موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
السبت 9 ذو القعدة 1445 هجرية الموافق ل18 ماي 2024


الآية [43] من سورة  

وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلْأَنْهَٰرُ وَقَالُوا۟ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى هَدَىٰنَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلَآ أَنْ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ وَنُودُوٓا۟ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ


ركن التفسير

43 - (ونزعنا ما في صدورهم من غل) حقد كان بينهم في الدنيا (تجري من تحتهم) تحت قصورهم (الأنهار وقالوا) عند الاستقرار في منازلهم (الحمد لله الذي هدانا لهذا) العمل الذي هذا جزاؤه (وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) حذف جواب لولا لدلالة ما قبله عليه (لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن) مخففة أي أنه أو مفسرة في المواضع الخمسة (تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون)

قال السدي في قوله "ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار" الآية إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان فشربوا من إحداهما فينزع ما في صدورهم من غل فهو الشراب الطهور واغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النعيم فلم يشعثوا ولم يشحبوا بعدها أبدا وقد روى أبو إسحاق عن عاصم عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب نحوا من هذا كما سيأتي في قوله تعالى "وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا" إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان وقال قتادة قال علي رضي الله عنه إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله تعالى فيهم "ونزعنا ما في صدورهم من غل" رواه ابن جرير وقال عبد الرزاق أخبرنا ابن عيينة عن إسرائيل قال سمعت الحسن يقول قال علي: فينا والله أهل بدر نزلت "ونزعنا ما في صدورهم من غل". وروى النسائي وابن مردويه واللفظ له من حديث أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل أهل الجنة يرى مقعده من النار فيقول لولا أن الله هداني فيكون له شكرا وكل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول لو أن الله هداني فيكون له حسرة". ولهذا لما أورثوا مقاعد أهل النار من الجنة نودوا "أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون" أي بسبب أعمالكم نالتكم الرحمة فدخلتم الجنة وتبوأتم منازلكم بحسب أعمالكم. وإنما وجب الحمل على هذا لما ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "واعلموا أن أحدكم لن يدخله عمله الجنة "قالوا ولا أنت يا رسول الله قال "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ".

﴿ونَزَعْنا ما في صُدُورِهِمْ مِن غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنْهارُ وقالُوا الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهَذا وما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أنْ هَدانا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالحَقِّ ونُودُوا أنْ تِلْكُمُ الجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (p-١٣١)اتِساقُ النَّظْمِ يَقْتَضِي أنْ تَكُونَ جُمْلَةُ: ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنْهارُ﴾ حالًا مِنَ الضَّمِيرِ في قَوْلِهِ: ﴿هم فِيها خالِدُونَ﴾ [الأعراف: ٣٦] . وتَكُونُ جُمْلَةُ: ونَزَعْنا مُعْتَرِضَةً بَيْنَ جُمْلَةِ: ﴿أُولَئِكَ أصْحابُ الجَنَّةِ هم فِيها خالِدُونَ﴾ [الأعراف: ٤٢]، وجُمْلَةُ: ﴿وقالُوا الحَمْدُ لِلَّهِ﴾ إلَخْ، اعْتِراضًا بُيِّنَ بِهِ حالُ نُفُوسِهِمْ في المُعامَلَةِ في الجَنَّةِ، لِيُقابِلَ الِاعْتِراضَ الَّذِي أُدْمِجَ في أثْناءِ وصْفِ عَذابِ أهْلِ النّارِ، والمُبِيَّنُ بِهِ حالُ نُفُوسِهِمْ في المُعامَلَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها﴾ [الأعراف: ٣٨] . والتَّعْبِيرُ عَنِ المُسْتَقْبَلِ بِلَفْظِ الماضِي لِلتَّنْبِيهِ عَلى تَحَقُّقِ وُقُوعِهِ، أيْ: ونَنْزِعُ ما في صُدُورِهِمْ مِن غِلٍّ، وهو تَعْبِيرٌ مَعْرُوفٌ في القُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أتى أمْرُ اللَّهِ﴾ [النحل: ١] . والنَّزْعُ حَقِيقَتُهُ قَلْعُ الشَّيْءِ مِن مَوْضِعِهِ وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ﴾ [آل عمران: ٢٦] في آلِ عِمْرانَ، ونَزْعُ الغِلِّ مِن قُلُوبِ أهْلِ الجَنَّةِ: هو إزالَةُ ما كانَ في قُلُوبِهِمْ في الدُّنْيا مِنَ الغِلِّ عِنْدَ تَلَقِّي ما يَسُوءُ مِنَ الغَيْرِ، بِحَيْثُ طَهَّرَ اللَّهُ نُفُوسَهم في حَياتِها الثّانِيَةِ عَنِ الِانْفِعالِ بِالخَواطِرِ الشَّرِّيَّةِ الَّتِي مِنها الغِلُّ، فَزالَ ما كانَ في قُلُوبِهِمْ مِن غِلِّ بَعْضِهِمْ مِن بَعْضٍ في الدُّنْيا، أيْ أزالَ ما كانَ حاصِلًا مِن غِلٍّ وأزالَ طِباعَ الغِلِّ الَّتِي في النُّفُوسِ البَشَرِيَّةِ بِحَيْثُ لا يَخْطُرُ في نُفُوسِهِمْ. والغِلُّ: الحِقْدُ والإحْنَةُ والضِّغْنُ، الَّتِي تَحْصُلُ في النَّفْسِ عِنْدَ إدْراكِ ما يَسُئُوها مِن عَمَلِ غَيْرِها، ولَيْسَ الحَسَدُ مِنَ الغِلِّ بَلْ هو إحْساسٌ باطِنِيٌّ آخَرُ. (p-١٣٢)وجُمْلَةُ ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنْهارُ﴾ في مَوْضِعِ الحالِ، أيْ هم في أمْكِنَةٍ عالِيَةٍ تُشْرِفُ عَلى أنْهارِ الجَنَّةِ. وجُمْلَةُ: ﴿وقالُوا الحَمْدُ لِلَّهِ﴾ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ: ﴿أُولَئِكَ أصْحابُ الجَنَّةِ هم فِيها خالِدُونَ﴾ [الأعراف: ٤٢] . والتَّعْبِيرُ بِالماضِي مُرادٌ بِهِ المُسْتَقْبَلُ أيْضًا كَما في قَوْلِهِ: ونَزَعْنا. وهَذا القَوْلُ يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونُوا يَقُولُونَهُ في خاصَّتِهِمْ ونُفُوسِهِمْ، عَلى مَعْنى التَّقَرُّبِ إلى اللَّهِ بِحَمْدِهِ، ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونُوا يَقُولُونَهُ بَيْنَهم في مَجامِعِهِمْ. والإشارَةُ في قَوْلِهِمْ لِهَذا إلى جَمِيعِ ما هو حاضِرٌ مِنَ النَّعِيمِ في وقْتِ ذَلِكَ الحَمْدِ، والهِدايَةُ لَهُ هي الإرْشادُ إلى أسْبابِهِ، وهي الإيمانُ والعَمَلُ الصّالِحُ، كَما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ [الأعراف: ٤٢]، وقالَ تَعالى: ﴿يَهْدِيهِمْ رَبُّهم بِإيمانِهِمْ﴾ [يونس: ٩] الآيَةَ، وجَعَلَ الهِدايَةَ لِنَفْسِ النَّعِيمِ لِأنَّ الدَّلالَةَ عَلى ما يُوَصِّلُ إلى الشَّيْءِ إنَّما هي هِدايَةٌ لِأجْلِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى فِعْلِ الهِدايَةِ وتَعْدِيَتِهِ في سُورَةِ الفاتِحَةِ. والمُرادُ بِهَدْيِ اللَّهِ تَعالى إيّاهم إرْسالُهُ مُحَمَّدًا ﷺ إلَيْهِمْ فَأيْقَظَهم مِن غَفْلَتِهِمْ فاتَّبَعُوهُ، ولَمْ يُعانِدُوا، ولَمْ يَسْتَكْبِرُوا، ودَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهم ﴿لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالحَقِّ﴾ مَعَ ما يَسَّرَ اللَّهُ لَهم مِن قَبُولِهِمُ الدَّعْوَةَ وامْتِثالِهِمُ الأمْرَ، فَإنَّهُ مِن تَمامِ المِنَّةِ المَحْمُودِ عَلَيْها، وهَذا التَّيْسِيرُ هو الَّذِي حُرِمَهُ المُكَذِّبُونَ المُسْتَكْبِرُونَ لِأجْلِ ابْتِدائِهِمْ بِالتَّكْذِيبِ والِاسْتِكْبارِ، دُونَ الفِكْرِ والِاعْتِبارِ. وجُمْلَةُ ﴿وما كُنّا لِنَهْتَدِيَ﴾ في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ الضَّمِيرِ المَنصُوبِ، أيْ هَدانا في هَذا الحالِ حالِ بُعْدِنا عَنِ الِاهْتِداءِ، وذَلِكَ مِمّا يُؤْذِنُ بِكِبَرِ مِنَّةِ اللَّهِ تَعالى عَلَيْهِمْ، وبِتَعْظِيمِ حَمْدِهِمْ وتَجْزِيلِهِ، ولِذَلِكَ جاءُوا بِجُمْلَةِ الحَمْدِ مُشْتَمِلَةً عَلى أقْصى ما تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنَ الخَصائِصِ الَّتِي تَقَدَّمَ بَيانُها في سُورَةِ الفاتِحَةِ. (p-١٣٣)ودَلَّ قَوْلُهُ: ﴿وما كُنّا لِنَهْتَدِيَ﴾ عَلى بُعْدِ حالِهِمُ السّالِفَةِ عَنِ الِاهْتِداءِ، كَما أفادَهُ نَفْيُ الكَوْنِ مَعَ لامِ الجُحُودِ، حَسَبَما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما كانَ لِبَشَرٍ أنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الكِتابَ والحُكْمَ والنُّبُوَّةَ﴾ [آل عمران: ٧٩] الآيَةَ في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ، فَإنَّهم كانُوا مُنْغَمِسِينَ في ضَلالاتٍ قَدِيمَةٍ قَدْ رَسَخَتْ في أنْفُسِهِمْ، فَأمّا قادَتُهم فَقَدْ زَيَّنَها الشَّيْطانُ لَهم حَتّى اعْتَقَدُوها وسَنُّوها لِمَن بَعْدَهم، وأمّا دَهْماؤُهم وأخْلافُهم فَقَدْ رَأوْا قُدْوَتَهم عَلى تِلْكَ الضَّلالاتِ، وتَأصَّلَتْ فِيهِمْ، فَما كانَ مِنَ السَّهْلِ اهْتِداؤُهم، لَوْلا أنْ هَداهُمُ اللَّهُ بِبِعْثَةِ الرُّسُلِ وسِياسَتِهِمْ في دَعْوَتِهِمْ وأنْ قَذَفَ في قُلُوبِهِمْ قَبُولَ الدَّعْوَةِ. ولِذَلِكَ عَقَّبُوا تَحْمِيدَهم وثَناءَهم عَلى اللَّهِ بِقَوْلِهِمْ: ﴿لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالحَقِّ﴾ فَتِلْكَ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنِفَةٌ، اسْتِئْنافًا ابْتِدائِيًّا، لِصُدُورِها عَنِ ابْتِهاجِ نُفُوسِهِمْ واغْتِباطِهِمْ بِما جاءَتْهم بِهِ الرُّسُلُ، فَجَعَلُوا يَتَذَكَّرُونَ أسْبابَ هِدايَتِهِمْ ويَعْتَبِرُونَ بِذَلِكَ ويَغْتَبِطُونَ، تَلَذُّذًا بِالتَّكَلُّمِ بِهِ، لِأنَّ تَذَكُّرَ الأمْرِ المَحْبُوبِ والحَدِيثَ عَنْهُ مِمّا تَلَذُّ بِهِ النُّفُوسُ، مَعَ قَصْدِ الثَّناءِ عَلى الرُّسُلِ. وتَأْكِيدُ الفِعْلِ بِلامِ القَسَمِ وبِقَدْ، مَعَ أنَّهم غَيْرُ مُنْكِرِينَ لِمَجِيءِ الرُّسُلِ: إمّا لِأنَّهُ كِنايَةٌ عَنِ الإعْجابِ بِمُطابَقَةِ ما وعَدَهم بِهِ الرُّسُلُ مِنَ النَّعِيمِ لِما وجَدُوهُ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وفِيها ما تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وتَلَذُّ الأعْيُنُ﴾ [الزخرف: ٧١] وقَوْلُ النَّبِيءِ ﷺ قالَ اللَّهُ تَعالى: «أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رَأتْ ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ولا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بِشْرٍ»، وإمّا لِأنَّهم أرادُوا بِقَوْلِهِمْ هَذا الثَّناءَ عَلى الرُّسُلِ والشَّهادَةِ بِصِدْقِهِمْ جَمِيعًا مَعَ الثَّناءِ عَلى اللَّهِ، فَأتَوْا بِالخَبَرِ في صُورَةِ الشَّهادَةِ المُؤَكَّدَةِ الَّتِي لا تَرَدُّدَ فِيها. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ: (ما كُنّا لِنَهْتَدِيَ) بِدُونِ واوٍ قَبْلَ ما - وكَذَلِكَ كُتِبَتْ في المُصْحَفِ الإمامِ المُوَجَّهِ إلى الشّامِ، وعَلى هَذِهِ القِراءَةِ تَكُونُ هَذِهِ الجُمْلَةُ مَفْصُولَةً عَنِ الَّتِي قَبْلَها، عَلى اعْتِبارِ كَوْنِها كالتَّعْلِيلِ لِلْحَمْدِ، والتَّنْوِيهِ بِأنَّهُ حَمْدٌ عَظِيمٌ عَلى نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ، كَما تَقَدَّمَ بَيانُهُ. (p-١٣٤)وجُمْلَةُ: ونُودُوا مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ: وقالُوا فَتَكُونُ حالًا أيْضًا، لِأنَّ هَذا النِّداءَ جَوابٌ لِثَنائِهِمْ، يَدُلُّ عَلى قَبُولِ ما أثْنَوْا بِهِ، وعَلى رِضا اللَّهِ عَنْهم، والنِّداءُ مِن قِبَلِ اللَّهِ، ولِذَلِكَ بُنِيَ فِعْلُهُ إلى المَجْهُولِ لِظُهُورِ المَقْصُودِ، والنِّداءُ إعْلانُ الخِطابِ، وهو أصْلُ حَقِيقَتِهِ في اللُّغَةِ، ويُطْلَقُ النِّداءُ غالِبًا عَلى دُعاءِ أحَدٍ لِيُقْبِلَ بِذاتِهِ أوْ بِفَهْمِهِ لِسَماعِ كَلامٍ، ولَوْ لَمْ يَكُنْ بِرَفْعِ صَوْتٍ: ﴿إذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا﴾ [مريم: ٣] ولِهَذا المَعْنى حُرُوفٌ خاصَّةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ في العَرَبِيَّةِ. وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وناداهُما رَبُّهُما﴾ [الأعراف: ٢٢] في هَذِهِ السُّورَةِ. و(أنْ) تَفْسِيرٌ لِـ (نُودُوا) لِأنَّ النِّداءَ فِيهِ مَعْنى القَوْلِ. والإشارَةُ إلى الجَنَّةِ بِـ (تِلْكُمُ)، الَّذِي حَقُّهُ أنْ يُسْتَعْمَلَ في المُشارِ إلَيْهِ البَعِيدِ، مَعَ أنَّ الجَنَّةَ حاضِرَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِمْ، لِقَصْدِ رِفْعَةِ شَأْنِها وتَعْظِيمِ المِنَّةِ بِها. والإرْثُ حَقِيقَتُهُ مَصِيرُ مالِ المَيِّتِ إلى أقْرَبِ النّاسِ إلَيْهِ، ويُقالُ: أوْرَثَ المَيِّتُ أقْرِباءَهُ مالَهُ، بِمَعْنى جَعَلَهم يَرِثُونَهُ عَنْهُ، لِأنَّهُ لَمّا لَمْ يَصْرِفْهُ عَنْهم بِالوَصِيَّةِ لِغَيْرِهِ فَقَدْ تَرَكَهُ لَهم، ويُطْلَقُ مَجازًا عَلى مَصِيرِ شَيْءٍ إلى أحَدٍ بِدُونِ عِوَضٍ ولا غَصْبٍ تَشْبِيهًا بِإرْثِ المَيِّتِ، فَمَعْنى قَوْلِهِ: أُورِثْتُمُوها أُعْطِيتُمُوها عَطِيَّةً هَنِيئَةً لا تَعَبَ فِيها ولا مُنازَعَةَ. والباءُ في قَوْلِهِ: ﴿بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ سَبَبِيَّةٌ أيْ بِسَبَبِ أعْمالِكم، وهي الإيمانُ والعَمَلُ الصّالِحُ، وهَذا الكَلامُ ثَناءٌ عَلَيْهِمْ بِأنَّ اللَّهَ شَكَرَ لَهم أعْمالَهم، فَأعْطاهم هَذا النَّعِيمَ الخالِدَ لِأجْلِ أعْمالِهِمْ، وأنَّهم لَمّا عَمِلُوا ما عَمِلُوهُ مِنَ العَمَلِ ما كانُوا يَنْوُونَ بِعَمَلِهِمْ إلّا السَّلامَةَ مِن غَضَبِ رَبِّهِمْ وتَطَلُّبَ مَرْضاتِهِ شُكْرًا لَهُ عَلى نَعْمائِهِ، وما كانُوا يَمْتُونَ بِأنْ تُوَصِّلَهم أعْمالُهم إلى ما قالُوهُ، وذَلِكَ لا يُنافِي الطَّمَعَ في ثَوابِهِ والنَّجاةَ مِن عِقابِهِ، وقَدْ دَلَّ عَلى ذَلِكَ الجَمْعُ بَيْنَ أُورِثْتُمُوها وبَيْنَ باءِ السَّبَبِيَّةِ. فالإيراثُ دَلَّ عَلى أنَّها عَطِيَّةٌ بِدُونِ قَصْدِ تَعاوُضٍ ولا تَعاقُدٍ، وأنَّها فَضْلٌ مَحْضٌ مِنَ اللَّهِ - تَعالى -، لِأنَّ إيمانَ العَبْدِ بِرَبِّهِ وطاعَتَهُ إيّاهُ لا يُوجِبُ عَقْلًا ولا عَدْلًا (p-١٣٥)إلّا نَجاتَهُ مِنَ العِقابِ الَّذِي مِن شَأْنِهِ أنْ يَتَرَتَّبَ عَلى الكُفْرانِ والعِصْيانِ، وإلّا حُصُولَ رِضى رَبِّهِ عَنْهُ، ولا يُوجِبُ جَزاءً ولا عَطاءً، لِأنَّ شُكْرَ المُنْعِمِ واجِبٌ، فَهَذا الجَزاءُ وعَظَمَتُهُ مُجَرَّدُ فَضْلٍ مِنَ الرَّبِّ عَلى عَبْدِهِ شُكْرًا لِإيمانِهِ بِهِ وطاعَتِهِ، ولَكِنْ لَمّا كانَ سَبَبُ هَذا الشُّكْرِ عِنْدَ الرَّبِّ الشّاكِرِ هو عَمَلُ عَبْدِهِ بِما أمَرَهُ بِهِ، وقَدْ تَفَضَّلَ اللَّهُ بِهِ فَوَعَدَ بِهِ مِن قَبْلِ حُصُولِهِ، فَمِنَ العَجَبِ قَوْلُ المُعْتَزِلَةِ بِوُجُوبِ الثَّوابِ عَقْلًا، ولَعَلَّهم أوْقَعَهم فِيهِ اشْتِباهُ حُصُولِ الثَّوابِ بِالسَّلامَةِ مِنَ العِقابِ، مَعَ أنَّ الواسِطَةَ بَيْنَ الحالَيْنِ بَيِّنَةٌ لِأُولِي الألْبابِ، وهَذا أحْسَنُ مِمّا يُطِيلُ بِهِ أصْحابُنا مَعَهم في الجَوابِ. وباءُ السَّبَبِيَّةِ اقْتَضَتِ الَّذِي أعْطاهم مَنازِلَ الجَنَّةِ أرادَ بِهِ شُكْرَ أعْمالِهِمْ وثَوابِها مِن غَيْرِ قَصْدِ تَعاوُضٍ ولا تَقابُلٍ فَجَعَلَها كالشَّيْءِ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ العامِلُ عِوَضًا عَنْ عَمَلِهِ فاسْتَعارَ لَها باءَ السَّبَبِيَّةِ.


ركن الترجمة

Whatever the rancour they may have in their hearts We shall (cleanse and) remove. Streams of running water shall ripple at their feet, and they will say: "We are grateful to God for guiding us here. Never would we have been guided if God had not shown us the way. The apostles of our Lord had indeed brought the truth." And the cry shall resound: "This is Paradise you have inherited as meed for your deeds."

Et Nous enlèverons toute la rancune de leurs poitrines, sous eux couleront les ruisseaux, et ils diront: «Louange à Allah qui nous a guidés à ceci. Nous n'aurions pas été guidés, si Allah ne nous avait pas guidés. Les messagers de notre Seigneur sont venus avec la vérité.» Et on leur proclamera: «Voilà le Paradis qui vous a été donné en héritage pour ce que vous faisiez».

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :