موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الاثنين 19 شوال 1445 هجرية الموافق ل29 أبريل 2024


الآية [36] من سورة  

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ لِيَصُدُّوا۟ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ


ركن التفسير

36 - (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم) في حرب النبي صلى الله عليه وسلم (ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون) في عاقبة الأمر (عليهم حسرة) ندامة لفواتها وفوات ما قصدوه (ثم يغلبون) في الدنيا (والذين كفروا) منهم (إلى جهنم) في الآخرة (يحشرون) يساقون

قال محمد بن إسحق حدثني الزهري ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين بن عبدالرحمن بن عمرو بن سعيد بن معاذ قالوا لما أصيبت قريش يوم بدر ورجع فلُّهم إلى مكة ورجع أبو سفيان بعيره مشى عبدالله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية في رجال من قريش أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة فقالوا يا معشر قريش إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا أن ندرك منه ثأرا بمن أصيب منا ففعلوا قال ففيهم كما ذكر عن ابن عباس أنزل الله عز وجل "إن الذين كفروا ينفقون أموالهم" - إلى قوله -" هم الخاسرون" وكذا روى عن مجاهد وسعيد بن جبير والحكم بن عيينة وقتادة والسدي وابن أبزى أنها نزلت في أبي سفيان ونفقتِه الأموال في أحد لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الضحاك: نزلت في أهل بدر وعلى كل تقدير فهي عامة وإن كان سبب نزولها خاصا فقد أخبر تعالى أن الكفار ينفقون أموالهم ليصدوا عن اتباع طريق الحق فسيفعلون ذلك ثم تذهب أموالهم ثم تكون عليهم حسرة أي ندامة حيث لم تجد شيئا لأنهم أرادوا إطفاء نور الله وظهور كلمتهم على كلمة الحق والله متم نوره ولو كره الكافرون وناصر دينه ومعلن كلمته ومظهر دينه على كل دين فهذا الخزي لهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار فمن عاش منهم رأى بعينه وسمع بأذنه ما يسوءه ومن قتل منهم أو مات فإلى الخزي الأبدي والعذاب السرمدي ولهذا قال "فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون" وقوله تعالى "ليميز الله الخبيث من الطيب" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله "ليميز الله الخبيث من الطيب" فيميز أهل السعادة من أهل الشقاء وقال السدي يميز المؤمن من الكافر وهذا يحتمل أن يكون هذا التمييز في الآخرة كقوله "ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم" الآية وقوله "ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون" وقال في الآية الأخرى "يومئذ يصدعون" وقال تعالى "وامتازوا اليوم أيها المجرمون" ويحتمل أن يكون هذا التمييز في الدنيا بما يظهر من أعمالهم للمؤمنين وتكون اللام معللة لما جعل الله للكافرين من مال ينفقونه في الصد عن سبيل الله أي إنما أقدرناهم علي ذلك.

﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوالَهم لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ﴾ لَمّا ذَكَرَ صَدَّهُمُ المُسْلِمِينَ عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ المُوجِبَ لِتَعْذِيبِهِمْ، عَقَّبَ بِذِكْرِ مُحاوَلَتِهِمُ اسْتِئْصالَ المُسْلِمِينَ وصَدِّهِمْ عَنِ الإسْلامِ وهو المَعْنِيُّ بِ سَبِيلِ اللَّهِ، وجُعِلَتِ الجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً، غَيْرَ مَعْطُوفَةٍ، اهْتِمامًا بِها أيْ أنَّهم يُنْفِقُونَ أمْوالَهم وهي أعَزُّ الأشْياءِ عَلَيْهِمْ لِلصَّدِّ عَنِ الإسْلامِ، وأتى بِصِيغَةِ المُضارِعِ في يُنْفِقُونَ لِلْإشارَةِ إلى أنَّ ذَلِكَ دَأْبُهم وأنَّ الإنْفاقَ مُسْتَمِرٌّ لِإعْدادِ العُدَدِ لِغَزْوِ المُسْلِمِينَ، فَإنْفاقُهم حَصَلَ في الماضِي ويَحْصُلُ في الحالِ والِاسْتِقْبالِ، وأشْعَرَتْ لامُ التَّعْلِيلِ بِأنَّ الإنْفاقَ مُسْتَمِرٌّ لِأنَّهُ مَنُوطٌ بِعِلَّةٍ مُلازِمَةٍ لِنُفُوسِهِمْ وهي بُغْضُ الإسْلامِ وصَدُّهُمُ النّاسَ عَنْهُ. وهَذا الإنْفاقُ: أنَّهم كانُوا يُطْعِمُونَ جَيْشَهم يَوْمَ بَدْرٍ اللَّحْمَ كُلَّ يَوْمٍ، وكانَ المُطْعِمُونَ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا وهم أبُو جَهْلٍ، وأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، والعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، والحارِثُ بْنُ عامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ، وطُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلٍ، وأبُو البَخْتَرِيِّ، والعاصُ بْنُ هِشامٍ، وحَكِيمُ بْنُ حِزامٍ، والنَّضْرُ بْنُ الحارِثِ، ونُبَيْهُ بْنُ حَجّاجٍ السَّهْمِيُّ، وأخُوهُ مُنَبِّهٌ، وسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو العامِرِيُّ. كانُوا يُطْعِمُونَ في كُلِّ يَوْمٍ عَشْرَ جَزائِرَ. وهَذا الإنْفاقُ وقَعَ يَوْمَ بَدْرٍ، وقَدْ مَضى، فالتَّعْبِيرُ عَنْهُ بِصِيغَةِ المُضارِعِ لِاسْتِحْضارِ حالَةِ الإنْفاقِ وأنَّها حالَةٌ عَجِيبَةٌ في وفْرَةِ النَّفَقاتِ. وهُوَ جَمْعٌ بِالإضافَةِ يَجْعَلُهُ مِن صِيَغِ العُمُومِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: يُنْفِقُونَ أمْوالَهم كُلَّها مُبالَغَةً، وإلّا فَإنَّهم يُنْفِقُونَ بَعْضَ أمْوالِهِمْ. (p-٣٤١)والفاءُ في فَسَيُنْفِقُونَها تَفْرِيعٌ عَلى العِلَّةِ لِأنَّهم لَمّا كانَ الإنْفاقُ دَأْبَهم لِتِلْكَ العِلَّةِ المَذْكُورَةِ، كانَ مِمّا يَتَفَرَّعُ عَلى ذَلِكَ تَكَرُّرُ هَذا الإنْفاقِ في المُسْتَقْبَلِ، أيْ سَتَكُونُ لَهم شَدائِدُ مِن بَأْسِ المُسْلِمِينَ تَضْطَرُّهم إلى تَكْرِيرِ الإنْفاقِ عَلى الجُيُوشِ لِدِفاعِ قُوَّةِ المُسْلِمِينَ. وضَمِيرُ ”يُنْفِقُونَها“ راجِعٌ إلى الأمْوالِ لا بِقَيْدِ كَوْنِها المُنْفَقَةَ بَلِ الأمْوالُ الباقِيَةُ أوْ بِما يَكْتَسِبُونَهُ. وثُمَّ لِلتَّراخِي الحَقِيقِيِّ والرُّتْبِيِّ، أيْ وبَعْدَ ذَلِكَ تَكُونُ تِلْكَ الأمْوالُ الَّتِي يُنْفِقُونَها حَسْرَةً عَلَيْهِمْ، والحَسْرَةُ شِدَّةُ النَّدامَةِ والتَّلَهُّفِ عَلى ما فاتَ، وأُسْنِدَتِ الحَسْرَةُ إلى الأمْوالِ لِأنَّها سَبَبُ الحَسْرَةِ بِإنْفاقِها، ثُمَّ إنَّ الإخْبارَ عَنْها بِنَفْسِ الحَسْرَةِ مُبالَغَةٌ مِثْلُ الإخْبارِ بِالمَصادِرِ، لِأنَّ الأمْوالَ سَبَبُ التَّحَسُّرِ لا سَبَبُ الحَسْرَةِ نَفْسِها. وهَذا إنْذارٌ بِأنَّهم لا يَحْصُلُونَ مِن إنْفاقِهِمْ عَلى طائِلٍ فِيما أنْفَقُوا لِأجْلِهِ، لِأنَّ المُنْفِقَ إنَّما يَتَحَسَّرُ ويَنْدَمُ إذا لَمْ يَحْصُلُ لَهُ المَقْصُودُ مِن إنْفاقِهِ، ومَعْنى ذَلِكَ أنَّهم يُنْفِقُونَ لِيَغْلِبُوا فَلا يَغْلِبُونَ، فَقَدْ أنْفَقُوا بَعْدَ ذَلِكَ عَلى الجَيْشِ يَوْمَ أُحُدٍ: اسْتَأْجَرَ أبُو سُفْيانَ ألْفَيْنِ مِنَ الأحابِيشِ لِقِتالِ المُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، والأحابِيشُ فِرَقٌ مِن كِنانَةَ تَجَمَّعَتْ مِن أفْذاذٍ شَتّى وحالَفُوا قُرَيْشًا وسَكَنُوا حَوْلَ مَكَّةَ سُمُّوا أحابِيشَ جَمْعُ أُحْبُوشٍ وهو الجَماعَةُ أيِ الجَماعاتُ فَكانَ ما أحْرَزُوهُ مِنَ النَّصْرِ كِفاءً لِنَصْرِ يَوْمِ بَدْرٍ بَلْ كانَ نَصْرُ يَوْمِ بَدْرٍ أعْظَمَ، ولِذَلِكَ اقْتَنَعَ أبُو سُفْيانَ يَوْمَ أُحُدٍ أنْ يَقُولَ ”يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ والحَرْبُ سِجالٌ“ وكانَ يَحْسَبُ أنَّ النَّبِيءَ ﷺ قَدْ قُتِلَ وأنَّ أبا بَكْرٍ وعُمَرَ قُتِلا، فَخابَ في حِسابِهِ، ثُمَّ أنْفَقُوا عَلى الأحْزابِ حِينَ هاجَمُوا المَدِينَةَ ثُمَّ انْصَرَفُوا بِلا طائِلٍ، فَكانَ إنْفاقُهم حَسْرَةً عَلَيْهِمْ. وقَوْلُهُ ”ثُمَّ يُغْلَبُونَ“ ارْتِقاءٌ في الإنْذارِ بِخَيْبَتِهِمْ وخِذْلانِهِمْ، فَإنَّهم بَعْدَ أنْ لَمْ يَحْصُلُوا مِن إنْفاقِهِمْ عَلى طائِلٍ تُوعِّدُوا بِأنَّهم سَيَغْلِبُهُمُ المُسْلِمُونَ بَعْدَ أنْ غَلَبُوهم أيْضًا يَوْمَ بَدْرٍ، وهو إنْذارٌ لَهم بِغَلَبِ فَتْحِ مَكَّةَ وانْقِطاعِ دابِرِ أمْرِهِمْ، وهَذا كالإنْذارِ في قَوْلِهِ ”﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وتُحْشَرُونَ إلى جَهَنَّمَ وبِيسَ المِهادُ﴾ [آل عمران: ١٢]“ وإسْنادُ الفِعْلِ إلى المَجْهُولِ لِكَوْنِ فاعِلِ الفِعْلِ مَعْلُومًا بِالسِّياقِ فَإنَّ أهْلَ مَكَّةَ ما كانُوا يُقاتِلُونَ غَيْرَ (p-٣٤٢)المُسْلِمِينَ وكانَتْ مَكَّةُ لَقاحًا. وثُمَّ لِلتَّراخِي الحَقِيقِيِّ والرُّتْبِيِّ مِثْلُ الَّتِي قَبْلَها. * * * ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ ﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ويَجْعَلَ الخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ في جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ﴾ كانَ مُقْتَضى الظّاهِرِ أنْ يُقالَ وإلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ كَما قالَ في الآيَةِ الأُخْرى ”﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وتُحْشَرُونَ إلى جَهَنَّمَ وبِئْسَ المِهادُ﴾ [آل عمران: ١٢]“ فَعَدَلَ عَنِ الإضْمارِ هُنا إلى الإظْهارِ تَخْرِيجًا عَلى خِلافِ مُقْتَضى الظّاهِرِ، لِلْإفْصاحِ عَنِ التَّشْنِيعِ بِهِمْ في هَذا الإنْذارِ حَتّى يُعادَ اسْتِحْضارُ وصْفِهِمْ بِالكُفْرِ بِأصْرَحِ عِبارَةٍ، وهَذا كَقَوْلِ عُوَيْفِ القَوافِي: ؎اللُّؤْمُ أكْرَمُ مِن وبْرٍ ووالِدِهِ واللُّؤْمُ أكْرَمُ مِن وبْرٍ وما ولَدا لِقَصْدِ زِيادَةِ تَشْنِيعِ وبْرٍ المَهْجُوِّ بِتَقْرِيرِ اسْمِهِ واسْمِ اللُّؤْمِ الَّذِي شُبِّهَ بِهِ تَشْبِيهًا بَلِيغًا. وعُرِّفُوا بِالمَوْصُولِيَّةِ إيماءً إلى أنَّ عِلَّةَ اسْتِحْقاقِهِمُ الأمْرَيْنِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ هو وصْفُ الكُفْرِ. فَيُعْلَمُ أنَّ هَذا يَحْصُلُ لِمَن لَمْ يُقْلِعُوا عَنْ هَذا الوَصْفِ قَبْلَ حُلُولِ الأمْرَيْنِ بِهِمْ. ولِيَمِيزَ مُتَعَلِّقٌ بِ يُحْشَرُونَ لِبَيانِ أنَّ مِن حِكْمَةِ حَشْرِهِمْ إلى جَهَنَّمَ أنْ يَتَمَيَّزَ الفَرِيقُ الخَبِيثُ مِنَ النّاسِ مِنَ الفَرِيقِ الطَّيِّبِ في يَوْمِ الحَشْرِ، لِأنَّ العِلَّةَ غَيْرَ المُؤَثِّرَةِ تَكُونُ مُتَعَدِّدَةً، فَتَمْيِيزُ الخَبِيثِ مِنَ الطَّيِّبِ مِن جُمْلَةِ الحُكْمِ لِحَشْرِ الكافِرِينَ إلى جَهَنَّمَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ لِيَمِيزَ بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ الأوْلى وكَسْرِ المِيمِ وسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ الثّانِيَةِ مُضارِعُ مازَ بِمَعْنى فَرَزَ، وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ، ويَعْقُوبُ، وخَلَفٌ: بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ الأُولى وفَتْحِ المِيمِ التَّحْتِيَّةِ وتَشْدِيدِ الثّانِيَةِ. مُضارِعُ مَيَّزَ إذا مَحَّصَ الفَرْزَ، وإذْ أُسْنِدَ هَذا الفِعْلُ إلى اللَّهِ - تَعالى - اسْتَوَتِ القِراءَتانِ. (p-٣٤٣)والخَبِيثُ الشَّيْءُ المَوْصُوفُ بِالخُبْثِ والخَباثَةِ، وحَقِيقَةُ ذَلِكَ أنَّهُ حالَةٌ حِسِيَّةٌ لِشَيْءٍ تَجْعَلُهُ مَكْرُوهًا مِثْلِ القَذَرِ، والوَسَخِ، ويُطْلَقُ الخُبْثُ مَجازًا عَلى الحالَةِ المَعْنَوِيَّةِ مِن نَحْوِ ما ذَكَرْنا تَشْبِيهًا لِلْمَعْقُولِ بِالمَحْسُوسِ، وهو مَجازٌ مَشْهُورٌ والمُرادُ بِهِ هُنا خِسَّةُ النُّفُوسِ الصّادِرَةِ عَنْها مَفاسِدُ الأعْمالِ، والطَّيِّبُ المَوْصُوفُ بِالطِّيبِ ضِدُّ الخُبْثِ بِإطْلاقِهِ، فالكُفْرُ خُبْثٌ لِأنَّ أساسَهُ الِاعْتِقادُ الفاسِدُ، فَنَفْسُ صاحِبِهِ تَتَصَوَّرُ الأشْياءَ عَلى خِلافِ حَقائِقِها فَلا جَرَمَ أنْ تَأْتِيَ صاحِبَها بِالأفْعالِ عَلى خِلافِ وجْهِها، ثُمَّ إنَّ شَرائِعَ أهْلِ الكُفْرِ تَأْمُرُ بِالمَفاسِدِ والضَّلالاتِ وتَصْرِفُ عَنِ المَصالِحِ والهِدايَةِ بِسَبَبِ السُّلُوكِ في طَرائِقِ الجَهْلِ وتَقْلِيبِ حَقائِقِ الأُمُورِ، وما مِن ضَلالَةٍ إلّا وهي تُفْضِي بِصاحِبِها إلى أُخْرى مِثْلِها، والإيمانُ بِخِلافِ ذَلِكَ. و(مِن) في قَوْلِهِ مِنَ الطَّيِّبِ لِلْفَصْلِ، وتَقَدَّمَ بَيانُها عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعالى - ﴿واللَّهُ يَعْلَمُ المُفْسِدَ مِنَ المُصْلِحِ﴾ [البقرة: ٢٢٠] في سُورَةِ البَقَرَةِ. وجَعْلُ الخَبِيثِ بَعْضِهِ عَلى بَعْضٍ: عِلَّةٌ أُخْرى لِحَشْرِ الكافِرِينَ إلى جَهَنَّمَ ولِذَلِكَ عُطِفَ بِالواوِ، فالمَقْصُودُ جَمْعُ الخَبِيثِ وإنِ اخْتَلَفَتْ أصْنافُهُ في مَجْمَعٍ واحِدٍ، لِزِيادَةِ تَمْيِيزِهِ عَنِ الطَّيِّبِ، ولِتَشْهِيرِ مَن كانُوا يُسِرُّونَ الكُفْرَ ويُظْهِرُونَ الإيمانَ. وفي جَمْعِهِ بِهَذِهِ الكَيْفِيَّةِ تَذْلِيلٌ لَهم وإيلامٌ، إذْ يَجْعَلُ بَعْضَهم عَلى بَعْضٍ حَتّى يَصِيرُوا رُكامًا. والرَّكْمُ: ضَمُّ شَيْءٍ أعْلى إلى أسْفَلَ مِنهُ، وقَدْ وصَفَ السَّحابَ بِقَوْلِهِ ”﴿ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكامًا﴾ [النور: ٤٣]“ . واسْمُ الإشارَةِ بِ أُولَئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ اسْتِحْقاقَهُمُ الخَبَرَ الواقِعَ عَنِ اسْمِ الإشارَةِ كانَ بِسَبَبِ الصِّفاتِ الَّتِي ذُكِرَتْ قَبْلَ اسْمِ الإشارَةِ، فَإنَّ مَن كانَتْ تِلْكَ حالُهُ كانَ حَقِيقًا بِأنَّهُ قَدْ خَسِرَ أعْظَمَ الخُسْرانِ لِأنَّهُ خَسِرَ مَنافِعَ الدُّنْيا ومَنافِعَ الآخِرَةِ. فَصِيغَةُ القَصْرِ في قَوْلِهِ ”هُمُ الخاسِرُونَ“ هي لِلْقَصْرِ الِادِّعائِيِّ، لِلْمُبالَغَةِ في اتِّصافِهِمْ بِالخُسْرانِ، حَتّى يُعَدَّ خُسْرانُ غَيْرِهِمْ كَلا خُسْرانَ وكَأنَّهُمُ انْفَرَدُوا بِالخُسْرانِ مِن بَيْنِ النّاسِ.


ركن الترجمة

Those who disbelieve spend their possessions on turning men away from God. They will go on spending and rue it in the end, and will be subdued. But those who remain disbelievers shall be gathered into Hell

Ceux qui ne croient pas dépensent leurs biens pour éloigner (les gens) du sentier d'Allah. Or, après les avoir dépensés, ils seront pour eux un sujet de regret. Puis ils seront vaincus, et tous ceux qui ne croient pas seront rassemblés vers l'Enfer,

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :