موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الأحد 25 شوال 1445 هجرية الموافق ل05 ماي 2024


الآية [116] من سورة  

وَتَمَّتْ كَلِمَٰتُ رَبِّكَ صِدْقاٗ وَعَدْلاٗۖ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِۦۖ وَهُوَ اَ۬لسَّمِيعُ اُ۬لْعَلِيمُۖ


ركن التفسير

115 - (وتمت كلمة ربك) بالأحكام والمواعيد (صدقا وعدلا) تمييز (لا مبدل لكلماته) بنقص أو خلف (وهو السميع) لما يقال (العليم) بما يفعل

وقوله تعالى "وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا" قال قتادة: صدقا فيما قال وعدلا فيما حكم يقول صدقا في الأخبار وعدلا في الطلب فكل ما أخبر به فحق لا مرية فيه ولا شك وكل ما أمر به فهو العدل الذي لا عدل سواه وكل ما نهى عنه فباطل فإنه لا ينهى إلا عن مفسدة كما قال تعالى "يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر" إلى آخر الآية "لا مبدل لكلماته" أي ليس أحد يعقب حكمه تعالى لا فى الدنيا ولا في الآخرة "وهو السميع" لأقوال عباده "العليم" بحركاتهم وسكناتهم الذي يجازي كل عامل بعمله.

﴿وتَمَّتْ كَلِماتُ رَبِّكَ صِدْقًا وعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وهْوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾ (p-١٨)هَذِهِ الجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿أفَغَيْرَ اللَّهِ أبْتَغِي حَكَمًا﴾ [الأنعام: ١١٤] لِأنَّ تِلْكَ الجُمْلَةَ مَقُولُ قَوْلٍ مُقَدَّرٍ؛ إذِ التَّقْدِيرُ قُلْ أفَغَيْرَ اللَّهِ أبْتَغِي حَكَمًا، بِاعْتِبارِ ما في تِلْكَ الجُمْلَةِ مِن قَوْلِهِ: (﴿وهُوَ الَّذِي أنْزَلَ إلَيْكُمُ الكِتابَ مُفَصَّلًا﴾ [الأنعام: ١١٤]) فَلَمّا وُصِفَ الكِتابُ بِأنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ، ووُصِفَ بِوُضُوحِ الدَّلالَةِ بِقَوْلِهِ: (﴿وهُوَ الَّذِي أنْزَلَ إلَيْكُمُ الكِتابَ مُفَصَّلًا﴾ [الأنعام: ١١٤]) ثُمَّ بِشَهادَةِ عُلَماءِ أهْلِ الكِتابِ بِأنَّهُ مِن عِنْدِ اللَّهِ بِقَوْلِهِ: ﴿والَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ يَعْلَمُونَ أنَّهُ مُنَزَّلٌ مِن رَبِّكَ﴾ [الأنعام: ١١٤] أعْلَمَ رَسُولَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ والمُؤْمِنِينَ بِأنَّ هَذا الكِتابَ تامُّ الدَّلالَةِ، ناهِضُ الحُجَّةِ، عَلى كُلِّ فَرِيقٍ مِن مُؤْمِنٍ وكافِرٍ، صادِقٌ وعْدُهُ ووَعِيدُهُ، عادِلٌ أمْرُهُ ونَهْيُهُ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلى جُمْلَةِ (جَعَلَنا لِكُلِّ نَبِيءٍ عَدُوًّا) وما بَيْنَهُما اعْتِراضٌ، كَما سَنُبَيِّنُهُ. والمُرادُ بِالتَّمامِ مَعْنًى مَجازِيٌّ إمّا بِمَعْنى بُلُوغِ الشَّيْءِ إلى أحْسَنِ ما يَبْلُغُهُ مِمّا يُرادُ مِنهُ، فَإنَّ التَّمامَ حَقِيقَتُهُ كَوْنُ الشَّيْءِ وافِرًا أجْزاءَهُ، والنُّقْصانُ كَوْنُهُ فاقِدًا بَعْضَ أجْزائِهِ، فَيُسْتَعارُ لِوَفْرَةِ الصِّفاتِ الَّتِي تُرادُ مِن نَوْعِهِ؛ وإمّا بِمَعْنى التَّحَقُّقِ فَقَدْ يُطْلَقُ التَّمامُ عَلى حُصُولِ المُنْتَظَرِ وتَحَقُّقِهِ، يُقالُ: تَمَّ ما أخْبَرَ بِهِ فُلانٌ، ويُقالُ: أتَمَّ وعْدَهُ؛ أيْ: حَقَّقَهُ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإذِ ابْتَلى إبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأتَمَّهُنَّ﴾ [البقرة: ١٢٤] أيْ: عَمِلَ بِهِنَّ دُونَ تَقْصِيرٍ ولا تَرَخُّصٍ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الحُسْنى عَلى بَنِي إسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا﴾ [الأعراف: ١٣٧] أيْ: ظَهَرَ وعْدُهُ لَهم بِقَوْلِهِ: ﴿ونُرِيدُ أنْ نَمُنَّ عَلى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا في الأرْضِ﴾ [القصص: ٥] الآيَةَ، ومِن هَذا المَعْنى قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ﴾ [الصف: ٨] أيْ: مُحَقِّقٌ دِينَهُ ومُثَبِّتُهُ؛ لِأنَّهُ جَعَلَ الإتْمامَ في مُقابَلَةِ الإطْفاءِ المُسْتَعْمَلِ في الإزالَةِ مَجازًا أيْضًا. وقَوْلُهُ: كَلِماتُ رَبِّكَ قَرَأهُ الجُمْهُورُ بِصِيغَةِ الجَمْعِ وقَرَأهُ عاصِمٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ ويَعْقُوبُ وخَلَفٌ: (كَلِمَةُ) بِالإفْرادِ فَقِيلَ: المُرادُ بِالكَلِماتِ أوِ الكَلِمَةِ القُرْآنُ، وهو قَوْلُ جُمْهُورِ المُفَسِّرِينَ (p-١٩)ونُقِلَ عَنْ قَتادَةَ، وهو الأظْهَرُ المُناسِبُ لِجَعْلِ الجُمْلَةِ مَعْطُوفَةً عَلى جُمْلَةِ ﴿والَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ﴾ [الأنعام: ١١٤] فَأمّا عَلى قِراءَةِ الإفْرادِ فَإطْلاقُ الكَلِمَةِ عَلى القُرْآنِ بِاعْتِبارِ أنَّهُ كِتابٌ مِن عِنْدِ اللَّهِ، فَهو مِن كَلامِهِ وقَوْلِهِ، والكَلِمَةُ والكَلامُ يَتَرادَفانِ، ويَقُولُ العَرَبُ كَلِمَةُ زُهَيْرٍ، يَعَنُونَ قَصِيدَتَهُ، وقَدْ أُطْلِقَ في القُرْآنِ (الكَلِماتُ) عَلى الكُتُبِ السَّماوِيَّةِ في قَوْلِهِ تَعالى: (﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ النَّبِيءِ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وكَلِماتِهِ﴾ [الأعراف: ١٥٨]) أيْ: كُتُبِهِ، وأمّا عَلى قِراءَةِ الكَلِماتِ بِالجَمْعِ فَإطْلاقُها عَلى القُرْآنِ بِاعْتِبارِ ما يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنَ الجُمَلِ والآياتِ، أوْ بِاعْتِبارِ أنْواعِ أغْراضِهِ مِن أمْرٍ ونَهْيٍ وتَبْشِيرٍ وإنْذارٍ ومَواعِظَ وإخْبارٍ واحْتِجاجٍ وإرْشادٍ وغَيْرِ ذَلِكَ. ومَعْنى تَمامِها أنَّ كُلَّ غَرَضٍ جاءَ في القُرْآنِ فَقَدْ جاءَ وافِيًا بِما يَتَطَلَّبُهُ القاصِدُ مِنهُ. واسْتَبْعَدَ ابْنُ عَطِيَّةَ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِن (كَلِماتِ رَبِّكَ) بِالجَمْعِ أوِ الإفْرادِ القُرْآنَ، واسْتَظْهَرَ أنَّ المُرادَ مِنها قَوْلُ اللَّهِ؛ أيْ: نَفَذَ قَوْلُهُ وحُكْمُهُ، وقَرِيبٌ مِنهُ ما أُثِرَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: كَلِماتُ اللَّهِ وعْدُهُ. وقِيلَ: كَلِماتُ اللَّهِ أمْرُهُ ونَهْيُهُ ووَعْدُهُ ووَعِيدُهُ، وفُسِّرَ بِهِ في الكَشّافِ، وهو قَرِيبٌ مِن كَلامِ ابْنِ عَطِيَّةَ، لَكِنَّ السِّياقَ يَشْهَدُ بِأنَّ تَفْسِيرَ الكَلِماتِ بِالقُرْآنِ أظْهَرُ. وانْتَصَبَ صِدْقًا وعَدْلًا عَلى الحالِ عِنْدَ أبِي عَلِيٍّ الفارِسِيِّ، بِتَأْوِيلِ المَصْدَرِ بِاسْمِ الفاعِلِ؛ أيْ: صادِقَةً وعادِلَةً، فَهو حالٌ مِن (كَلِماتُ) وهو المُناسِبُ لِكَوْنِ التَّمامِ بِمَعْنى التَّحَقُّقِ. وجَعَلَهُما الطَّبَرِيُّ مَنصُوبَيْنِ عَلى التَّمْيِيزِ؛ أيْ: تَمْيِيزِ النِّسْبَةِ؛ أيْ: تَمَّتْ مِن جِهَةِ الصِّدْقِ والعَدْلِ، فَكَأنَّهُ قالَ: تَمَّ صِدْقُها وعَدْلُها، وهو المُناسِبُ لِكَوْنِ التَّمامِ بِمَعْنى بُلُوغِ الشَّيْءِ أحْسَنَ ما يُطْلَبُ مِن نَوْعِهِ، وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هَذا غَيْرُ صَوابٍ، وقُلْتُ: لا وجْهَ لِعَدَمِ تَصْوِيبِهِ. والصِّدْقُ: المُطابَقَةُ لِلْواقِعِ في الإخْبارِ، وتَحْقِيقُ الخَبَرِ في الوَعْدِ والوَعِيدِ والنُّفُوذِ في الأمْرِ والنَّهْيِ، فَيَشْمَلُ الصِّدْقُ كُلَّ ما في كَلِماتِ اللَّهِ مِن نَوْعِ الإخْبارِ عَنْ شُئُونِ اللَّهِ وشُئُونِ الخَلائِقِ. (p-٢٠)ويُطْلَقُ الصِّدْقُ مَجازًا عَلى كَوْنِ الشَّيْءِ كامِلًا في خَصائِصِ نَوْعِهِ. والعَدْلُ: إعْطاءُ مَن يَسْتَحِقُّ ما يَسْتَحِقُّ، ودَفْعُ الِاعْتِداءِ والظُّلْمِ عَلى المَظْلُومِ، وتَدْبِيرُ أُمُورِ النّاسِ بِما فِيهِ صَلاحُهم، وتَقَدَّمَ بَيانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أنْ تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ﴾ [النساء: ٥٨] في سُورَةِ النِّساءِ. فَيَشْمَلُ العَدْلُ كُلَّ ما في كَلِماتِ اللَّهِ مِن تَدْبِيرِ شُئُونِ الخَلائِقِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ. فَعَلى التَّفْسِيرِ الأوَّلِ لِلْكَلِماتِ أوِ الكَلِمَةِ، يَكُونُ المَعْنى: أنَّ القُرْآنَ بَلَغَ أقْصى ما تَبْلُغُهُ الكُتُبُ: في وُضُوحِ الدَّلالَةِ، وبَلاغَةِ العِبارَةِ، وأنَّهُ الصّادِقُ في أخْبارِهِ، العادِلُ في أحْكامِهِ، لا يُعْثَرُ في أخْبارِهِ عَلى ما يُخالِفُ الواقِعَ، ولا في أحْكامِهِ عَلى ما يُخالِفُ الحَقَّ؛ فَذَلِكَ ضَرْبٌ مِنَ التَّحَدِّي والِاحْتِجاجِ عَلى أحَقِّيَّةِ القُرْآنِ. وعَلى التَّفْسِيرَيْنِ الثّانِي والثّالِثِ، يَكُونُ المَعْنى: نَفَذَ ما قالَهُ اللَّهُ وما وعَدَ وأوْعَدَ وما أمَرَ ونَهى، صادِقًا ذَلِكَ كُلُّهُ؛ أيْ: غَيْرُ مُتَخَلِّفٍ، وعادِلًا؛ أيْ: غَيْرُ جائِرٍ، وهَذا تَهْدِيدٌ لِلْمُشْرِكِينَ بِأنْ سَيَحِقُّ عَلَيْهِمُ الوَعِيدُ الَّذِي تَوَعَّدَهم بِهِ، فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الحُسْنى عَلى بَنِي إسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا﴾ [الأعراف: ١٣٧] أيْ: تَمَّ ما وعَدَهم بِهِ مِنِ امْتِلاكِ مَشارِقِ الأرْضِ ومَغارِبِها الَّتِي بارَكَ فِيها، وقَوْلُهُ: ﴿وكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلى الَّذِينَ كَفَرُوا أنَّهم أصْحابُ النّارِ﴾ [غافر: ٦] أيْ: حَقَّتْ كَلِماتُ وعِيدِهِ. ومَعْنى: ﴿لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ﴾ نَفْيُ جِنْسِ مَن يُبَدِّلُ كَلِماتِ اللَّهِ؛ أيْ: مَن يُبْطِلُ ما أرادَهُ في كَلِماتِهِ. والتَّبْدِيلُ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قالَ أتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هو أدْنى بِالَّذِي هو خَيْرٌ﴾ [البقرة: ٦١] مِن سُورَةِ البَقَرَةِ، وتَقَدَّمَ هُناكَ بَيانُ أنَّهُ لا يُوجَدُ لَهُ فِعْلٌ مُجَرَّدٌ، وأنَّ أصْلَ مادَّتِهِ هو التَّبْدِيلُ، والتَّبْدِيلُ حَقِيقَتُهُ جَعْلُ شَيْءٍ مَكانَ شَيْءٍ آخَرَ، فَيَكُونُ في الذَّواتِ كَما قالَ تَعالى: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ﴾ [إبراهيم: ٤٨] وقالَ النّابِغَةُ: (p-٢١) ؎عَهِدْتُ بِها حَيًّا كِرامًا فَبُدِّلَـتْ خَناظِيلَ آجالِ النِّعاجِ الجَوافِلِ ويَكُونُ في الصِّفاتِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ( ﴿ولَيُبَدِّلَنَّهم مِن بَعْدِ خَوْفِهِمُ أمْنًا﴾ [النور: ٥٥] . ويُسْتَعْمَلُ مَجازًا في إبْطالِ الشَّيْءِ ونَقْضِهِ، قالَ تَعالى: ﴿يُرِيدُونَ أنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ﴾ [الفتح: ١٥] أيْ: يُخالِفُوهُ ويَنْقُضُوا ما اقْتَضاهُ، وهو قَوْلُهُ: ﴿قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذَلِكم قالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ﴾ [الفتح: ١٥] وذَلِكَ أنَّ النَّقْضَ يَسْتَلْزِمُ الإتْيانَ بِشَيْءٍ ضِدِّ الشَّيْءِ المَنقُوضِ، فَكانَ ذَلِكَ اللُّزُومُ هو عَلاقَةُ المُجاوِزِ وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَما سَمِعَهُ﴾ [البقرة: ١٨١] في سُورَةِ البَقَرَةِ، وقَدِ اسْتَعْمَلَ في قَوْلِهِ: ﴿لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ﴾ مَجازًا في مَعْنى المُعارَضَةِ أوِ النَّقْضِ عَلى الِاحْتِمالَيْنِ في مَعْنى التَّمامِ مِن قَوْلِهِ: وتَمَّتْ كَلِماتُ رَبِّكَ ونَفْيُ المُبَدِّلِ كِنايَةٌ عَنْ نَفْيِ التَّبْدِيلِ. فَإنْ كانَ المُرادُ بِالكَلِماتِ القُرْآنَ كَما تَقَدَّمَ، فَمَعْنى انْتِفاءِ المُبَدِّلِ لِكَلِماتِهِ انْتِفاءُ الإتْيانِ بِما يَنْقُضُهُ ويُبْطِلُهُ أوْ يُعارِضُهُ، بِأنْ يُظْهِرَ أنَّ فِيهِ ما لَيْسَ بِتَمامٍ، فَإنْ جاءَ أحَدٌ بِما يَنْقُضُهُ كَذِبًا وزُورًا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَقْضٍ، وإنَّما هو مُكابَرَةٌ في صُورَةِ النَّقْضِ، بِالنِّسْبَةِ إلى ألْفاظِ القُرْآنِ ونَظْمِهِ، وانْتِفاءُ ما يُبْطِلُ مَعانِيَهُ وحَقائِقَ حِكْمَتِهِ، وانْتِفاءُ تَغْيِيرِ ما شَرَّعَهُ وحَكَمَ بِهِ، وهَذا الِانْتِفاءُ الأخِيرُ كِنايَةٌ عَنِ النَّهْيِ عَنْ أنْ يُخالِفَهُ المُسْلِمُونَ، وبِذَلِكَ يَكُونُ التَّبْدِيلُ مُسْتَعْمَلًا في حَقِيقَتِهِ ومَجازِهِ وكِنايَتِهِ. ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ جُمْلَةُ (وتَمَّتْ كَلِماتُ رَبِّكَ) عَطْفًا عَلى جُمْلَةِ (جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيءٍ عَدُوًّا) وما بَيْنَهُما اعْتِراضًا، فالكَلِماتُ مُرادٌ بِها ما سَنَّهُ اللَّهُ وقَدَّرَهُ مِن جَعْلِ أعْداءٍ لِكُلِّ نَبِيءٍ يُزَخْرِفُونَ القَوْلَ في التَّضْلِيلِ، لِتَصْغى إلَيْهِمْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ ويَتْبَعُوهم ويَقْتَرِفُوا السَّيِّئاتِ، وأنَّ المُرادَ بِالتَّمامِ التَّحَقُّقُ، ويَكُونُ قَوْلُهُ (﴿لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ﴾) نَفْيٌ أنْ يَقْدِرَ أحَدٌ أنْ يُغَيِّرَ سُنَّةَ اللَّهِ وما قَضاهُ وقَدَّرَهُ، كَقَوْلِهِ: ﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ولَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾ [فاطر: ٤٣] (p-٢٢)فَتَكُونُ هَذِهِ الآيَةُ في مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿ولَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وأُوذُوا حَتّى أتاهم نَصْرُنا ولا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ٣٤] فَفِيها تَأْنِيسٌ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وتَطْمِينٌ لَهُ ولِلْمُؤْمِنِينَ بِحُلُولِ النَّصْرِ المَوْعُودِ بِهِ في إبّانِهِ. وقَوْلُهُ: ﴿وهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾ تَذْيِيلٌ لِجُمْلَةِ (﴿وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ﴾) أيْ: وهو المُطَّلِعُ عَلى الأقْوالِ، العَلِيمُ بِما في الضَّمائِرِ، وهَذا تَعْرِيضٌ بِالوَعِيدِ لِمَن يَسْعى لِتَبْدِيلِ كَلِماتِهِ، فالسَّمِيعُ العالِمُ بِأصْواتِ المَخْلُوقاتِ، الَّتِي مِنها ما تُوحِي بِهِ شَياطِينُ الإنْسِ والجِنِّ، بَعْضُهم إلى بَعْضٍ، فَلا يَفُوتُهُ مِنها شَيْءٌ؛ والعالِمُ أيْضًا بِمَن يُرِيدُ أنْ يُبَدِّلَ كَلِماتِ اللَّهِ، عَلى المَعانِي المُتَقَدِّمَةِ، فَلا يَخْفى عَلَيْهِ ما يَخُوضُونَ فِيهِ مِن تَبْيِيتِ الكَيْدِ والإبْطالِ لَهُ. والعَلِيمُ أعَمُّ؛ أيْ: العَلِيمُ بِأحْوالِ الخَلْقِ، والعَلِيمُ بِمَواقِعِ كَلِماتِهِ ومَحالِّ تَمامِها، والمُنَظِّمُ بِحِكْمَتِهِ لِتَمامِها، والمُوَقِّتُ لِآجالِ وُقُوعِها. فَذَكَرَ هاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ هُنا: وعِيدٌ لِمَن شَمِلَتْهُ آياتُ الذَّمِّ السّابِقَةِ، ووَعْدٌ لِمَن أُمِرَ بِالإعْراضِ عَنْهم وعَنِ افْتِرائِهِمْ، وبِالتَّحاكُمِ مَعَهم إلى اللَّهِ، والَّذِينَ يَعْلَمُونَ أنَّ اللَّهَ أنْزَلَ كِتابَهُ بِالحَقِّ.


ركن الترجمة

Perfected are the laws of your Lord in truth and justice, and there is no changing His laws. He is all-hearing and all-knowing.

Et la parole de ton Seigneur s'est accomplie en toute vérité et équité. Nul ne peut modifier Ses paroles. Il est l'Audient, l'Omniscient.

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :