موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الأحد 25 شوال 1445 هجرية الموافق ل05 ماي 2024


الآية [144] من سورة  

ثَمَٰنِيَةَ أَزْوَٰجٖۖ مِّنَ اَ۬لضَّأْنِ اِ۪ثْنَيْنِ وَمِنَ اَ۬لْمَعْزِ اِ۪ثْنَيْنِۖ قُلَ آٰلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ اِ۬لُانثَيَيْنِ أَمَّا اَ۪شْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ اُ۬لُانثَيَيْنِۖ نَبِّـُٔونِے بِعِلْمٍ اِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَۖ


ركن التفسير

143 - (ثمانية أزواج) أصناف بدل من حمولة وفرشا (من الضأن) زوجين (اثنين) ذكر وأنثى (ومن المعز) بالفتح والسكون (اثنين قل) يا محمد لمن حرم ذكور الأنعام تارة وإناثها أخرى ونسب ذلك إلى الله (آلذكرين) من الضأن والمعز (حرم) الله عليكم (أم الأنثيين) منهما (أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين) ذكراً كان أو أنثى (نبئوني بعلم) عن كيفية تحريم ذلك (إن كنتم صادقين) فيه ، المعنى من أين جاء التحريم فإن كان من قبل الذكورة فجميع الذكور حرام أو الأنوثة فجميع الإناث أو اشتمال الرحم فالزوجان فمن أين التخصيص؟ والاستفهام للإنكار

هذا بيان لجهل العرب قبل الإسلام فيما كانوا حرموا من الأنعام وجعلوها أجزاء وأنواعا بحيرة وسائبة ووصيلة وحاما وغير ذلك من الأنواع التي ابتدعوها في الأنعام والزروع والثمار فبين تعالى أنه أنشأ جنات معروشات وغير معروشات وأنه أنشأ من الأنعام حمولة وفرشا. ثم بين أصناف الأنعام إلى غنم وهو بياض وهو الضأن وسواد وهو المعز ذكره وأنثاه وإلى إبل ذكورها وإناثها وبقر كذلك وأنه تعالى لم يحرم شيئا من ذلك ولا شيئا من أولادها بل كلها مخلوقة لبني آدم أكلا وركوبا وحمولة وحلبا وغير ذلك من وجوه المنافع كما قال "وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج" الآية وقوله تعالى "أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين" رد عليهم في قولهم" ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا" الآية وقوله تعالى "نبئوني بعلم إن كنتم صادقين" أي أخبروني عن يقين كيف حرم الله عليكم ما زعمتم تحريمه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك وقال العوفي عن ابن عباس قوله "ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين" فهذه أربعة أزواج" قل آلذكرين حرم أم الأنثيين" يقول لم أحرم شيئا من ذلك "أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين" يعني هل يشتمل الرحم إلا على ذكر أو أنثى فلم تحرمون بعض وتحلون بعضا؟ "نبئوني بعلم إن كنتم صادقين" يقول تعالى: كله حلال.

﴿ثَمانِيَةُ أزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ ومِنَ المَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أمِ الأُنْثَيَيْنِ أمّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أرْحامُ الأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إنَّ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ ﴿ومِنَ الإبِلِ اثْنَيْنِ ومِنَ البَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أمِ الأُنْثَيَيْنِ أمّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أرْحامُ الأُنْثَيَيْنِ أمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إذْ وصّاكُمُ اللَّهُ بِهَذا فَمَن أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ﴾ (p-١٢٨)جُمْلَةُ ﴿ثَمانِيَةَ أزْواجٍ﴾ حالٌ مِن ( مِنَ الأنْعامِ ذُكِرُ تَوْطِئَةً لِتَقْسِيمِ الأنْعامِ إلى أرْبَعَةِ أصْنافِ الَّذِي هو تَوْطِئَةٌ لِلرَّدِّ عَلى المُشْرِكِينَ لِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أمِ الأُنْثَيَيْنِ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿أمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ﴾ أيْ: أنْشَأ مِنَ الأنْعامِ حَمُولَةً إلى آخِرِهِ حالَةَ كَوْنِها ثَمانِيَةَ أزْواجٍ. والأزْواجُ جَمْعُ زَوْجٍ، والزَّوْجُ اسْمٌ لِذاتٍ مُنْضَمَّةٌ إلى غَيْرِها عَلى وجْهِ المُلازَمَةِ، فالزَّوْجُ ثانٍ لِواحِدٍ، وكُلٌّ مِن ذَيْنِكَ الِاثْنَيْنِ يُقالُ لَهُ: زَوْجٌ، بِاعْتِبارِ أنَّهُ مَضْمُومٌ، وقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أنْتَ وزَوْجُكَ الجَنَّةَ﴾ [البقرة: ٣٥] في سُورَةِ البَقَرَةِ، ويُطْلَقُ الزَّوْجُ غالِبًا عَلى الذَّكَرِ والأُنْثى مَن بَنِي آدَمَ المُتَلازِمَيْنِ بِعُقْدَةِ نِكاحٍ، وتُوُسِّعَ في هَذا الإطْلاقِ فَأُطْلِقَ بِالِاسْتِعارَةِ عَلى الذَّكَرِ والأُنْثى مِنَ الحَيَوانِ الَّذِي يَتَقارَنُ ذَكَرُهُ وأُنْثاهُ مِثْلُ حِمارِ الوَحْشِ وأتانِهِ، وذَكَرُ الحَمامِ وأُنْثاهُ، لِشَبْهِها بِالزَّوْجَيْنِ مِنَ الإنْسانِ، ويُطْلَقُ الزَّوْجُ عَلى الصِّنْفِ مِن نَوْعٍ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ومِن كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ [الرعد: ٣] في سُورَةِ الرَّعْدِ. وكِلا الإطْلاقَيْنِ الأخِيرَيْنِ صالِحٌ لِلْإرادَةِ هُنا؛ لِأنَّ الإبِلَ والبَقَرَ والضَّأْنَ والمَعْزَ أصْنافٌ لِلْأنْعامِ؛ ولِأنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنهُ ذَكَرٌ وأُنْثى؛ إذِ المَعْنى أنَّ اللَّهَ خَلَقَ مِنَ الأنْعامِ ذَكَرَها وأُنْثاها، فالأزْواجُ هُنا أزْواجُ الأصْنافِ، ولَيْسَ المُرادُ زَوْجًا بِعَيْنِهِ؛ إذْ لا تُعَرَفُ بِأعْيانِها، فَثَمانِيَةُ أزْواجٍ هي أرْبَعَةُ ذُكُورٍ مِن أرْبَعَةِ أصْنافٍ وأرْبَعُ إناثٍ كَذَلِكَ. وقَوْلُهُ: ﴿مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ ومِنَ المَعْزِ اثْنَيْنِ﴾ أبَدَلَ اثْنَيْنِ مِن قَوْلِهِ: ﴿ثَمانِيَةَ أزْواجٍ﴾ قَوْلُهُ: اثْنَيْنِ بَدَلُ تَفْصِيلٍ، والمُرادُ اثْنَيْنِ مِنها؛ أيْ: مِنَ الأزْواجِ؛ أيْ: ذَكَرٌ وأُنْثى كُلُّ واحِدٍ مِنهُما زَوْجٌ لِلْآخَرِ، وفائِدَةُ هَذا التَّفْصِيلِ التَّوَصُّلُ لِذِكْرِ أقْسامِ الذُّكُورِ والإناثِ تَوْطِئَةً لِلِاسْتِدْلالِ الآتِي في قَوْلِهِ: ﴿قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أمِ الأُنْثَيَيْنِ﴾ الآيَةَ. وسُلِكَ في التَّفْصِيلِ طَرِيقُ التَّوْزِيعِ تَمْيِيزًا لِلْأنْواعِ المُتَقارِبَةِ، والإبِلُ (p-١٢٩)تُنْحَرُ، والبَقَرُ تُذْبَحُ وتُنْحَرُ أيْضًا، ومِنَ البَقَرِ صِنْفٌ لَهُ سِنامٌ فَهو أشْبَهُ بِالإبِلِ، ويُوجَدُ في بِلادِ فارِسَ ودَخَلَ بِلادَ العَرَبِ وهو الجامُوسُ، والبَقَرُ العَرَبِيُّ لا سَنامَ لَهُ، وثَوْرُها يُسَمّى الفَرِيشُ. ولَمّا كانُوا قَدْ حَرَّمُوا في الجاهِلِيَّةِ بَعْضَ الغَنَمِ، ومِنها ما يُسَمّى بِالوَصِيلَةِ كَما تَقَدَّمَ، وبَعْضَ الإبِلِ كالبَحِيرَةِ والوَصِلِيةِ أيْضًا، ولَمْ يُحَرِّمُوا بَعْضَ المَعْزِ ولا شَيْئًا مِنَ البَقَرِ، ناسَبَ أنْ يَأْتِيَ بِهَذا التَّقْسِيمِ قَبْلَ الِاسْتِدْلالِ تَمْهِيدًا لِتَحَكُّمِهم؛ إذْ حَرَّمُوا بَعْضَ أفْرادٍ مِن أنْواعٍ، ولَمْ يُحَرِّمُوا بَعْضًا مِن أنْواعٍ أُخْرى، وأسْبابُ التَّحْرِيمِ المَزْعُومَةِ تَتَأتّى في كُلِّ نَوْعٍ فَهَذا إبْطالٌ إجْمالِيٌّ لِما شَرَّعُوهُ، وأنَّهُ لَيْسَ مِن دِينِ اللَّهِ ولَوْ كانَ مِن عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا. وهَذا الِاسْتِدْلالُ يُسَمّى في عِلْمِ المُناظَرَةِ والبَحْثِ بِالتَّحَكُّمِ. والضَّأْنُ - بِالهَمْزِ - اسْمُ جَمْعٍ لِلْغَنَمِ لا واحِدَ لَهُ مِن لَفْظِهِ، ومُفْرَدُ الضَّأْنِ شاةٌ وجَمْعُها شاءٌ، وقِيلَ هو جَمْعُ ضائِنٍ، والضَّأْنُ نَوْعٌ مِنَ الأنْعامِ ذَواتِ الظِّلْفِ لَهُ صُوفٌ. والمَعْزُ اسْمُ جَمْعٍ مُفْرَدُهُ ماعِزٌ، وهو نَوْعٌ مِنَ الأنْعامِ شَبِيهٌ بِالضَّأْنِ مِن ذَواتِ الظِّلْفِ لَهُ شَعْرٌ مُسْتَطِيلٌ، ويُقالُ: مَعْزٌ بِسُكُونِ العَيْنِ ومَعَزٌ بِفَتْحِ العَيْنِ وبِالأوَّلِ قَرَأ نافِعٌ وعاصِمٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ وأبُو جَعْفَرٍ وخَلَفٌ وقَرَأ بِالثّانِي الباقُونَ. وبَعْدَ أنْ تَمَّ ذِكْرُ المِنَّةِ والتَّمْهِيدِ لِلْحُجَّةِ غَيَّرَ أُسْلُوبَ الكَلامِ، فابْتُدِئَ بِخِطابِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِأنْ يُجادِلَ المُشْرِكِينَ ويُظْهِرَ افْتِراءَهم عَلى اللَّهِ فِيما زَعَمُوهُ مِن تَحْرِيمِ ما ابْتَدَعُوا تَحْرِيمَهُ مِن أنْواعٍ وأصْنافِ الأنْعامِ عَلى مَن عَيَّنُوهُ مِنَ النّاسِ بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ﴾ الآياتِ، فَهَذا الكَلامُ رَدٌّ عَلى المُشْرِكِينَ، إبْطالُ ما شَرَّعُوهُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: ﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾، وقَوْلِهِ: ﴿أمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إذْ وصّاكُمُ اللَّهُ بِهَذا﴾ الآيَةَ. (p-١٣٠)فَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أمِ الأُنْثَيَيْنِ﴾ إلى آخِرِها في المَوْضِعَيْنِ، اعْتِراضٌ بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿ومِنَ المَعْزِ اثْنَيْنِ﴾، وقَوْلِهِ: ﴿ومِنَ البَقَرِ اثْنَيْنِ﴾ وضَمِيرُ (﴿حَرَّمَ﴾) عائِدٌ إلى اسْمِ اللَّهِ في قَوْلِهِ: ﴿كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ١٤٢] أوْ في قَوْلِهِ: ﴿وحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ١٤٠] الآيَةَ، وفي تَكْرِيرِ الِاسْتِفْهامِ مَرَّتَيْنِ تَعْرِيضٌ بِالتَّخْطِئَةِ فالتَّوْبِيخُ والتَّقْرِيعُ الَّذِي يَعْقُبُهُ التَّصْرِيحُ بِهِ في قَوْلِهِ: ﴿إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾، وقَوْلِهِ: ﴿أمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إذْ وصّاكُمُ اللَّهُ بِهَذا فَمَن أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلى اللَّهِ كَذِبًا﴾ الآيَةَ. فَلا تَرَدُّدَ في أنَّ المَقْصُودَ مِن قَوْلِهِ: ﴿قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ﴾ في المَوْضِعَيْنِ إبْطالُ تَحْرِيمِ ما حَرَّمَ المُشْرِكُونَ أكْلَهُ، ونَفْيُ نِسْبَةِ ذَلِكَ التَّحْرِيمِ إلى اللَّهِ تَعالى، وإنَّما النَّظَرُ في طَرِيقِ اسْتِفادَةِ هَذا المَقْصُودِ مِن نَظْمِ الكَلامِ، وهو مِنَ المُعْضِلاتِ. فَقالَ الفَخْرُ: أطْبَقَ المُفَسِّرُونَ عَلى أنَّ تَفْسِيرَ هَذِهِ الآيَةِ أنَّ المُشْرِكِينَ كانُوا يُحَرِّمُونَ بَعْضَ الأنْعامِ، فاحْتَجَّ اللَّهُ عَلى إبْطالِ قَوْلِهِمْ بِأنْ ذَكَرَ الضَّأْنَ والمَعْزَ والإبِلَ والبَقَرَ، وذَكَرَ مِن كُلِّ واحِدٍ مِن هَذِهِ الأرْبَعَةِ زَوْجَيْنِ ذَكَرًا وأُنْثى، وإنْ كانَ حَرَّمَ الأُنْثى وجَبَ أنْ يَكُونَ كُلُّ إناثِها حَرامًا، وأنَّهُ إنْ كانَ حَرَّمَ ما اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أرْحامُ الأُنْثَيَيْنِ وجَبَ تَحْرِيمُ الأوْلادِ كُلِّها، حاصِلُ المَعْنى نَفْيُ أنْ يَكُونَ اللَّهُ حَرَّمَ شَيْئًا مِمّا زَعَمُوا تَحْرِيمَهُ إيّاهُ بِطَرِيقِ السَّبْرِ والتَّقْسِيمِ، وهو مِن طُرُقِ الجَدَلِ. قُلْتُ: هَذا ما عَزاهُ الطَّبَرِيُّ إلى قَتادَةَ ومُجاهِدٍ والسُّدِّيِّ، وهَذا لا يَسْتَقِيمُ لِأنَّ السَّبْرَ غَيْرُ تامٍّ؛ إذْ لا يَنْحَصِرُ سَبَبُ التَّحْرِيمِ في النَّوْعِيَّةِ، بَلِ الأكْثَرُ أنَّ سَبَبَهُ بَعْضُ أوْصافِ المَمْنُوعِ وأحْوالِهِ. وقالَ البَغَوِيُّ: قالُوا: ﴿هَذِهِ أنْعامٌ وحَرْثٌ حِجْرٌ﴾ [الأنعام: ١٣٨] وقالُوا: (p-١٣١)(﴿ما في بُطُونِ هَذِهِ الأنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا ومُحَرَّمٌ عَلى أزْواجِنا﴾ [الأنعام: ١٣٩]) وحَرَّمُوا البَحِيرَةَ والسّائِبَةَ والوَصِيلَةَ والحامِيَ، فَلَمّا قامَ الإسْلامُ جادَلُوا النَّبِيءَ ﷺ، وكانَ خَطِيبُهم مالِكَ بْنَ عَوْفٍ الجُشَمِيَّ قالُوا: يا مُحَمَّدُ بَلَغَنا أنَّكَ تُحَرِّمُ أشْياءَ مِمّا كانَ آباؤُنا يَفْعَلُونَهُ، فَقالَ لَهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّكم قَدْ حَرَّمْتُمْ أصْنافًا مِنَ النَّعَمِ عَلى غَيْرِ أصْلٍ، وإنَّما خَلَقَ اللَّهُ هَذِهِ الأزْواجَ الثَّمانِيَةَ لِلْأكْلِ والِانْتِفاعِ بِها، فَمِن أيْنَ جاءَ هَذا التَّحْرِيمُ أمِن قِبَلِ الذَّكَرِ أمْ مِن قِبَلِ الأُنْثى. فَسَكَتَ مالِكُ بْنُ عَوْفٍ وتَحَيَّرَ اهـ. أيْ: وذَلِكَ قَبْلَ أنْ يُسْلِمَ مالِكُ بْنُ عَوْفٍ ولَمْ يَعْزُهُ البَغَوِيُّ إلى قائِلٍ وهو قَرِيبٌ مِمّا قالَهُ قَتادَةُ والسُّدِّيُّ ومُجاهِدٌ فَتَبَيَّنَ أنَّ الحِجاجَ كُلَّهُ في تَحْرِيمِ أكْلِ بَعْضِ هَذِهِ الأنْواعِ مِنَ الأنْعامِ، وفي عَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ ما حَرَّمُوا أكْلَهُ وما لَمْ يُحَرِّمُوهُ مَعَ تَماثُلِ النَّوْعِ أوِ الصِّنْفِ. والَّذِي يُؤْخَذُ مِن كَلامِ أئِمَّةِ العَرَبِيَّةِ في نَظْمِ الِاسْتِدْلالِ عَلى المُشْرِكِينَ أنَّ الِاسْتِفْهامَ في قَوْلِهِ: ﴿آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ﴾ في المَوْضِعَيْنِ، اسْتِفْهامٌ إنْكارِيٌّ، قالَ في الكَشّافِ: الهَمْزَةُ في (﴿آلذَّكَرَيْنِ﴾) لِلْإنْكارِ، والمَعْنى: إنْكارُ أنْ يُحَرِّمَ اللَّهُ تَعالى مِن جِنْسَيِ الغَنَمِ شَيْئًا مِن نَوْعَيْ ذُكُورِها وإناثِها وما تَحْمِلُ إناثُها، وكَذَلِكَ في جِنْسَيِ الإبِلِ والبَقَرِ، وبَيَّنَهُ صاحِبُ المِفْتاحِ في بابِ الطَّلَبِ بِقَوْلِهِ: وإنْ أرَدْتَ بِهِ - أيْ: بِالِاسْتِفْهامِ - الإنْكارَ فانْسُجْهُ عَلى مِنوالِ النَّفْيِ، فَقُلْ في إنْكارِ نَفْسِ الضَّرْبِ أضَرَبْتَ زَيْدًا، وقُلْ في إنْكارِ - أنْ يَكُونَ لِلْمُخاطَبِ مَضْرُوبٌ - أزَيْدًا ضَرَبْتَ أمْ عَمْرًا، فَإنَّكَ إذا أنْكَرْتَ مَن يُرَدَّدِ الضَّرْبُ بَيْنَهُما - أيْ: بِزَعْمِهِ - تَوَلَّدَ مِنهُ - أيْ: مِنَ الإنْكارِ عَلَيْهِ - إنْكارُ الضَّرْبِ عَلى وجْهٍ بُرْهانِيٍّ ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أمِ الأُنْثَيَيْنِ﴾ . قالَ شارِحُهُ القُطْبُ الشِّيرازِيُّ: لِاسْتِلْزامِ انْتِفاءِ مَحَلِّ التَّحْرِيمِ انْتِفاءَ التَّحْرِيمِ؛ لِأنَّهُ عَرَضٌ يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ؛ أيِ: التَّحْرِيمُ، دُونَ مَحَلٍّ يَقُومُ بِهِ، فَإذا انْتَفى؛ أيْ: مَحَلُّهُ انْتَفى هو؛ أيِ: التَّحْرِيمُ. اهـ. (p-١٣٢)أقُولُ وجْهُ الِاسْتِدْلالِ: أنَّ اللَّهَ لَوْ حَرَّمَ أكْلَ بَعْضِ الذُّكُورِ مِن أحَدِ النَّوْعَيْنِ لَحَرَّمَ البَعْضَ الآخَرَ، ولَوْ حَرَّمَ أكْلَ بَعْضِ الإناثِ لِحَرَّمَ البَعْضَ الآخَرَ؛ لِأنَّ شَأْنَ أحْكامِ اللَّهِ أنْ تَكُونَ مُطَّرِدَةً في الأشْياءِ المُتَّحِدَةِ بِالنَّوْعِ والصِّفَةِ، ولَوْ حَرَّمَ بَعْضَ ما في بُطُونِ الأنْعامِ عَلى النِّساءِ لَحَرَّمَ ذَلِكَ عَلى الرِّجالِ، وإذْ لَمْ يُحَرِّمْ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ مَعَ تَماثُلِ الأنْواعِ والأحْوالِ، أنْتَجَ أنَّهُ لَمْ يُحَرِّمِ البَعْضَ المَزْعُومَ تَحْرِيمُهُ؛ لِأنَّ أحْكامَ اللَّهِ مَنُوطَةٌ بِالحِكْمَةِ، فَدَلَّ عَلى أنَّ ما حَرَّمُوهُ إنَّما حَرَّمُوهُ مِن تِلْقاءِ أنْفُسِهِمْ تَحَكُّمًا واعْتِباطًا، وكانَ تَحْرِيمُهم ما حَرَّمُوهُ افْتِراءً عَلى اللَّهِ، ونَهَضَتِ الحُجَّةُ عَلَيْهِمْ، المُلْجِئَةُ لَهم، كَما أشارَ إلَيْهِ كَلامُ النَّبِيءِ ﷺ لِمالِكِ بْنِ عَوْفٍ الجُشَمِيِّ المَذْكُورُ آنِفًا، ولِذَلِكَ سَجَّلَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ فَقَوْلُهُ: ﴿آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ﴾ أيْ: لَوْ حَرَّمَ اللَّهُ الذَّكَرَيْنِ لَسَوّى في تَحْرِيمِهِما بَيْنَ الرِّجالِ والنِّساءِ، وكَذَلِكَ القَوْلُ في الأُنْثَيَيْنِ، والِاسْتِفْهامُ في قَوْلِهِ: ﴿آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ﴾ في المَوْضِعَيْنِ مُسْتَعْمَلٌ في التَّقْرِيرِ والإنْكارِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ قَبْلَهُ ﴿سَيَجْزِيهِمْ وصْفَهم إنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام: ١٣٩] . وقَوْلُهُ: ﴿ولا تَتَّبِعُوا خُطْواتِ الشَّيْطانِ﴾ [الأنعام: ١٤٢] ومَعْلُومٌ أنَّ اسْتِعْمالَ الِاسْتِفْهامِ في غَيْرِ مَعْنى طَلَبِ الفَهْمِ هو إمّا مَجازٌ أوْ كِنايَةٌ. ولِذَلِكَ تَعَيَّنَ أنْ تَكُونَ (أمْ) مُنْقَطِعَةٌ بِمَعْنى (بَلْ) ومَعْناها الإضْرابُ الِانْتِقالِيُّ تَعْدِيدًا لَهم، ويُقَدَّرُ بَعْدَها اسْتِفْهامٌ، فالمُفْرَدُ بَعْدَ (أمْ) مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، والتَّقْدِيرُ: أمْ أُحَرِّمُ الأُنْثَيَيْنِ، وكَذَلِكَ التَّقْدِيرُ في قَوْلِهِ: ﴿أمّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أرْحامُ الأُنْثَيَيْنِ﴾ وكَذَلِكَ التَّقْدِيرُ في نَظِيرِهِ. وقَوْلُهُ: ﴿مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ ومِنَ المَعْزِ اثْنَيْنِ﴾ مَعَ قَوْلِهِ: ﴿ومِنَ الإبِلِ اثْنَيْنِ ومِنَ البَقَرِ اثْنَيْنِ﴾ مِن مَسْلَكِ السَّبْرِ والتَّقْسِيمِ المَذْكُورِ في مَسالِكِ العِلَّةِ مِن عِلْمِ أُصُولِ الفِقْهِ. وجُمْلَةُ ﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ بَدَلُ اشْتِمالٍ مِن جُمْلَةِ (p-١٣٣)﴿آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أمِ الأُنْثَيَيْنِ﴾ لِأنَّ إنْكارَ أنْ يَكُونَ اللَّهُ حَرَّمَ شَيْئًا مِن ذُكُورٍ وإناثٍ ذَيْنِكَ الصِّنْفَيْنِ يَقْتَضِي تَكْذِيبَهم في زَعْمِهِمْ أنَّ اللَّهَ حَرَّمَ ما ذَكَرُوهُ، فَيَلْزَمُ مِنهُ طَلَبُ الدَّلِيلِ عَلى دَعْواهم، فَمَوْقِعُ جُمْلَةُ (﴿آلذَّكَرَيْنِ﴾) بِمَنزِلَةِ الِاسْتِفْسارِ في عِلْمِ آدابِ البَحْثِ، ومَوْقِعُ جُمْلَةِ ﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ بِمَنزِلَةِ المَنعِ، وهَذا تَهَكُّمٌ؛ لِأنَّهُ لا يُطْلَبُ تَلَقِّي عِلْمٍ مِنهم، وهَذا التَّهَكُّمُ تابِعٌ لِصُورَةِ الِاسْتِفْهامِ وفَرْعٌ عَنْها. وهُوَ هُنا مُتَجَرِّدٌ لِلْمَجازِ أوْ لِلْمَعْنى المَلْزُومِ المُنْتَقِلِ مِنهُ في الكِنايَةِ. وتَثْنِيَةُ الذَّكَرَيْنِ والأُنْثَيَيْنِ بِاعْتِبارِ ذُكُورِ وإناثِ النَّوْعَيْنِ. وتَعْدِيَةُ فِعْلِ (حَرَّمَ) إلى (﴿آلذَّكَرَيْنِ﴾) و(﴿الأُنْثَيَيْنِ﴾) وما اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أرْحامُ الأُنْثَيَيْنِ، عَلى تَقْدِيرِ مُضافٍ مَعْلُومٍ مِنَ السِّياقِ؛ أيْ: حَرَّمَ أكْلَ الذَّكَرَيْنِ أمِ الأُنْثَيَيْنِ إلى آخِرِهِ. والتَّعْرِيفُ في قَوْلِهِ: ﴿آلذَّكَرَيْنِ﴾ وقَوْلِهِ: ﴿أمّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أرْحامُ الأُنْثَيَيْنِ﴾ تَعْرِيفُ الجِنْسِ كَما في الكَشّافِ. والباءُ في ( بِعِلْمٍ يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ الإنْباءِ، فالعِلْمُ بِمَعْنى المَعْلُومِ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ لِلْمُلابَسَةِ؛ أيْ: نَبِّئُونِي إنْباءً مُلابِسًا لِلْعِلْمِ، فالعِلْمُ ما قابَلَ الجَهْلَ؛ أيْ: إنْباءُ العِلْمِ، ولَمّا كانُوا عاجِزِينَ عَنِ الإنْباءِ دَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّهم حَرَّمُوا ما حَرَّمُوا بِجَهالَةٍ وسُوءِ عَقْلٍ لا بِعِلْمٍ، وشَأْنُ مَن يَتَصَدّى لِلتَّحْرِيمِ والتَّحْلِيلِ أنْ يَكُونَ ذا عِلْمٍ. وقَوْلُهُ: ﴿إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ أيْ: في قَوْلِكم: إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ ما ذَكَرْتُمْ أنَّهُ مُحَرَّمٌ؛ لِأنَّهم لَوْ كانُوا صادِقِينَ في تَحْرِيمِ ذَلِكَ لاسْتَطاعُوا بَيانَ ما حَرَّمَهُ اللَّهُ، ولَأبْدَوْا حِكْمَةَ تَحْرِيمِ ما حَرَّمُوهُ ونَسَبُوا تَحْرِيمَهُ إلى اللَّهِ تَعالى. وقَوْلُهُ: ﴿ومِنَ الإبِلِ اثْنَيْنِ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿أرْحامُ الأُنْثَيَيْنِ﴾ عَطْفٌ عَلى: (p-١٣٤)(﴿ومِنَ المَعْزِ اثْنَيْنِ﴾) لِأنَّهُ مِن تَمامِ تَفْصِيلِ عَدَدِ ثَمانِيَةِ أزْواجٍ، والقَوْلُ فِيهِ كالقَوْلِ في سابِقِهِ، والمَقْصُودُ إبْطالُ تَحْرِيمِ البَحِيرَةِ والسّائِبَةِ والحامِي وما في بُطُونِ البَحائِرِ والسَّوائِبِ. و(أمْ) في قَوْلِهِ: ﴿أمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ﴾ مُنْقَطِعَةٌ لِلْإضْرابِ الِانْتِقالِيِّ، فَتُؤْذِنُ بِاسْتِفْهامٍ مُقَدَّرٍ بَعْدَها حَيْثُما وقَعَتْ، وهو إنْكارِيٌّ تَقْرِيرِيٌّ أيْضًا بِقَرِينَةِ السِّياقِ. والشُّهَداءُ: الحاضِرُونَ جَمْعُ شَهِيدٍ وهو الحاضِرُ؛ أيْ: شُهَداءَ حِينَ وصّاكُمُ اللَّهُ، فَـ (إذْ) ظَرْفٌ لِـ (﴿شُهَداءَ﴾) مُضافٌ إلى جُمْلَةِ (﴿وصّاكُمُ﴾) . والإيصاءُ: الأمْرُ بِشَيْءٍ يُفْعَلُ في غَيْبَةِ الآمِرِ، فَيُؤَكَّدُ عَلى المَأْمُورِ بِفِعْلِهِ؛ لِأنَّ شَأْنَ الغائِبِ التَّأكُّدُ، وأُطْلِقَ الإيصاءُ عَلى ما أمَرَ اللَّهُ بِهِ؛ لِأنَّ النّاسَ لَمْ يُشاهِدُوا اللَّهَ حِينَ فِعْلِهِمْ ما يَأْمُرُهم بِهِ، فَكانَ أمْرُ اللَّهِ مُؤَكَّدًا فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالإيصاءِ تَنْبِيهًا لَهم عَلى الِاحْتِرازِ مِنَ التَّفْوِيتِ في أوامِرِ اللَّهِ، ولِذَلِكَ أُطْلِقَ عَلى أمْرِ اللَّهِ الإيصاءُ في مَواضِعَ كَثِيرَةٍ مِنَ القُرْآنِ، كَقَوْلِهِ: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ في أوْلادِكُمْ﴾ [النساء: ١١] . والإشارَةُ في قَوْلِهِ بِهَذا إلى التَّحْرِيمِ المَأْخُوذِ مِن قَوْلِهِ: (حَرَّمَ) وذَلِكَ لِأنَّ في إنْكارِ مَجْمُوعِ التَّحْرِيمِ تَضُمُّنًا لِإبْطالِ تَحْرِيمٍ مُعَيَّنٍ ادَّعَوْهُ، وهم يَعْرِفُونَهُ، فَلِذَلِكَ صَحَّتِ الإشارَةُ إلى التَّحْرِيمِ عَلى الإجْمالِ، وخُصَّ بِالإنْكارِ حالَةُ المُشاهَدَةِ، تَهَكُّمًا بِهِمْ؛ لِأنَّهم كانُوا يُكَذِّبُونَ الرَّسُولَ ﷺ، فَحالُهم حالُ مَن يَضَعُ نَفْسَهُ مَوْضِعَ مَن يَحْضُرُ حَضْرَةَ اللَّهِ تَعالى لِسَماعِ أوامِرِهِ، أوْ لِأنَّ ذَلِكَ لَمّا لَمْ يَكُنْ مِن شَرْعِ إبْراهِيمَ ولا إسْماعِيلَ عَلَيْهِما السَّلامُ، ولَمْ يَأْتِ بِهِ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ، ولَمْ يَدَّعُوهُ، فَلَمْ يَبْقَ إلّا أنَّ اللَّهَ خاطَبَهم بِهِ مُباشَرَةً. وقَوْلُهُ: ﴿فَمَن أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلى اللَّهِ كَذِبًا﴾ مُتَرَتِّبٌ عَلى الإنْكارِ في قَوْلِهِ: ﴿آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أمِ الأُنْثَيَيْنِ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿إذْ وصّاكُمُ اللَّهُ بِهَذا﴾ (p-١٣٥)أيْ: فَيَتَرَتَّبُ عَلى ذَلِكَ الإبْطالِ والإنْكارِ أنْ يَتَوَجَّهَ سُؤالٌ مِنَ المُتَكَلِّمِ مَشُوبٌ بِإنْكارٍ، عَمَّنِ اتَّصَفَ بِزِيادَةِ ظُلْمِ الظّالِمِينَ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى اللَّهِ لِيُضِلُّوا النّاسَ؛ أيْ: لا أحَدَ أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلى اللَّهِ كَذِبًا، فَإذا ثَبَتَ أنَّ هو أظْلَمُ الظّالِمِينَ. والمُشْرِكُونَ إمّا أنْ يَكُونُوا مِمَّنْ وضَعَ الشِّرْكَ وهم كُبَراءُ المُشْرِكِينَ، مِثْلُ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ، واضِعُ عِبادَةِ الأصْنامِ، وأوَّلُ مَن جَعَلَ البَحِيرَةَ والسّائِبَةَ والوَصِيلَةَ والحامِيَ، ومَن جاءَ بَعْدَهُ مِن طَواغِيتِ أهْلِ الشِّرْكِ الَّذِينَ سَنُّوا لَهم جَعْلَ شَيْءٍ مِن أمْوالِهِمْ لِبُيُوتِ الأصْنامِ وسَدَنَتِها، فَهَؤُلاءِ مُفْتَرُونَ، وإمّا أنْ يَكُونُوا مِمَّنِ اتَّبَعَ أُولَئِكَ بِعَزْمٍ وتَصَلُّبٍ وشارَكُوهم فَهُمُ اتَّبَعُوا أُناسًا لَيْسُوا بِأهْلٍ لِأنْ يُبَلِّغُوا عَنِ اللَّهِ تَعالى، وكانَ حَقُّهم أنْ يَتَوَخَّوْا مَن يَتَّبِعُونَ ومَن يَظُنُّونَ أنَّهُ مُبَلِّغٌ عَنِ اللَّهِ وهُمُ الرُّسُلُ، فَمِن ضَلالِهِمْ أنَّهم لَمّا جاءَهُمُ الرَّسُولُ الحَقُّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كَذَّبُوهُ، وقَدْ صَدَّقُوا الكَذَبَةَ وأيَّدُوهم ونَصَرُوهم. ويُسْتَفادُ مِنَ الآيَةِ أنَّ مِنَ الظُّلْمِ أنْ يُقْدِمَ أحَدٌ عَلى الإفْتاءِ في الدِّينِ ما لَمْ يَكُنْ قَدْ غَلَبَ عَلى ظَنِّهِ أنَّهُ يُفْتِي بِالصَّوابِ الَّذِي يُرْضِي اللَّهَ، وذَلِكَ إنْ كانَ مُجْتَهِدًا فَبِالِاسْتِنادِ إلى الدَّلِيلِ الَّذِي يَغْلِبُ عَلى ظَنِّهِ مُصادَفَتُهُ لِمُرادِ اللَّهِ تَعالى، وإنْ كانَ مُقَلِّدًا فَبِالِاسْتِنادِ إلى ما يَغْلِبُ عَلى ظَنِّهِ أنَّهُ مَذْهَبُ إمامِهِ الَّذِي قَلَّدَهُ. وقَوْلُهُ: ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ تَقَدَّمَ القَوْلُ في نَظِيرِهِ آنِفًا. وقَوْلُهُ: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ﴾ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا لِكَوْنِهِمْ مِن أظْلَمِ النّاسِ؛ لِأنَّ مَعْنى الزِّيادَةِ في الظُّلْمِ لا يَتَحَقَّقُ إلّا إذا كانَ ظُلْمُهم لا إقْلاعَ عَنْهُ؛ لِأنَّ الضَلالَ يَزْدادُ رُسُوخًا في النَّفْسِ بِتَكَرُّرِ أحْوالِهِ ومَظاهِرِهِ، لِأنَّهم لَمّا تَعَمَّدُوا الإضْلالَ أوِ اتَّبَعُوا مُتَعَمِّدِيهِ عَنْ تَصَلُّبٍ، فَهم بِمَعْزِلٍ عَنْ تَطَلُّبِ الهُدى وإعادَةِ النَّظَرِ في حالِ أنْفُسِهِمْ، وذَلِكَ يُغْرِيهِمْ (p-١٣٦)بِالِازْدِيادِ والتَّمَلِّي مِن تِلْكَ الأحْوالِ، حَتّى تَصِيرَ فِيهِمْ مَلِكَةً وسَجِيَّةً، فَيَتَعَذَّرُ إقْلاعُهم عَنْها، فَعَلى هَذا تَكُونُ (إنَّ) مُفِيدَةً مَعْنى التَّعْلِيلِ. ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ تَهْدِيدًا ووَعِيدًا لَهم، إنْ لَمْ يُقْلِعُوا عَمّا هم فِيهِ، بِأنَّ اللَّهَ يَحْرِمُهُمُ التَّوْفِيقَ ويَذَرَهم في غَيِّهِمْ وعَمَهِهِمْ، فاللَّهُ هَدى كَثِيرًا مِنَ المُشْرِكِينَ هُمُ الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا بِهَذِهِ المَثابَةِ في الشِّرْكِ؛ أيْ: لَمْ يَكُونُوا قادَةً ولا مُتَصَلِّبِينَ في شِرْكِهِمْ، والَّذِينَ كانُوا بِهَذِهِ المَثابَةِ هُمُ الَّذِينَ حَرَمَهُمُ اللَّهُ الهُدى، مِثْلُ صَنادِيدِ قُرَيْشٍ أصْحابِ القَلِيبِ يَوْمَ بَدْرٍ، فَأمّا الَّذِينَ اتَّبَعُوا الإسْلامَ بِالقِتالِ مِثْلُ مُعْظَمِ أهْلِ مَكَّةَ يَوْمَ الفَتْحِ، وكَذَلِكَ هَوازِنَ ومَن بَعْدِها، فَهَؤُلاءِ أسْلَمُوا مُذْعِنِينَ ثُمَّ عَلِمُوا أنَّ آلِهَتَهم لَمْ تُغْنِ عَنْهم شَيْئًا فَحَصَلَ لَهُمُ الهُدى بَعْدَ ذَلِكَ، وكانُوا مِن خِيرَةِ المُسْلِمِينَ ونَصَرُوا اللَّهَ حَقَّ نَصْرِهِ، فالمُرادُ مِن نَفْيِ الهُدى عَنْهم إمّا نَفْيُهُ عَنْ فَرِيقٍ مِنَ المُشْرِكِينَ، وهُمُ الَّذِينَ ماتُوا عَلى الشِّرْكِ، وإمّا نَفْيُ الهُدى المَحْضِ الدّالِّ عَلى صَفاءِ النَّفْسِ ونُورِ القَلْبِ، دُونَ الهُدى الحاصِلِ بَعْدَ الدُّخُولِ في الإسْلامِ، فَذَلِكَ هُدًى في الدَّرَجَةِ الثّانِيَةِ كَما قالَ تَعالى: ﴿لا يَسْتَوِي مِنكم مَن أنْفَقَ مِن قَبْلِ الفَتْحِ وقاتَلَ أُولَئِكَ أعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أنْفَقُوا مِن بَعْدُ وقاتَلُوا وكُلًّا وعَدَ اللَّهُ الحُسْنى﴾ [الحديد: ١٠] .


ركن الترجمة

There are eight pairs, two of the species of sheep and two of goats. Ask them which has He forbidden, the two males or the two females, or what the females carry in their wombs? Produce the sanction if you are truthful.

(Il en a créé) huit, en couples: deux pour les ovins, deux pour les caprins... dis: «Est-ce les deux mâles qu'Il a interdits ou les deux femelles, ou ce qui est dans les matrices des deux femelles? Informez-moi de toute connaissance, si vous êtes véridiques»

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :