ركن التفسير
25 - (مناع للخير) كالزكاة (معتد) ظالم (مريب) شاك في دينه
"مناع للخير" أي لا يؤدي ما عليه من الحقوق ولا بر فيه ولا صلة ولا صدقة "معتد" أي فيما بنفقه ويصرفه يتجاوز فيه الحد. وقال قتادة معتد في منطقه وسيره وأمره "مريب" أي شاك في أمره مريب لمن نظر في أمره.
﴿ألْقِيا في جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ﴾ ﴿مَنّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ﴾ انْتِقالٌ مِن خِطابِ النَّفْسِ إلى خِطابِ المَلَكَيْنِ المُوَكَّلَيْنِ السّائِقِ والشَّهِيدِ. والكَلامُ مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ. والجُمْلَةُ اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ انْتِقالٌ مِن خِطابِ فَرِيقٍ إلى خِطابِ فَرِيقٍ آخَرَ، وصِيغَةُ المُثَنّى في قَوْلِهِ: ”ألْقِيا“ تَجُوزُ أنْ تَكُونَ مُسْتَعْمَلَةً في أصْلِها فَيَكُونُ الخِطابُ لِلسّائِقِ والشَّهِيدِ. ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مُسْتَعْمَلَةً في خِطابِ الواحِدِ وهو المَلَكُ المُوَكَّلُ بِجَهَنَّمَ وخُوطِبَ بِصِيغَةِ المُثَنّى جَرْيًا عَلى طَرِيقَةٍ مُسْتَعْمَلَةٍ في الخِطابِ جَرَتْ عَلى ألْسِنَتِهِمْ لِأنَّهم يَكْثُرُ فِيهِمْ أنْ يُرافِقَ السّائِرَ رَفِيقانِ، وهي طَرِيقَةٌ مَشْهُورَةٌ، كَما قالَ امْرُؤُ القَيْسِ: ؎قِفا نَبْكِ مِن ذِكْرى حَبِيبٍ ومَنزِلِ وقَوْلِهِمْ: يا خَلِيلَيَّ، ويا صاحِبَيَّ. والمُبَرِّدُ يَرى أنَّ تَثْنِيَةَ الفاعِلِ نَزَلَتْ مَنزِلَةَ تَثْنِيَةِ الفِعْلِ لِاتِّحادِهِما كَأنَّهُ قِيلَ: ألْقِ ألْقِ لِلتَّأْكِيدِ. (p-٣١٢)وهَذا أمْرٌ بِأنْ يَعُمَّ الإلْقاءُ في جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ، فَيَعْلَمُ مِنهُ كُلُّ حاضِرٍ في الحَشْرِ مِن هَؤُلاءِ أنَّهُ مَدْفُوعٌ بِهِ إلى جَهَنَّمَ. والكَفّارُ: القَوِيُّ الكُفْرِ، أيِ الشِّرْكِ. والعَنِيدُ: القَوِيُّ العِنادِ، أيِ المُكابَرَةِ والمُدافَعَةِ لِلْحَقِّ وهو يَعْلَمُ أنَّهُ مُبْطِلٌ. والمَنّاعُ: الكَثِيرُ المَنعِ، أيْ صَدِّ النّاسِ عَنِ الخَيْرِ، والخَيْرُ هو الإيمانُ، كانُوا يَمْنَعُونَ أبْناءَهم وذَوِيهِمْ مِنِ اتِّباعِ الإيمانِ ومِن هَؤُلاءِ الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةِ كانَ يَقُولُ لِبَنِي أخِيهِ: مَن دَخَلَ مِنكم في الإسْلامِ لا أنْفَعُهُ بِشَيْءٍ ما عِشْتُ. ويُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِهِ أيْضًا مَنعُ الفُقَراءِ مِنَ المالِ لِأنَّ الخَيْرَ يُطْلَقُ عَلى المالِ وكانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ يَمْنَعُونَ الفُقَراءَ ويُعْطُونَ المالَ لِأكابِرِهِمْ تَقَرُّبًا وتَلَطُّفًا. والمُعْتَدِي: الظّالِمُ الَّذِي يَعْتَدِي عَلى المُسْلِمِينَ بِالأذى وعَلى الرَّسُولِ ﷺ بِالتَّكْذِيبِ والقَوْلِ الباطِلِ. والمُرِيبُ الَّذِي أرابَ غَيْرَهُ، أيْ جَعَلَهُ مُرْتابًا، أيْ شاكًّا، أيْ بِما يُلْقُونَهُ إلى النّاسِ مِن صُنُوفِ المُغالَطَةِ لِيُشَكِّكُوهم في صِدْقِ الرَّسُولِ ﷺ وصِحَّةِ الإيمانِ والتَّوْحِيدِ. وبَيْنَ لَفْظَيْ عَتِيدٍ وعَنِيدٍ الجِناسُ المُصَحَّفُ.