ركن التفسير
13 - (فلما جاءتهم آياتنا مبصرة) مضيئة واضحة (قالوا هذا سحر مبين) بين ظاهر
أى بينة واضحة ظاهرة "قالوا هذا سحر مبين" وأرادوا معارضته بسحرهم فغلبوا وانقلبوا صاغرين.
﴿فَلَمّا جاءَتْهم آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هَذا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ ﴿وجَحَدُوا بِها واسْتَيْقَنَتْها أنْفُسُهم ظُلْمًا وعُلُوًّا فانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُفْسِدِينَ﴾ . أوْجَزَ بَقِيَّةَ القِصَصِ وانْتَقَلَ إلى العِبْرَةِ بِتَكْذِيبِ فِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ الآياتِ، لِيَعْتَبِرَ بِذَلِكَ حالُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وقَصَدَ مِن هَذا الإيجازِ طَيَّ بِساطِ القِصَّةِ لِيَنْتَقِلَ مِنها إلى قِصَّةِ داوُدَ ثُمَّ قِصَّةِ سُلَيْمانَ المَبْسُوطَةِ في هَذِهِ السُّورَةِ. والمُرادُ بِمَجِيءِ الآياتِ حُصُولُها واحِدَةً بَعْدَ أُخْرى وهي الآياتُ الثَّمانِ الَّتِي قَبْلَ الغَرَقِ. والمُبْصِرَةُ: الظّاهِرَةُ. صِيغَ لَها وزْنُ اسْمِ فاعِلِ الإبْصارِ عَلى طَرِيقَةِ المَجازِ العَقْلِيِّ، وإنَّما المُبْصِرُ النّاظِرُ إلَيْها. وقَدْ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وآتَيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً﴾ [الإسراء: ٥٩] في سُورَةِ الإسْراءِ. والجُحُودُ: الإنْكارُ بِاللِّسانِ. (﴿واسْتَيْقَنَتْها﴾) بِمَعْنى أيْقَنَتْ بِها، فَحُذِفَ حَرْفُ الجَرِّ وعُدِّيَ الفِعْلُ إلى المَجْرُورِ عَلى التَّوَسُّعِ أوْ عَلى نَزْعِ الخافِضِ، أيْ: تَحَقَّقَتْها عُقُولُهم، والسِّينُ والتّاءُ (p-٢٣٣)لِلْمُبالَغَةِ. والظُّلْمُ في تَكْذِيبِهِمُ الرَّسُولَ لِأنَّهم ألْصَقُوا بِهِ ما لَيْسَ بِحَقٍّ فَظَلَمُوهُ حَقَّهُ. والعُلُوُّ: الكِبَرُ ويَحْسُنُ أنْ تَكُونَ جُمْلَةُ (﴿واسْتَيْقَنَتْها﴾) حالِيَّةً، فَقَوْلُهُ (﴿ظُلْمًا وعُلُوًّا﴾) نَشْرٌ عَلى تَرْتِيبِ اللَّفِّ. فالظُّلْمُ في الجَحْدِ بِها والعُلُوُّ في كَوْنِهِمْ مُوقِنِينَ بِها. وانْتَصَبَ (﴿ظُلْمًا وعُلُوًّا﴾) عَلى الحالِ مِن ضَمِيرِ (﴿جَحَدُوا﴾ [هود: ٥٩]) وجُعِلَ ما هو مَعْلُومٌ مِن حالِهِمْ فِيما لَحِقَ بِهِمْ مِنَ العَذابِ بِمَنزِلَةِ الشَّيْءِ المُشاهَدِ لِلسّامِعِينَ فَأمَرَ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿فانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُفْسِدِينَ﴾ . والخِطابُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الخِطابُ لِلنَّبِيءِ ﷺ تَسْلِيَةً لَهُ بِما حَلَّ بِالمُكَذِّبِينَ بِالرُّسُلِ قَبْلَهُ؛ لِأنَّ في ذَلِكَ تَعْرِيضًا بِتَهْدِيدِ المُشْرِكِينَ بِمِثْلِ تِلْكَ العاقِبَةِ. و(كَيْفَ) يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُجَرَّدًا عَنْ مَعْنى الِاسْتِفْهامِ مَنصُوبًا عَلى المَفْعُولِيَّةِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ اسْتِفْهامًا مُعَلِّقًا فِعْلَ النَّظَرِ عَنِ العَمَلِ، والِاسْتِفْهامُ حِينَئِذٍ لِلتَّعْجِيبِ.