موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الأحد 25 شوال 1445 هجرية الموافق ل05 ماي 2024


الآية [115] من سورة  

أَفَغَيْرَ اَ۬للَّهِ أَبْتَغِے حَكَماٗ وَهُوَ اَ۬لذِےٓ أَنزَلَ إِلَيْكُمُ اُ۬لْكِتَٰبَ مُفَصَّلاٗۖ وَالذِينَ ءَاتَيْنَٰهُمُ اُ۬لْكِتَٰبَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُۥ مُنزَلٞ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ اَ۬لْمُمْتَرِينَۖ


ركن التفسير

114 - ونزل لما طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل بينه وبينهم حكماً ، قل (أفغير الله أبتغي) أطلب (حكما) قاضيا بيني وبينكم (وهو الذي أنزل إليكم الكتاب) القرآن (مفصلا) مبينا فيه الحق من الباطل (والذين آتيناهم الكتاب) التوراة كعبد الله بن سلام وأصحابه (يعلمون أنه منزل) بالتخفيف والتشديد (من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين) الشاكين فيه والمراد بذلك التقرير للكفار أنه حق

يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم قل لهؤلاء المشركين بالله الذين يعبدون غيره "أفغير الله أبتغي حكما" أي بيني وبينكم "وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا" أي مبينا "والذين آتيناهم الكتاب" أي من اليهود والنصارى يعلمون أنه منزل من ربك بالحق أي بما عندهم من البشارات بك من الأنبياء المتقدمين "فلا تكونن من الممترين" كقوله "فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين" وهذا شرط والشرط لا يقتضي وقوعه ولهذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "لا أشك ولا أسأل".

﴿أفَغَيْرَ اللَّهِ أبْتَغِي حَكَمًا وهْوَ الَّذِي أنْزَلَ إلَيْكُمُ الكِتابَ مُفَصَّلا والَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ يَعْلَمُونَ أنَّهُ مُنْزَلٌ مِن رَبِّكَ بِالحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ﴾ اسْتِئْنافٌ بِخِطابٍ مِنَ اللَّهِ تَعالى إلى رَسُولِهِ ﷺ بِتَقْدِيرِ الأمْرِ بِالقَوْلِ بِقَرِينَةِ السِّياقِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أحَدٍ مِن رُسُلِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥] أيْ: يَقُولُونَ، وقَوْلُهُ المُتَقَدِّمُ آنِفًا ﴿قَدْ جاءَكم بَصائِرُ مِن رَبِّكُمْ﴾ [الأنعام: ١٠٤] بَعْدَ أنْ أخْبَرَهُ عَنْ تَصارِيفِ عِنادِ المُشْرِكِينَ، وتَكْذِيبِهِمْ وتَعَنُّتِهِمْ في طَلَبِ الآياتِ الخَوارِقِ؛ إذْ جَعَلُوها حَكَمًا بَيْنَهم وبَيْنَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في صِدْقِ دَعْوَتِهِ، وبَعْدَ أنْ فَضَحَهُمُ اللَّهُ بِعَداوَتِهِمْ لِرَسُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وافْتِرائِهِمْ عَلَيْهِ، وأمَرَ رَسُولَهُ ﷺ بِالإعْراضِ عَنْهم وتَرْكِهم وما يَفْتَرُونَ، وأعْلَمَهُ بِأنَّهُ ما كَلَّفَهُ أنْ يَكُونَ وكِيلًا لِإيمانِهِمْ، وبِأنَّهم سَيَرْجِعُونَ إلى رَبِّهِمْ فَيُنَبِّئُهم بِما كانُوا يَعْمَلُونَ، بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ لَقَّنَ اللَّهُ رَسُولَهُ ﷺ أنْ يُخاطِبَهم خِطابًا كالجَوابِ عَنْ أقْوالِهِمْ وتَوَرُّكاتِهِمْ، فَيُفَرَّعُ عَلَيْها أنَّهُ لا يَطْلُبُ حاكِمًا بَيْنَهُ وبَيْنَهم غَيْرَ اللَّهِ تَعالى الَّذِي إلَيْهِ مَرْجِعُهم، (p-١٤)وأنَّهم إنْ طَمِعُوا في غَيْرِ ذَلِكَ مِنهُ فَقَدْ طَمِعُوا مُنْكَرًا، فَتَقْدِيرُ القَوْلِ مُتَعَيِّنٌ؛ لِأنَّ الكَلامَ لا يُناسِبُ إلّا أنْ يَكُونَ مِن قَوْلِ النَّبِيءِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ والفاءُ لِتَفْرِيعِ الجَوابِ عَنْ مَجْمُوعِ أقْوالِهِمْ ومُقْتَرَحاتِهِمْ، فَهو مِن عَطْفِ التَّلْقِينِ بِالفاءِ، كَما جاءَ بِالواوِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قالَ إنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إمامًا قالَ ومِن ذُرِّيَّتِي﴾ [البقرة: ١٢٤] ومِنهُ بِالفاءِ قَوْلُهُ في سُورَةِ الزُّمَرِ: ﴿قُلْ أفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أعْبُدُ أيُّها الجاهِلُونَ﴾ [الزمر: ٦٤] فَكَأنَّ المُشْرِكِينَ دَعَوُا النَّبِيءَ ﷺ إلى التَّحاكُمِ في شَأْنِ نُبُوءَتِهِ بِحُكْمِ ما اقْتَرَحُوا عَلَيْهِ مِنَ الآياتِ، فَأجابَهم بِأنَّهُ لا يَضَعُ دِينَ اللَّهِ لِلتَّحاكُمِ، ولِذَلِكَ وقَعَ الإنْكارُ أنْ يُحَكِّمَ غَيْرَ اللَّهِ تَعالى، مَعَ أنَّ حُكْمَ اللَّهِ ظاهِرٌ بِإنْزالِ الكِتابِ مُفَصَّلًا بِالحَقِّ، وبِشَهادَةِ أهْلِ الكِتابِ في نُفُوسِهِمْ، ومِن مُوجِباتِ التَّقْدِيمِ كَوْنِ المُقَدَّمِ يَتَضَمَّنُ جَوابًا لِرَدِّ طَلِبٍ طَلَبَهُ المُخاطَبُ، كَما أشارَ إلَيْهِ صاحِبُ الكَشّافِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ أغَيْرَ اللَّهِ أبْغِي رَبًّا﴾ [الأنعام: ١٦٤] في هَذِهِ السُّورَةِ. والهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهامِ الإنْكارِيِّ؛ أيْ: ظَنَنْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَنَنْتُمْ مُنْكَرًا. وتَقْدِيمُ ﴿أفَغَيْرَ اللَّهِ﴾ عَلى ”أبْتَغِي“ لِأنَّ المَفْعُولَ هو مَحَلُّ الإنْكارِ، فَهو الحَقِيقُ بِمُوالاةِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهامِ الإنْكارِيِّ، كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ أغَيْرَ اللَّهِ أتَّخِذُ ولِيًّا﴾ [الأنعام: ١٤] في هَذِهِ السُّورَةِ. والحَكَمُ: الحاكِمُ المُتَخَصِّصُ بِالحُكْمِ الَّذِي لا يُنْقَضُ حُكْمُهُ، فَهو أخَصُّ مِنَ الحاكِمِ، ولِذَلِكَ كانَ مِن أسْمائِهِ تَعالى: الحَكَمُ، ولَمْ يَكُنْ مِنها: الحاكِمُ. وانْتَصَبَ حَكَمًا عَلى الحالِ. والمَعْنى: لا أطْلُبُ حَكَمًا بَيْنِي وبَيْنَكم غَيْرَ اللَّهِ الَّذِي حَكَمَ حُكْمَهُ عَلَيْكم بِأنَّكم أعْداءٌ مُقْتَرِفُونَ. (p-١٥)وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى الِابْتِغاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: (أفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ تَبْغُونَ) في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ. وقَوْلُهُ: ﴿وهُوَ الَّذِي أنْزَلَ إلَيْكُمُ الكِتابَ مُفَصَّلًا﴾ مِن تَمامِ القَوْلِ المَأْمُورِ بِهِ، والواوُ لِلْحالِ؛ أيْ: لا أعْدِلُ عَنِ التَّحاكُمِ إلَيْهِ، وقَدْ فَصَّلَ حُكْمَهُ بِإنْزالِ القُرْآنِ إلَيْكم لِتَتَدَبَّرُوهُ فَتَعْلَمُوا مِنهُ صِدْقِي، وأنَّ القُرْآنَ مِن عِنْدِ اللَّهِ، وقَدْ صِيغَتْ جُمْلَةُ الحالِ عَلى الِاسْمِيَّةِ المَعْرِفَةِ الجُزْأيْنِ لِتُفِيدَ القَصْرَ مَعَ إفادَةِ أصْلِ الخَبَرِ، فالمَعْنى: والحالُ أنَّهُ أنْزَلَ إلَيْكُمُ الكِتابَ ولَمْ يُنْزِلْهُ غَيْرُهُ، ونُكْتَةُ ذَلِكَ أنَّ في القُرْآنِ دَلالَةً عَلى أنَّهُ مِن عِنْدِ اللَّهِ بِما فِيهِ مِنَ الإعْجازِ، وبِأُمِّيَّةِ المُنَزَّلِ عَلَيْهِ، وأنَّ فِيهِ دَلالَةً عَلى صِدْقِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ تَبَعًا لِثُبُوتِ كَوْنِهِ مُنَزَّلًا مِن عِنْدِ اللَّهِ، فَإنَّهُ قَدْ أخْبَرَ أنَّهُ أرْسَلَ مُحَمَّدًا ﷺ لِلنّاسِ كافَّةً، وفي تَضاعِيفِ حُجَجِ القُرْآنِ وأخْبارِهِ دَلالَةٌ عَلى صِدْقِ مَن جاءَ بِهِ، فَحَصَلَ بِصَوْغِ جُمْلَةِ الحالِ عَلى صِيغَةِ القَصْرِ الدَّلالَةُ عَلى الأمْرَيْنِ: أنَّهُ مِن عِنْدِ اللَّهِ، والحُكْمِ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِالصِّدْقِ. والمُرادُ بِالكِتابِ القُرْآنُ، والتَّعْرِيفُ لِلْعَهْدِ الحُضُورِيِّ، والضَّمِيرُ في إلَيْكم خِطابٌ لِلْمُشْرِكِينَ، فَإنَّ القُرْآنَ أُنْزِلَ إلى النّاسِ كُلِّهِمْ لِلِاهْتِداءِ بِهِ، فَكَما قالَ اللَّهُ: ﴿بِما أنْزَلَ إلَيْكَ أنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ﴾ [النساء: ١٦٦] قالَ: ﴿يا أيُّها النّاسُ قَدْ جاءَكم بُرْهانٌ مِن رَبِّكم وأنْزَلْنا إلَيْكم نُورًا مُبِينًا﴾ [النساء: ١٧٤] وفي قَوْلِهِ: إلَيْكم هُنا تَسْجِيلٌ عَلَيْهِمْ بِأنَّهُ قَدْ بَلَغَهم فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَجاهُلًا. والمُفَصَّلُ المُبَيَّنُ: وقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ التَّفْصِيلِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ ولِتَسْتَبِينَ سَبِيلَ المُجْرِمِينَ﴾ [الأنعام: ٥٥] في هَذِهِ السُّورَةِ. وجُمْلَةُ ﴿والَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ يَعْلَمُونَ أنَّهُ مُنَزَّلٌ﴾ مَعْطُوفَةٌ عَلى القَوْلِ المَحْذُوفِ، فَتَكُونُ اسْتِئْنافًا مِثْلَهُ، أوْ مَعْطُوفَةً عَلى جُمْلَةِ ﴿أفَغَيْرَ اللَّهِ أبْتَغِي﴾ أوْ عَلى (p-١٦)جُمْلَةِ ﴿وهُوَ الَّذِي أنْزَلَ إلَيْكُمُ الكِتابَ﴾ فَهو عَطْفُ تَلْقِينِ عُطِفَ بِهِ الكَلامُ المَنسُوبُ إلى اللَّهِ عَلى الكَلامِ المَنسُوبِ إلى النَّبِيءِ ﷺ تَعْضِيدًا لَمّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الكَلامُ المَنسُوبُ إلى النَّبِيءِ ﷺ مِن كَوْنِ القُرْآنِ حَقًّا، وأنَّهُ مِن عِنْدِ اللَّهِ. والمُرادُ بِالَّذِينَ آتاهُمُ اللَّهُ الكِتابَ: أحْبارُ اليَهُودِ، لِأنَّ الكِتابَ هو التَّوْراةُ المَعْرُوفُ عِنْدَ عامَّةِ العَرَبِ، وخاصَّةً أهْلُ مَكَّةَ، لِتَرَدُّدِ اليَهُودِ عَلَيْها في التِّجارَةِ، ولِتَرَدُّدِ أهْلِ مَكَّةَ عَلى مَنازِلِ اليَهُودِ بِيَثْرِبَ وقُراها؛ ولِكَوْنِ المَقْصُودِ بِهَذا الحُكْمِ أحْبارَ اليَهُودِ خاصَّةً قالَ: ﴿آتَيْناهُمُ الكِتابَ﴾ ولَمْ يَقُلْ: أهْلَ الكِتابِ. ومَعْنى عِلْمِ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ بِأنَّ القُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ أنَّهم يَجِدُونَهُ مُصَدِّقًا لِما في كِتابِهِمْ، وهم يَعْلَمُونَ أنَّ مُحَمَّدًا ﷺ لَمْ يَدْرُسْ كِتابَهم عَلى أحَدٍ مِنهم، إذْ لَوْ دَرَسَهُ لَشاعَ أمْرُهُ بَيْنَهم، ولَأعْلَنُوا ذَلِكَ بَيْنَ النّاسِ حِينَ ظُهُورِ دَعْوَتِهِ، وهم أحْرَصُ عَلى ذَلِكَ، ولَمْ يَدَّعُوهُ، وعِلْمُهم بِذَلِكَ لا يَقْتَضِي إسْلامَهم؛ لِأنَّ العِنادَ والحَسَدَ يَصُدّانِهِمْ عَنْ ذَلِكَ، وقِيلَ: المُرادُ بِالَّذِينَ آتاهُمُ اللَّهُ الكِتابَ مَن أسْلَمُوا مِن أحْبارِ اليَهُودِ، مِثْلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ، ومُخَيْرِيقٌ، فَيَكُونُ المَوْصُولُ في قَوْلِهِ: ﴿والَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ﴾ لِعَهْدٍ، وعَنْ عَطاءٍ: ﴿والَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ﴾ هم رُؤَساءُ أصْحابِ مُحَمَّدٍ ﷺ: أبُو بَكْرٍ، وعُمَرُ، وعُثْمانُ، وعَلِيٌّ، فَيَكُونُ الكِتابُ هو القُرْآنُ. وضَمِيرُ (أنَّهُ) عائِدٌ إلى الكِتابِ الَّذِي في قَوْلِهِ: ﴿وهُوَ الَّذِي أنْزَلَ إلَيْكُمُ الكِتابَ﴾ وهو القُرْآنُ. والباءُ في قَوْلِهِ: بِالحَقِّ لِلْمُلابَسَةِ؛ أيْ: مُلابِسًا لِلْحَقِّ، وهي مُلابَسَةُ الدّالِّ لِلْمَدْلُولِ؛ لِأنَّ مَعانِيَهُ وأخْبارَهُ ووَعْدَهُ ووَعِيدَهُ وكُلَّ ما اشْتَمَلَ عَلَيْهِ حَقٌّ. (p-١٧)وقَرَأ الجُمْهُورُ: مُنْزَلٌ بِتَخْفِيفِ الزّايِ، وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ وحَفْصٌ بِالتَّشْدِيدِ، والمَعْنى مُتَقارِبٌ أوْ مُتَّحِدٌ، كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ﴾ [آل عمران: ٣] في أوَّلِ سُورَةِ آلِ عِمْرانَ. والخِطابُ في قَوْلِهِ: ﴿فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ خِطابًا لِلنَّبِيءِ ﷺ فَيَكُونُ التَّفْرِيعُ عَلى قَوْلِهِ: ﴿يَعْلَمُونَ أنَّهُ مُنَزَّلٌ مِن رَبِّكَ بِالحَقِّ﴾ أيْ: فَلا تَكُنْ مِنَ المُمْتَرِينَ في أنَّهم يَعْلَمُونَ ذَلِكَ، والمَقْصُودُ تَأْكِيدُ الخَبَرِ كَقَوْلِ القائِلِ بَعْدَ الخَبَرِ: هَذا ما لا شَكَّ فِيهِ، فالِامْتِراءُ المَنفِيُّ هو الِامْتِراءُ في أنَّ أهْلَ الكِتابِ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ؛ لِأنَّ غَرِيبًا اجْتِماعُ عِلْمِهِمْ وكُفْرِهِمْ بِهِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ خِطابًا لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، لِيَعُمَّ كُلَّ مَن يَحْتاجُ إلى مِثْلِ هَذا الخِطابِ؛ أيْ: فَلا تَكُونَنَّ أيُّها السّامِعُ مِنَ المُمْتَرِينَ؛ أيِ: الشّاكِّينَ في كَوْنِ القُرْآنِ مِن عِنْدِ اللَّهِ، فَيَكُونُ التَّفْرِيعُ عَلى قَوْلِهِ: ﴿مُنَزَّلٌ مِن رَبِّكَ بِالحَقِّ﴾ أيْ: فَهَذا أمْرٌ قَدِ اتَّضَحَ، فَلا تَكُنْ مِنَ المُمْتَرِينَ فِيهِ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُخاطَبُ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، والمَقْصُودُ مِنَ الكَلامِ المُشْرِكُونَ المُمْتَرُونَ عَلى طَرِيقَةِ التَّعْرِيضِ، كَما يُقالُ: إيّاكَ أعْنِي واسْمَعِي يا جارَةُ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَقَدْ أُوحِيَ إلَيْكَ وإلى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ٦٥] وهَذا الوَجْهُ هو أحْسَنُ الوُجُوهِ، والتَّفْرِيعُ فِيهِ كَما في الوَجْهِ الثّانِي. وعَلى كُلِّ الوُجُوهِ كانَ حَذْفُ مُتَعَلِّقِ الِامْتِراءِ لِظُهُورِهِ مِنَ المَقامِ تَعْوِيلًا عَلى القَرِينَةِ، وإذْ قَدْ كانَتْ هَذِهِ الوُجُوهُ الثَّلاثَةُ غَيْرُ مُتَعارِضَةٍ، صَحَّ أنْ يَكُونَ جَمِيعُها مَقْصُودًا مِنَ الآيَةِ، لِتَذْهَبَ أفْهامُ السّامِعِينَ إلى ما تَتَوَصَّلُ إلَيْهِ مِنها، وهَذا فِيما أرى مِن مَقاصِدِ إيجازِ القُرْآنِ وهو مَعْنى الكَلامِ الجامِعِ، ويَجِيءُ مِثْلُهُ في آياتٍ كَثِيرَةٍ، وهو مِن خَصائِصِ القُرْآنِ.


ركن الترجمة

(Say): "Then should I seek (the source of) law elsewhere than God, when it is He who has revealed this Book to you, which distinctly explains (everything)?" Those to whom We have given the Book know it has been sent by your Lord in truth. So be not a sceptic.

Chercherai-je un autre juge qu'Allah, alors que c'est Lui qui a fait descendre vers vous ce Livre bien exposé? Ceux auxquels Nous avons donné le Livre savent qu'il est descendu avec la vérité venant de ton Seigneur. Ne sois donc point du nombre de ceux qui doutent.

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :