ركن التفسير
177 - (ساء) بئس (مثلاً القوم) أي مثل القوم (الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون) بالتكذيب
قوله "ساء مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا" يقول تعالى ساء مثلا مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا أي ساء مثلهم أن شبهوا بالكلاب التي لا همة لها إلا في تحصيل أكلة أو شهوة فمن خرج عن حيز العلم والهدى وأقبل على شهوة نفسه واتبع هواه صار شبيها بالكلب وبئس المثل مثله وهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ليس لنا مثل السوء العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه" وقوله "وأنفسهم كانوا يظلمون" أي ما ظلمهم الله ولكن هم ظلموا أنفسهم بإعراضهم عن اتباع الهدى وطاعة المولى إلى الركون إلى دار البلى والإقبال على تحصيل اللذات وموافقة الهوى.
﴿ساءَ مَثَلًا القَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وأنْفُسَهم كانُوا يَظْلِمُونَ﴾ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لِأنَّها جُعِلَتْ إنْشاءَ ذَمٍّ لَهم. بِأنْ كانُوا في حالَةٍ شَنِيعَةٍ (p-١٨٠)وظَلَمُوا أنْفُسَهم. والظُّلْمُ هُنا عَلى حَقِيقَتِهِ، فَإنَّهم ظَلَمُوا أنْفُسَهم بِما أحَلُّوهُ بِها مِنَ الكُفْرِ الَّذِي جَعَلَهم مَذْمُومِينَ في الدُّنْيا ومُعَذَّبِينَ في الآخِرَةِ. وتَقْدِيمُ المَفْعُولِ لِلِاخْتِصاصِ، أيْ ما ظَلَمُوا إلّا أنْفُسَهم، وشَأْنُ العاقِلِ أنْ لا يُؤْذِيَ نَفْسَهُ وفِيهِ إزالَةُ تَبَجُّحِهِمْ بِأنَّهم لَمْ يَتْبَعُوا مُحَمَّدًا ﷺ ظَنًّا مِنهم أنَّ ذَلِكَ يَغِيظُهُ ويَغِيظُ المُسْلِمِينَ، وإنَّما يَضُرُّونَ أنْفُسَهم. وجُمْلَةُ ﴿وأنْفُسَهم كانُوا يَظْلِمُونَ﴾ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلى الصِّلَةِ بِاعْتِبارِ أنَّهم مَعْرُوفُونَ بِمَضْمُونِ هَذِهِ الجُمْلَةِ عِنْدَ النَّبِيءِ والمُسْلِمِينَ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلى جُمْلَةِ ﴿ساءَ مَثَلًا القَوْمُ﴾ فَتَكُونَ تَذْيِيلًا لِلْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَها إخْبارًا عَنْهم بِأنَّهم في تَكْذِيبِهِمْ، وانْتِفاءِ تُفَكُّرِهِمْ مِنَ القَصَصِ ما ظَلَمُوا إلّا أنْفُسَهم. وقَوْلُهُ ﴿كانُوا يَظْلِمُونَ﴾ [الأعراف: ١٦٢] أقْوى في إفادَةِ وصْفِهِمْ بِالظُّلْمِ مِن أنْ يُقالَ: وظَلَمُوا أنْفُسَهم، كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ - تَعالى - ﴿ولِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ﴾ [الأنعام: ٧٥] في سُورَةِ الأنْعامِ.