موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الأحد 10 ذو القعدة 1445 هجرية الموافق ل19 ماي 2024


الآية [83] من سورة  

فَأَنجَيْنَٰهُ وَأَهْلَهُۥٓ إِلَّا ٱمْرَأَتَهُۥ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَٰبِرِينَ


ركن التفسير

83 - (فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين) الباقين في العذاب

يقول تعالى فأنجينا لوطا وأهله ولم يؤمن به أحد منهم سوى أهل بيته فقط كما قال تعالى "فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين" إلا امرأته فإنها لم تؤمن به بل كانت على دين قومها تمالئهم عليه وتعلمهم بمن يقدم عليه من ضيفانه بإشارات بينها وبينهم ولهذا لما أمر لوط عليه السلام ليسري بأهله أمر أن لا يعلمها ولا يخرجها من البلد ومنهم من يقول بل اتبعتهم فلما جاء العذاب التفتت هي فأصابها ما أصابهم والأظهر أنها لم تخرج من البلد ولا أعلمها لوط بل بقيت معهم ولهذا قال ههنا "إلا امرأته كانت من الغابرين" أي الباقين وقيل من الهالكين وهو تفسير باللازم.

﴿فَأنْجَيْناهُ وأهْلَهُ إلّا امْرَأتَهُ كانَتْ مِنَ الغابِرِينَ﴾ ﴿وأمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُجْرِمِينَ﴾ قَوْلُهُ تَعالى: فَأنْجَيْناهُ تَعْقِيبٌ لِجُمْلَةِ: وما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ أوْ لِجُمْلَةِ: (قالَ لِقَوْمِهِ) وهَذا التَّعْقِيبُ يُؤْذِنُ بِأنَّ لُوطًا - عَلَيْهِ السَّلامُ - أُرْسِلَ إلى قَوْمِهِ قَبْلَ حُلُولِ العَذابِ بِهِمْ بِزَمَنٍ قَلِيلٍ. و(أنْجَيْناهُ) مُقَدَّمٌ مِن تَأْخِيرٍ. والتَّقْدِيرُ: فَأمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَرًا وأنْجَيْناهُ وأهْلَهُ، فَقَدَّمَ الخَبَرَ بِإنْجاءِ لُوطٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - عَلى الخَبَرِ بِإمْطارِهِمْ مَطَرَ العَذابِ، لِقَصْدِ إظْهارِ الِاهْتِمامِ بِأمْرِ إنْجاءِ لُوطٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ -، ولِتَعْجِيلِ المَسَرَّةِ لِلسّامِعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، فَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهم لِحُسْنِ عَواقِبِ أسْلافِهِمْ مِن مُؤْمِنِي الأُمَمِ الماضِيَةِ، فَيَعْلَمُوا أنَّ تِلْكَ سُنَّةُ اللَّهِ في عِبادِهِ، وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأنْجَيْناهُ والَّذِينَ مَعَهُ في الفُلْكِ﴾ [الأعراف: ٦٤] في هَذِهِ السُّورَةِ. وأهْلُ لُوطٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - هم زَوْجُهُ وابْنَتانِ لَهُ بِكْرانِ، وكانَ لَهُ ابْنَتانِ مُتَزَوِّجَتانِ - كَما ورَدَ في التَّوْراةِ - امْتَنَعَ زَوْجاهُما مِنَ الخُرُوجِ مَعَ لُوطٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَهَلَكَتا مَعَ أهْلِ القَرْيَةِ. وأمّا امْرَأةُ لُوطٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَقَدْ أخْبَرَ اللَّهُ عَنْها هُنا أنَّ اللَّهَ لَمْ يُنَجِّها، فَهَلَكَتْ مَعَ قَوْمِ لُوطٍ، وذُكِرَ في سُورَةِ هُودٍ ما ظاهِرُهُ أنَّها لَمْ تَمْتَثِلْ ما أمَرَ اللَّهُ لُوطًا - عَلَيْهِ السَّلامُ - أنْ لا يَلْتَفِتَ هو ولا أحَدٌ مِن أهْلِهِ الخارِجِينَ مَعَهُ إلى المُدُنِ حِينَ يُصِيبُها العَذابُ فالتَفَتَتِ امْرَأتُهُ فَأصابَها العَذابُ، وذُكِرَ في سُورَةِ التَّحْرِيمِ أنَّ امْرَأةَ لُوطٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - كانَتْ كافِرَةً. وقالَ المُفَسِّرُونَ: كانَتْ تُسِرُّ الكُفْرَ وتُظْهِرُ الإيمانَ، ولَعَلَّ ذَلِكَ سَبَبُ التِفاتِها لِأنَّها كانَتْ غَيْرَ مُوقِنَةٍ بِنُزُولِ العَذابِ عَلى قَوْمِ لُوطٍ، ويُحْتَمَلُ أنَّها لَمْ (p-٢٣٧)تَخْرُجْ مَعَ لُوطٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وأنَّ قَوْلَهُ: إلّا امْرَأتَكَ في سُورَةِ هُودٍ، اسْتِثْناءٌ مَن أهْلِكَ لا مَنِ (أحَدٍ) . لَعَلَّ امْرَأةَ لُوطٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - كانَتْ مِن أهْلِ سَدُومَ تَزَوَّجَها لُوطٌ - عَلَيْهِ السَّلامُ - هُنالِكَ بَعْدَ هِجْرَتِهِ، فَإنَّهُ أقامَ في سَدُومَ سِنِينَ طَوِيلَةً بَعْدَ أنْ هَلَكَتْ أُمُّ بَناتِهِ وقَبْلَ أنْ يُرْسَلَ، ولَيْسَتْ هي أُمُّ بِنْتَيْهِ فَإنَّ التَّوْراةَ لَمْ تَذْكُرْ امْرَأةَ لُوطٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - إلّا في آخِرِ القِصَّةِ. ومَعْنى مِنَ الغابِرِينَ مِنَ الهالِكِينَ، والغابِرُ يُطْلَقُ عَلى المُنْقَضِي، ويُطْلَقُ عَلى الآتِي، فَهو مِن أسْماءِ الأضْدادِ، وأشْهَرُ إطْلاقَيْهِ هو المُنْقَضِي، ولِذَلِكَ يُقالُ: غَبَرَ بِمَعْنى هَلَكَ، وهو المُرادُ هُنا: أيْ كانَتْ مِنَ الهالِكِينَ، أيْ هَلَكَتْ مَعَ مَن هَلَكَ مِن أهْلِ سَدُومَ. والإمْطارُ مُشْتَقٌّ مِنَ المَطَرِ، والمَطَرُ اسْمٌ لِلْماءِ النّازِلِ مِنَ السَّحابِ، يُقالُ: مَطَرَتْهُمُ السَّماءُ - بِدُونِ هَمْزَةٍ - بِمَعْنى نَزَلَ عَلَيْهِمُ المَطَرُ، كَما يُقالُ: غاثَتْهم ووَبِلَتْهم، ويُقالُ: مَكانٌ مَمْطُورٌ، أيْ أصابَهُ المَطَرُ، ولا يُقالُ: مُمْطِرٌ، ويُقالُ أُمْطِرُوا - بِالهَمْزَةِ - بِمَعْنى نَزَلَ عَلَيْهِمْ مِنَ الجَوِّ ما يُشْبِهُ المَطَرَ، ولَيْسَ هو بِمَطَرٍ، فَلا يُقالُ: هم مُمْطِرُونَ، ولَكِنْ يُقالُ: هم مُمْطَرُونَ، كَما قالَ تَعالى: ﴿وأمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِن سِجِّيلٍ﴾ [الحجر: ٧٤] وقالَ ﴿فَأمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ﴾ [الأنفال: ٣٢] كَذا قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ - هُنا - وقالَ، في سُورَةِ الأنْفالِ: قَدْ كَثُرَ الإمْطارُ في مَعْنى العَذابِ، وعَنْ أبِي عُبَيْدَةَ أنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ مَطَرَ وأمْطَرَ: أنَّ مَطَرَ لِلرَّحْمَةِ، وأمْطَرَ لِلْعَذابِ. وأمّا قَوْلُهُ تَعالى في سُورَةِ الأحْقافِ: ﴿قالُوا هَذا عارِضٌ مُمْطِرُنا﴾ [الأحقاف: ٢٤] فَهو يُعَكِّرُ عَلى كِلْتا التَّفْرِقَتَيْنِ، ويُعَيِّنُ أنْ تَكُونَ التَّفْرِقَةُ أغْلَبِيَّةً. وكانَ الَّذِي أصابَ قَوْمَ لُوطٍحَجَرًا وكِبْرِيتًا مِن أعْلى القُرى كَما في التَّوْراةِ، وكانَ الدُّخانُ يَظْهَرُ مِنَ الأرْضِ مِثْلُ دُخانِ الأتُونِ، وقَدْ ظَنَّ بَعْضُ الباحِثِينَ أنَّ آبارَ الحُمَرِ الَّتِي ورَدَ في التَّوْراةِ أنَّها كانَتْ في عُمْقِ السَّدِيمِ، كانَتْ قابِلَةً لِلِالتِهابِ بِسَبَبِ زَلازِلَ أوْ سُقُوطِ صَواعِقَ عَلَيْها. وقَدْ ذُكِرَ في (p-٢٣٨)آيَةٍ أُخْرى، في القُرْآنِ: أنَّ اللَّهَ جَعَلَ عالِيَ تِلْكَ القُرى سافِلًا، وذَلِكَ هو الخَسْفُ وهو مِن آثارِ الزَّلازِلِ، ومِنَ المُسْتَقْرَبِ أنْ يَكُونَ البَحْرُ المَيِّتُ هُنالِكَ قَدْ طَغى عَلى هَذِهِ الآبارِ أوِ البَراكِينِ مِن آثارِ الزِّلْزالِ. وتَنْكِيرُ: (مَطَرًا) لِلتَّعْظِيمِ والتَّعْجِيبِ أيْ: مَطَرًا عَجِيبًا مِن شَأْنِهِ أنْ يُهْلِكَ القُرى. وتَفَرَّعَ عَنْ هَذِهِ القِصَّةِ العَجِيبَةِ الأمْرُ بِالنَّظَرِ في عاقِبَتِهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿فانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُجْرِمِينَ﴾ فالأمْرُ لِلْإرْشادِ والِاعْتِبارِ. والخِطابُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ بَلْ لِكُلِّ مَن يَتَأتّى مِنهُ الِاعْتِبارُ، كَما هو شَأْنُ إيرادِ التَّذْيِيلِ بِالِاعْتِبارِ عَقِبَ المَوْعِظَةِ، لِأنَّ المَقْصُودَ بِالخِطابِ كُلُّ مَن قُصِدَ بِالمَوْعِظَةِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الخِطابُ لِلنَّبِيءِ ﷺ تَسْلِيَةً لَهُ عَلى ما يُلاقِيهِ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِأنَّهُ لا يَيْأسُ مِن نَصْرِ اللَّهِ، وأنَّ شَأْنَ الرُّسُلِ انْتِظارَ العَواقِبِ. والمُجْرِمُونَ فاعِلُوا الجَرِيمَةِ، وهي المَعْصِيَةُ والسَّيِّئَةُ، وهَذا ظاهِرٌ في أنَّ اللَّهَ عاقَبَهم بِذَلِكَ العِقابِ عَلى هَذِهِ الفاحِشَةِ، وأنَّ لُوطًا - عَلَيْهِ السَّلامُ - أُرْسِلَ لَهم لِنَهْيِهِمْ عَنْها، لا لِأنَّهم مُشْرِكُونَ بِاللَّهِ، إذْ لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُ في القُرْآنِ بِخِلافِ ما قُصَّ عَنِ الأُمَمِ الأُخْرى، لَكِنَّ تَمالُئَهم عَلى فِعْلِ الفاحِشَةِ واسْتِحْلالِهِمْ إيّاها يَدُلُّ عَلى أنَّهم لَمْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ، وبِذَلِكَ يُؤْذِنُ قَوْلُهُ تَعالى في سُورَةِ التَّحْرِيمِ: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأةَ نُوحٍ وامْرَأةَ لُوطٍ﴾ [التحريم: ١٠]، فَيَكُونُ إرْسالُ لُوطٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِإنْكارِ تِلْكَ الفاحِشَةِ ابْتِداءً بِتَطْهِيرِ نُفُوسِهِمْ، ثُمَّ يَصِفُ لَهُمُ الإيمانَ، إذْ لا شَكَّ أنَّ لُوطًا - عَلَيْهِ السَّلامُ - بَلَّغَهُمُ الرِّسالَةَ عَنِ اللَّهِ تَعالى، وذَلِكَ يَتَضَمَّنُ أنَّهُ دَعاهم إلى الإيمانِ، إلّا أنَّ اهْتِمامَهُ الأوَّلَ كانَ بِإبْطالِ هَذِهِ الفاحِشَةِ، ولِذَلِكَ وقَعَ الِاقْتِصارُ في إنْكارِهِ عَلَيْهِمْ ومُجادَلَتِهِمْ إيّاهُ عَلى ما يَخُصُّ تِلْكَ الفاحِشَةِ، وقَدْ عُلِمَ أنَّ اللَّهَ أصابَهم بِالعَذابِ عُقُوبَةً، عَلى تِلْكَ الفاحِشَةِ، كَما قالَ في (p-٢٣٩)سُورَةِ العَنْكَبُوتِ: ﴿إنّا مُنْزِلُونَ عَلى أهْلِ هَذِهِ القَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [العنكبوت: ٣٤] وأنَّهم لَوْ أقْلَعُوا عَنْها لَتُرِكَ عَذابُهم عَلى الكُفْرِ إلى يَوْمٍ آخَرَ أوْ إلى اليَوْمِ الآخِرِ.


ركن الترجمة

But We saved him and his family, except for his wife who was one of those who stayed behind.

Or, Nous l'avons sauvé, lui et sa famille, sauf sa femme qui fut parmi les exterminés.

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :