موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
السبت 9 ذو القعدة 1445 هجرية الموافق ل18 ماي 2024


الآية [108] من سورة  

وَنَزَعَ يَدَهُۥ فَإِذَا هِىَ بَيْضَآءُ لِلنَّٰظِرِينَ


ركن التفسير

108 - (ونزع يده) أخرجها من جيبه (فإذا هي بيضاء) ذات شعاع (للناظرين) خلاف ما كانت عليه من الأدمة

قوله "ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين" أي أخرج يده من درعه بعد ما أدخلها فيه فإذا هي بيضاء تتلألأ من غير برص ولا مرض كما قال تعالى "وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء" الآية وقال ابن عباس في حديث الفتون من غير سوء يعني من غير برص ثم أعادها إلى كمه فعادت إلى لونها الأول وكذا قال مجاهد وغير واحد . .

﴿وقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إنِّي رَسُولٌ مِن رَبِّ العالَمِينَ﴾ ﴿حَقِيقٌ عَلَيَّ أنْ لا أقُولَ عَلى اللَّهِ إلّا الحَقَّ قَدْ جِئْتُكم بِبَيِّنَةٍ مِن رَبِّكم فَأرْسِلْ مَعِي بَنِي إسْرائِيلَ﴾ ﴿قالَ إنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ﴾ ﴿فَألْقى عَصاهُ فَإذا هي ثُعْبانٌ مُبِينٌ﴾ ﴿ونَزَعَ يَدَهُ فَإذا هي بَيْضاءُ لِلنّاظِرِينَ﴾ عُطِفَ قَوْلُ مُوسى بِالواوِ، ولَمْ يُفْصَلْ عَمّا قَبْلَهُ، مَعَ أنَّ جُمْلَةَ هَذا القَوْلِ بِمَنزِلَةِ البَيانِ لِجُمْلَةِ بَعَثْنا مِن بَعْدِهِمْ مُوسى؛ لِأنَّهُ لَمّا كانَ قَوْلُهُ بِآياتِنا حالًا مِن مُوسى فَقَدْ فُهِمَ أنَّ المَقْصُودَ تَنْظِيرُ حالِ الَّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ مُوسى بِحالِ الأُمَمِ الَّتِي مَضى الإخْبارُ عَنْها في المُكابَرَةِ عَلى التَّكْذِيبِ، مَعَ ظُهُورِ آياتِ الصِّدْقِ، لِيَتِمَّ بِذَلِكَ تَشابُهُ حالِ الماضِينَ مَعَ حالِ الحاضِرِينَ المُكَذِّبِينَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، فَجُعِلَتْ حِكايَةُ مُحاوَرَةِ مُوسى مَعَ فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ خَبَرًا مُسْتَقِلًّا لِأنَّهُ لَمْ يُحْكَ فِيهِ قَوْلُهُ المُقارِنُ لِإظْهارِ الآيَةِ بَلْ ذُكِرَتِ الآيَةُ مِن قَبْلُ، بِخِلافِ ما حُكِيَ في القَصَصِ الَّتِي قَبْلَها فَإنَّ حِكايَةَ أقْوالِ الرُّسُلِ كانَتْ قَبْلَ ذِكْرِ الآيَةِ، ولِأنَّ القِصَّةَ هُنا قَدْ حُكِيَ جَمِيعُها بِاخْتِصارٍ بِجُمَلِ بَعَثْنا، فَظَلَمُوا، فانْظُرْ، فَصارَتْ جُمْلَةُ قالَ تَفْصِيلًا لِبَعْضِ ما تَقَدَّمَ، فَلا تَكُونُ مَفْصُولَةً لِأنَّ الفَصْلَ إنَّما يَكُونُ بَيْنَ جُمْلَتَيْنِ، لا بَيْنَ جُمْلَةٍ وبَيْنَ عِدَّةِ جُمَلٍ أُخْرى. والظّاهِرُ أنَّ خِطابَ مُوسى فِرْعَوْنَ بِقَوْلِهِ يا فِرْعَوْنُ خِطابُ إكْرامٍ لِأنَّهُ ناداهُ بِالِاسْمِ الدّالِّ عَلى المُلْكِ والسُّلْطانِ بِحَسَبِ مُتَعارَفِ أُمَّتِهِ فَلَيْسَ هو بِتَرَفُّعٍ عَلَيْهِ لِأنَّ اللَّهَ - تَعالى - قالَ لَهُ ولِهارُونَ فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا. والظّاهِرُ أيْضًا أنَّ قَوْلَ مُوسى هَذا هو أوَّلُ ما خاطَبَ بِهِ فِرْعَوْنَ. كَما دَلَّتْ عَلَيْهِ سُورَةُ (طه) . (p-٣٨)وصَوْغُ حِكايَةِ كَلامِ مُوسى بِصِيغَةِ التَّأْكِيدِ بِحَرْفِ إنَّ؛ لِأنَّ المُخاطَبَ مَظِنَّةُ الإنْكارِ أوِ التَّرَدُّدِ القَوِيِّ في صِحَّةِ الخَبَرِ. واخْتِيارُ صِفَةِ رَبِّ العالَمِينَ في الإعْلامِ بِالمُرْسِلِ إبْطالٌ لِاعْتِقادِ فِرْعَوْنَ أنَّهُ رَبُّ مِصْرَ وأهْلِها فَإنَّهُ قالَ لَهم أنا رَبُّكُمُ الأعْلى فَلَمّا وصَفَ مُوسى مُرْسِلَهُ بِأنَّهُ رَبُّ العالَمِينَ شَمِلَ فِرْعَوْنَ وأهْلَ مَمْلَكَتِهِ فَتَبْطُلُ دَعْوى فِرْعَوْنَ أنَّهُ إلَهُ مِصْرَ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ، ودَخَلَ في ذَلِكَ جَمِيعُ البِلادِ والعِبادِ الَّذِينَ لَمْ يَكُنْ فِرْعَوْنُ يَدَّعِي أنَّهُ إلاهُهم مِثْلُ الفُرْسِ والآشُورِيِّينَ. وقَوْلُهُ (حَقِيقٌ عَلَيَّ) قَرَأهُ نافِعٌ بِالياءِ في آخِرِ (عَلَيَّ) فَهي ياءُ المُتَكَلِّمِ دَخَلَ عَلَيْها حَرْفُ (عَلى) وتَعْدِيَةُ حَقِيقٍ بِحَرْفِ (عَلى) مَعْرُوفَةٌ، وقالَ - تَعالى - (فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا) ”الصّافّاتِ“، ولِأنَّ حَقِيقًا بِمَعْنى واجِبٍ، فَتَعْدِيَتُهُ بِحَرْفِ عَلى واضِحَةٌ. و(حَقِيقٌ) خَبَرٌ ثانٍ عَنْ إنِّي، فَلَيْسَ في ضَمِيرِ المُتَكَلِّمِ مِن قَوْلِهِ (عَلَيَّ) عَلى قِراءَةِ نافِعٍ التِفاتٌ، بِخِلافِ ما لَوْ جُعِلَ قَوْلُهُ (حَقِيقٌ) صِفَةً لِـ (رَسُولٌ) فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُقْتَضى الظّاهِرِ الإتْيانَ بِضَمِيرِ الغائِبِ، فَيَقُولُ: حَقِيقٌ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ العُدُولُ إلى التَّكَلُّمِ التِفاتًا. وفاعِلُ (حَقِيقٌ) هو المَصْدَرُ المَأْخُوذُ مِن قَوْلِهِ أنْ لا أقُولَ أيْ: حَقِيقٌ عَلَيَّ عَدَمُ قَوْلِي عَلى اللَّهِ غَيْرَ الحَقِّ. وحَقِيقٌ فَعِيلٌ بِمَعْنى فاعِلٍ، وهو مُشْتَقٌّ مِن حَقَّ بِمَعْنى وجَبَ وثَبَتَ أيْ: مُتَعَيِّنٌ وواجِبٌ عَلَيَّ قَوْلُ الحَقِّ عَلى اللَّهِ، و(عَلى) الأُولى لِلِاسْتِعْلاءِ المَجازِيِّ و(عَلى) الثّانِيَةُ بِمَعْنى عَنْ. وقَرَأ الجُمْهُورُ ”عَلى“ بِألِفٍ بَعْدَ اللّامِ. وهي ”عَلى“ الجارَّةُ. فَفِي تَعَلُّقِ عَلى ومَجْرُورِها الظّاهِرِ بِـ (حَقِيقٌ) تَأْوِيلٌ بِوُجُوهٍ أحْسَنُها قَوْلُ الفَرّاءِ، وأبِي عَلِيٍّ الفارِسِيِّ: أنَّ (عَلى) هُنا بِمَعْنى الباءِ وأنَّ (حَقِيقٌ) فَعِيلٌ بِمَعْنى مَفْعُولٍ: أيْ مَحْقُوقٌ بِأنْ لا أقُولَ عَلى اللَّهِ إلّا الحَقَّ، أيْ: مَجْعُولٌ قَوْلُ الحَقِّ حَقًّا عَلَيَّ، كَقَوْلِ الأعْشى: ؎لَمَحْقُوقَةٌ أنْ تَسْتَجِيبِي لِقَوْلِهِ أيْ مَحْقُوقَةٌ بِأنْ تَسْتَجِيبِي، وقَوْلُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ ولَوْ أنَّ أُحُدًا انْقَضَّ لِما صَنَعْتُمْ بِعُثْمانَ لَكانَ مَحْقُوقًا بِأنْ يَنْقَضَّ. (p-٣٩)ومِنها ما قالَ صاحِبُ الكَشّافِ ”والأوْجَهُ الأدْخَلُ في نُكَتِ القُرْآنِ أنْ يُغْرِقَ مُوسى في وصْفِ نَفْسِهِ بِالصِّدْقِ في ذَلِكَ المَقامِ فَيَقُولَ: أنا حَقِيقٌ عَلى قَوْلِ الحَقِّ، أيْ: أنا واجِبٌ عَلى قَوْلِ الحَقِّ أنْ أكُونَ أنا قائِلَهُ والقائِمَ بِهِ“ قالَ شارِحُوهُ: فالمَعْنى لَوْ كانَ قَوْلُ الحَقِّ شَخْصًا عاقِلًا لَكُنْتُ أنا واجِبًا عَلَيْهِ. أنْ لا يَصْدُرَ إلّا عَنِّي وأنْ أكُونَ قائِلَهُ، وهو عَلى هَذا اسْتِعارَةٌ بِالكِنايَةِ: شُبِّهَ قَوْلُ الحَقِّ بِالعُقَلاءِ الَّذِينَ يَخْتارُونَ مَوارِدَهم ومَصادِرَهم. ورُمِزَ إلى المُشَبَّهِ بِهِ بِما هو مِن رَوادِفِهِ، وهو كَوْنُ ما يُناسِبُهُ مُتَعَيَّنًا عَلَيْهِ. ومِنها ما قِيلَ: ضُمِّنَ (حَقِيقٌ) مَعْنى حَرِيصٍ فَعُدِّيَ بِعَلى إشارَةً إلى ذَلِكَ التَّضْمِينِ. وأحْسَنُ مِن هَذا أنْ يُضَمَّنَ حَقِيقٌ مَعْنى مَكِينٍ وتَكُونَ (عَلى) اسْتِعارَةً لِلِاسْتِعْلاءِ المَجازِيِّ. وجُمْلَةُ قَدْ جِئْتُكم بِبَيِّنَةٍ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا؛ لِأنَّ مَقامَ الإنْكارِ مِمّا يُثِيرُ سُؤالَ سائِلٍ أنْ يَقُولَ هَذِهِ دَعْوى غَرِيبَةٌ تَحْتاجُ إلى بَيِّنَةٍ. والبَيِّنَةُ: الحُجَّةُ. وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ عَلَيْها عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى ﴿قُلْ إنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّي﴾ [الأنعام: ٥٧] في سُورَةِ الأنْعامِ. والحُجَّةُ هُنا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِها البَراهِينَ العَقْلِيَّةَ عَلى صِدْقِ ما جاءَ بِهِ مُوسى مِنَ التَّوْحِيدِ والهُدى، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ المُعْجِزَةَ الدّالَّةَ عَلى صِدْقِ الرَّسُولِ، فَعَلى الوَجْهِ الأوَّلِ تَكُونُ الباءُ في قَوْلِهِ بِبَيِّنَةٍ لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ المَجِيءِ، وعَلى الوَجْهِ الثّانِي تَكُونُ الباءُ لِلْمُلابَسَةِ، والمُرادُ بِالمُلابَسَةِ مُلابَسَةُ التَّمَكُّنِ مِن إظْهارِ المُعْجِزَةِ الَّتِي أظْهَرَها اللَّهُ لَهُ كَما في سُورَةِ طَهَ وما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى، ويُحْتَمَلُ المَعْنى الأعَمُّ الشّامِلُ لِلنَّوْعَيْنِ عَلى ما يَحْتَمِلُهُ كَلامُ مُوسى المُتَرْجَمُ عَنْهُ هُنا. والفاءُ في قَوْلِهِ (فَأرْسِلْ) لِتَفْرِيعِ طَلَبِ تَسْرِيحِ بَنِي إسْرائِيلَ عَلى تَحَقُّقِ الرِّسالَةِ عَنْ رَبِّ العالَمِينَ، والِاسْتِعْدادِ لِإظْهارِ البَيِّنَةِ عَلى ذَلِكَ، وقَدْ بَنى مُوسى كَلامَهُ عَلى ما يَثِقُ بِهِ مِن صِدْقِ دَعْوَتِهِ مَعَ الِاسْتِعْدادِ لِلتَّبْيِينِ عَلى ذَلِكَ الصِّدْقِ بِالبَراهِينِ أوِ المُعْجِزَةِ إنْ طَلَبَها فِرْعَوْنُ لِأنَّ شَأْنَ الرُّسُلِ أنْ لا يَبْتَدِئُوا بِإظْهارِ المُعْجِزاتِ صَوْنًا لِمَقامِ الرِّسالَةِ عَنْ تَعْرِيضِهِ لِلتَّكْذِيبِ، كَما بَيَّنّاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى - وأقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهم آيَةٌ لِيُؤْمِنُنَّ بِها الآياتِ في سُورَةِ الأنْعامِ. والإرْسالُ: الإطْلاقُ والتَّخْلِيَةُ، كَقَوْلِهِمْ: أرْسَلَها العِراكَ، وهو هُنا مَجازٌ لُغَوِيٌّ في الإذْنِ لِبَنِي إسْرائِيلَ بِالخُرُوجِ، المَطْلُوبِ مِن فِرْعَوْنَ. (p-٤٠)وتَقْيِيدُهُ بِـ (مَعِي) لِأنَّ المَقْصُودَ مِن إخْراجِهِمْ مِن مِصْرَ أنْ يَكُونُوا مَعَ الرَّسُولِ لِيُرْشِدَهم ويُدَبِّرَ شُئُونَهم. وقَوْلُ فِرْعَوْنَ إنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها مُتَعَيِّنٌ لِأنْ يَكُونَ مَعْناهُ: إنْ كُنْتَ جِئْتَ بِمُعْجِزَةٍ، فَإنَّ أكْثَرَ مَوارِدِ الآيَةِ في القُرْآنِ مُرادٌ فِيهِ المُعْجِزَةُ، وأكْثَرَ مَوارِدِ البَيِّنَةِ مُرادٌ فِيهِ الحُجَّةُ، فالمُرادُ بِالبَيِّنَةِ في قَوْلِ مُوسى قَدْ جِئْتُكم بِبَيِّنَةٍ مِن رَبِّكم الحُجَّةُ عَلى إثْباتِ الإلَهِيَّةِ وعَلى حَقِيَّةِ ما جاءَ بِهِ مِن إرْشادٍ لِقَوْمِهِ، فَكانَ فِرْعَوْنُ غَيْرَ مُقْتَنِعٍ بِبُرْهانِ العَقْلِ أوْ قاصِرًا عَنِ النَّظَرِ فِيهِ فانْتَقَلَ إلى طَلَبِ خارِقِ العادَةِ، فالمَعْنى: إنْ كُنْتَ جِئْتَنا مُتَمَكِّنًا مِن إظْهارِ المُعْجِزاتِ، لِأنَّ فِرْعَوْنَ قالَ ذَلِكَ قَبْلَ أنْ يُظْهِرَ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - مُعْجِزَتَهُ، فالباءُ في قَوْلِهِ بِآيَةٍ لِلْمَعِيَّةِ التَّقْدِيرِيَّةِ، أيْ: مُتَمَكِّنًا مِن آيَةٍ، أوِ الباءُ لِلْمُلابَسَةِ، والمُلابَسَةُ مَعْناها واسِعٌ، أيْ: لَكَ تَمْكِينٌ مِن إظْهارِ آيَةٍ. وقَوْلُهُ فَأْتِ بِها اسْتُعْمِلَ الإتْيانُ في الإظْهارِ مَجازًا مُرْسَلًا، فالباءُ في قَوْلِهِ بِها لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ الإتْيانِ، وبِذَلِكَ يَتَّضِحُ ارْتِباطُ الجَزاءِ بِالشَّرْطِ؛ لِأنَّ الإتْيانَ بِالآيَةِ المَذْكُورَةِ في الجَزاءِ هو غَيْرُ المَجِيءِ بِالآيَةِ المَذْكُورَةِ في الشَّرْطِ، أيْ: إنْ كُنْتَ جِئْتَ مُتَمَكِّنًا مِن إظْهارِ الآيَةِ فَأظْهِرْ هَذِهِ الآيَةَ. والإلْقاءُ: الرَّمْيُ عَلى الأرْضِ أوْ في الماءِ أوْ نَحْوُ ذَلِكَ، أيْ: فَرَمى عَصاهُ مِن يَدِهِ. و(إذا) لِلْمُفاجَأةِ وهي حُدُوثُ الحادِثِ عَنْ غَيْرِ تَرَقُّبٍ. والثُّعْبانُ: حَيَّةٌ عَظِيمَةٌ، و(مُبِينٌ) اسْمُ فاعِلٍ مِن أبانَ القاصِرِ المُرادِفِ لِبانَ، أيْ: ظَهَرَ، أيِ: الظّاهِرُ الَّذِي لا شَكَّ فِيهِ ولا تَخَيُّلَ. ونَزَعَ: أزالَ اتِّصالَ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ، ومِنهُ نَزَعَ ثَوْبَهُ، والمَعْنى هُنا أنَّهُ أخْرَجَ يَدَهُ مِن جَيْبِ قَمِيصِهِ بَعْدَ أنْ أدْخَلَها في جَيْبِهِ كَما في سُورَةِ النَّمْلِ وسُورَةِ القَصَصِ فَلَمّا أخْرَجَها صارَتْ بَيْضاءَ، أيْ بَياضًا مِنَ النُّورِ. وقَدْ دَلَّ عَلى هَذا البَياضِ قَوْلُهُ لِلنّاظِرِينَ، أيْ بَياضًا يَراهُ النّاظِرُونَ رُؤْيَةَ تَعَجُّبٍ مِن بَياضِها. فالمَقْصُودُ مِن ذِكْرِ قَوْلِهِ لِلنّاظِرِينَ تَتْمِيمُ مَعْنى البَياضِ. واللّامُ في قَوْلِهِ لِلنّاظِرِينَ لَمْ يُعَرِّجِ المُفَسِّرُونَ عَلى بَيانِ مَعْناها ومَوْقِعِها سِوى أنَّ صاحِبَ الكَشّافِ قالَ: يَتَعَلَّقُ لِلنّاظِرِينَ بِبَيْضاءَ دُونَ أنْ يُبَيِّنَ نَوْعَ التَّعَلُّقِ ولا مَعْنى (p-٤١)اللّامِ، وسَكَتَ عَلَيْهِ شُرّاحُهُ والبَيْضاوِيُّ، وظاهِرُ قَوْلِهِ يَتَعَلَّقُ أنَّهُ ظَرْفُ لَغْوٍ تَعَلَّقَ بِبَيْضاءَ فَلَعَلَّهُ لِما في بَيْضاءَ مِن مَعْنى الفِعْلِ كَأنَّهُ قِيلَ: ابْيَضَّتْ لِلنّاظِرِينَ كَما يَتَعَلَّقُ المَجْرُورُ بِالمُشْتَقِّ فَتَعَيَّنَ أنْ يَكُونَ مَعْنى اللّامِ هو ما سَمّاهُ ابْنُ مالِكٍ بِمَعْنى التَّعْدِيَةِ وهو يُرِيدُ بِهِ تَعْدِيَةً خاصَّةً لا مُطْلَقَ التَّعْدِيَةِ أيْ تَعْدِيَةَ الفِعْلِ القاصِرِ إلى ما لا يَتَعَدّى لَهُ بِأصْلِ وضْعِهِ لِأنَّ ذَلِكَ حاصِلٌ في جَمِيعِ حُرُوفِ الجَرِّ فَلا شَكَّ أنَّهُ أرادَ تَعْدِيَةً خاصَّةً لَمْ يُبَيِّنْ حَقِيقَتَها، وقَدْ مَثَّلَ لَها في شَرْحِ الكافِيَةِ بِقَوْلِهِ - تَعالى - فَهَبْ لِي مِن لَدُنْكَ ولِيًّا وجَعَلَ في شَرْحِ التَّسْهِيلِ هَذا المِثالَ مِثالًا لِمَعْنى شِبْهِ المِلْكِ، واخْتارَ ابْنُ هِشامٍ أنْ يُمَثَّلَ لِلتَّعْدِيَةِ بِنَحْوِ (ما أضْرَبَ زَيْدًا لِعَمْرٍو) . ولَمْ يُفْصِحُوا عَنْ هَذِهِ التَّعْدِيَةِ الخاصَّةِ بِاللّامِ، ويَظْهَرُ لِي أنَّها عَمَلٌ لَفْظِيٌّ مَحْضٌ، أيْ لا يُفِيدُ مَعْنًى جُزْئِيًّا كَمَعانِي الحُرُوفِ، فَتَحَصَّلَ أنَّهم في ارْتِباكٍ في تَحْقِيقِ مَعْنى التَّعْدِيَةِ، وعِنْدِي أنَّ قَوْلَهُ - تَعالى - بَيْضاءُ لِلنّاظِرِينَ أحْسُنُ ما يُمَثَّلُ بِهِ لِكَوْنِ اللّامِ لِلتَّعْدِيَةِ وأنْ نُفَسِّرَ هَذا المَعْنى بِأنَّهُ تَقْرِيبُ المُتَعَلِّقِ بِكَسْرِ اللّامِ بِالمُتَعَلِّقِ بِفَتْحِ اللّامِ تَقْرِيبًا لا يَجْعَلُهُ في مَعْنى المَفْعُولِ بِهِ. وإنْ شِئْتَ إرْجاعَ مَعْنى التَّعْدِيَةِ إلى أصْلٍ مِنَ المَعانِي المَشْهُورَةِ لِلّامِ، فالظّاهِرُ أنَّها مِن فُرُوعِ مَعْنى شِبْهِ المِلْكِ كَما اقْتَضاهُ جَعْلُ ابْنِ مالِكٍ المِثالَ الَّذِي مَثَّلَ بِهِ لِلتَّعْدِيَةِ مِثالًا لِشِبْهِ المِلْكِ. وأقْرَبُ مِن ذَلِكَ أنْ تَكُونَ اللّامُ بِمَعْنى ”عِنْدَ“ ويَكُونَ مُفادُ قَوْلِهِ - تَعالى - بَيْضاءُ لِلنّاظِرِينَ أنَّها بَيْضاءُ بَياضًا مُسْتَقِرًّا في أنْظارِ النّاظِرِينَ، ويَكُونُ الظَّرْفُ مُسْتَقِرًّا، يُجْعَلُ حالًا مِن ضَمِيرِ يَدِهِ.


ركن الترجمة

And he drew forth his hand, and behold, it looked white to those who beheld it.

Et il sortit sa main et voilà qu'elle était blanche (éclatante), pour ceux qui regardaient.

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :