موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
السبت 9 ذو القعدة 1445 هجرية الموافق ل18 ماي 2024


الآية [164] من سورة  

وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا۟ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ


ركن التفسير

164 - (وإذ) عطف على إذ قبله (قالت أمة منهم) لم تصد ولم تنه لمن نهى (لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا) موعظتنا (معذرةً) نعتذر بها (إلى ربكم) لئلا ننسب إلى تقصير في ترك النهي (ولعلهم يتقون) الصيد

يخبر تعالى عن أهل هذه القرية أنهم صاروا إلى ثلاث فرق فرقة ارتكبت المحذور واحتالوا على اصطياد السمك يوم السبت كما تقدم بيانه في سورة البقرة وفرقة نهت عن ذلك واعتزلتهم وفرقة سكتت فلم تفعل ولم تنه ولكنها قالت للمنكرة "لم تعظون قوما الله مهلكم أو معذبهم عذابا شديدا" أي لم تنهون هؤلاء وقد علمتم أنهم قد هلكوا واستحقوا العقوبة من الله فلا فائدة في نهيكم إياهم؟ قالت لهم المنكرة "معذرة إلى ربكم" قرأ بعضهم بالرفع كأنه على تقدير هذا معذرة وقرأ آخرون بالنصب أي نفعل ذلك "معذرة إلى ربكم" أي فيما أخذ علينا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "ولعلهم يتقون" يقولون ولعل لهذا الإنكار يتقون ما هم فيه ويتركونه ويرجعون إلى الله تائبين فإذا تابوا تاب الله عليهم ورحمهم.

﴿وإذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنهم لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهم أوْ مُعَذِّبُهم عَذابًا شَدِيدًا قالُوا مَعْذِرَةٌ إلى رَبِّكم ولَعَلَّهم يَتَّقُونَ﴾ ﴿فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أنْجَيْنا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وأخَذْنا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَيِسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ﴾ ﴿فَلَمّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهم كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ﴾ جُمْلَةُ ﴿وإذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنهُمْ﴾ عَطْفٌ عَلى قَوْلِهِ ﴿إذْ يَعْدُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٣] والتَّقْدِيرُ: واسْألْ بَنِي إسْرائِيلَ ﴿إذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنهُمْ﴾، فَإذْ فِيهِ اسْمُ زَمانٍ لِلْماضِي، ولَيْسَتْ ظَرْفًا، ولَها حُكْمُ (إذْ) أُخْتِها، المَعْطُوفَةِ هي عَلَيْها، فالتَّقْدِيرُ: واسْألْهم عَنْ وقْتِ قالَتْ أُمَّةٌ، أيْ عَنْ زَمَنِ قَوْلِ أُمَّةٍ مِنهم، والضَّمِيرُ المَجْرُورُ بِمِن عائِدٌ إلى ما عادَ إلَيْهِ ضَمِيرُ اسْألْهم ولَيْسَ عائِدًا إلى القَرْيَةِ؛ لِأنَّ المَقْصُودَ تَوْبِيخُ بَنِي إسْرائِيلَ كُلِّهِمْ، فَإنْ كانَ هَذا القَوْلُ حَصَلَ في تِلْكَ القَرْيَةِ كَما ذَكَرُوهُ المُفَسِّرُونَ كانَ غَيْرَ مَنظُورٍ إلى حُصُولِهِ في تِلْكَ القَرْيَةِ، بَلْ مَنظُورًا إلَيْهِ بِأنَّهُ مَظْهَرٌ آخَرُ مِن مَظاهِرِ عِصْيانِهِمْ وعُتُوِّهِمْ وقِلَّةِ جَدْوى المَوْعِظَةِ (p-١٥١)فِيهِمْ، وأنَّ ذَلِكَ شَأْنٌ مَعْلُومٌ مِنهم عِنْدَ عُلَمائِهِمْ وصُلَحائِهِمْ، ولِذَلِكَ لَمّا عُطِفَتْ هَذِهِ القِصَّةُ أُعِيدَ مَعَها لَفْظُ اسْمِ الزَّمانِ فَقِيلَ ﴿وإذْ قالَتْ أُمَّةٌ﴾ ولَمْ يُقَلْ: وقالَتْ أُمَّةٌ. والأُمَّةُ الجَماعَةُ مِنَ النّاسِ المُشْتَرِكَةُ في هَذا القَوْلِ، قالَ المُفَسِّرُونَ: أنَّ أُمَّةً مِن بَنِي إسْرائِيلَ كانَتْ دائِبَةً عَلى القِيامِ بِالمَوْعِظَةِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، وأمَةً كانَتْ قامَتْ بِذَلِكَ ثُمَّ أيِسَتْ مِنَ اتِّعاظِ المَوْعُوظِينَ وأيْقَنَتْ أنْ قَدْ حَقَّتْ عَلى المَوْعُوظِينَ المُصِمِّينَ آذانَهم كَلِمَةُ العَذابِ، وأُمَّةً كانَتْ سادِرَةً في غُلَوائِها، لا تَرْعَوِي عَنْ ضَلالَتِها، ولا تَرْقُبُ اللَّهَ في أعْمالِها. وقَدْ أجْمَلَتِ الآيَةُ ما كانَ مِنَ الأُمَّةِ القائِلَةِ إيجازًا في الكَلامِ، اعْتِمادًا عَلى القَرِينَةِ لِأنَّ قَوْلَهُمُ (﴿اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ﴾) يَدُلُّ عَلى أنَّهم كانُوا مُنْكِرِينَ عَلى المَوْعُوظِينَ. وأنَّهم ما عَلِمُوا أنَّ اللَّهَ مُهْلِكُهم إلّا بَعْدَ أنْ مارَسُوا أمْرَهم، وسَبَرُوا غَوْرَهم، ورَأوْا أنَّهم لا تُغْنِي مَعَهُمُ العِظاتُ، ولا يَكُونُ ذَلِكَ إلّا بَعْدَ التَّقَدُّمِ لَهم بِالمَوْعِظَةِ. وبِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ”﴿أنْجَيْنا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وأخَذْنا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَيِسٍ﴾“ إذْ جَعَلَ النّاسَ فَرِيقَيْنِ، فَعَلِمْنا أنَّ القائِلِينَ مِنَ الفَرِيقِ النّاجِي، لِأنَّهم لَيْسُوا بِظالِمِينَ. وعَلِمْنا أنَّهم يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ. وقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الوَعْظِ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى - ﴿فَأعْرِضْ عَنْهم وعِظْهُمْ﴾ [النساء: ٦٣] في سُورَةِ النِّساءِ وعِنْدَ قَوْلِهِ آنِفًا ﴿مَوْعِظَةً وتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: ١٤٥] في هَذِهِ السُّورَةِ. واللّامُ في (﴿لِمَ تَعِظُونَ﴾) لِلتَّعْلِيلِ، فالمُسْتَفْهَمُ عَنْهُ مِن نَوْعِ العِلَلِ، والِاسْتِفْهامُ إنْكارِيٌّ في مَعْنى النَّفْيِ، فَيَدُلُّ عَلى انْتِفاءِ جَمِيعِ العِلَلِ الَّتِي مِن شَأْنِها أنْ يُوعَظَ لِتَحْصِيلِها. وذَلِكَ يُفْضِي إلى اليَأْسِ مِن حُصُولِ اتِّعاظِهِمْ، والمُخاطَبُ بِـ تَعِظُونَ أُمَّةً أُخْرى. ووَصْفُ القَوْمِ بِأنَّ اللَّهَ مُهْلِكُهم: مَبْنِيٌّ عَلى أنَّهم تَحَقَّقَتْ فِيهِمُ الحالُ الَّتِي أخْبَرَ اللَّهُ بِأنَّهُ يُهْلِكُ أوْ يُعَذِّبُ مَن تَحَقَّقَتْ فِيهِ، وقَدْ أيْقَنَ القائِلُونَ بِأنَّها قَدْ تَحَقَّقَتْ فِيهِمْ وأيْقَنَّ المَقُولُ لَهم بِذَلِكَ حَتّى جازَ أنْ يَصِفَهُمُ القائِلُونَ لِلْمُخاطَبِينَ بِهَذا الوَصْفِ الكاشِفِ لَهم بِأنَّهم مَوْصُوفُونَ بِالمَصِيرِ إلى أحَدِ الوَعِيدَيْنِ. واسْما الفاعِلِ في قَوْلِهِ مُهْلِكُهم أوْ مُعَذِّبُهم مُسْتَعْمَلانِ في مَعْنى الِاسْتِقْبالِ بِقَرِينَةِ المَقامِ، وبِقَرِينَةِ التَّرَدُّدِ بَيْنَ الإهْلاكِ والعَذابِ، فَإنَّها تُؤْذِنُ بِأنَّ أحَدَ الأمْرَيْنِ غَيْرُ مُعَيَّنِ (p-١٥٢)الحُصُولِ؛ لِأنَّهُ مُسْتَقْبَلٌ ولَكِنْ لا يَخْلُو حالُهم عَنْ أحَدِهِما. وفُصِلَتْ جُمْلَةُ قالُوا لِوُقُوعِها في سِياقِ المُحاوَرَةِ، كَما تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ أيْ قالَ المُخاطَبُونَ بِـ (﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا﴾) إلَخْ. والمَعْذِرَةُ - بِفَتْحِ المِيمِ وكَسْرِ الذّالِ - مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ لِفِعْلِ (اعْتَذَرَ) عَلى غَيْرِ قِياسٍ، ومَعْنى اعْتَذَرَ أظْهَرَ العُذْرَ - بِضَمِّ العَيْنِ وسُكُونِ الذّالِ - والعُذْرُ السَّبَبُ الَّذِي تَبْطُلُ بِهِ المُؤاخَذَةُ بِذَنْبٍ أوْ تَقْصِيرٍ، فَهو بِمَنزِلَةِ الحُجَّةِ الَّتِي يُبْدِيها المُؤاخَذُ بِذَنْبٍ لِيُظْهِرَ أنَّهُ بَرِيءٌ مِمّا نُسِبَ إلَيْهِ، أوْ مُتَأوِّلٌ فِيهِ، ويُقالُ: عَذَرَهُ إذا قَبِلَ عُذْرَهُ وتَحَقَّقَ بَراءَتَهُ، ويُعَدّى فِعْلُ الِاعْتِذارِ بِإلى لِما فِيهِ مِن مَعْنى الإنْهاءِ والإبْلاغِ. وارْتَفَعَ ”مَعْذِرَةٌ“ عَلى أنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ السّائِلَيْنِ لِمَ تَعِظُونَ والتَّقْدِيرُ مَوْعِظَتُنا مَعْذِرَةٌ مِنّا إلى اللَّهِ. وبِالرَّفْعِ قَرَأ الجُمْهُورُ، وقَرَأهُ حَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ بِالنَّصْبِ عَلى المَفْعُولِ لِأجْلِهِ أيْ وعَظْناهم لِأجْلِ المَعْذِرَةِ. وقَوْلُهُ ولَعَلَّهم يَتَّقُونَ عِلَّةٌ ثانِيَةٌ لِلِاسْتِمْرارِ عَلى المَوْعِظَةِ أيْ لِتَأْثِيرِ المَوْعِظَةِ فِيهِمْ بِتَكْرارِها. فالمَعْنى: أنَّ صُلَحاءَ القَوْمِ كانُوا فَرِيقَيْنِ، فَرِيقٌ مِنهم أيِسَ مِن نَجاحِ المَوْعِظَةِ وتَحَقَّقَ حُلُولَ الوَعِيدِ بِالقَوْمِ، لِتَوَغُّلِهِمْ في المَعاصِي، وفَرِيقٌ لَمْ يَنْقَطِعْ رَجاؤُهم مِن حُصُولِ أثَرِ المَوْعِظَةِ بِزِيادَةِ التَّكْرارِ، فَأنْكَرَ الفَرِيقُ الأوَّلُ عَلى الفَرِيقِ الثّانِي اسْتِمْرارَهم عَلى كُلْفَةِ المَوْعِظَةِ، واعْتَذَرَ الفَرِيقُ الثّانِي بِقَوْلِهِمْ ﴿مَعْذِرَةٌ إلى رَبِّكم ولَعَلَّهم يَتَّقُونَ﴾ فالفَرِيقُ الأوَّلُ أخَذُوا بِالطَّرَفِ الرّاجِحِ المُوجِبِ لِلظَّنِّ، والفَرِيقُ الثّانِي أخَذُوا بِالطَّرَفِ المَرْجُوحِ جَمْعًا بَيْنَهُ وبَيْنَ الرّاجِحِ لِقَصْدِ الِاحْتِياطِ، لِيَكُونَ لَهم عُذْرًا عِنْدَ اللَّهِ إنْ سَألَهم ”لِماذا أقْلَعْتُمْ عَنِ المَوْعِظَةِ ؟“ ولِما عَسى أنْ يَحْصُلَ مِن تَقْوى المَوْعُوظِينَ بِزِيادَةِ المَوْعِظَةِ. فاسْتِعْمالُ حَرْفِ الرَّجاءِ في مَوْقِعِهِ؛ لِأنَّ الرَّجاءَ يُقالُ عَلى جِنْسِهِ بِالتَّشْكِيكِ فَمِنهُ قَوِيٌّ ومِنهُ ضَعِيفٌ. وضَمِيرُ نَسُوا عائِدٌ إلى (قَوْمًا) والنِّسْيانُ مُسْتَعْمَلٌ في الإعْراضِ المُفْضِي إلى النِّسْيانِ كَما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى - ﴿فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ﴾ [الأنعام: ٤٤] في سُورَةِ الأنْعامِ. (p-١٥٣)و(الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ) هُمُ الفَرِيقانِ المَذْكُورانِ في قَوْلِهِ آنِفًا ﴿وإذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنهم لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا﴾ إلى قَوْلِهِ ولَعَلَّهم يَتَّقُونَ، و(﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾) هُمُ القَوْمُ المَذْكُورُونَ في قَوْلِهِ (﴿قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ﴾) إلَخْ. والظُّلْمُ هُنا بِمَعْنى العِصْيانِ، وهو ظُلْمُ النَّفْسِ وظُلْمُ حَقِّ اللَّهِ - تَعالى - في عَدَمِ الِامْتِثالِ لِأمْرِهِ. و”بِيسٍ“ قَرَأهُ نافِعٌ وأبُو جَعْفَرٍ بِكَسْرِ الباءِ المُوَحَّدَةِ مُشْبَعَةً بِياءٍ تَحْتِيَّةٍ ساكِنَةٍ وبِتَنْوِينِ السِّينِ عَلى أنَّ أصْلَهُ (بِئْسَ) بِسُكُونِ الهَمْزَةِ فَخُفِّفَتِ الهَمْزَةُ ياءً مِثْلَ قَوْلِهِمْ ذِيبٌ في ذِئْبٍ. وقَرَأهُ ابْنُ عامِرٍ ”بِئْسٍ“ بِالهَمْزَةِ السّاكِنَةِ وإبْقاءِ التَّنْوِينِ عَلى أنَّ أصْلَهُ (بَئِيسٍ) . وقَرَأهُ الجُمْهُورُ (بَئِيسٍ) بِفَتْحِ المُوَحَّدَةِ وهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَها تَحْتِيَّةٌ ساكِنَةٌ وتَنْوِينِ السِّينِ عَلى أنَّهُ مِثالُ مُبالَغَةٍ مِن فِعْلِ (بَؤُسَ) بِفَتْحِ المُوَحَّدَةِ وضَمِّ الهَمْزَةِ إذا أصابَهُ البُؤْسُ، وهو الشِّدَّةُ مِنَ الضُّرِّ. أوْ عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ مِثْلُ عَذِيرٍ ونَكِيرٍ. وقَرَأهُ أبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ ”بَيْئَسٍ“ بِوَزْنِ صَيْقَلٍ، عَلى أنَّهُ اسْمٌ لِلْمَوْصُوفِ بِفِعْلِ البُؤْسِ، والمَعْنى، عَلى جَمِيعِ القِراءاتِ: أنَّهُ عَذابٌ شَدِيدُ الضُّرِّ. وقَوْلُهُ ﴿بِما كانُوا يَفْسُقُونَ﴾ تَقَدَّمَ القَوْلُ في نَظِيرِهِ قَرِيبًا. وقَدْ أُجْمِلَ هَذا العَذابُ هُنا، فَقِيلَ هو عَذابٌ غَيْرُ المَسْخِ المَذْكُورِ بَعْدَهُ وهو عَذابٌ أُصِيبَ بِهِ الَّذِينَ نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ، فَيَكُونُ المَسْخُ عَذابًا ثانِيًا أُصِيبَ بِهِ فَرِيقٌ شاهَدُوا العَذابَ الَّذِي حَلَّ بِإخْوانِهِمْ، وهو عَذابٌ أشَدُّ، وقَعَ بَعْدَ العَذابِ البِيسِ، أيْ أنَّ اللَّهَ أعْذَرَ إلَيْهِمْ فابْتَدَأهم بِعَذابِ الشِّدَّةِ فَلَمّا لَمْ يَنْتَهُوا وعَتَوْا سَلَّطَ عَلَيْهِمْ عَذابَ المَسْخِ. وقِيلَ العَذابُ البِئْسُ هو المَسْخُ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ ﴿فَلَمّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ﴾ بَيانًا لِإجْمالِ العَذابِ البِئْسِ، ويَكُونُ قَوْلُهُ ﴿فَلَمّا عَتَوْا﴾ بِمَنزِلَةِ التَّأْكِيدِ لِقَوْلِهِ فَلَمّا نَسُوا صِيغَ بِهَذا الأُسْلُوبِ لِتَهْوِيلِ النِّسْيانِ والعُتُوِّ، ويَكُونُ المَعْنى: أنَّ النِّسْيانَ، وهو الإعْراضُ، وقَعَ مُقارِنًا لِلْعُتُوِّ. وما ذُكِّرُوا بِهِ وما نُهُوا عَنْهُ ماصَدَقَهُما شَيْءٌ واحِدٌ، فَكانَ مُقْتَضى الظّاهِرِ (p-١٥٤)أنْ يُقالَ: فَلَمّا نَسُوا وعَتَوا عَمّا نُهُوا عَنْهُ وذُكِّرُوا بِهِ قُلْنا لَهم إلَخْ فَعُدِلَ عَنْ مُقْتَضى الظّاهِرِ إلى هَذا الأُسْلُوبِ مِنَ الإطْنابِ لِتَهْوِيلِ أمْرِ العَذابِ، وتَكْثِيرِ أشْكالِهِ، ومَقامُ التَّهْوِيلِ مِن مُقْتَضَياتِ الإطْنابِ وهَذا كَإعادَةِ التَّشْبِيهِ في قَوْلِ لَبِيدٍ: ؎فَتَنازَعا سَبِطًا يَطِيرُ ظِلالُـهُ كَدُخانِ مُشْعَلَةٍ يُشَبُّ ضِرامُها ؎مَشْمُولَةٍ غُلِثَتْ بِنابِتٍ عَرْفَـجِ ∗∗∗ كَدُخانِ نارٍ ساطِعٍ أسْنامُهَـا ولَكِنَّ أُسْلُوبَ الآيَةِ أبْلَغُ وأوْفَرُ فائِدَةً، وأبْعَدُ عَنِ التَّكْرِيرِ اللَّفْظِيِّ، فَما في بَيْتِ لَبِيدٍ كَلامٌ بَلِيغٌ، وما في الآيَةِ كَلامٌ مُعْجِزٌ. والعُتُوُّ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى - ﴿فَعَقَرُوا النّاقَةَ وعَتَوْا عَنْ أمْرِ رَبِّهِمْ﴾ [الأعراف: ٧٧] في هَذِهِ السُّورَةِ. وقَوْلُهُ ﴿قُلْنا لَهم كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ﴾ تَقَدَّمَ القَوْلُ في نَظِيرِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى - ﴿ولَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكم في السَّبْتِ فَقُلْنا لَهم كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ﴾ [البقرة: ٦٥] في سُورَةِ البَقَرَةِ، ولِأجْلِ التَّشابُهِ بَيْنَ الآيَتَيْنِ، وذِكْرِ العَدْوِ في السَّبْتِ فِيهِما، وذِكْرِهِ هُنا في الإخْبارِ عَنِ القَرْيَةِ، جَزَمَ المُفَسِّرُونَ بِأنَّ الَّذِينَ نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ وعَتَوْا عَمّا نُهُوا عَنْهُ هم أهْلُ هَذِهِ القَرْيَةِ، وبِأنَّ الأُمَّةَ القائِلَةَ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا هي أُمَّةٌ مِن هَذِهِ القَرْيَةِ فَجَزَمُوا بِأنَّ القِصَّةَ واحِدَةٌ، وهَذا وإنْ كانَ لا يَنْبُو عَنْهُ المَقامُ كَما أنَّهُ لا يَمْنَعُ تَشابُهَ فَرِيقَيْنِ في العَذابِ، فَقَدْ بَيَّنْتُ أنَّ ذَلِكَ لا يُنافِي جَعْلَ القِصَّةِ في مَعْنى قِصَّتَيْنِ مِن جِهَةِ الِاعْتِبارِ.


ركن الترجمة

When a Section of them said: "Why do you admonish a people whom God is about to destroy or to punish severely?" They replied: "To clear ourselves of blame before your Lord, and that they may fear God.

Et quand parmi eux une communauté dit: «Pourquoi exhortez-vous un peuple qu'Allah va anéantir ou châtier d'un châtiment sévère?» Ils répondirent: «Pour dégager notre responsabilité vis-à-vis de votre Seigneur; et que peut-être ils deviendront pieux!»

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :