موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الأحد 10 ذو القعدة 1445 هجرية الموافق ل19 ماي 2024


الآية [55] من سورة  

ٱدْعُوا۟ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ


ركن التفسير

55 - (ادعوا ربكم تضرعا) حال تذللا (وخفية) سرا (إنه لا يحب المعتدين) في الدعاء بالتشدق ورفع الصوت

رشد تبارك وتعالى عباده إلى دعائه الذي هو صلاحهم في دنياهم وأخراهم فقال "ادعوا ربكم تضرعا وخفية" قيل معناه تذللا واستكانة كقوله "واذكر ربك في نفسك" الآية. وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال: رفع الناس أصواتهم بالدعاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إن لذي تدعون سميع قريب "الحديث وقال ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله "تضرعا وخفية" قال السر وقال ابن جرير تضرعا تذللا واستكانة لطاعته وخفية يقول بخشوع قلوبكم وصحة اليقين وحدانيته وربوبيته فيما بينكم وبينه لا جهارا مراءاة وقال عبد الله بن المبارك عن مبارك بن فضالة عن الحسن قال إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به الناس وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزوار وما يشعرون به ولقد أدركنا أقواما ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملوه في السر فيكون علانية أبدا لقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم وذلك أن الله تعالى يقول "ادعوا ربكم تضرعا وخفية" وذلك أن الله ذكر عبدا صالحا رضي فعله فقال "إذ نادى ربه نداء خفيا" وقال ابن جريج يكره رفع الصوت والنداء والصياح في الدعاء ويؤمر بالتضرع والإستكانة ثم روي عن عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله "إنه لا يحب المعتدين" في الدعاء ولا في غيره وقال أبو مجلز "إنه لا يحب المعتدين" لا يسأل منازل الأنبياء وقال أحمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا شعبة عن زياد بن مخراق سمعت أبا نعامة عن مولى لسعد أن سعدا سمع ابنا له يدعو وهو يقول اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وإستبرقها ونحوا من هذا وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها فقال لقد سألت الله خيرا كثيرا وتعوذت به من شر كثير وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء" - وفي لفظ - "يعتدون في الطهور والدعاء "- وقرأ هذه الآية "ادعوا ربكم تضرعا" الآية - وإن بحسبك أن تقول اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل" ورواه أبو داود من حديث شعبة عن زياد بن مخراق عن أبي نعامة عن مولى لسعد عن سعد فذكره والله أعلم وقال الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا الحريري عن أبي نعامة أن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها فقال يا بني سل الله الجنة وعذبه من النار فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "يكون قوم يعتدون في الدعاء والطهور". وهكذا رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عفان به وأخرجه أبو داود عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن سعيد بن إياس الحريري عن أبي نعامة واسمه قيس بن عباية الحنفي البصري وهو إسناد حسن لا بأس به والله أعلم.

﴿ادْعُوا رَبَّكم تَضَرُّعًا وخُفْيَةً إنَّهُ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ﴾ اسْتِئْنافٌ جاءَ مُعْتَرِضًا بَيْنَ ذِكْرِ دَلائِلِ وحْدانِيَّةِ اللَّهِ تَعالى بِذِكْرِ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ عَلى تَكْوِينِ أشْياءَ لا يُشارِكُهُ غَيْرُهُ في تَكْوِينِها، فالجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ (p-١٧١)جُمْلَةِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ وجُمْلَةِ وهو الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ جَرى هَذا الِاعْتِراضُ عَلى عادَةِ القُرْآنِ في انْتِهازِ فُرَصِ تَهَيُّؤِ القُلُوبِ لِلذِّكْرى. والخِطابُ بِـ ادْعُوا خاصٌّ بِالمُسْلِمِينَ لِأنَّهُ تَعْلِيمٌ لِأدَبِ دُعاءِ اللَّهِ تَعالى وعِبادَتِهِ، ولَيْسَ المُشْرِكُونَ بِمُتَهَيِّئِينَ لِمِثْلِ هَذا الخِطابِ، وهو تَقْرِيبٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وإدْناءٌ لَهم وتَنْبِيهٌ عَلى رِضى اللَّهِ عَنْهم ومَحَبَّتِهِ، وشاهِدُهُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ: إنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ. والخِطابُ مُوَجَّهٌ إلى المُسْلِمِينَ بِقَرِينَةِ السِّياقِ. والدُّعاءُ حَقِيقَتُهُ النِّداءُ، ويُطْلَقُ أيْضًا عَلى النِّداءِ لِطَلَبٍ مُهِمٍّ، واسْتُعْمِلَ مَجازًا في العِبادَةِ لِاشْتِمالِها عَلى الدُّعاءِ والطَّلَبِ بِالقَوْلِ أوْ بِلِسانِ الحالِ، كَما في الرُّكُوعِ والسُّجُودِ، مَعَ مُقارَنَتِهِما لِلْأقْوالِ وهو إطْلاقٌ كَثِيرٌ في القُرْآنِ. والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ مِنهُ هُنا الطَّلَبُ والتَّوَجُّهُ، لِأنَّ المُسْلِمِينَ قَدْ عَبَدُوا اللَّهَ وأفْرَدُوهُ بِالعِبادَةِ، وإنَّما المُهِمُّ إشْعارُهم بِالقُرْبِ مِن رَحْمَةِ رَبِّهِمْ وإدْناءِ مَقامِهِمْ مِنها. وجِيءَ لِتَعْرِيفِ الرَّبِّ بِطَرِيقِ الإضافَةِ دُونَ ضَمِيرِ الغائِبِ، مَعَ وُجُودِ مُعادٍ قَرِيبٍ في قَوْلِهِ تَبارَكَ اللَّهُ ودُونَ ضَمِيرِ المُتَكَلِّمِ، لِأنَّ في لَفْظِ الرَّبِّ إشْعارًا بِتَقْرِيبِ المُؤْمِنِينَ بِصِلَةِ المَرْبُوبِيَّةِ، ولِيَتَوَسَّلَ بِإضافَةِ الرَّبِّ إلى ضَمِيرِ المُخاطَبِينَ إلى تَشْرِيفِ المُؤْمِنِينَ وعِنايَةِ الرَّبِّ بِهِمْ كَقَوْلِهِ بَلِ اللَّهُ مَوْلاكم. والتَّضَرُّعُ: إظْهارُ التَّذَلُّلِ بِهَيْئَةٍ خاصَّةٍ، ويُطْلَقُ التَّضَرُّعُ عَلى الجَهْرِ بِالدُّعاءِ لِأنَّ الجَهْرَ مِن هَيْئَةِ التَّضَرُّعِ، لِأنَّهُ تَذَلُّلٌ جَهْرِيٌّ، وقَدْ فُسِّرَ في هَذِهِ الآيَةِ وفي قَوْلِهِ في سُورَةِ الأنْعامِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وخُفْيَةً بِالجَهْرِ بِالدُّعاءِ، وهو الَّذِي نَخْتارُهُ لِأنَّهُ أنْسَبُ بِمُقابَلَتِهِ بِالخُفْيَةِ، فَيَكُونُ أُسْلُوبُهُ وفْقًا لِأُسْلُوبِ نَظِيرِهِ في قَوْلِهِ وادْعُوهُ خَوْفًا وطَمَعًا وتَكُونُ، الواوُ لِلتَّقْسِيمِ بِمَنزِلَةِ أوْ وقَدْ قالُوا: إنَّها فِيهِ أجْوَدُ مِن أوْ. ومِنَ المُفَسِّرِينَ مَن أبْقى التَّضَرُّعَ عَلى حَقِيقَتِهِ وهو التَّذَلُّلُ، فَيَكُونُ مَصْدَرًا بِمَعْنى الحالِ، أيْ مُتَذَلِّلِينَ، (p-١٧٢)أوْ مَفْعُولًا مُطْلَقًا لِـ ادْعُوا، لِأنَّ التَّذَلُّلَ بَعْضٌ أحْوالِ الدُّعاءِ فَكَأنَّهُ نَوْعٌ مِنهُ، وجَعَلُوا قَوْلَهُ (وخُفْيَةً) مَأْمُورًا بِهِ مَقْصُورًا بِذاتِهِ، أيِ ادْعُوهُ مُخْفِينَ دُعاءَكم، حَتّى أوْهَمَ كَلامُ بَعْضِهِمْ أنَّ الإعْلانَ بِالدُّعاءِ مَنهِيٌّ عَنْهُ أوْ غَيْرُ مَثُوبٍ عَلَيْهِ، وهَذا خَطَأٌ: فَإنَّ النَّبِيءَ ﷺ دَعا عَلَنًا غَيْرَ مَرَّةٍ. وعَلى المِنبَرِ بِمَسْمَعٍ مِنَ النّاسِ وقالَ: «اللَّهُمَّ اسْقِنا» . وقالَ: «اللَّهُمَّ حَوالَيْنا ولا عَلَيْنا» . وقالَ: «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ» . الحَدِيثَ. وما رُوِيَتْ أدْعِيَتُهُ إلّا لِأنَّهُ جَهَرَ بِها يَسْمَعُها مَن رَواها، فالصَّوابُ أنَّ قَوْلَهُ تَضَرُّعًا إذْنٌ بِالدُّعاءِ بِالجَهْرِ والإخْفاءِ، وأمّا ما ورَدَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الجَهْرِ فَإنَّما هو عَنِ الجَهْرِ الشَّدِيدِ الخارِجِ عَنْ حَدِّ الخُشُوعِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ (وخُفْيَةً) بِضَمِّ الخاءِ وقَرَأهُ أبُو بَكْرٍ بِكَسْرِ الخاءِ وتَقَدَّمَ في الأنْعامِ. وجُمْلَةُ إنَّهُ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ واقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِلْأمْرِ بِالدُّعاءِ، إشارَةً إلى أنَّهُ أمْرُ تَكْرِيمٍ لِلْمُسْلِمِينَ يَتَضَمَّنُ رِضا اللَّهِ عَنْهم، ولَكِنْ سَلَكَ في التَّعْلِيلِ طَرِيقَ إثْباتِ الشَّيْءِ بِإبْطالِ ضِدِّهِ، تَنْبِيهًا عَلى قَصْدِ الأمْرَيْنِ وإيجازًا في الكَلامِ. ولِكَوْنِ الجُمْلَةِ واقِعَةً مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ افْتُتِحَتْ بِـ إنَّ المُفِيدَةِ لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمامِ، بِقَرِينَةِ خُلُوِّ المُخاطَبِينَ عَنِ التَّرَدُّدِ في هَذا الخَبَرِ، ومِن شَأْنِ إنَّ إذا جاءَتْ عَلى هَذا الوَجْهِ أنْ تُفِيدَ التَّعْلِيلَ والرَّبْطَ، وتَقُومَ مَقامَ الفاءِ، كَما نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ عَبْدُ القاهِرِ. وإطْلاقُ المَحَبَّةِ وصْفًا لِلَّهِ تَعالى، في هَذِهِ الآيَةِ ونَحْوِها، إطْلاقٌ مَجازِيٌّ مُرادٌ بِها لازِمُ مَعْنى المَحَبَّةِ، بِناءً عَلى أنَّ حَقِيقَةَ المَحَبَّةِ انْفِعالٌ نَفْسانِيٌّ، وعِنْدِي فِيهِ احْتِمالٌ، فَقالُوا: أُرِيدَ لازِمُ المَحَبَّةِ، أيْ في المَحْبُوبِ والمُحِبِّ، فَيَلْزَمُها اتِّصافُ المَحْبُوبِ بِما يُرْضِي المُحِبَّ لِتَنْشَأ المَحَبَّةُ الَّتِي أصْلُها الِاسْتِحْسانُ، ويَلْزَمُها رِضى المُحِبِّ عَنْ مَحْبُوبِهِ وإيصالُ النَّفْعِ لَهُ. وهَذانِ اللّازِمانِ مُتَلازِمانِ في أنْفُسِهِما، فَإطْلاقُ المَحَبَّةِ وصْفًا لِلَّهِ مَجازٌ بِهَذا اللّازِمِ المُرَكَّبِ. (p-١٧٣)والمُرادُ بِـ (المُعْتَدِينَ) المُشْرِكُونَ، لِأنَّهُ يُرادِفُ الظّالِمِينَ. والمَعْنى: ادْعُوا رَبَّكم لِأنَّهُ يُحِبُّكم ولا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ، كَقَوْلِهِ وقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكم إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ تَعْرِيضٌ بِالوَعْدِ بِإجابَةِ دُعاءِ المُؤْمِنِينَ وأنَّهُ لا يَسْتَجِيبُ دُعاءَ الكافِرِينَ، قالَ تَعالى وما دُعاءُ الكافِرِينَ إلّا في ضَلالٍ عَلى أحَدِ تَأْوِيلَيْنِ فِيها. وحَمَلَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ التَّضَرُّعَ عَلى الخُضُوعِ، فَجَعَلُوا الآيَةَ مَقْصُورَةً عَلى طَلَبِ الدُّعاءِ الخَفِيِّ حَتّى بالَغَ بَعْضُهم فَجَعَلَ الجَهْرَ بِالدُّعاءِ مَنهِيًّا عَنْهُ، وتَجاوَزَ بَعْضُهم فَجَعَلَ قَوْلَهُ إنَّهُ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ تَأْكِيدًا لِمَعْنى الأمْرِ بِإخْفاءِ الدُّعاءِ، وجَعَلَ الجَهْرَ بِالدُّعاءِ مِنَ الِاعْتِداءِ والجاهِرِينَ بِهِ مِنَ المُعْتَدِينَ الَّذِينَ لا يُحِبُّهُمُ اللَّهُ. ونُقِلَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وأحْسَبُ أنَّهُ نَقْلٌ عَنْهُ غَيْرُ مَضْبُوطِ العِبارَةِ، كَيْفَ وقَدْ دَعا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَهْرًا ودَعا أصْحابُهُ.


ركن الترجمة

Pray to your Lord in humility and unseen. He does not love the iniquitous.

Invoquez votre Seigneur en toute humilité et recueillement et avec discrétion. Certes, Il n'aime pas les transgresseurs.

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :