موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الأحد 10 ذو القعدة 1445 هجرية الموافق ل19 ماي 2024


الآية [157] من سورة  

ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِىَّ ٱلْأُمِّىَّ ٱلَّذِى يَجِدُونَهُۥ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِى ٱلتَّوْرَىٰةِ وَٱلْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَىٰهُمْ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلْأَغْلَٰلَ ٱلَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُوا۟ ٱلنُّورَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ أُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ


ركن التفسير

157 - (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي) محمد صلى الله عليه وسلم (الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل) باسمه وصفته (يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات) مما حرم في شرعهم (ويحرم عليهم الخبائث) الميتة ونحوها (ويضع عنهم إصرهم) ثقلهم (والأغلال) الشدائد (التي كانت عليهم) كقتل النفس في التوبة وقطع أثر النجاسة (فالذين آمنوا به) منهم (وعزَّروه) ووقروه (ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه) أي القرآن (أولئك هم المفلحون)

"الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل" وهذه صفة محمد صلى الله عليه وآله وسلم في كتب الأنبياء بشروا أممهم ببعثه وأمروهم بمتابعته ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم. كما روى الإمام أحمد حدثنا إسماعيل عن الجريري عن أبي صخر العقيلي حدثني رجل من الأعراب قال جلبت حلوبة إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغت من بيعي قلت لألقين هذا الرجل فلأسمعن منه قال فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون فتبعتهم حتى أتوا على رجل من اليهود ناشر التوراة يقرؤها يعزي بها نفسه عن ابن له في الموت كأجمل الفتيان وأحسنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنشدك بالذي أنزل التوراة هل تجد في كتابك هذا صفتي ومخرجي؟" فقال برأسه هكذا أي لا فقال ابنه إي والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله فقال "أقيموا اليهودي عن أخيكم" ثم تولى كفنه والصلاة عليه هذا حديث جيد قوي له شاهد في الصحيح عن أنس وقال الحاكم صاحب المستدرك أخبرنا محمد بن عبدالله بن إسحاق البغوي حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي حدثنا عبدالعزيز بن مسلم بن إدريس حدثنا عبدالله بن إدريس عن شرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة الباهلي عن هشام بن العاص الأموي قال بعثت أنا ورجل آخر إلى هرقل صاحب الروم ندعوه إلى الإسلام فخرجنا حتى قدمنا الغوطة يعني غوطة دمشق فنزلنا على جبلة بن الأيهم الغساني فدخلنا عليه فإذا هو على سرير له فأرسل إلينا برسوله نكلمه فقلنا والله لا نكلم رسولا وإنما بعثنا إلى الملك فإن أذن لنا كلمناه وإلا لم نكلم الرسول فرجع إليه الرسول فأخبره بذلك قال فأذن لنا فقال تكلموا فكلمه هشام بن العاص ودعاه إلى الإسلام فإذا عليه ثياب سود فقال له هشام وما هذه التي عليك؟ فقال لبستها وحلفت أن لا أنزعها حتى أخرجكم من الشام قلنا ومجلسك هذا والله لنأخذنه منك ولنأخذن ملك الملك الأعظم إن شاء الله أخبرنا بذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال "لستم بهم بل هم قوم يصومون بالنهار ويقومون بالليل فكيف صومكم؟ فأخبرناه فملئ وجهه سوادا فقال قوموا وبعث معنا رسولا إلى الملك فخرجنا حتى إذا كنا قريبا من المدينة قال لنا الذي معنا إن دوابكم هذه لا تدخل مدينة الملك فإن شئتم حملناكم على براذين وبغال قلنا والله لا ندخل إلا عليها فأرسلوا إلى الملك أنهم يأبون ذلك فأمرهم أن ندخل على رواحلنا فدخلنا عليها متقلدين سيوفنا حتى انتهينا إلى غرفة له فأنخنا في أصلها وهو ينظر إلينا فقلنا لا إله إلا الله والله أكبر فالله يعلم لقد انتفضت الغرفة حتى صارت كأنها عذق تصفقه الرياح. قال فأرسل إلينا ليس لكم أن تجهروا علينا بدينكم وأرسل إلينا أن ادخلوا فدخلنا عليه وهو على فراش له وعنده بطارقة من الروم وكل شيء في مجلسه أحمر وما حوله حمرة وعليه ثياب من الحمرة فدنونا منه فضحك فقال ما عليكم لو جئتموني بتحيتكم فيما بينكم؟ وإذا عنده رجل فصيح بالعربية كثير الكلام فقلنا إن تحيتنا فيما بيننا لا تحل لك وتحيتك التي تحيا بها لا يحل لنا أن نحييك بها قال كيف تحيتكم فيما بينكم؟ قلنا السلام عليك قال فكيف تحيون ملككم؟ قلنا بها قال فكيف يرد عليكم؟ قلنا بها قال فما أعظم كلامكم؟ قلنا لا إله إلا الله والله أكبر فلما تكلمنا بها والله يعلم لقد انتفضت الغرفة حتى رفع رأسه إليها قال فهذه الكلمة التي قلتموها حيث انتفضت الغرفة أكلما قلتموها في بيوتكم انتفضت عليكم غرفكم قلنا لا ما رأيناها فعلت هذا قط إلا عندك قال لوددت أنكم كلما قلتم انتفض كل شيء عليكم وإني قد خرجت من نصف ملكي قلنا لم؟ قال لأنه كان أيسر لشأنها وأجدر أن لا تكون من أمر النبوة وأنها تكون من حيل الناس ثم سألنا عما أراد فأخبرناه ثم قال كيف صلاتكم وصومكم؟ فأخبرناه فقال قوموا فأمر لنا بمنزل حسن ونزل كثير فأقمنا ثلاثا فأرسل إلينا ليلا فدخلنا عليه فاستعاد قولنا فأعدناه ثم دعا بشيء كهيئة الربعة العظيمة مذهبة فيها بيوت صغار عليها أبواب ففتح بيتا وقفلا فاستخرج حريرة سوداء فنشرناها فإذا فيها صورة حمراء وإذا فيها رجل ضخم العينين عظيم الأليتين لم أر مثل طول عنقه وإذا ليست له لحية وإذا له ضفيرتان أحسن ما خلق الله فقال أتعرفون هذا؟ قلنا لا قال هذا آدم عليه السلام وإذا هو أكثر الناس شعرا ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء وإذا فيها صورة بيضاء وإذا له شعر كشعر القطط أحمر العينين ضخم الهامة حسن اللحية فقال هل تعرفون هذا؟ قلنا لا قال هذا نوح عليه السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج حريرة سوداء وإذا فيها رجل شديد البياض حسن العينين صلت الجبين طويل الخد أبيض اللحية كأنه يبتسم فقال هل تعرفون هذا؟ قلنا لا قال هذا إبراهيم عليه السلام ثم فتح بابا آخر فإذا فيه صورة بيضاء وإذا والله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتعرفون هذا؟ قلنا نعم هذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وبكينا قال والله يعلم أنه قام قائما ثم جلس وقال والله إنه لهو قلنا نعم إنه لهو كأنك تنظر إليه فأمسك ساعة ينظر إليها ثم قال أما إنه كان آخر البيوت ولكني عجلته لكم لأنظر ما عندكم ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فإذا فيها صورة أدماء سحماء وإذا رجل جعد قطط غائر العينين حديد النظر عابس متراكب الأسنان متقلص الشفة كأنه غضبان فقال هل تعرفون هذا؟ قلنا لا قال هذا موسى عليه السلام وإلى جنبه صورة تشبهه إلا أنه مدهان الرأس عريض الجبين في عينيه قبل فقال هل تعرقون هذا؟ قلنا لا قال هذا هرون بن عمران عليه السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة رجل آدم سبط ربعة كأنه غضبان فقال هل تعرفون هذا؟ قلنا لا قال هذا لوط عليه السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة رجل أبيض مشرب حمرة أقنى خفيف العارضين حسن الوجه فقال هل تعرفون هذا؟ قلنا لا قال هذا إسحاق عليه السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة تشبه إسحاق إلا أنه على شفته خال فقال هل تعرفون هذا؟ قلنا لا قال هذا يعقوب عليه السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فيها صورة رجل أبيض حسن الوجه أقنى الأنف حسن القامة يعلو وجهه نور يعرف في وجهه الخشوع يضرب إلى الحمرة قال هل تعرفون هذا؟ قلنا لا قال هذا إسماعيل جد نبيكم صلى الله عليه وسلم ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة كصورة آدم كأن وجهه الشمس فقال هل تعرفون هذا؟ قلنا لا قال هذا يوسف عليه السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة رجل أحمر حمش الساقين أخفش العينين ضخم البطن ربعة متقلد سيفا فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا لا قال هذا داود عليه السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فيها صورة رجل ضخم الأليتين طويل الرجلين راكب فرسا فقال هل تعرفون هذا؟ قلنا لا قال هذا سليمان بن داود عليهما السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فيها صورة بيضاء وإذا شاب شديد سواد اللحية كثير الشعر حسن العينين حسن الوجه فقال هل تعرفون هذا؟ قلنا لا قال هذا عيسى بن مريم عليه السلام قلنا من أين لك هذه الصور لأنا نعلم أنها على ما صورت عليه الأنبياء عليهم السلام لأنا رأينا صورة نبينا عليه السلام مثله فقال إن آدم عليه السلام سأل ربه أن يريه الأنبياء من ولده فأنزل عليه صورهم فكانت في خزانة آدم عليه السلام عند مغرب الشمس فاستخرجها ذو القرنين من مغرب الشمس فدفعها إلى دانيال ثم قال أما والله إن نفسي طابت بالخروج من ملكي وإني كنت عبدا لأشركم ملكه حتى أموت ثم أجازنا فأحسن جائزتنا وسرحنا فلما أتينا أبا بكر الصديق رضي الله عنه فحدثناه بما أرانا وبما قال لنا وما أجازنا قال فبكى أبو بكر وقال مسكين لو أراد الله به خيرا لفعل ثم قال أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم واليهود يجدون نعت محمد صلى الله عليه وسلم عندهم وهكذا أورده الحافظ الكبير أبو بكر البيهقي رحمه الله في كتاب دلائل النبوة عن الحاكم إجازة فذكره وإسناده لا بأس به. وقال ابن جرير حدثنا المثنى حدثنا عثمان بن عمر حدثنا فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار قال لقيت عبدالله بن عمرو فقلت أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة قال أجل والله إنه لموصوف في التوراة كصفته في القرآن "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا" وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي اسمك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ويفتح به قلوبا غلفا وآذانا صما وأعينا عميا. قال عطاء ثم لقيت كعبا فسألته عن ذلك فما اختلف حرفا إلا أن كعبا قال بلغته قال قلوبا غلوفيا وآذانا صموميا وأعينا عموميا. وقد رواه البخاري في صحيحه عن محمد بن سنان عن فليح عن هلال بن علي فذكر بإسناده نحوه وزاد بعد قوله ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح وذكر حديث عبدالله بن عمرو ثم قال ويقع في كلام كثير من السلف إطلاق التوراة على كتب أهل الكتاب وقد ورد في بعض الأحاديث ما يشبه هذا والله أعلم وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني حدثنا موسى بن هارون حدثنا محمد بن إدريس بن وراق بن الحميدي حدثنا محمد بن عمر بن إبراهيم من ولد جبير بن مطعم قال حدثتني أم عثمان بنت سعيد وهي جدتي عن أبيها سعيد بن محمد بن جبير عن أبيه محمد بن جبير عن أبيه جبير بن مطعم قال: خرجت تاجرا إلى الشام فلما كنت بأدنى الشام لقيني رجل من أهل الكتاب فقال هل عندكم رجـل نبيا قلت نعم قال هل تعرف صورته إذا رأيتها قلت نعم فأدخلني بيتا فيه صور فلم أر صورة النبي صلى الله عليه وسلم فبينا أنا كذلك إذ دخل رجل منهم علينا فقال فيم أنتم فأخبرناه فذهب بنا إلى منزله فساعة ما دخلت نظرت إلى صورة النبي صلى الله عليه وسلم وإذا رجل آخذ بعقب النبي صلى الله عليه وسلم قلت من هذا الرجل القابض على عقبه قال إنه لم يكن نبي إلا كان بعده نبي إلا هذا النبي فإنه لا نبي بعده وهذا الخليفة بعده وإذا صفة أبي بكر رضي الله عنه وقال أبو داود حدثنا عمر بن حفص أبو عمرو الضرير حدثنا حماد بن سلمة أن سعيد بن إياس الجريري أخبرهم عن عبدالله بن شقيق العقيلي عن الأقرع مؤذن عمر بن الخطاب قال بعثني عمر إلى الأسقف فدعوته فقال له عمر هل تجدني في الكتاب قال نعم قال كيف تجدني قال أجدك قرنا فرفع عمر الدرة وقال قرن مه قال قرن حديد أمير شديد قال فكيف تجد الذي بعدي قال أجد خليفة صالحا غير أنه يؤثر قرابته قال عمر يرحم الله عثمان ثلاثا قال كيف تجد الذي بعده قال أجده صدا حديد قال فوضع عمر يده على رأسه وقال يا دفراه يا دفراه قال يا أمير المؤمنين إنه خليفة صالح ولكنه يستخلف حين يستخلف والسيف مسلول والدم مهراق وقوله تعالى "يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر" هذه صفة الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الكتب المتقدمة. وهكذا كانت حاله عليه الصلاة والسلام لا يأمر إلا بخير ولا ينهى إلا عن شر كما قال عبدالله بن مسعود إذا سمعت الله يقول "يا أيها الذين آمنوا" فأذعها سمعك فإنه خير تؤمر به أو شر تنهى عنه ومن أهم ذلك وأعظمه ما بعثه الله به من الأمر بعبادته وحده لا شريك له والنهي عن عبادة من سواه كما أرسل به جميع الرسل قبله كما قال تعالى "ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" وقال الإمام أحمد حدثنا أبو عامر هو العقدي عبدالملك بن عمرو حدثنا سليمان هو ابن بلال عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن عن عبدالملك بن سعيد عن أبي حميد وأبي أسيد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه". رواه الإمام أحمد رضي الله عنه بإسناد جيد ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب وقال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن علي رضي الله عنه قال: إذا سمعتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا فظنوا به الذي هو أهدى والذي هو أهنى والذي هو أتقى ثم رواه عن يحيى عن ابن سعيد عن مسعر عن عمرو بن مرة عن أبي البحتري عن أبي عبدالرحمن عن علي رضي الله عنه قال: إذا حدثتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا فظنوا به الذي هو أهداه وأهناه وأتقاه وقوله "ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث" أي يحل لهم ما كانوا حرموه على أنفسهم من البحائر والسوائب والوصائل والحام ونحو ذلك مما كانوا ضيقوا به على أنفسهم ويحرم عليهم الخبائث قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كلحم الخنزير والربا وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المآكل التي حرمها الله تعالى. قال بعض العلماء فكل ما أحل الله تعالى من المآكل فهو طيب نافع في البدن والدين وكل ما حرمه فهو خبيث ضار في البدن والدين وقد تمسك بهذه الآية الكريمة من يرى التحسين والتقبيح العقليين وأجيب عن ذلك بما لا يتسع هذا الموضع له وكذا احتج بها من ذهب من العلماء إلا أن المرجع في حل المآكل التي لم ينص على تحليلها ولا تحريمها إلى ما استطابته العرب في حال رفاهيتها وكذا في جانب التحريم إلى ما استخبثته وفيه كلام طويل أيضا وقوله "ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم" أي أنه جاء بالتيسير والسماحة كما ورد الحديث من طرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "بعثت بالحنيفية السمحة" وقال صلى الله عليه وسلم لأميريه معاذ وأبي موسى الأشعري لما بعثهما إلى اليمن "بشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا وتطاوعا ولا تختلفا". وقال صاحب أبو بزرة الأسلمي إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت تيسيره وقد كانت الأمم التي قبلنا في شرائعهم ضيق عليهم فوسع الله على هذه الأمة أمورها وسهلها لهم ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل" وقال "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" ولهذا قال أرشد الله هذه الأمة أن يقولوا "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين". وثبت في صحيح مسلم أن الله تعالى قال بعد كل سؤال من هذه قد فعلت قد فعلت وقوله "فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه" أي عظموه ووقروه وقوله "واتبعوا النور الذي أنزل معه" أي القرآن والوحي الذي جاء به مبلغا إلى الناس "أولئك هم المفلحون" أي في الدنيا والآخرة.

﴿قالَ عَذابِيَ أُصِيبُ بِهِ مَن أشاءُ ورَحْمَتِي وسَعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ويُؤْتُونَ الزَّكاةَ والَّذِينَ هم بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ﴾ ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيءَ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهم في التَّوْرَيةِ والإنْجِيلِ يَأْمُرُهم بِالمَعْرُوفِ ويَنْهاهم عَنِ المُنْكَرِ ويُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ ويُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبائِثَ ويَضَعُ عَنْهم إصْرَهم والأغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فالَّذِينَ أمَنُوا بِهِ وعَزَّرُوهُ ونَصَرُوهُ واتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ جُمْلَةُ قالَ إلَخْ جَوابٌ لِكَلامِ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ -، فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ لِوُقُوعِها عَلى طَرِيقَةِ المُحاوَرَةِ، كَما تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وكَلامُ مُوسى، وإنْ كانَ طَلَبًا، وهو لا يَسْتَدْعِي جَوابًا، فَإنَّ جَوابَ الطّالِبِ عِنايَةٌ بِهِ وفَضْلٌ. والمُرادُ بِالعَذابِ هُنا عَذابُ الدُّنْيا؛ لِأنَّ الكَلامَ جَوابٌ لِقَوْلِ مُوسى ﴿أتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنّا﴾ [الأعراف: ١٥٥] . والإهْلاكُ عَذابٌ، فَبَيَّنَ اللَّهُ لَهُ أنَّ عَذابَ الدُّنْيا يُصِيبُ اللَّهُ بِهِ مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ، وقَدْ أجْمَلَ اللَّهُ سَبَبَ المَشِيئَةِ وهو أعْلَمُ بِهِ، ومُوسى يَعْلَمُهُ إجْمالًا، فالكَلامُ يَتَضَمَّنُ طَمْأنَةَ مُوسى مِن أنْ يَنالَهُ العَذابُ هو والبُرَآءُ مِن قَوْمِهِ؛ لِأنَّ اللَّهَ أعْظَمُ مِن أنْ يُعامِلَهم مُعامَلَةَ المُجْرِمِينَ، والمَعْنى: إنِّي قادِرٌ عَلى تَخْصِيصِ العَذابِ بِمَن عَصَوْا وتَنْجِيَةِ مَن لَمْ يُشارِكْ في العِصْيانِ، وجاءَ الكَلامُ عَلى طَرِيقَةٍ مُجْمَلَةٍ شَأْنَ كَلامِ مَن لا يُسْألُ عَمّا يَفْعَلُ. وقَوْلُهُ ﴿ورَحْمَتِي وسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ مُقابِلُ قَوْلِ مُوسى فاغْفِرْ لَنا وارْحَمْنا، وهو وعْدُ تَعْرِيضٍ بِحُصُولِ الرَّحْمَةِ المَسْئُولَةِ لَهُ ولِمَن مَعَهُ مِنَ المُخْتارِينَ، لِأنَّها لَمّا (p-١٣٠)وسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَهم أرْجى النّاسِ بِها، وأنَّ العاصِينَ هم أيْضًا مَغْمُورُونَ بِالرَّحْمَةِ، فَمِنها رَحْمَةُ الإمْهالِ والرِّزْقِ، ولَكِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ عِبادَهَ ذاتُ مَراتِبَ مُتَفاوِتَةٍ. وقَوْلُهُ ﴿عَذابِيَ أُصِيبُ بِهِ مَن أشاءُ﴾ إلى قَوْلِهِ كُلَّ شَيْءٍ جَوابٌ إجْمالِيٌّ، هو تَمْهِيدٌ لِلْجَوابِ التَّفْصِيلِيِّ في قَوْلِهِ فَسَأكْتُبُها. والتَّفْرِيعُ في قَوْلِهِ فَسَأكْتُبُها تَفْرِيعٌ عَلى سِعَةِ الرَّحْمَةِ، لِأنَّها لَمّا وسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ كانَ مِنها ما يُكْتَبُ أيْ يُعْطى في المُسْتَقْبَلِ لِلَّذِينَ أُجْرِيَتْ عَلَيْهِمُ الصِّفاتُ ويَتَضَمَّنُ ذَلِكَ وعْدًا لِمُوسى ولِصُلَحاءَ قَوْمِهِ لِتَحَقُّقِ تِلْكَ الصِّلاتِ فِيهِمْ، وهو وعْدُ ناظِرٍ إلى قَوْلِ مُوسى ﴿إنّا هُدْنا إلَيْكَ﴾ . والضَّمِيرُ المَنصُوبُ في أكْتُبُها عائِدٌ إلى ﴿رَحْمَتِي﴾ [العنكبوت: ٢٣] فَهو ضَمِيرُ جِنْسٍ، وهو مُساوٍ لِلْمُعَرَّفِ بِلامِ الجِنْسِ، أيِ اكْتُبُ فَرْدًا مِن هَذا الجِنْسِ لِأصْحابِ هَذِهِ الصِّفاتِ، ولَيْسَ المُرادُ أنَّهُ يَكْتُبُ جَمِيعَ الرَّحْمَةِ لِهَؤُلاءِ لِأنَّ هَذا غَيْرُ مَعْرُوفٍ في الِاسْتِعْمالِ في الإخْبارِ عَنِ الأجْناسِ، لَكِنْ يُعْلَمُ مِنَ السِّياقِ أنَّ هَذا النَّوْعَ مِنَ الرَّحْمَةِ نَوْعٌ عَظِيمٌ بِقَرِينَةِ الثَّناءِ عَلى مُتَعَلِّقِها بِصِفاتٍ تُؤْذِنُ بِاسْتِحْقاقِها، وبِقَرِينَةِ السُّكُوتِ عَنْ غَيْرِهِ، فَيُعْلَمُ أنَّ لِهَذا المُتَعَلِّقِ رَحْمَةً خاصَّةً عَظِيمَةً وأنَّ غَيْرَهُ داخِلٌ في بَعْضِ مَراتِبِ عُمُومِ الرَّحْمَةِ المَعْلُومَةِ مِن قَوْلِهِ ﴿وسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ وقَدْ أفْصَحَ عَنْ هَذا المَعْنى الحَصْرُ في قَوْلِهِ في آخِرِ الآيَةِ أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ. وتَقَدَّمَ مَعْنى أكْتُبُها قَرِيبًا. وقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنى ﴿وسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ في قَوْلِهِ - تَعالى - ﴿وسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الأعراف: ٨٩] في هَذِهِ السُّورَةِ. والمَعْنى: أنَّ الرَّحْمَةَ الَّتِي سَألَها مُوسى لَهُ ولِقَوْمِهِ وعَدَ اللَّهُ بِإعْطائِها لِمَن كانَ مِنهم مُتَّصِفًا بِأنَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ والمُؤْتِينَ الزَّكاةَ، ولِمَن كانَ مِنَ المُؤْمِنِينَ بِآياتِ اللَّهِ، والآياتُ تَصْدُقُ: بِدَلائِلِ صِدْقِ الرُّسُلِ، وبِكَلِماتِ اللَّهِ الَّتِي شَرَعَ بِها لِلنّاسِ رَشادَهم وهَدْيَهم، ولا سِيَّما القُرْآنُ لِأنَّ كُلَّ مِقْدارِ ثَلاثِ آياتٍ مِنهُ هو آيَةٌ لِأنَّهُ مُعْجِزٌ فَدالٌّ عَلى صِدْقِ الرَّسُولِ، وهو المَقْصُودُ هُنا، وهُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ الأُمِّيَّ إذا جاءَهم، أيْ يُطِيعُونَهُ فِيما يَأْمُرُهم، ولَمّا جُعِلَتْ هَذِهِ الأشْياءُ بِسَبَبِ تِلْكَ الرَّحْمَةِ (p-١٣١)عُلِمَ أنَّ التَّحْصِيلَ عَلى بَعْضِها يُحَصِّلُ بَعْضَ تِلْكَ الرَّحْمَةِ بِما يُناسِبُهُ، بِشَرْطِ الإيمانِ، كَما عُلِمَ مِن آياتٍ أُخْرى خاطَبَ اللَّهُ بِها مُوسى كَقَوْلِهِ آنِفًا ﴿والَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِن بَعْدِها وآمَنُوا﴾ [الأعراف: ١٥٣] فَتَشْمَلُ هَذِهِ الرَّحْمَةُ مَنِ اتَّقى وآمَنَ وآتى الزَّكاةَ مِن بَنِي إسْرائِيلَ قَبْلَ بَعْثَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَإنَّ اتِّباعَهم إيّاهُ مُتَعَذَّرُ الحُصُولِ قَبْلَ بِعْثَتِهِ. ولَكِنْ يَجِبُ أنْ يَكُونُوا عازِمِينَ عَلى اتِّباعِهِ عِنْدَ مَجِيئِهِ أنْ كانُوا عالِمِينَ بِذَلِكَ كَما قالَ - تَعالى - ”﴿وإذْ أخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيئِينَ لَما آتَيْناكم مِن كِتابٍ وحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكم رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكم لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ ولَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أأقْرَرْتُمْ وأخَذْتُمْ عَلى ذَلِكم إصْرِي قالُوا أقْرَرْنا قالَ فاشْهَدُوا وأنا مَعَكم مِنَ الشّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: ٨١] ﴿فَمَن تَوَلّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ﴾ [آل عمران: ٨٢]“ . وتَشْمَلُ الرَّحْمَةُ أيْضًا الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ، والمَعْنِيُّ بِها الآياتُ الَّتِي سَتَجِيءُ في المُسْتَقْبَلِ لِأنَّ آياتِ مُوسى قَدِ اسْتَقَرَّ الإيمانُ بِها يَوْمَئِذٍ، وهَذا مُوجِبُ إعادَةِ اسْمِ المَوْصُولِ في ذِكْرِ أصْحابِ هَذِهِ الصِّلَةِ، لِلْإشارَةِ إلى أنَّهم طائِفَةٌ أُخْرى، وهم مَن يَكُونُ عِنْدَ بَعْثَةِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -، ولِذَلِكَ أُبْدِلَ مِنهم قَوْلُهُ (﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ﴾) إلَخْ. وهو إشارَةٌ إلى اليَهُودِ والنَّصارى الكائِنِينَ في زَمَنِ البِعْثَةِ وبَعْدَها لِقَوْلِهِ ﴿الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ﴾ ولِقَوْلِهِ ﴿ويَضَعُ عَنْهم إصْرَهم والأغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ فَإنَّهُ يَدُلُّ عَلى أنَّهم كانُوا أهْلَ شَرِيعَةٍ فِيها شِدَّةٌ وحَرَجٌ، والمُرادُ بِآياتِ اللَّهِ: القُرْآنُ؛ لِأنَّ ألْفاظَهُ هي المَخْصُوصَةُ بِاسْمِ الآياتِ لِأنَّها جُعِلَتْ مُعْجِزاتٍ لِلْفُصَحاءِ عَنْ مُعارَضَتِها، ودالَّةً عَلى أنَّها مِن عِنْدِ اللَّهِ وعَلى صِدْقِ رَسُولِهِ، كَما تَقَدَّمَ في المُقَدِّمَةِ الثّامِنَةِ. وفِي هَذِهِ الآيَةِ بِشارَةٌ بِبَعْثَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ وهي مُشِيرَةٌ إلى ما في التَّوْراةِ مِنَ الإصْحاحِ العاشِرِ حَتّى الرّابِعَ عَشَرَ، والإصْحاحِ الثّامَنَ عَشَرَ مِن سِفْرِ التَّثْنِيَةِ: فَإنَّ مُوسى بَعْدَ أنْ ذَكَّرَهم بِخَطِيئَةِ عِبادَتِهِمُ العِجْلَ، وذَكَرَ مُناجاتَهُ لِلَّهِ لِلدُّعاءِ لَهم بِالمَغْفِرَةِ، كَما تَضَمَّنَهُ الإصْحاحُ التّاسِعُ مِن ذَلِكَ السِّفْرِ، وذَكَرْناهُ آنِفًا في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ ﴿واخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا﴾ [الأعراف: ١٥٥] . ثُمَّ ذَكَرَ في الإصْحاحِ العاشِرِ أمْرَهم بِالتَّقْوى بِقَوْلِهِ: ”فالآنَ يا إسْرائِيلُ ما يَطْلُبُ مِنكَ الرَّبُّ إلّا أنْ تَتَّقِيَ رَبَّكَ لِتَسْلُكَ في طُرُقِهِ وتُحِبَّهُ“، ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ وفي الثَّلاثَةِ بَعْدَهُ وصايا تَفْصِيلًا لِلتَّقْوى، ثُمَّ ذَكَرَ في الإصْحاحِ الرّابِعَ عَشَرَ الزَّكاةَ فَقالَ ”تَعْشِيرًا تُعَشِّرُ كُلَّ مَحْصُولِ زَرْعِكَ (p-١٣٢)سَنَةً بِسَنَةٍ عَشِّرْ حِنْطَتَكَ وخَمْرَكَ وزَيْتَكَ وإبْكارَ بَقَرِكَ وغَنَمِكَ وفي آخِرِ ثَلاثِ سِنِينَ تُخْرِجُ كُلَّ عُشْرِ مَحْصُولِكَ في تِلْكَ السَّنَةِ فَتَضَعُهُ في أبْوابِكَ فَيَأْتِي اللّاوِي والغَرِيبُ واليَتِيمُ والأرْمَلَةُ الَّذِينَ عَلى أبْوابِكَ فَيَأْكُلُونَ ويَشْبَعُونَ“ إلَخْ. ثُمَّ ذَكَرَ أحْكامًا كَثِيرَةً في الإصْحاحاتِ الثَّلاثَةِ بَعْدَهُ. ثُمَّ في الإصْحاحِ الثّامِنَ عَشَرَ قَوْلُهُ: ”يُقِيمُ لَكَ الرَّبُّ نَبِيًّا ومِن وسَطِ إخْوَتِكَ مِثْلِي لَهُ تَسْمَعُونَ حَسَبَ كُلِّ ما طَلَبْتَ مِنَ الرَّبِّ في حُورِيبَ“ أيْ جَبَلِ الطُّورِ حِينَ المُناجاةِ ”يَوْمَ الِاجْتِماعِ قالَ لِيَ الرَّبُّ أُقِيمُ لَهم نَبِيًّا مِن وسَطِ إخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ وأجْعَلُ كَلامِي في فَمِهِ فَيُكَلِّمُهم بِكُلِّ ما أُوصِيهِ بِهِ“ فَدَلَّ هَذا عَلى أنَّ هَذا النَّبِيءَ مِن غَيْرِ بَنِي إسْرائِيلَ لِقَوْلِهِ مِن وسَطِ إخْوَتِكَ فَإنَّ الخِطابَ لِبَنِي إسْرائِيلَ، ولا يَكُونُونَ إخْوَةً لِأنْفُسِهِمْ. وإخْوَتُهم هم أبْناءُ أخِي أبِيهِمْ: إسْماعِيلَ أخِي إسْحاقَ، وهُمُ العَرَبُ، ولَوْ كانَ المُرادُ بِهِ نَبِيئًا مِن بَنِي إسْرائِيلَ مِثْلَ (صَمْوِيلَ) كَما يُؤَوِّلُهُ اليَهُودُ لَقالَ: مِن بَيْنِكم أوْ مِن وسَطِكم، وعُلِمَ أنَّ النَّبِيءَ رَسُولٌ بِشَرْعٍ جَدِيدٍ مِن قَوْلِهِ ”مِثْلَكَ“ فَإنَّ مُوسى كانَ نَبِيًّا رَسُولًا، فَقَدَ جَمَعَ القُرْآنُ ذَلِكَ كُلَّهُ في قَوْلِهِ ﴿لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ويُؤْتُونَ الزَّكاةَ والَّذِينَ هم بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ﴾ إلَخْ. ومِن نُكَتِ القُرْآنِ الجَمْعُ في هَذِهِ الآيَةِ بَيْنَ وصْفَيِ النُّبُوَّةِ والرِّسالَةِ لِلْإشارَةِ إلى أنَّ اليَهُودَ بَدَّلُوا وصْفَ الرَّسُولِ وعَبَّرُوا عَنْهُ بِالنَّبِيءِ لِيَصْدُقَ عَلى أنْبِياءِ بَنِي إسْرائِيلَ، وغَفَلُوا عَنْ مُفادِ قَوْلِهِ ”مِثْلَكَ“، وحَذَفُوا وصْفَ الأُمِّيِّ، وقَدْ كانَتْ هَذِهِ الآيَةُ سَبَبَ إسْلامِ الحَبْرِ العَظِيمِ الأنْدَلُسِيِّ السَّمَوْألِ بْنِ يَحْيى اليَهُودِيِّ، كَما حَكاهُ عَنْ نَفْسِهِ في كِتابِهِ الَّذِي سَمّاهُ غايَةَ المَقْصُودِ في الرَّدِّ عَلى النَّصارى واليَهُودِ. فَهَذِهِ الرَّحْمَةُ العَظِيمَةُ تَخْتَصُّ بِالَّذِينَ آمَنُوا بِالنَّبِيءِ مُحَمَّدٍ ﷺ مِنَ اليَهُودِ والنَّصارى، وتَشْمَلُ الرُّسُلَ والأنْبِياءَ الَّذِينَ أخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ العَهْدَ بِالإيمانِ بِمُحَمَّدٍ ﷺ فَكانُوا عالِمِينَ بِبَعْثَتِهِ يَقِينًا فَهم آمَنُوا بِهِ، وتَنَزَّلُوا مَنزِلَةَ مَنِ اتَّبَعَ ما جاءَ بِهِ، لِأنَّهُمُ اسْتَعَدُّوا لِذَلِكَ، وتَشْمَلُ المُسْلِمِينَ مِنَ العَرَبِ وغَيْرِهِمْ غَيْرَ بَنِي إسْرائِيلَ لِأنَّهم سارُوا - مَن آمَنَ بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مِنَ اليَهُودِ - في اتَباعِ الرَّسُولِ النَّبِيءِ الأُمِّيِّ. (p-١٣٣)وتَقْدِيمُ وصْفِ الرَّسُولِ لِأنَّهُ الوَصْفُ الأخَصُّ الأهَمُّ، ولِأنَّ في تَقْدِيمِهِ زِيادَةَ تَسْجِيلٍ لِتَحْرِيفِ أهْلِ الكِتابِ، حَيْثُ حَذَفُوا هَذا الوَصْفَ لِيَصِيرَ كَلامُ التَّوْراةِ صادِقًا بِمَن أتى بَعْدَ مُوسى مِن أنْبِياءِ بَنِي إسْرائِيلَ، ولِأنَّ مُحَمَّدًا ﷺ اشْتُهِرَ بِوَصْفِ النَّبِيءِ الأُمِّيِّ، فَصارَ هَذا المُرَكَّبُ كاللَّقَبِ لَهُ، فَلِذَلِكَ لا يُغَيِّرُ عَنْ شُهْرَتِهِ، وكَذَلِكَ هو حَيْثُما ورَدَ ذِكْرُهُ في القُرْآنِ. والأُمِّيُّ: الَّذِي لا يَعْرِفُ الكِتابَةَ والقِراءَةَ، قِيلَ هو مَنسُوبٌ إلى الأُمِّ أيْ هو أشْبَهُ بِأُمِّهِ مِنهُ بِأبِيهِ؛ لِأنَّ النِّساءَ في العَرَبِ ما كُنَّ يَعْرِفْنَ القِراءَةَ والكِتابَةَ، وما تَعَلَّمْنَها إلّا في الإسْلامِ، فَصارَ تَعَلُّمُ القِراءَةِ والكِتابَةِ مِن شِعارِ الحَرائِرِ دُونَ الإماءِ كَما قالَ عُبَيْدٌ الرّاعِي، وهو إسْلامِيٌّ. ؎هُنَّ الحَرائِرُ لا رَبّاتُ أخْمِـرَةٍ سُودُ المَحاجِرِ لا يَقْرَأْنَ بِالسُّوَرِ أمّا الرِّجالُ فَفِيهِمْ مَن يَقْرَأُ ويَكْتُبُ. وقِيلَ: مَنسُوبٌ إلى الأُمَّةِ أيِ الَّذِي حالُهُ حالُ مُعْظَمِ الأُمَّةِ، أيِ الأُمَّةِ المَعْهُودَةِ عِنْدَهم وهي العَرَبِيَّةُ، وكانُوا في الجاهِلِيَّةِ لا يَعْرِفُ مِنهُمُ القِراءَةَ والكِتابَةَ إلّا النّادِرُ مِنهم، ولِذَلِكَ يَصِفُهم أهْلُ الكِتابِ بِالأُمِّيِّينَ، لِما حَكى اللَّهُ - تَعالى - عَنْهم في قَوْلِهِ ﴿ذَلِكَ بِأنَّهم قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا في الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾ [آل عمران: ٧٥] في آلِ عِمْرانَ. والأُمِّيَّةُ وصْفٌ خَصَّ اللَّهُ بِهِ مِن رُسُلِهِ مُحَمَّدًا ﷺ، إتْمامًا لِلْإعْجازِ العِلْمِيِّ العَقْلِيِّ الَّذِي أيَّدَهُ اللَّهُ بِهِ، فَجَعَلَ الأُمِّيَّةَ وصْفًا ذاتِيًّا لَهُ لِيُتِمَّ بِها وصْفَهُ الذّاتِيَّ وهو الرِّسالَةُ، لِيُظْهِرَ أنَّ كَمالَهُ النَّفْسانِيَّ كَمالٌ لَدُنِّيٌّ إلَهِيٌّ، لا واسِطَةَ فِيهِ لِلْأسْبابِ المُتَعارَفَةِ لِلْكِمالاتِ، وبِذَلِكَ كانَتِ الأُمِّيَّةُ وصْفَ كَمالِ فِيهِ، مَعَ أنَّها في غَيْرِهِ وصْفُ نُقْصانٍ؛ لِأنَّهُ لَمّا حَصَلَ لَهُ مِنَ المَعْرِفَةِ وسَدادِ العَقْلِ ما لا يَحْتِمَلُ الخَطَأ في كُلِّ نَواحِي مَعْرِفَةِ الكِمالاتِ الحَقِّ، وكانَ عَلى يَقِينٍ مِن عِلْمِهِ، وبَيِّنَةٍ مِن أمْرِهِ، ما هو أعْظُمُ مِمّا حَصَلَ لِلْمُتَعَلِّمِينَ، صارَتْ أُمِّيَّتُهُ آيَةً عَلى كَوْنِ ما حَصَلَ لَهُ إنَّما هو مِن فَيُوضاتٍ إلَهِيَّةٍ. ومَعْنى ﴿يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا﴾ وِجْدانُ صِفاتِهِ ونُعُوتِهِ، الَّتِي لا يُشْبِهُهُ فِيها غَيْرُهُ، فَجُعِلَتْ خاصَّتُهُ بِمَنزِلَةِ ذاتِهِ. وأُطْلِقَ عَلَيْها ضَمِيرُ الرَّسُولِ النَّبِيءِ الأُمِّيِّ مَجازًا بِالِاسْتِخْدامِ (p-١٣٤)وإنَّما المَوْجُودُ نَعْتُهُ ووَصْفُهُ، والقَرِينَةُ قَوْلُهُ مَكْتُوبًا فَإنَّ الذّاتَ لا تُكْتَبُ، وعُدِلَ عَنِ التَّعْبِيرِ بِالوَصْفِ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّهم يَجِدُونَ وصْفًا لا يَقْبَلُ الِالتِباسَ، وهو: كَوْنُهُ أُمِّيًّا، ويَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ، ويَنْهى عَنِ المُنْكَرِ، ويُحِلُّ الطَّيِّباتِ، ويُحَرِّمُ الخَبائِثَ، ويَضَعُ عَنْهم إصْرَهم، وشَدَّةَ شَرِيعَتِهِمْ. وذُكِرَ الإنْجِيلُ هُنا لِأنَّهُ مُنَزَّلٌ لِبَنِي إسْرائِيلَ، وقَدْ آمَنَ بِهِ جَمْعٌ مِنهم ومَن جاءَ بَعْدَهم مِن خَلْفِهِمْ، وقَدْ أعْلَمَ اللَّهُ مُوسى بِهَذا. والمَكْتُوبُ في التَّوْراةِ هو ما ذَكَرْناهُ آنِفًا، والمَكْتُوبُ في الإنْجِيلِ بِشاراتٌ جَمَّةٌ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، وفي بَعْضِها التَّصْرِيحُ بِأنَّهُ يُبْعَثُ بِعْثَةً عامَّةً، فَفي إنْجِيلِ مَتّى في الإصْحاحِ الرّابِعِ والعِشْرِينَ ”ويَقُومُ أنْبِياءُ كَذَبَةٌ كَثِيرُونَ ويَضِلُّونَ كَثِيرُونَ ولَكِنَّ الَّذِي يَصْبِرُ إلى المُنْتَهى (أيْ يَدُومُ شَرْعُهُ إلى نِهايَةِ العالَمِ) فَهَذا يَخْلُصُ ويَكْرِزُ بِبِشارَةِ المَلَكُوتِ هَذِهِ في كُلِّ المَسْكُونَةِ شَهادَةٌ لِجَمِيعِ الأُمَمِ، ثُمَّ يَأْتِي المُنْتَهى“ أيْ مُنْتَهى الدُّنْيا، وفي إنْجِيلِ يُوحَنّا في الإصْحاحِ الرّابِعَ عَشَرَ ”وأمّا المُعَزّى الرُّوحُ القُدُسُ الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الأبُ بِاسْمِي فَهو يُعَلِّمُكم كُلَّ شَيْءٍ ويُذَكِّرُكم بِكُلِّ ما قُلْتُهُ لَكم“ ومَعْنى بِاسْمِي أيْ بِمُماثَلَتِي وهو كَوْنُهُ رَسُولًا مُشَرِّعًا لا نَبِيًّا مُؤَكِّدًا. وتَقَدَّمَ ذِكْرُ التَّوْراةِ والإنْجِيلِ في أوَّلِ سُورَةِ آلِ عِمْرانَ. وجُمْلَةُ ﴿يَأْمُرُهم بِالمَعْرُوفِ﴾ قالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: هي بَيانٌ لِلْمَكْتُوبِ عِنْدَهم ولا يَجُوزُ أنْ تَكُونَ حالًا مِن ضَمِيرِ يَجِدُونَهُ لِأنَّ الضَّمِيرَ راجِعٌ لِلذِّكْرِ والِاسْمِ، والذِّكْرُ والِاسْمُ لا يَأْمُرانِ أيْ: فَتَعَيَّنَ كَوْنُ الضَّمِيرِ مَجازًا، وكَوْنُ الآمِرِ بِالمَعْرُوفِ هو ذاتُ الرَّسُولِ لا وصْفُهُ وذِكْرُهُ، ولا شَكَّ أنَّ المَقْصُودَ مِن هَذِهِ الصِّفاتِ تَعْرِيفُهم بِها لِتَدُلَّهم عَلى تَعْيِينِ الرَّسُولِ الأُمِّيِّ عِنْدَ مَجِيئِهِ بِشَرِيعَةٍ هَذِهِ صِفاتُها. وقَدْ جَعَلَ اللَّهُ المَعْرُوفَ والمُنْكَرَ، والطَّيِّباتِ، والخَبائِثَ، والإصْرَ والأغْلالَ مُتَعَلِّقاتٍ لِتَشْرِيعِ النَّبِيءِ الأُمِّيِّ وعَلاماتٍ، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنها ما يَتَبادَرُ مِن مَعانِي ألْفاظِها لِلْأفْهامِ المُسْتَقِيمَةِ. (p-١٣٥)فالمَعْرُوفُ شامِلٌ لِكُلِّ ما تَقْبَلُهُ العُقُولُ والفِطَرُ السَّلِيمَةُ، والمُنْكَرُ ضِدُّهُ، وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُهُما عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى - ﴿ولْتَكُنْ مِنكم أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الخَيْرِ ويَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ﴾ [آل عمران: ١٠٤] في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ. ويَجْمَعُها مَعْنى الفِطْرَةِ، الَّتِي هي قِوامُ الشَّرِيعَةِ المُحَمَّدِيَّةِ كَما قالَ - تَعالى - ﴿فَأقِمْ وجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها﴾ [الروم: ٣٠]، وهَذِهِ أوْضَحُ عَلامَةٍ لِتَعَرُّفِ أحْكامِ الشَّرِيعَةِ المُحَمَّدِيَّةِ. والطَّيِّباتُ: جَمْعُ طَيِّبَةٍ، وقَدْ رُوعِيَ في التَّأْنِيثِ مَعْنى الأكِيلَةِ، أوْ مَعْنى الطُّعْمَةِ، تَنْبِيهًا عَلى أنَّ المُرادَ الطَّيِّباتُ مِنَ المَأْكُولاتِ، كَما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ في نَظائِرِها نَحْوَ ﴿يا أيُّها النّاسُ كُلُوا مِمّا في الأرْضِ حَلالًا طَيِّبًا﴾ [البقرة: ١٦٨] في البَقَرَةِ، وقَوْلُهُ ﴿يَسْألُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهم قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ﴾ [المائدة: ٤] في سُورَةِ المائِدَةِ، ولَيْسَ المُرادُ الأفْعالَ الحَسَنَةَ لِأنَّ الأفْعالَ عُرِّفَتْ بِوَصْفِ المَعْرُوفِ والمُنْكَرِ، والمَأْكُولاتُ لا تَدْخُلُ في المَعْرُوفِ والمُنْكَرِ، إذْ لَيْسَ لِلْعَقْلِ حَظٌّ في التَّمْيِيزِ بَيْنَ مَقْبُولِها ومَرْفُوضِها، وإنَما تَمْتَلِكُ النّاسَ فِيها عَوائِدُهم، ولَمّا كانَ الإسْلامُ دِينَ الفِطْرَةِ ولا اعْتِدادَ بِالعَوائِدِ فِيهِ، ناطَ حالَ المَأْكُولاتِ بِالطَّيِّبِ وحُرْمَتَها بِالخُبْثِ، فالطَّيِّبُ ما لا ضُرَّ فِيهِ ولا وخامَةَ ولا قَذارَةَ، والخَبِيثُ ما أضَرَّ، أوْ كانَ وخِيمَ العاقِبَةِ، أوْ كانَ مُسْتَقْذَرًا لا يَقْبَلُهُ العُقَلاءُ، كالنَّجاسَةِ وهَذا مِلاكُ المُباحِ والمُحَرَّمِ مِنَ المَآكِلِ، فَلا تَدْخُلُ العاداتُ إلّا في اخْتِيارِ أهْلِها ما شاءُوا مِنَ المُباحِ، فَقَدْ كانَتْ قُرَيْشٌ لا تَأْكُلُ الضَّبَّ، وقَدْ وُضِعَ عَلى مائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَكَرِهَ أنْ يَأْكُلَ مِنهُ، وقالَ: «ما هو بِحَرامٍ ولَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِن طَعامِ قَوْمِي فَأجِدُنِي أعافُهُ» ولِهَذا فالوَجْهُ: أنَّ كُلَّ ما لا ضُرَّ فِيهِ ولا فَسادَ ولا قَذارَةَ فَهو مُباحٌ، وقَدْ يَكُونُ مَكْرُوهًا اعْتِبارًا بِمَضَرَّةٍ خَفِيفَةٍ، فَلِذَلِكَ ورَدَ النَّهْيُ عَنْ أكْلِ كُلِّ ذِي نابٍ مِنَ السِّباعِ ومَحْمَلُهُ عِنْدَ مالِكٍ في أشْهَرِ الرِّواياتِ عَنْهُ، عَلى الكَراهَةِ، وهو الَّذِي لا يَنْبَغِي التَّرَدُّدُ فِيهِ، وأيُّ ضُرٍّ في أكْلِ لَحْمِ الأسَدِ وكَذَلِكَ إباحَةُ أكْلِ الخِشاشِ والحَشَراتِ والزَّواحِفِ البَرِّيَّةِ والبَحْرِيَّةِ لِاخْتِلافِ عَوائِدِ النّاسِ في أكْلِها وعَدَمِهِ، فَقَدْ كانَتْ جَرْمٌ لا يَأْكُلُونَ الدَّجاجَ، وفَقْعَسٌ يَأْكُلُونَ الكَلْبَ، فَلا يُحْجَرُ عَلى قَوْمٍ لِأجْلِ كَراهِيَةِ غَيْرِهِمْ مِمّا كَرِهَهُ ذَوْقُهُ أوْ عادَةُ قَوْمِهِ. وقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِن هَذا في آيَةِ سُورَةِ المائِدَةِ. فَعَلى الفَقِيهِ أنْ يَقْصُرَ النَّظَرَ عَلى طَبائِعِ (p-١٣٦)المَأْكُولاتِ وصِفاتِها، وما جُهِلَتْ بَعْضُ صِفاتِهِ وحَرَّمَتْهُ الشَّرِيعَةُ مِثْلُ تَحْرِيمِ الخِنْزِيرِ. ووَضْعُ الإصْرِ إبْطالُ تَشْرِيعِهِ، أيْ بِنَسْخِ ما كانَ فِيهِ شِدَّةٌ مِنَ الشَّرائِعِ الإلَهِيَّةِ السّابِقَةِ، وحَقِيقَةُ الوَضْعِ الحَطُّ مِن عُلُوٍّ إلى سُفْلٍ وهو هُنا مَجازٌ في إبْطالِ التَّكْلِيفِ بِالأعْمالِ الشّاقَّةِ. وحَقُّهُ التَّعْدِيَةُ إلى المَفْعُولِ الثّانِي بِحَرْفِ ”في“ الظَّرْفِيَّةِ، فَإذا عُدِّيَ إلَيْهِ بِـ ”عَنْ“ دَلَّ عَلى نَقْلِ المَفْعُولِ الأوَّلِ مِن مَدْخُولِ ”عَنْ“ وإذا عُدِّيَ إلى المَفْعُولِ الثّانِي بِـ ”عَلى“ كانَ دالًّا عَلى حَطِّ المَفْعُولِ الأوَّلِ في مَدْخُولِ ”عَلى“ حَطًّا مُتَمَكِّنًا، فاسْتُعِيرَ (يَضَعُ عَنْهم) هُنا إلى إزالَةِ التَّكْلِيفاتِ الَّتِي هي كالإصْرِ والأغْلالِ فَيَشْمَلُ الوَضْعُ مَعْنى النَّسْخِ وغَيْرِهِ، كَما سَيَأْتِي. و(الإصْرُ) ظاهِرُ كَلامِ الزَّمَخْشَرِيِّ في الكَشّافِ والأساسِ أنَّهُ حَقِيقَةُ الثِّقَلِ، بِكَسْرِ الثّاءِ الحِسِّيِّ بِحَيْثُ يَصْعُبُ مَعَهُ التَّحَرُّكُ، ولَمْ يُقَيِّدْهُ غَيْرُهُ مِن أصْحابِ دَواوِينِ اللُّغَةِ، وهَذا القَيْدُ مِن تَحْقِيقاتِهِ، وهو الَّذِي جَرى عَلَيْهِ ظاهِرُ كَلامِ ابْنِ العَرَبِيِّ في الأحْكامِ، والمُرادُ بِهِ هُنا التَّكالِيفُ الشّاقَّةُ والحَرَجُ في الدِّينِ فَإنْ كانَ كَما قَيَّدَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ يَكُنْ (﴿ويَضَعُ عَنْهم إصْرَهُمْ﴾) تَمْثِيلِيَّةً بِتَشْبِيهِ حالِ المُزالِ عَنْهُ ما يُحْرِجُهُ مِنَ التَّكالِيفِ بِحالِ مَن كانَ مُحَمَّلًا بِثِقَلٍ فَأُزِيلَ عَنْ ظَهْرِهِ ثِقَلُهُ، كَما في قَوْلِهِ - تَعالى - ﴿يَحْمِلُونَ أوْزارَهم عَلى ظُهُورِهِمْ﴾ [الأنعام: ٣١] وإنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كانَ الإصْرُ اسْتِعارَةً مَكْنِيَّةً و(يَضَعُ) تَخْيِيلًا، وهو أيْضًا اسْتِعارَةٌ تَبَعِيَّةٌ لِلْإزالَةِ. وقَدْ كانَتْ شَرِيعَةُ التَّوْراةِ مُشْتَمِلَةً عَلى أحْكامٍ كَثِيرَةٍ شاقَّةٍ مِثْلِ العُقُوبَةِ بِالقَتْلِ عَلى مَعاصٍ كَثِيرَةٍ، مِنها العَمَلُ يَوْمَ السَّبْتِ، ومِثْلُ تَحْرِيمِ مَأْكُولاتٍ كَثِيرَةٍ طَيِّبَةٍ وتَغْلِيظِ التَّحْرِيمِ في أُمُورٍ هَيِّنَةٍ، كالعَمَلِ يَوْمَ السَّبْتِ، وأشَدُّ ما في شَرِيعَةِ التَّوْراةِ مِنَ الإصْرِ أنَّها لَمْ تُشْرَعْ فِيها التَّوْبَةُ مِنَ الذُّنُوبِ، ولا اسْتِتابَةُ المُجْرِمِ. والإصْرُ قَدْ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ - تَعالى - ﴿رَبَّنا ولا تَحْمِلْ عَلَيْنا إصْرًا كَما حَمَلْتَهُ عَلى الَّذِينَ مِن قَبْلِنا﴾ [البقرة: ٢٨٦] في سُورَةِ البَقَرَةِ وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ وحْدَهُ في القِراءاتِ المَشْهُورَةِ، ”آصارَهم“ بِلَفْظِ الجَمْعِ، والجَمْعُ والإفْرادُ في الأجْناسِ سَواءٌ. والأغْلالُ جَمْعُ غُلٍّ - بِضَمِّ الغَيْنِ - وهو إطارٌ مِن حَدِيدٍ يُجْعَلُ في رَقَبَةِ الأسِيرِ (p-١٣٧)والجانِي ويُمْسَكُ بِسَيْرٍ مِن جِلْدٍ أوْ سِلْسِلَةٍ مِن حَدِيدٍ بِيَدِ المُوَكَّلِ بِحِراسَةِ الأسِيرِ، قالَ - تَعالى - إذِ الأغْلالُ في أعْناقِهِمْ والسَّلاسِلُ ويُسْتَعارُ الغُلُّ لِلتَّكْلِيفِ والعَمَلِ الَّذِي يُؤْلِمُ ولا يُطاقُ فَهو اسْتِعارَةٌ فَإنْ بَنَيْنا عَلى كَلامِ الزَّمَخْشَرِيِّ كانَ (الأغْلالُ) تَمْثِيلِيَّةً بِتَشْبِيهِ حالِ المُحَرَّرِ مِنَ الذُّلِّ والإهانَةِ بِحالِ مَن أُطْلِقَ مِنَ الأسْرِ، فَتَعَيَّنَ أنَّ وضْعَ الأغْلالِ اسْتِعارَةٌ لِما يُعانِيهِ اليَهُودُ مِنَ المَذَلَّةِ بَيْنَ الأُمَمِ الَّذِينَ نَزَلُوا في دِيارِهِمْ بَعْدَ تَخْرِيبِ بَيْتِ المَقْدِسِ، وزَوالِ مُلْكِ يَهُوذا، فَإنَّ الإسْلامَ جاءَ بِتَسْوِيَةِ أتْباعِهِ في حُقُوقِهِمْ في الجامِعَةِ الإسْلامِيَّةِ فَلا يَبْقى فِيهِ مَيْزٌ بَيْنَ أصِيلٍ ودَخِيلٍ، وصَمِيمٍ ولَصِيقٍ، كَما كانَ الأمْرُ في الجاهِلِيَّةِ. ومُناسَبَةُ اسْتِعارَةِ الأغْلالِ لِلذِّلَّةِ أوْضَحُ؛ لِأنَّ الأغْلالَ مِن شِعارِ الإذْلالِ في الأسْرِ والقَوَدِ ونَحْوِهِما. وهَذانِ الوَصْفانِ لَهُما مَزِيدُ اخْتِصاصٍ بِاليَهُودِ، المُتَحَدَّثِ عَنْهم في خِطابِ اللَّهِ - تَعالى - لِمُوسى، ولا يَتَحَقَّقانِ في غَيْرِهِمْ مِمَّنْ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ لِأنَّ اليَهُودَ قَدْ كانَ لَهم شَرْعٌ، وكانَ فِيهِ تَكالِيفُ شاقَّةٌ، بِخِلافِ غَيْرِ اليَهُودِ مِنَ العَرَبِ والفُرْسِ وغَيْرِهِمْ، ولِذَلِكَ أضافَ اللَّهُ الإصْرَ إلى ضَمِيرِهِمْ، ووَصَفَ الأغْلالَ بِما فِيهِ ضَمِيرُهم، عَلى أنَّكَ إذا تَأمَّلْتَ في حالِ الأُمَمِ كُلِّهِمْ قَبْلَ الإسْلامِ لا تَجِدُ شَرائِعَهم وقَوانِينَهم وأحْوالَهم خالِيَةً مِن إصْرٍ عَلَيْهِمْ مِثْلِ تَحْرِيمِ بَعْضِ الطَّيِّباتِ في الجاهِلِيَّةِ، ومِثْلِ تَكالِيفَ شاقَّةٍ عِنْدَ النَّصارى والمَجُوسِ لا تَتَلاقى مَعَ السَّماحَةِ الفِطْرِيَّةِ، وكَذَلِكَ لا تَجِدُها خالِيَةً مِن رَهَقِ الجَبابِرَةِ، وإذْلالِ الرُّؤَساءِ، وشِدَّةِ الأقْوِياءِ عَلى الضُّعَفاءِ، وما كانَ يَحْدُثُ بَيْنَهم مِنَ التَّقاتُلِ والغاراتِ، والتَّكايُلِ في الدِّماءِ، وأكْلِهِمْ أمْوالَهم بِالباطِلِ، فَأرْسَلَ اللَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ بِدِينٍ مِن شَأْنِهِ أنْ يُخَلِّصَ البَشَرَ مِن تِلْكَ الشَّدائِدِ، كَما قالَ - تَعالى - ﴿وما أرْسَلْناكَ إلّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧] ولِذَلِكَ فَسَّرْنا الوَضْعَ بِما يَعُمُّ النَّسْخَ وغَيْرَهُ، وفَسَّرْنا الأغْلالَ بِما يُخالِفُ المُرادَ مِنَ الإصْرِ، ولا يُناكِدُ هَذا ما في أدْيانِ الجاهِلِيَّةِ والمَجُوسِيَّةِ وغَيْرِها مِنَ التَّحَلُّلِ في أحْكامٍ كَثِيرَةٍ، فَإنَّهُ فَسادٌ عَظِيمٌ لا يُخَفِّفُ وطْأةَ ما فِيها مِنَ الإصْرِ، وهو التَّحَلُّلُ الَّذِي نَظَرَ إلَيْهِ أبُو خِراشٍ الهُذَلِيُّ في قَوْلِهِ، يَعْنِي شَرِيعَةَ الإسْلامِ: ؎فَلَيْسَ كَعَهْدِ الدّارِ يا أُمَّ مَـالِـكٍ ∗∗∗ ولَكِنْ أحاطَتْ بِالرِّقابِ السَّلاسِلُ والفاءُ في قَوْلِهِ ﴿فالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ﴾ فاءُ الفَصِيحَةِ، والمَعْنى: إذا كانَ هَذا النَّبِيءُ كَما (p-١٣٨)عَلِمْتُمْ مِن شَهادَةِ التَّوْراةِ والإنْجِيلِ بِنُبُوأتِهِ، ومِنَ اتِّصافِ شَرْعِهِ بِالصِّفَةِ الَّتِي سَمِعْتُمْ، عَلِمْتُمْ أنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وعَزَّرُوهُ ونَصَرُوهُ واتَّبَعُوا هَدْيَهُ، هُمُ المُفْلِحُونَ. والقَصْرُ المُسْتَفادُ مِن تَعْرِيفِ المُسْنَدِ ومِن ضَمِيرِ الفَصْلِ قَصْرٌ إضافِيٌّ، أيْ هُمُ الَّذِينَ أفْلَحُوا أيْ دُونَ مَن كَفَرَ بِهِ بِقَرِينَةِ المَقامِ؛ لِأنَّ مَقامَ دُعاءِ مُوسى يَقْتَضِي أنَّهُ أرادَ المَغْفِرَةَ والرَّحْمَةَ وكِتابَةَ الحَسَنَةِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ لِكُلِّ مَنِ اتَّبَعَ دِينَهُ، ولا يُرِيدُ مُوسى شُمُولَ ذَلِكَ لِمَن لا يَتَّبِعُ الإسْلامَ بَعْدَ مَجِيءِ مُحَمَّدٍ ﷺ، ولَكِنْ جَرى القَصْرُ عَلى مَعْنى الِاحْتِراسِ مِنَ الإيهامِ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ القَصْرُ ادِّعائِيًّا، دالًّا عَلى مَعْنى كَمالِ صِفَةِ الفَلاحِ لِلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ النَّبِيءَ الأُمِّيَّ، فَفَلاحُ غَيْرِهِمْ مِنَ الأُمَمِ المُفْلِحِينَ الَّذِينَ سَبَقُوهم كَلا فَلاحٍ، إذا نُسِبَ إلى فَلاحِهِمْ، أيْ أنَّ الأُمَّةَ المُحَمَّدِيَّةَ أفْضَلُ الأُمَمِ عَلى الجُمْلَةِ، وأنَّهُمُ الَّذِينَ تَنالُهُمُ الرَّحْمَةُ الإلَهِيَّةُ الَّتِي تَسَعُ كُلَّ شَيْءٍ مِن شُئُونِهِمْ قالَ - تَعالى - ﴿وما أرْسَلْناكَ إلّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧] . ومَعْنى عَزَّرُوهُ أيَّدُوهُ وقَوَّوْهُ، وذَلِكَ بِإظْهارِ ما تَضَمَّنَتْهُ كُتُبُهم مِنَ البِشارَةِ بِصِفاتِهِ، وصِفاتِ شَرِيعَتِهِ، وإعْلانِ ذَلِكَ بَيْنَ النّاسِ، وذَلِكَ شَيْءٌ زائِدٌ عَلى الإيمانِ بِهِ. كَما فَعَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ، وكَقَوْلِ ورَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ ”هَذا النّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلى مُوسى“، وهو أيْضًا مُغايِرٌ لِلنَّصْرِ؛ لِأنَّ النَّصْرَ هو الإعانَةُ في الحَرْبِ بِالسِّلاحِ، ومِن أجْلِ ذَلِكَ عُطِفَ عَلَيْهِ ونَصَرُوهُ. واتِّباعُ النُّورِ تَمْثِيلٌ لِلِاقْتِداءِ بِما جاءَ بِهِ القُرْآنُ: شُبِّهَ حالُ المُقْتَدِي بِهَدْيِ القُرْآنِ، بِحالِ السّارِي في اللَّيْلِ إذا رَأى نُورًا يَلُوحُ لَهُ اتَّبَعَهُ، لِعِلْمِهِ بِأنَّهُ يَجِدُ عِنْدَهُ مَنجاةً مِنَ المَخاوِفِ وأضْرارِ السَّيْرِ، وأجْزاءُ هَذا التَّمْثِيلِ اسْتِعاراتٌ، فالِاتِّباعُ يَصْلُحُ مُسْتَعارًا لِلِاقْتِداءِ، وهو مَجازٌ شائِعٌ فِيهِ، والنُّورُ يَصْلُحُ مُسْتَعارًا لِلْقُرْآنِ لِأنَّ الشَّيْءَ الَّذِي يُعَلِّمُ الحَقَّ والرُّشْدَ يُشَبَّهُ بِالنُّورِ، وأحْسَنُ التَّمْثِيلِ ما كانَ صالِحًا لِاعْتِبارِ التَّشْبِيهاتِ المُفْرَدَةِ في أجْزائِهِ. والإشارَةُ في قَوْلِهِ ﴿أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ لِلتَّنْوِيهِ بِشَأْنِهِمْ، ولِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ المُشارَ إلَيْهِمْ بِتِلْكَ الأوْصافِ صارُوا أحْرِياءَ بِما يُخْبَرُ بِهِ عَنْهم بَعْدَ اسْمِ الإشارَةِ كَقَوْلِهِ ﴿أُولَئِكَ عَلى هُدًى مِن رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٥] . (p-١٣٩)وفِي هَذِهِ الآيَةِ تَنْوِيهٌ بِعَظِيمِ فَضْلِ أصْحابِ النَّبِيءِ ﷺ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم -، ويُلْحَقُ بِهِمْ مَن نَصَرَ دِينَهُ بَعْدَهم.


ركن الترجمة

Who follow the messenger, the gentile Prophet, described in the Torah and the Gospel, who bids things noble and forbids things vile, makes lawful what is clean, and prohibits what is foul, who relieves them of their burdens, and the yoke that lies upon them. Those who believe and honour and help him, and follow the light sent with him, are those who will attain their goal."

Ceux qui suivent le Messager, le Prophète illettré qu'ils trouvent écrit (mentionné) chez eux dans la Thora et l'Evangile. Il leur ordonne le convenable, leur défend le blâmable, leur rend licites les bonnes choses, leur interdit les mauvaises, et leur ôte le fardeau et les jougs qui étaient sur eux. Ceux qui croiront en lui, le soutiendront, lui porteront secours et suivront la lumière descendue avec lui; ceux-là seront les gagnants.

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :