ركن التفسير
30 - (ولو ترى إذ وُقفوا) عرضوا (على ربهم) لرأيت أمرا عظيما (قال) لهم على لسان الملائكة توبيخا (أليس هذا) البعث والحساب (بالحق قالوا بلى وربنا) إنه لحق (قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) به في الدنيا
ثم قال "ولو ترى إذ وقفوا على ربهم" أي أوقفوا بين يديه قال "أليس هذا بالحق" أي أليس هذا المعاد بحق وليس بباطل كما كنتم تظنون "قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون" أي بما كنتم تكذبون به فذوقوا اليوم مسه "أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون".
﴿ولَوْ تَرى إذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ ألَيْسَ هَذا بِالحَقِّ قالُوا بَلى ورَبِّنا قالَ فَذُوقُوا العَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ . لَمّا ذَكَرَ إنْكارَهُمُ البَعْثَ أعْقَبَهُ بِوَصْفِ حالِهِمْ حِينَ يُحْشَرُونَ إلى اللَّهِ، وهو حالُ البَعْثِ الَّذِي أنْكَرُوهُ. والقَوْلُ في الخِطابِ وفي مَعْنى وُقِفُوا وفي جَوابِ لَوْ - تَقَدَّمَ في نَظَرِيَّتِها آنِفًا. وتَعْلِيقُ (عَلى رَبِّهِمْ) بِـ (وُقِفُوا) تَمْثِيلٌ لِحُضُورِهِمُ المَحْشَرَ عِنْدَ البَعْثِ. شُبِّهَتْ حالُهم في الحُضُورِ لِلْحِسابِ بِحالِ عَبْدٍ جَنى فَقُبِضَ عَلَيْهِ فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ. وبِذَلِكَ تَظْهَرُ مَزِيَّةُ التَّعْبِيرِ بِلَفْظِ رَبِّهِمْ دُونَ اسْمِ الجَلالَةِ. وجُمْلَةُ قالَ ﴿ألَيْسَ هَذا بِالحَقِّ﴾ اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ، لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿ولَوْ تَرى إذْ وُقِفُوا﴾ [الأنعام: ٢٧] (p-١٨٨)قَدْ آذَنَ بِمَشْهَدٍ عَظِيمٍ مَهُولٍ فَكانَ مِن حَقِّ السّامِعِ أنْ يَسْألَ: ماذا لَقُوا مِن رَبِّهِمْ، فَيُجابُ: قالَ ألَيْسَ هَذا بِالحَقِّ الآيَةَ. والإشارَةُ إلى البَعْثِ الَّذِي عايَنُوهُ وشاهَدُوهُ. والِاسْتِفْهامُ تَقْرِيرِيٌّ دَخَلَ عَلى نَفْيِ الأمْرِ المُقَرَّرِ بِهِ لِاخْتِبارِ مِقْدارِ إقْرارِ المَسْئُولِ، فَلِذَلِكَ يَسْألُ عَنْ نَفْيِ ما هو واقِعٌ لِأنَّهُ إنْ كانَ لَهُ مَطْمَعٌ في الإنْكارِ تَذَرَّعَ إلَيْهِ بِالنَّفْيِ الواقِعِ في سُؤالِ المُقَرَّرِ. والمَقْصُودُ: أهَذا حَقٌّ، فَإنَّهم كانُوا يَزْعُمُونَهُ باطِلًا. ولِذَلِكَ أجابُوا بِالحَرْفِ المَوْضُوعِ لِإبْطالِ ما قَبْلَهُ وهو (بَلى) فَهو يُبْطِلُ النَّفْيَ فَهو إقْرارٌ بِوُقُوعِ المُنى، أيْ بَلى هو حَقٌّ، وأكَّدُوا ذَلِكَ بِالقَسَمِ تَحْقِيقًا لِاعْتِرافِهِمْ لِلْمُعْتَرِفِ بِهِ لِأنَّهُ مَعْلُومٌ لِلَّهِ تَعالى، أيْ نُقِرُّ ولا نَشُكُّ فِيهِ فَلِذَلِكَ نُقْسِمُ عَلَيْهِ. وهَذا مِنِ اسْتِعْمالِ القَسَمِ لِتَأْكِيدِ لازِمِ فائِدَةِ الخَبَرِ. وفَصَلَ ﴿قالَ فَذُوقُوا العَذابَ﴾ عَلى طَرِيقَةِ فَصْلِ المُحاوَراتِ. والفاءُ لِلتَّفْرِيعِ عَنْ كَلامِهِمْ، أوَ فاءٌ فَصِيحَةٌ، أيْ إذْ كانَ هَذا الحَقَّ فَذُوقُوا العَذابَ عَلى كُفْرِكم، أيْ بِالبَعْثِ. والباءُ سَبَبِيَّةٌ، و(ما) مَصْدَرِيَّةٌ، أيْ بِسَبَبِ كُفْرِكم، أيْ بِهَذا. وذَوْقُ العَذابِ اسْتِعارَةٌ لِإحْساسِهِ، لِأنَّ الذَّوْقَ أقْوى الحَواسِّ المُباشِرَةِ لِلْجِسْمِ، فَشَبَّهَ بِهِ إحْساسَ الجِلْدِ.