موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الأحد 3 ذو القعدة 1445 هجرية الموافق ل12 ماي 2024


الآية [14] من سورة  

لَا يُقَٰتِلُونَكُمْ جَمِيعاً اِلَّا فِے قُريٗ مُّحَصَّنَةٍ اَوْ مِنْ وَّرَآءِ جُدُرِۢۖ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٞۖ تَحْسِبُهُمْ جَمِيعاٗ وَقُلُوبُهُمْ شَتّ۪يٰۖ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٞ لَّا يَعْقِلُونَۖ


ركن التفسير

14 - (لا يقاتلونكم) أي اليهود (جميعا) مجتمعين (إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر) سور وفي قراءة جدر (بأسهم) حربهم (بينهم شديد تحسبهم جميعا) مجتمعين (وقلوبهم شتى) متفرقة خلاف الحسبان (ذلك بأنهم قوم لا يعقلون)

قال تعالى "لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر" يعني أنهم من جبنهم وهلعهم لا يقدرون على مواجهة جيش الإسلام بالمبارزة والمقاتلة بل إما في حصون أو من وراء جدر محاصرين فيقاتلون للدفع عنهم ضرورة. ثم قال تعالى "بأسهم بينهم شديد" أي عداوتهم فيما بينهم شديدة كما قال تعالى "ويذيق بعضكم بأس بعض" ولهذا قال تعالى "تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى" أي تراهم مجتمعين فتحسبهم مؤتلفين وهم مختلفون غاية الاختلاف قال إبراهيم النخعي يعني أهل الكتاب والمنافقين ذلك بأنهم قوم لا يعقلون".

﴿لا يُقاتِلُونَكم جَمِيعًا إلّا في قُرًى مُحَصَّنَةٍ أوْ مِن وراءِ جُدُرٍ﴾ . هَذِهِ الجُمْلَةُ بَدَلُ اشْتِمالٍ مِن جُمْلَةِ ﴿لَأنْتُمْ أشَدُّ رَهْبَةً في صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ﴾ [الحشر: ١٣]، لِأنَّ شِدَّةَ الرَّهْبَةِ مِنَ المُسْلِمِينَ تَشْتَمِلُ عَلى شَدَّةِ التَّحَصُّنِ لِقِتالِهِمْ إيّاهم، أيْ لا يَقْدِرُونَ عَلى قِتالِكم إلّا في هاتِهِ الأحْوالِ والضَّمِيرُ المَرْفُوعُ في يُقاتِلُونَكم عائِدٌ إلى الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ. وقَوْلُهُ جَمِيعًا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ بِمَعْنى كُلَّهم كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إلى اللَّهِ مَرْجِعُكم جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٤٨] فَيَكُونُ لِلشِّمُولِ، أيْ كُلُّهم لا يُقاتِلُونَكُمُ اليَهُودُ والمُنافِقُونَ إلّا في قُرًى مُحَصَّنَةٍ إلَخْ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ بِمَعْنى مُجْتَمَعِينَ، أيْ لا يُقاتِلُونَكم جُيُوشًا كَشَأْنِ جُيُوشِ المُتَحالِفِينَ فَإنَّ ذَلِكَ قِتالُ مَن لا يَقْبَعُونَ في قُراهم فَيَكُونُ النَّفْيُ مُنْصَبًّا إلى هَذا (p-١٠٥)القَيْدِ، أيْ لا يَجْتَمِعُونَ عَلى قِتالِكُمُ اجْتِماعَ الجُيُوشِ، أيْ لا يُهاجِمُونَكم ولَكِنْ يُقاتِلُونَ قِتالَ دِفاعٍ في قُراهم. واسْتِثْناءُ ”إلّا في قُرًى“ عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ في ”جَمِيعًا“ اسْتِثْناءٌ حَقِيقِيٌّ مِن عُمُومِ الأحْوالِ، أيْ لا يُقاتِلُونَكم كُلُّهم في حالٍ مِنَ الأحْوالِ إلّا في حالِ الكَوْنِ في قُرًى مُحَصَّنَةٍ إلَخْ. وهو عَلى الوَجْهِ الثّانِي في ”جَمِيعًا“ اسْتِثْناءٌ مُنْقَطِعٌ لِأنَّ القِتالَ في القُرى ووَراءَ الجُدُرِ لَيْسَ مِن أحْوالِ قِتالِ الجُيُوشِ المُتَسانِدِينَ. وعَلى كِلا الِاحْتِمالَيْنِ فالكَرَمُ يُفِيدُ أنَّهم لا يُقاتِلُونَ إلّا مُتَفَرِّقِينَ كُلُّ فَرِيقٍ في قَرْيَتِهِمْ، وإلّا خائِفِينَ مُتَتَرِّسِينَ. والمَعْنى: لا يُهاجِمُونَكم، وإنْ هاجَمْتُمُوهم لا يَبْرُزُونَ إلَيْكم ولَكِنَّهم يُدافِعُونَكم في قُرًى مُحَصَّنَةٍ أوْ يُقاتِلُونَكم مِن وراءِ جُدُرٍ، أيْ في الحُصُونِ والمَعاقِلِ ومِن وراءِ الأسْوارِ، وهَذا كِنايَةٌ عَنْ مَصِيرِهِمْ إلى الهَزِيمَةِ إذْ ما حُورِبَ قَوْمٌ في عُقْرِ دارِهِمْ إلّا ذَلُّوا كَما قالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وهَذا إطْلاعٌ لَهم عَلى تَطْمِينٍ لِلرَّسُولِ ﷺ والمُؤْمِنِينَ ودَخائِلِ الأعْداءِ. والجُدُرُ بِضَمَّتَيْنِ في قِراءَةِ الجُمْهُورِ جَمْعُ جِدارٍ. وقَرَأهُ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو (جِدارٌ) عَلى الإفْرادِ، والمُرادُ الجِنْسُ تُساوِي الجَمْعَ. و(مُحَصَّنَةٍ): مَمْنُوعَةٍ مِمَّنْ يُرِيدُ أخْذَها بِأسْوارٍ أوْ خَنادِقَ. وقُرًى: بِالقَصْرِ جَمْعُ قَرْيَةٍ، ووَزْنُهُ وقَصْرُهُ عَلى غَيْرِ قِياسٍ لِأنَّ ما كانَ عَلى زِنَةِ فَعْلَةٍ مُعْتَلِّ اللّامِ مِثْلَ قَرْيَةٍ يُجْمَعُ عَلى فِعالٍ بِكَسْرِ الفاءِ مَمْدُودًا مِثْلَ: رَكْوَةٍ ورِكاءٍ، وشَكْوَةٍ وشِكاءٍ. ولَمْ يُسْمَعِ القَصْرُ إلّا في كَوَّةٍ بِفَتْحِ الكافِ لُغَةٌ وكُوًى، وقَرْيَةٍ وقُرًى ولِذَلِكَ قالَ الفَرّاءُ: قُرًى شاذٌّ، يُرِيدُ خارِجٌ عَنِ القِياسِ. * * * ﴿بَأْسُهم بَيْنَهم شَدِيدٌ تَحْسِبُهم جَمِيعًا وقُلُوبُهم شَتّى ذَلِكَ بِأنَّهم قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ﴾ . اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ لِأنَّ الإخْبارَ عَنْ أهْلِ الكِتابِ وأنْصارِهِمْ بِأنَّهم لا يُقاتِلُونَ (p-١٠٦)المُسْلِمِينَ إلّا في قُرًى مُحَصَّنَةٍ المُفِيدُ أنَّهم لا يَتَّفِقُونَ عَلى جَيْشٍ واحِدٍ مُتَسانِدِينَ فِيهِ مِمّا يُثِيرُ في نَفْسِ السّامِعِ أنْ يَسْألَ عَنْ مُوجِبِ ذَلِكَ مَعَ أنَّهم مُتَّفِقُونَ عَلى عَداوَةِ المُسْلِمِينَ. فَيُجابُ بِأنَّ بَيْنَهم بَأْسًا شَدِيدًا وتَدابُرًا، فَهم لا يَتَّفِقُونَ. وافْتُتِحَتِ الجُمْلَةُ بِـ (بَأْسُهم) لِلِاهْتِمامِ بِالأِخْبارِ عَنْهُ بِأنَّهُ بَيْنَهم، أيْ مُتَسَلِّطٌ مِن بَعْضِهِمْ عَلى بَعْضٍ ولَيْسَ بَأْسُهم عَلى المُسْلِمِينَ، وفي تَهَكُّمٍ. ومَعْنى بَيْنَهم: أنَّ مَجالَ البَأْسِ في مُحِيطِهِمْ فَما في بَأْسِهِمْ مِن إضْرارٍ فَهو مُنْعَكِسٌ إلَيْهِمْ، وهَذا التَّرْكِيبُ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعالى رُحَماءُ بَيْنَهم. وجُمْلَةُ (تَحَسَبُهم جَمِيعًا) إلى آخِرِها اسْتِئْنافٌ عَنْ جُمْلَةِ ﴿بَأْسُهم بَيْنَهم شَدِيدٌ﴾ . لِأنَّهُ قَدْ يَسْألُ السّائِلُ: كَيْفَ ذَلِكَ ونَحْنُ نَراهم مُتَّفِقِينَ ؟ فَأُجِيبُ بِأنَّ ظاهِرَ حالِهِمْ حالُ اجْتِماعٍ واتِّحادٍ وهم في بَواطِنِهِمْ مُخْتَلِفُونَ فَآراؤُهم غَيْرُ مُتَّفِقَةٍ لا إلْفَةَ بَيْنَهم لِأنَّ بَيْنَهم إحَنًا وعَداواتٍ فَلا يَتَعاضَدُونَ. والخِطابُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ لِأنَّ النَّبِيءَ ﷺ لا يَحْسَبُ ذَلِكَ. وهَذا تَشْجِيعٌ لِلْمُسْلِمِينَ عَلى قِتالِهِمْ والِاسْتِخْفافِ بِجَماعَتِهِمْ. وفي الآيَةِ تَرْبِيَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ لِيَحْذَرُوا مِنَ التَّخالُفِ والتَّدابُرِ ويَعْلَمُوا أنْ الأُمَّةَ لا تَكُونُ ذاتَ بَأْسٍ عَلى أعْدائِها إلّا إذا كانَتْ مُتَّفِقَةَ الضَّمائِرِ يَرَوْنَ رَأْيًا مُتَماثِلًا في أُصُولِ مَصالِحِهِما المُشْتَرِكَةِ، وإنِ اخْتَلَفَتْ في خُصُوصِيّاتِها الَّتِي لا تَنْقُضُ أُصُولَ مَصالِحِها، ولا تُفَرِّقُ جامِعَتِها، وأنَّهُ لا يَكْفِي في الِاتِّحادِ تَوافُقُ الأقْوالِ ولا التَّوافُقُ عَلى الأغْراضِ إلّا أنْ تَكُونَ الضَّمائِرُ خالِصَةً مِنَ الإحَنِ والعَداواتِ. والقُلُوبُ: العُقُولُ والأفْكارُ، وإطْلاقُ القَلْبِ عَلى العَقْلِ كَثِيرٌ في اللُّغَةِ. وشَتّى: جَمْعُ شَتِيتٍ بِمَعْنى مُفارِقٍ بِوَزْنِ فَعْلى مَثَلَ قَتِيلٍ وقَتْلى، شُبِّهَتِ العُقُولُ المُخْتَلِفَةُ مَقاصِدُها بِالجَماعاتِ المُتَفَرِّقِينَ في جِهاتٍ في أنَّها لا تَتَلاقى في مَكانٍ واحِدٍ، والمَعْنى: أنَّهم لا يَتَّفِقُونَ عَلى حَرْبِ المُسْلِمِينَ. وقَوْلُهُ (ذَلِكَ) إشارَةٌ إلى ما ذُكِرَ مِن أنَّ بَأْسَهم بَيْنَهم ومِن تَشَتُّتِ قُلُوبِهِمْ أيْ ذَلِكَ مُسَبَّبٌ عَلى عَدَمِ عَقْلِهِمْ إذِ انْساقُوا إلى إرْضاءِ خَواطِرِ الأحْقادِ والتَّشَفِّي بَيْنَ أفْرادِهِمْ وأهْمَلُوا النَّظَرَ في عَواقِبِ الأُمُورِ واتِّباعِ المَصالِحِ فَأضاعُوا مَصالِحَ قَوْمِهِمْ. (p-١٠٧)ولِذَلِكَ أقْحَمَ لَفْظَ القَوْمِ في قَوْلِهِ بِأنَّهم قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ إيماءٌ إلى أنَّ ذَلِكَ مِن آثارِ ضَعْفِ عُقُولِهِمْ حَتّى صارَتْ عُقُولُهم كالمَعْدُومَةِ فالمُرادُ: أنَّهم لا يَعْقِلُونَ المَعْقِلَ الصَّحِيحَ. وأُوثِرَ هُنا (لا يَعْقِلُونَ) . وفي الآيَةِ الَّتِي قَبْلَها (لا يَفْقَهُونَ) لِأنَّ مَعْرِفَةَ مَآلِ التَّشَتُّتِ في الرَّأْيِ وصَرْفِ البَأْسِ إلى المُشارِكِ في المَصْلَحَةِ مِنَ الوَهْنِ والفَتِّ في ساعِدِ الأُمَّةِ مَعْرِفَةٌ (مَشْهُورَةٌ) بَيْنَ العُقَلاءِ قالَ أحَدُ بَنِي نَبْهانَ يُخاطِبُ قَوْمَهُ إذْ أزْمَعُوا عَلى حَرْبِ بَعْضِهِمْ: ؎وأنَّ الحَزامَةَ أنْ تَصْرِفُوا لِحَيٍ سِوانا صُدُورَ الأسَلْ. فَإهْمالُهم سُلُوكَ ذَلِكَ جَعَلَهم سَواءً مَعَ مَن لا عُقُولَ لَهم فَكانَتْ هَذِهِ الحالَةُ شِقْوَةً لَهم حَصُلَتْ مِنها سَعادَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ. وقَدْ تَقَدَّمَ غَيْرُ مَرَّةٍ أنَّ إسْنادَ الحُكْمِ إلى عُنْوانِ قَوْمٍ يُؤْذِنُ بِأنَّ ذَلِكَ الحُكْمَ كالجِبِلَّةِ المُقَوِّمَةِ لِلْقَوْمِيَّةِ وقَدْ ذَكَرْتُهُ آنِفًا.


ركن الترجمة

They will not fight you in a body except in fortified cities, or from behind the walls. Their enmity among themselves is great. You think they are united, but divided are their hearts. That is because these people are devoid of sense,

Tous ne vous combattront que retranchés dans des cités fortifiées ou de derrière des murailles. Leurs dissensions internes sont extrêmes. Tu les croirait unis, alors que leurs cœurs sont divisés. C'est qu'ils sont des gens qui ne raisonnent pas.

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :