ركن التفسير
29 - (وقالوا) أي منكر والبعث (إن) ما (هي) أي الحياة (إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين)
ثم قال مخبرا عنهم أنهم لو ردوا إلى الدار الدنيا لعادوا لما نهوا عنه من الكفر والمخالفة "وإنهم لكاذبون" إي في قولهم يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين أي لعادوا لما نهوا عنه ولقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا أي ما هي إلا هذه الحياة الدنيا لا معاد بعدها ولهذا قال "وما نحن بمبعوثين".
﴿وقالُوا إنْ هي إلّا حَياتُنا الدُّنْيا وما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ . يَجُوزُ أنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلى قَوْلِهِ لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ فَيَكُونَ جَوابَ لَوْ، أيْ (p-١٨٧)لَوْ رُدُّوا لَكَذَّبُوا بِالقُرْآنِ أيْضًا، ولَكَذَّبُوا بِالبَعْثِ كَما كانُوا مُدَّةَ الحَياةِ الأُولى. ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ عُطِفَتْ عَلى جُمْلَةِ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إنْ هَذا إلّا أساطِيرُ الأوَّلِينَ، ويَكُونَ ما بَيْنَ الجُمْلَتَيْنِ اعْتِراضًا يَتَعَلَّقُ بِالتَّكْذِيبِ لِلْقُرْآنِ. وقَوْلُهُ إنْ هي (إنْ) نافِيَةٌ لِلْجِنْسِ، والضَّمِيرُ بَعْدَها مُبْهَمٌ يُفَسِّرُهُ ما بَعْدَ الِاسْتِثْناءِ المُفَرَّغِ. قَصَدَ مِن إبْهامِهِ الإيجازَ اعْتِمادًا عَلى مُفَسِّرِهِ، والضَّمِيرُ لَمّا كانَ مُفَسَّرًا بِنَكِرَةٍ فَهو في حُكْمِ النَّكِرَةِ، ولَيْسَ هو ضَمِيرَ قِصَّةٍ وشَأْنٍ، لِأنَّهُ لا يَسْتَقِيمُ مَعَهُ مَعْنى الِاسْتِثْناءِ، والمَعْنى إنِ الحَياةُ لَنا إلّا حَياتُنا الدُّنْيا، أيِ انْحَصَرَ جِنْسُ حَياتِنا في حَياتِنا الدُّنْيا فَلا حَياةَ لَنا غَيْرُها فَبَطَلَتْ حَياةُ بَعْدِ المَوْتِ، فالِاسْمُ الواقِعُ بَعْدَ (إلّا) في حُكْمِ البَدَلِ مِنَ الضَّمِيرِ. وجُمْلَةُ ﴿وما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ نَفْيٌ لِلْبَعْثِ، وهو يَسْتَلْزِمُ تَأْكِيدَ نَفْيِ الحَياةِ غَيْرِ حَياةِ الدُّنْيا، لِأنَّ البَعْثَ لا يَكُونُ إلّا مَعَ حَياةٍ. وإنَّما عُطِفَتْ ولَمْ تُفْصَلْ فَتَكُونُ مُؤَكِّدَةً لِلْجُمْلَةِ قَبْلَها، لِأنَّ قَصْدَهم إبْطالُ قَوْلِ الرَّسُولِ ﷺ «إنَّهم يَحْيَوْنَ حَياةً ثانِيَةً»، وقَوْلِهِ تارَةً «إنَّهم مَبْعُوثُونَ بَعْدَ المَوْتِ»، فَقَصَدُوا إبْطالَ كُلٍّ بِاسْتِقْلالِهِ.