهْتِمامِ بِأمْرِ البَعْثِ، ومِنها الإيجازُ البَدِيعُ الحاصِلُ مِنَ التَّعْبِيرِ بِـ ”مُنْذِرٌ“، ومِنها إقْحامُ وصْفِهِ بِأنَّهُ مِنهم لِأنَّ لِذَلِكَ مَدْخَلًا في تَعَجُّبِهِمْ، ومِنها الإظْهارُ في مَقامِ الإضْمارِ عَلى خِلافِ مُقْتَضى الظّاهِرِ، ومِنها الإجْمالُ المُعَقَّبُ بِالتَّفْصِيلِ في قَوْلِهِ: ﴿هَذا شَيْءٌ عَجِيبٌ أئِذا مِتْنا﴾ إلَخْ. وعَبَّرَ عَنْهم بِالِاسْمِ الظّاهِرِ في ”﴿فَقالَ الكافِرُونَ﴾“ دُونَ: فَقالُوا، لِتَوْسِيمِهِمْ فَإنَّ هَذِهِ المَقالَةَ مِن آثارِ الكُفْرِ، ولِيَكُونَ فِيهِ تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرَيْنِ السّابِقَيْنِ. (p-٢٨٠)والإشارَةُ بِقَوْلِهِمْ ”هَذا شَيْءٌ عَجِيبٌ“ إلى ما هو جارٍ في مَقامِ مَقالَتِهِمْ تِلْكَ مِن دُعاءِ النَّبِيءِ ﷺ إيّاهم لِلْإيمانِ بِالرَّجْعِ، أيِ البَعْثِ وهو الَّذِي بَيَّنَتْهُ جُمْلَةُ ”أئِذا مُتْنا وكُنّا تُرابًا“ إلَخْ. والِاسْتِفْهامُ مُسْتَعْمَلٌ في التَّعْجِيبِ والإبْطالِ، يُرِيدُونَ تَعْجِيبَ السّامِعِينَ مِن ذَلِكَ تَعْجِيبَ إحالَةٍ لِئَلّا يُؤْمِنُوا بِهِ. وجَعَلُوا مَناطَ التَّعْجِيبِ الزَّمانَ الَّذِي أفادَتْهُ (إذا) وما أُضِيفَ إلَيْهِ، أيْ زَمَنَ مَوْتِنا وكَوْنِنا تُرابًا. والمُسْتَفْهَمُ عَنْهُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ ظَرْفُ ”أئِذا مُتْنا وكُنّا تُرابًا“ والتَّقْدِيرُ: أنَرْجِعُ إلى الحَياةِ في حِينِ انْعِدامِ الحَياةِ مِنّا بِالمَوْتِ وحِينِ تَفَتُّتِ الجَسَدِ وصَيْرُورَتِهِ تُرابًا، وذَلِكَ عِنْدَهم أقْصى الِاسْتِبْعادِ. ومُتَعَلِّقُ (إذا) هو المُسْتَفْهَمُ عَنْهُ المَحْذُوفُ المُقَدَّرُ، أيْ نَرْجِعُ أوْ نَعُودُ إلى الحَياةِ وهَذِهِ الجُمْلَةُ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِها. وجُمْلَةُ ”ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ“ مُؤَكِّدَةٌ لِجُمْلَةِ ”أئِذا مُتْنا وكُنّا تُرابًا“ بِطَرِيقِ الحَقِيقَةِ والذِّكْرِ، بَعْدَ أنْ أُفِيدَ بِطَرِيقِ المَجازِ والحَذْفِ، لِأنَّ شَأْنَ التَّأْكِيدِ أنْ يَكُونَ أجْلى دَلالَةً. والرَّجْعُ: مَصْدَرُ رَجَعَ، أيِ الرُّجُوعُ إلى الحَياةِ. ومَعْنى ”بَعِيدٌ“ أنَّهُ بَعِيدٌ عَنْ تَصَوُّرِ العَقْلِ، أيْ هو أمْرٌ مُسْتَحِيلٌ.


ركن الترجمة

They are rather surprised that a warner from among themselves has come to them. So the unbelievers say: "This is astonishing:

Mais ils s'étonnent que l'un des leurs leur vint comme avertisseur; et les mécréants dirent: «Ceci est une chose étonnante.

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :