موقع الباحث في القرآن الكريم
القائمة
توقيت المغرب :
الأحد 25 شوال 1445 هجرية الموافق ل05 ماي 2024


الآية [71] من سورة  

قُلَ اَنَدْعُواْ مِن دُونِ اِ۬للَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَيٰٓ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَد۪يٰنَا اَ۬للَّهُ كَالذِے اِ۪سْتَهْوَتْهُ اُ۬لشَّيَٰطِينُ فِے اِ۬لَارْضِ حَيْرَانَۖ لَهُۥٓ أَصْحَٰبٞ يَدْعُونَهُۥٓ إِلَي اَ۬لْهُدَي اَ۪يتِنَاۖ قُلِ اِنَّ هُدَي اَ۬للَّهِ هُوَ اَ۬لْهُد۪يٰۖ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ اِ۬لْعَٰلَمِينَ


ركن التفسير

71 - (قل أندعو) أنعبد (من دون الله ما لا ينفعنا) بعبادته (ولا يضرنا) بتركها وهو الأصنام (ونرد على أعقابنا) نرجع مشركين (بعد إذ هدانا الله) إلى الإسلام (كالذي استهوته) أضلته (الشياطين في الأرض حيران) متحيرا لا يدري أين يذهب حال من الهاء (له أصحاب) رفقة (يدعونه إلى الهدى) أي ليهدوه الطريق يقولون له (ائتنا) فلا يجيبهم فيهلك والاستفهام للإنكار وجملة التشبيه حال من ضمير نرد (قل إن هدى الله) الذي هو الإسلام (هو الهدى) وما عداه ضلال (وأمرنا لنسلم) أي بأن نسلم (لرب العالمين)

قال السدي قال المشركون للمسلمين اتبعوا سبيلنا واتركوا دين محمد فأنزل الله عز وجل "قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا" أي في الكفر "بعد إذ هدانا الله" فيكون مثلنا مثل الذي استهوته الشياطين في الأرض يقول مثلكم إن كفرتم بعد إيمانكم كمثل رجل خرج مع قوم على الطريق فضل الطريق فحيرته الشياطين واستهوته في الأرض وأصحابه على الطريق فجعلوا يدعونه إليهم يقولون ائتنا فإنا على الطريق فأبى أن يأتيهم فذلك مثل من يتبعهم بعد المعرفة بمحمد صلى الله عليه وعلي آله وسلم ومحمد هو الذي يدعو إلى الطريق والطريق هو الإسلام. رواه ابن جرير وقال قتادة "استهوته الشياطين في الأرض" أضلته في الأرض يعني استهوته سيرته كقوله "تهوي إليهم" وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله "قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا" الآية. هذا مثل ضربه الله للآلهة ومن يدعو إليها والدعاة الذين يدعون إلى هدى الله عز وجل كمثل رجل ضل عن طريق تائها إذ ناداه مناد يا فلان ابن فلان هلم إلى الطريق وله أصحاب يدعونه يا فلان هلم إلى الطريق فان اتبع الداعي الأول انطلق به حتى يلقيه إلى الهلكة وإن أجاب من يدعوه إلى الهدى اهتدى إلى الطريق وهذه الداعية التي تدعو في البرية من الغيلان يقول مثل من يعبد هذه الآلهة من دون الله فإنه يرى أنه في شيء حتى يأتيه الموت فيستقبل الندامة والهلكة وقوله "كالذي استهوته الشياطين في الأرض" هم الغيلان "يدعونه" باسمه واسم أبيه وجده فيتبعها وهو يرى أنه في شيء فيصبح وقد رمته في هلكة وربما أكلته أو تلقيه في مضلة من الأرض يهلك فيها عطشا فهذا مثل من أجاب الآلهة التي تعبد من دون الله عز وجل رواه ابن جرير وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد "كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران"قال رجل حيران يدعوه أصحابه إلى الطريق وذلك مثل من يضل بعد أن هدي وقال العوفي عن ابن عباس قوله "كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب" هو الذي لا يستجيب لهدى الله وهو رجل أطاع الشيطان وعمل في الأرض بالمعصية وحاد عن الحق وضل عنه وله أصحاب يدعونه إلى الهدى ويزعمون أن الذي يأمرونه به هدى يقول الله ذلك لأوليائهم من الإنس "إن الهدى هدى الله" والضلال ما يدعو إليه الجن. رواه ابن جرير ثم قال وهذا يقتضي أن أصحابه يدعونه إلى الضلال ويزعمون أنه هدى قال: وهذا خلاف ظاهر الآية فإن الله أخبر أنهم يدعونه إلى الهدى فغير جائز أن يكون ضلالا وقد أخبر الله أنه هدى وهو كما قال ابن جرير فإن السياق يقتضي أن هذا الذي استهوته الشياطين في الأرض حيران وهو منصوب على الحال أي في حال حيرته وضلاله وجهله وجه المحجة وله أصحاب على المحجة سائرون فجعلوا يدعونه إليهم وإلى الذهاب معهم على الطريقة المثلى وتقدير الكلام فيأبى عليهم ولا يلتفت إليهم ولو شاء الله لهداه ولرد به إلى الطريق ولهذا قال "قل إن هدى الله هو الهدى" كما قال "ومن يهد الله فما له من مضل" وقال "إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين" وقوله "وأمرنا لنسلم لرب العالمين" أي نخلص له العبادة وحده لا شريك له.

﴿قُلْ أنَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا ولا يَضُرُّنا ونُرَدُّ عَلى أعْقابِنا بَعْدَ إذْ هَدانا اللَّهُ﴾ . اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ لِتَأْيِيسِ المُشْرِكِينَ مِنِ ارْتِدادِ بَعْضِ المُسْلِمِينَ عَنِ الدِّينِ، فَقَدْ كانَ المُشْرِكُونَ يُحاوِلُونَ ارْتِدادَ بَعْضِ قَرابَتِهِمْ أوْ مَن لَهم بِهِ صِلَةٌ. كَما ورَدَ في خَبَرِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وما لَقِيَ مِن عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ. وقَدْ رُوِيَ أنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ دَعا أباهُ إلى عِبادَةِ الأصْنامِ، وأنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ في ذَلِكَ، ومَعْنى ذَلِكَ أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ (p-٣٠٠)مُشِيرَةً إلى ذَلِكَ وغَيْرِهِ وإلّا فَإنَّ سُورَةَ الأنْعامِ نَزَلَتْ جُمْلَةً واحِدَةً. وحاوَلَ المُشْرِكُونَ صَرْفَ النَّبِيءِ ﷺ عَنِ الدَّعْوَةِ إلى الإسْلامِ وهم يُرْضُونَهُ بِما أحَبَّ كَما ورَدَ في خَبَرِ أبِي طالِبٍ. والِاسْتِفْهامُ إنْكارٌ وتَأْيِيسٌ، وجِيءَ بِنُونِ المُتَكَلِّمِ ومَعَهُ غَيْرُهُ لِأنَّ الكَلامَ مِنَ الرَّسُولِ ﷺ عَنْ نَفْسِهِ وعَنِ المُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ. و﴿مِن دُونِ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ٧٠] مُتَعَلِّقٌ بِـ نَدْعُو. والمُرادُ بِما لا يَنْفَعُ ولا يَضُرُّ الأصْنامُ، فَإنَّها حِجارَةٌ مَشاهَدٌ عَدَمُ نَفْعِها وعَجْزُها عَنِ الضُّرِّ، ولَوْ كانَتْ تَسْتَطِيعُ الضُّرَّ لَأضَرَّتْ بِالمُسْلِمِينَ لِأنَّهم خَلَعُوا عِبادَتَها وسَفَّهُوا أتْباعَها وأعْلَنُوا حَقارَتَها، فَلَمّا جَعَلُوا عَدَمَ النَّفْعِ ولا الضُّرِّ عِلَّةً لِنَفْيِ عِبادَةِ الأصْنامِ فَقَدْ كَنَّوْا بِذَلِكَ عَنْ عِبادَتِهِمُ النّافِعَ الضّارَّ وهو اللَّهُ سُبْحانَهُ. وقَوْلُهُ ﴿ونُرَدُّ عَلى أعْقابِنا﴾ عَطْفٌ عَلى نَدْعُو فَهو داخِلٌ في حَيِّزِ الإنْكارِ. والرَّدُّ: الإرْجاعُ إلى المَكانِ الَّذِي يُؤْتى مِنهُ، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿رُدُّوها عَلَيَّ﴾ [ص: ٣٣] . والأعْقابُ جَمْعُ عَقِبٍ وهي مُؤَخَّرُ القَدَمِ. وعَقِبُ كُلِّ شَيْءٍ طَرَفُهُ وآخِرُهُ ويُقالُ: رَجَعَ عَلى عَقِبِهِ وعَلى عَقِبَيْهِ ونَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ بِمَعْنى رَجَعَ إلى المَكانِ الَّذِي جاءَ مِنهُ لِأنَّهُ كانَ جاعِلًا إيّاهُ وراءَهُ فَرَجَعَ. وحَرْفُ عَلى فِيهِ لِلِاسْتِعْلاءِ، أيْ رَجَعَ عَلى طَرِيقِ جِهَةِ عَقِبِهِ، كَما يُقالُ: رَجَعَ وراءَهُ، ثُمَّ اسْتَعْمَلَ تَمْثِيلًا شائِعًا في التَّلَبُّسِ بِحالَةٍ ذَمِيمَةٍ كانَ فارَقَها صاحِبُها ثُمَّ عادَ إلَيْها وتَلَبَّسَ بِها، وذَلِكَ أنَّ الخارِجَ إلى سَفَرٍ أوْ حاجَةٍ فَإنَّما يَمْشِي إلى غَرَضٍ يُرِيدُهُ فَهو يَمْشِي القُدُمِيَّةَ فَإذا رَجَعَ قَبْلَ الوُصُولِ إلى غَرَضِهِ فَقَدْ أضاعَ مَشْيَهُ، فَيُمَثَّلُ حالُهُ بِحالِ مَن رَجَعَ عَلى عَقِبَيْهِ. وفي الحَدِيثِ «اللَّهُمَّ أمْضِ لِأصْحابِي هِجْرَتَهم ولا تَرُدَّهم عَلى أعْقابِهِمْ» . فَكَذَلِكَ في الآيَةِ هو تَمْثِيلٌ لِحالِ المُرْتَدِّ إلى الشِّرْكِ بَعْدَ أنْ أسْلَمَ بِحالِ مَن خَرَجَ في مُهِمٍّ فَرَجَعَ عَلى عَقِبَيْهِ ولَمْ يَقْضِ ما خَرَجَ لَهُ. وهَذا أبْلَغُ في تَمْثِيلِ سُوءِ الحالَةِ مِن أنْ يُقالَ: ونَرْجِعُ إلى الكُفْرِ بَعْدَ الإيمانِ. وقَدْ أُضِيفَ ”بَعْدَ“ إلى ”إذْ هَدانا“ وكِلاهُما اسْمُ زَمانٍ، فَإنَّ بَعْدَ يَدُلُّ عَلى (p-٣٠١)الزَّمانِ المُتَأخِّرِ عَنْ شَيْءٍ كَقَوْلِهِ ﴿ومِن بَعْدِ صَلاةِ العِشاءِ﴾ [النور: ٥٨] وإذا يَدُلُّ عَلى زَمانٍ مُعَرَّفٍ بِشَيْءٍ، فَـ إذا اسْمُ زَمَنٍ مُتَصَرِّفٍ مُرادٌ بِهِ الزَّمانُ ولَيْسَ مَفْعُولًا فِيهِ. والمَعْنى بَعْدَ الزَّمَنِ الَّذِي هَدانا اللَّهُ فِيهِ، ونَظِيرُهُ ﴿رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنا﴾ [آل عمران: ٨] في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ. * * * ﴿كالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ في الأرْضِ حَيْرانَ لَهُ أصْحابٌ يَدْعُونَهُ إلى الهُدى ائْتِنا﴾ . ارْتَقى في تَمْثِيلِ حالِهِمْ لَوْ فُرِضَ رُجُوعُهم عَلى أعْقابِهِمْ بِتَمْثِيلٍ آخَرَ أدَقَّ، بِقَوْلِهِ ﴿كالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ في الأرْضِ﴾، وهو تَمْثِيلٌ بِهَيْئَةٍ مُتَخَيَّلَةٍ مَبْنِيَّةٍ عَلى اعْتِقادِ المُخاطَبِينَ في أحْوالِ المَمْسُوسِينَ. فالكافُ في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ الضَّمِيرِ في ﴿نُرَدُّ عَلى أعْقابِنا﴾، أيْ حالَ كَوْنِنا مُشْبِهِينَ لِلَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فَهَذِهِ الحالُ مُؤَكِّدَةٌ لِما في ﴿نُرَدُّ عَلى أعْقابِنا﴾ مِن مَعْنى التَّمْثِيلِ بِالمُرْتَدِّ عَلى أعْقابِهِ. والِاسْتِهْواءُ اسْتِفْعالٌ، أيْ طَلَبُ هَوى المَرْءِ ومَحَبَّتِهِ، أيِ اسْتِجْلابُ هَوى المَرْءِ إلى شَيْءٍ يُحاوِلُهُ المُسْتَجْلِبُ. وقَرَّبَهُ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ بِمَعْنى هَمْزَةِ التَّعَدِّيَةِ. فَقالَ: اسْتَهْواهُ بِمَعْنى أهْواهُ مِثْلُ اسْتَزَلَّ بِمَعْنى أزَلَّ. ووَقَعَ في الكَشّافِ أنَّهُ اسْتِفْعالٌ مِن هَوى في الأرْضِ إذا ذَهَبَ فِيها، ولا يُعْرَفُ هَذا المَعْنى مِن كَلامِ أئِمَّةِ اللُّغَةِ ولَمْ يَذْكُرْهُ هو في الأساسِ مَعَ كَوْنِهِ ذَكَرَ ﴿كالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ﴾ ولَمْ يُنَبِّهْ عَلى هَذا مَن جاءَ بَعْدَهُ. والعَرَبُ يَقُولُونَ: اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ، إذا اخْتَطَفَتِ الجِنُّ عَقْلَهُ فَسَيَّرَتْهُ كَما تُرِيدُ. وذَلِكَ قَرِيبٌ مِن قَوْلِهِمْ: سَحَرَتْهُ، وهم يَعْتَقِدُونَ أنَّ الغِيلانَ هي سَحَرَةُ الجِنِّ، وتُسَمّى السَّعالى أيْضًا، واحِدَتُها سِعْلاةٌ، ويَقُولُونَ أيْضًا: اسْتَهامَتْهُ الجِنُّ إذا طَلَبَتْ هُيامَهُ بِطاعَتِها. وقَوْلُهُ ﴿فِي الأرْضِ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِـ اسْتَهْوَتْهُ، لِأنَّهُ يَتَضَمَّنُ مَعْنى ذَهَبَتْ بِهِ وضَلَّ في الأرْضِ. وذَلِكَ لِأنَّ الحالَةَ الَّتِي تَتَوَهَّمُها العَرَبُ اسْتِهْواءَ الجِنِّ يُصاحِبُها التَّوَحُّشُ وذَهابُ المَجْنُونِ عَلى وجْهِهِ في الأرْضِ راكِبًا رَأْسَهُ لا يَنْتَصِحُ لِأحَدٍ، كَما وقَعَ لِكَثِيرٍ مِن (p-٣٠٢)مَجانِينِهِمْ ومَن يَزْعُمُونَ أنَّ الجِنَّ اخْتَطَفَتْهم. ومِن أشْهَرِهِمْ عَمْرُو بْنُ عُدَيٍّ الإيادِيُّ اللَّخْمِيُّ ابْنُ أُخْتِ جُذَيْمَةَ بْنِ مالِكٍ مَلِكِ الحَيْرَةِ. وجَوَّزَ بَعْضُهم أنْ يَكُونَ في الأرْضِ مُتَعَلِّقًا بِـ حَيْرانَ، وهو بَعِيدٌ لِعَدَمِ وُجُودِ مُقْتَضٍ لِتَقْدِيمِ المَعْمُولِ. وحَيْرانَ حالٌ مِنَ الَّذِي اسْتَهْوَتْهُ، وهو وصْفٌ مِنَ الحَيْرَةِ، وهي عَدَمُ الِاهْتِداءِ إلى السَّبِيلِ. يُقالُ: حارَ يَحارُ إذْ تاهَ في الأرْضِ فَلَمْ يَعْلَمِ الطَّرِيقَ. وتُطْلَقُ مَجازًا عَلى التَّرَدُّدِ في الأمْرِ بِحَيْثُ لا يُعْلَمُ مَخْرَجُهُ، وانْتَصَبَ حَيْرانُ عَلى الحالِ مِنَ الَّذِي. وجُمْلَةُ ﴿لَهُ أصْحابٌ﴾ حالٌ ثانِيَةٌ، أيْ لَهُ رُفْقَةٌ مَعَهُ حِينَ أصابَهُ اسْتِهْواءُ الجِنِّ. فَجُمْلَةُ يَدْعُونَهُ صِفَةٌ لِـ ”أصْحابٌ“ . والدُّعاءُ: القَوْلُ الدّالُّ عَلى طَلَبِ عَمَلٍ مِنَ المُخاطَبِ. والهُدى: ضِدُّ الضَّلالِ. أيْ يَدْعُونَهُ إلى ما فِيهِ هُداهُ. وإيثارُ لَفْظِ الهُدى هُنا لِما فِيهِ مِنَ المُناسَبَةِ لِلْحالَةِ المُشَبَّهَةِ. فَفي هَذا اللَّفْظِ تَجْرِيدٌ لِلتَّمْثِيلِيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿فَلَمّا أضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ [البقرة: ١٧] في سُورَةِ البَقَرَةِ. ولِذَلِكَ كانَ لِتَعْقِيبِهِ بِقَوْلِهِ ﴿قُلْ إنَّ هُدى اللَّهِ هو الهُدى﴾ وقْعٌ بَدِيعٌ. وجَوَّزَ في الكَشّافِ أنْ يَكُونَ الهُدى مُسْتَعارًا لِلطَّرِيقِ المُسْتَقِيمِ. وجُمْلَةُ ائْتِنا بَيانٌ لِـ ﴿يَدْعُونَهُ إلى الهُدى﴾ لِأنَّ الدُّعاءَ فِيهِ مَعْنى القَوْلِ. فَصَحَّ أنْ يُبَيَّنَ بِما يَقُولُونَهُ إذا دَعَوْهُ، ولِكَوْنِها بَيانًا فُصِلَتْ عَنِ الَّتِي قَبْلَها، وإنَّما احْتاجَ إلى بَيانِ الدُّعاءِ إلى الهُدى لِتَمْكِينِ التَّمْثِيلِ مِن ذِهْنِ السّامِعِ، لِأنَّ المَجْنُونَ لا يُخاطَبُ بِصَرِيحِ المَقْصِدِ فَلا يُدْعى إلى الهُدى بِما يُفْهَمُ مِنهُ أنَّهُ ضالٌّ، لِأنَّ مِن خُلُقِ المَجانِينِ العِنادَ والمُكابَرَةَ. فَلِذَلِكَ يَدْعُونَهُ بِما يُفْهَمُ مِنهُ رَغْبَتُهم في صُحْبَتِهِ ومَحَبَّتِهِمْ إيّاهُ، فَيَقُولُونَ: ائْتِنا، حَتّى إذا تَمَكَّنُوا مِنهُ أوْثَقُوهُ وعادُوا بِهِ إلى بَيْتِهِ. وقَدْ شُبِّهَتْ بِهَذا التَّمْثِيلِ العَجِيبِ حالَةُ مَن فُرِضَ ارْتِدادُهُ إلى ضَلالَةِ الشِّرْكِ بَعْدَ هُدى الإسْلامِ لِدَعْوَةِ المُشْرِكِينَ إيّاهُ وتَرْكِهِ أصْحابَهُ المُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَهُ عَنْهُ، بِحالِ الَّذِي فَسَدَ عَقْلُهُ بِاسْتِهْواءٍ مِنَ الشَّياطِينِ والجِنِّ، فَتاهَ في الأرْضِ بَعْدَ أنْ كانَ عاقِلًا عارِفًا بِمَسالِكِها، وتَرَكَ رُفْقَتَهُ العُقَلاءَ يَدْعُونَهُ إلى مُوافَقَتِهِمْ، وهَذا التَّرْكِيبُ البَدِيعُ (p-٣٠٣)صالِحٌ لِلتَّفْكِيكِ بِأنْ يُشَبَّهَ كُلُّ جُزْءٍ مِن أجْزاءِ الهَيْئَةِ المُشَبَّهَةِ بِجُزْءٍ مِن أجْزاءِ الهَيْئَةِ المُشَبَّهَةِ بِها، بِأنْ يُشَبَّهَ الِارْتِدادُ بَعْدَ الإيمانِ بِذَهابِ عَقْلِ المَجْنُونِ، ويُشَبَّهَ الكُفْرُ بِالهُيامِ في الأرْضِ، ويُشَبَّهَ المُشْرِكُونَ الَّذِينَ دَعَوْهم إلى الِارْتِدادِ بِالشَّياطِينِ وتُشَبَّهُ دَعْوَةُ اللَّهِ النّاسَ لِلْإيمانِ ونُزُولُ المَلائِكَةِ بِوَحْيِهِ بِالأصْحابِ الَّذِينَ يَدْعُونَ إلى الهُدى. وعَلى هَذا التَّفْسِيرِ يَكُونُ الَّذِي صادِقًا عَلى غَيْرِ مُعَيَّنٍ، فَهو بِمَنزِلَةِ المُعَرَّفِ بِلامِ الجِنْسِ. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ في عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ حِينَ كانَ كافِرًا وكانَ أبُوهُ وأُمُّهُ يَدْعُوانِهِ إلى الإسْلامِ فَيَأْبى، وقَدْ أسْلَمَ في صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ وحَسُنَ إسْلامُهُ. * * * ﴿قُلْ إنَّ هُدى اللَّهِ هو الهُدى وأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ العالَمِينَ﴾ ﴿وأنْ أقِيمُوا الصَّلاةَ واتَّقُوهُ وهْوَ الَّذِي إلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ ﴿وهْوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ بِالحَقِّ ويَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الحَقُّ ولَهُ المُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ عالِمُ الغَيْبِ والشَّهادَةِ وهْوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ﴾ . جُمْلَةُ ﴿قُلْ إنَّ هُدى اللَّهِ هو الهُدى﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافَ تَكْرِيرٍ لِما أُمِرَ أنْ يَقُولَهُ لِلْمُشْرِكِينَ حِينَ يُدْعَوْنَ إلى الرُّجُوعِ إلى ما كانُوا عَلَيْهِ في الجاهِلِيَّةِ، وقَدْ رُوِيَ أنَّهم قالُوا لِلنَّبِيءِ ﷺ اعْبُدْ آلِهَتَنا زَمَنًا ونَعْبُدُ إلَهَكَ زَمَنًا. وكانُوا في خِلالِ ذَلِكَ يَزْعُمُونَ أنَّ دِينَهم هُدًى، فَلِذَلِكَ خُوطِبُوا بِصِيغَةِ القَصْرِ. وهي إنَّ هُدى اللَّهِ هو الهُدى فَجِيءَ بِتَعْرِيفِ الجُزْأيْنِ، وضَمِيرِ الفَصْلِ، وحَرْفِ التَّوْكِيدِ، فاجْتَمَعَ في الجُمْلَةِ أرْبَعَةُ مُؤَكِّداتٍ، لِأنَّ القَصْرَ بِمَنزِلَةِ مُؤَكِّدَيْنِ إذْ لَيْسَ القَصْرُ إلّا تَأْكِيدًا عَلى تَأْكِيدٍ، وضَمِيرُ الفَصْلِ تَأْكِيدٌ، و(إنَّ) تَأْكِيدٌ، فَكانَتْ مُقْتَضى حالِ المُشْرِكِينَ المُنْكِرِينَ أنَّ الإسْلامَ هُدًى. وتَعْرِيفُ المُسْنَدِ إلَيْهِ بِالإضافَةِ لِلدَّلالَةِ عَلى الهُدى الوارِدِ مِن عِنْدِ اللَّهِ تَعالى، وهو الدِّينُ المُوصى بِهِ، وهو هُنا الإسْلامُ، بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ ﴿بَعْدَ إذْ هَدانا اللَّهُ﴾ . وقَدْ وصَفَ الإسْلامَ بِأنَّهُ (p-٣٠٤)هُدى اللَّهِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ولَنْ تَرْضى عَنْكَ اليَهُودُ ولا النَّصارى حَتّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهم قُلْ إنَّ هُدى اللَّهِ هو الهُدى﴾ [البقرة: ١٢٠] في سُورَةِ البَقَرَةِ، أيِ القُرْآنُ هو الهُدى لا كُتُبُهم. وتَعْرِيفُ المُسْنَدِ بِلامِ الجِنْسِ لِلدَّلالَةِ عَلى قَصْرِ جِنْسِ الهُدى عَلى دِينِ الإسْلامِ، كَما هو الغالِبُ في تَعْرِيفِ المُسْنَدِ بِلامِ الجِنْسِ، وهو قَصْرٌ إضافِيٌّ لِأنَّ السِّياقَ لِرَدِّ دَعْوَةِ المُشْرِكِينَ إيّاهُمُ الرُّجُوعَ إلى دِينِهِمُ المُتَضَمِّنَةِ اعْتِقادَهم أنَّهُ هُدًى، فالقَصْرُ لِلْقَلْبِ إذْ لَيْسُوا عَلى شَيْءٍ مِنَ الهُدى، فَلا يَكُونُ قَصْرُ الهُدى عَلى هُدى القُرْآنِ بِمَعْنى الهُدى الكامِلِ، بِخِلافِ ما في سُورَةِ البَقَرَةِ. وجُمْلَةُ ﴿وأُمِرْنا لِنُسْلِمَ﴾ عَطْفٌ عَلى المَقُولِ. وهَذا مُقابِلُ قَوْلِهِ ﴿قُلْ إنِّي نُهِيتُ أنْ أعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ٥٦]، وقَوْلِهِ ﴿قُلْ أنَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ﴾ الآيَةَ. واللّامُ في لِنُسْلِمَ أصْلُها لِلتَّعْلِيلِ وتُنُوسِيَ مِنها مَعْنى التَّعْلِيلِ فَصارَتْ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ. وهي اللّامُ الَّتِي يَكْثُرُ وُرُودُها بَعْدَ مادَّةِ الأمْرِ ومادَّةِ الإرادَةِ. وسَمّاها بَعْضُهم لامَ أنْ بِفَتْحِ الهَمْزَةِ وسُكُونِ النُّونِ قالَ الزَّجّاجُ: العَرَبُ تَقُولُ: أمَرْتُكَ بِأنْ تَفْعَلَ وأمَرْتُكَ أنْ تَفْعَلَ وأمَرْتُكَ لِتَفْعَلَ. فالباءُ لِلْإلْصاقِ، وإذا حَذَفُوها فَهي مُقَدَّرَةٌ مَعَ (أنْ) . وأمّا أمَرْتُكَ لِتَفْعَلَ، فاللّامُ لِلتَّعْلِيلِ، فَقَدْ أخْبَرَ بِالعِلَّةِ الَّتِي لَها وقَعَ الأمْرُ. يَعْنِي وأغْنَتِ العِلَّةُ عَنْ ذِكْرِ المُعَلَّلِ. وقِيلَ: اللّامُ بِمَعْنى الباءِ، وقِيلَ: زائِدَةٌ، وعَلى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَـ (أنْ) مُضْمَرَةٌ بَعْدَها، أيْ لِأجْلِ أنْ نُسْلِمَ. والمَعْنى: وأُمِرْنا بِالإسْلامِ، أيْ أُمِرْنا أنْ أسْلِمُوا. وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى هَذِهِ اللّامِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ [النساء: ٢٦] في سُورَةِ النِّساءِ. واللّامُ في قَوْلِهِ ﴿لِرَبِّ العالَمِينَ﴾ مُتَعَلِّقَةٌ بِـ نُسْلِمَ لِأنَّهُ مَعْنى تَخَلُّصٍ لَهُ قالَ ﴿فَقُلْ أسْلَمْتُ وجْهِيَ لِلَّهِ﴾ [آل عمران: ٢٠] . وقَدْ تَقَدَّمَ القَوْلُ في مَعْنى الإسْلامِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿إذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أسْلِمْ قالَ أسْلَمْتُ لِرَبِّ العالَمِينَ﴾ [البقرة: ١٣١] في سُورَةِ البَقَرَةِ. وفِي ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعالى بِوَصْفِ الرُّبُوبِيَّةِ لِجَمِيعِ الخَلْقِ دُونَ اسْمِهِ العَلَمِ إشارَةٌ إلى تَعْلِيلِ الأمْرِ وأحَقِّيَّتِهِ. (p-٣٠٥)وقَوْلُهُ ﴿وأنْ أقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ إنْ جَعَلْتَ (أنْ) فِيهِ مَصْدَرِيَّةً عَلى قَوْلِ سِيبَوَيْهِ، إذْ يُسَوِّغُ دُخُولَ (أنْ) المَصْدَرِيَّةِ عَلى فِعْلِ الأمْرِ فَتُفِيدُ الأمْرَ والمَصْدَرِيَّةَ مَعًا لِأنَّ صِيغَةَ الأمْرِ لَمْ يُؤْتَ بِها عَبَثًا، فَقَوْلُ المُعْرِبِينَ: إنَّهُ يَتَجَرَّدُ عَنِ الأمْرِيَّةِ، مُرادُهم بِهِ أنَّهُ تَجَرَّدَ عَنْ مَعْنى فِعْلِ الأمْرِ إلى مَعْنى المَصْدَرِيَّةِ فَهو مِن عَطْفِ المُفْرَداتِ. وهو إمّا عُطِفَ عَلى لِنُسْلِمَ بِتَقْدِيرِ حَرْفِ جَرٍّ مَحْذُوفٍ قَبْلَ (أنْ) وهو الباءُ. وتَقْدِيرُ الحَرْفِ المَحْذُوفِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَعْنى الكَلامِ، وإمّا عُطِفَ عَلى مَعْنى لِنُسْلِمَ لِأنَّهُ وقَعَ في مَوْقِعِ بِأنْ نُسْلِمَ، كَما تَقَدَّمَ عَنِ الزَّجّاجِ. فالتَّقْدِيرُ: أُمِرْنا بِأنْ نُسْلِمَ، ثُمَّ عُطِفَ عَلَيْهِ وأنْ أقِيمُوا أيْ وأُمِرْنا بِأنْ أقِيمُوا، والعَطْفُ عَلى مَعْنى اللَّفْظِ ومَوْقِعِهِ اسْتِعْمالٌ عَرَبِيٍّ، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿لَوْلا أخَّرْتَنِي إلى أجَلٍ قَرِيبٍ فَأصَّدَّقَ وأكُنْ﴾ [المنافقون: ١٠] إذِ المَعْنى إنْ تُؤَخِّرْنِي أصَّدَّقْ وأكُنْ. وإنْ جَعَلْتَ أنْ فِيهِ تَفْسِيرِيَّةً فَهو مِن عَطْفِ الجُمَلِ. فَيُقَدَّرُ قَوْلُهُ أُمِرْنا لِنُسْلِمَ بِأُمِرْنا أنْ أسْلِمُوا لِنُسْلِمَ ﴿وأنْ أقِيمُوا الصَّلاةَ﴾، أيْ لِنُقِيمَ فَيَكُونُ في الكَلامِ احْتِباكٌ. وأظْهَرُ مِن هَذا أنْ تَكُونَ أنْ تَفْسِيرِيَّةً. وهي تَفْسِيرٌ لِما دَلَّتْ عَلَيْهِ واوُ العَطْفِ مِن تَقْدِيرِ العامِلِ المَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وهو ”وأُمِرْنا“، فَإنَّ أُمِرْنا فِيهِ مَعْنى القَوْلِ دُونَ حُرُوفِهِ فَناسَبَ مَوْقِعُ (أنِ) التَّفْسِيرِيَّةِ. وتَقَدَّمَ مَعْنى إقامَةِ الصَّلاةِ في صَدْرِ سُورَةِ البَقَرَةِ. واتَّقَوْهُ عَطْفٌ عَلى أقِيمُوا ويَجْرِي فِيهِ ما قُرِّرَ في قَوْلِهِ ﴿وأنْ أقِيمُوا﴾ . والضَّمِيرُ المَنصُوبُ عائِدٌ إلى رَبِّ العالَمِينَ وهو مِنَ الكَلامِ الَّذِي أُمِرُوا بِمُقْتَضاهُ بِأنْ قالَ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ: أسْلِمُوا لِرَبِّ العالَمِينَ وأقِيمُوا الصَّلاةَ واتَّقُوهُ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَحْكِيًّا بِالمَعْنى بِأنْ قالَ اللَّهُ: اتَّقَوْنِ، فَحُكِيَ بِما يُوافِقُ كَلامَ النَّبِيءِ المَأْمُورِ بِأنْ يَقُولَهُ بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿قُلْ إنَّ هُدى اللَّهِ هو الهُدى﴾، كَما في حِكايَةِ قَوْلِ عِيسى ﴿ما قُلْتُ لَهم إلّا ما أمَرْتَنِي بِهِ أنُ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي ورَبَّكُمْ﴾ [المائدة: ١١٧] . (p-٣٠٦)وجَمَعَ قَوْلُهُ واتَّقَوْهُ جَمِيعَ أُمُورِ الدِّينِ، وتَخْصِيصُ إقامَةِ الصَّلاةِ بِالذِّكْرِ لِلِاهْتِمامِ. وجُمْلَةُ ﴿وهُوَ الَّذِي إلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ إمّا عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ اتَّقَوْهُ عَطْفَ الخَبَرِ عَلى الإنْشاءِ فَتَكُونُ مِن جُمْلَةِ المَقُولِ المَأْمُورِ بِهِ بِقَوْلِهِ ﴿قُلْ إنَّ هُدى اللَّهِ﴾، أيْ وقُلْ لَهم وهو الَّذِي إلَيْهِ تُحْشَرُونَ، أوْ عَطْفٌ عَلى قُلْ فَيَكُونُ مِن غَيْرِ المَقُولِ. وفي هَذا إثْباتٌ لِلْحَشْرِ عَلى مُنْكِرِيهِ وتَذْكِيرٌ بِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ تَحْرِيضًا عَلى إقامَةِ الصَّلاةِ والتَّقْوى. واشْتَمَلَتْ جُمْلَةُ ﴿وهُوَ الَّذِي إلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ عَلى عِدَّةِ مُؤَكِّداتٍ وهي: صِيغَةُ الحَصْرِ بِتَعْرِيفِ الجُزْأيْنِ، وتَقْدِيمُ مَعْمُولِ تُحْشَرُونَ المُفِيدُ لِلتَّقَوِّي لِأنَّ المَقْصُودَ تَحْقِيقُ وُقُوعِ الحَشْرِ عَلى مَن أنْكَرَهُ مِنَ المُشْرِكِينَ وتَحْقِيقُ الوَعْدِ والوَعِيدِ لِلْمُؤْمِنِينَ، والحُصْرُ هُنا حَقِيقِيٌّ إذْ هم لَمْ يُنْكِرُوا كَوْنَ الحَشْرِ إلى اللَّهِ وإنَّما أنْكَرُوا وُقُوعَ الحَشْرِ، فَسَلَكَ في إثْباتِهِ طَرِيقَ الكِنايَةِ بِقَصْرِهِ عَلى اللَّهِ تَعالى المُسْتَلْزِمِ وُقُوعَهُ وأنَّهُ لا يَكُونُ إلّا إلى اللَّهِ، تَعْرِيضًا بِأنَّ آلِهَتَهم لا تُغْنِي عَنْهم شَيْئًا. وجُمْلَةُ ﴿وهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ﴾ عَطْفٌ عَلى ﴿وهُوَ الَّذِي إلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾، والقَصْرُ حَقِيقِيٌّ إذْ لَيْسَ ثَمَّ رَدِّ اعْتِقادٍ لِأنَّ المُشْرِكِينَ يَعْتَرِفُونَ بِأنَّ اللَّهَ هو الخالِقُ لِلْأشْياءِ الَّتِي في السَّماءِ والأرْضِ كَما قَدَّمْناهُ في أوَّلِ السُّورَةِ. فالمَقْصُودُ الِاسْتِدْلالُ بِالقَصْرِ عَلى أنَّهُ هو المُسْتَحِقُّ لِلْعِبادَةِ لِأنَّ الخَلائِقَ عَبِيدُهُ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿أفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لا يَخْلُقُ أفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: ١٧] . والباءُ مِن قَوْلِهِ بِالحَقِّ لِلْمُلابَسَةِ، والمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِـ خَلَقَ أوْ في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ الضَّمِيرِ. والحَقُّ في الأصْلِ مَصْدَرُ (حَقَّ) إذا ثَبَتَ، ثُمَّ صارَ اسْمًا لِلْأمْرِ الثّابِتِ الَّذِي لا يُنَكَّرُ مِن إطْلاقِ المَصْدَرِ وإرادَةِ اسْمِ الفاعِلِ مِثْلَ ”فُلانٌ عَدْلٌ“ . والحَقُّ ضِدُّ الباطِلِ. فالباطِلُ اسْمٌ لِضِدِّ ما يُسَمّى بِهِ الحَقُّ فَيُطْلَقُ الحَقُّ إطْلاقًا شائِعًا عَلى الفِعْلِ أوِ القَوْلِ الَّذِي هو عَدْلٌ وإعْطاءُ المُسْتَحِقِّ ما يَسْتَحِقُّهُ، وهو حِينَئِذٍ مُرادِفُ العَدْلِ ويُقابِلُهُ الباطِلُ فَيُرادِفُ الجَوْرَ والظُّلْمَ، ويُطْلَقُ الحَقُّ عَلى الفِعْلِ أوِ القَوْلِ السَّدِيدِ الصّالِحِ البالِغِ حَدَّ الإتْقانِ والصَّوابِ، ويُرادِفُ الحِكْمَةَ والحَقِيقَةَ، ويُقابِلُهُ الباطِلُ فَيُرادِفُ العَبَثَ (p-٣٠٦)واللَّعِبَ. والحَقُّ في هَذِهِ الآيَةِ بِالمَعْنى الثّانِي، كَما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ما خَلَقْناهُما إلّا بِالحَقِّ﴾ [الدخان: ٣٩] بَعْدَ قَوْلِهِ ﴿وما خَلَقْنا السَّماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما لاعِبِينَ﴾ [الدخان: ٣٨] وكَقَوْلِهِ ﴿ويَتَفَكَّرُونَ في خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هَذا باطِلًا﴾ [آل عمران: ١٩١] . فاللَّهُ تَعالى أخْرَجَ السَّماواتِ والأرْضَ وما فِيهِنَّ مِنَ العَدَمِ إلى الوُجُودِ لِحِكَمٍ عَظِيمَةٍ وأوْدَعَ في جَمِيعِ المَخْلُوقاتِ قُوًى وخَصائِصَ تَصْدُرُ بِسَبَبِها الآثارُ المَخْلُوقَةُ هي لَها ورَتَّبَها عَلى نُظُمٍ عَجِيبَةٍ تَحْفَظُ أنْواعَها وتُبْرِزُ ما خُلِقَتْ لِأجْلِهِ، وأعْظَمُها خَلْقُ الإنْسانِ وخَلْقُ العَقْلِ فِيهِ والعِلْمِ، وفي هَذا تَمْهِيدٌ لِإثْباتِ الجَزاءِ إذْ لَوْ أُهْمِلَتْ أعْمالُ المُكَلَّفِينَ لَكانَ ذَلِكَ نُقْصانًا مِنَ الحَقِّ الَّذِي خُلِقَتِ السَّماواتُ والأرْضُ مُلابِسَةً لَهُ، فَعَقَّبَ بِقَوْلِهِ ﴿ويَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الحَقُّ﴾ . وجُمْلَةُ ﴿ويَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الحَقُّ﴾ مَعْطُوفَةٌ عَلى الَّتِي قَبْلَها لِمُناسَبَةِ مُلابَسَةِ الحَقِّ لِأفْعالِهِ تَعالى فَبَيَّنَتْ مُلابَسَةَ الحَقِّ لِأمْرِهِ تَعالى الدّالِّ عَلَيْهِ يَقُولُ. والمُرادُ بِـ ﴿يَوْمَ يَقُولُ كُنْ﴾ يَوْمُ البَعْثِ، لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ﴾ . وقَدْ أشْكَلَ نَظْمُ قَوْلِهِ ﴿ويَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الحَقُّ﴾، وذَهَبَ فِيهِ المُفَسِّرُونَ طَرائِقَ. والوَجْهُ أنَّ قَوْلَهُ ﴿ويَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ ظَرْفٌ وقَعَ خَبَرُهُ مُقَدَّمًا لِلِاهْتِمامِ بِهِ، والمُبْتَدَأُ هو قَوْلُهُ ويَكُونُ الحَقُّ صِفَةٌ لِلْمُبْتَدَأِ. وأصْلُ التَّرْكِيبِ: وقَوْلُهُ الحَقُّ يَوْمَ يَقُولُ: كُنْ فَيَكُونُ. ونُكْتَةُ الِاهْتِمامِ بِتَقْدِيمِ الظَّرْفِ الرَّدُّ عَلى المُشْرِكِينَ المُنْكِرِينَ وُقُوعَ هَذا التَّكْوِينِ بَعْدَ العَدَمِ. ووَصْفُ القَوْلِ بِأنَّهُ الحَقُّ لِلرَّدِّ عَلى المُشْرِكِينَ أيْضًا. وهَذا القَوْلُ هو عَيْنُ المَقُولِ لِفِعْلِ يَقُولُ كُنْ، وحَذْفُ المَقُولِ لَهُ كُنْ لِظُهُورِهِ مِنَ المَقامِ، أيْ يَقُولُ لِغَيْرِ المَوْجُودِ الكائِنِ: كُنْ. وقَوْلُهُ فَيَكُونُ اعْتِراضٌ، أيْ يَقُولُ لِما أرادَ تَكْوِينَهُ (كُنْ) فَيُوجَدُ المَقُولُ لَهُ (كُنْ) عَقِبَ أمْرِ التَّكْوِينِ. والمَعْنى أنَّهُ أنْشَأ خَلْقَ السَّماواتِ والأرْضِ بِالحَقِّ، وأنَّهُ يُعِيدُ الخَلْقَ الَّذِي بَدَأهُ بِقَوْلٍ حَقٍّ، فَلا يَخْلُو شَيْءٌ مِن تَكْوِينِهِ الأوَّلِ ولا مِن تَكْوِينِهِ الثّانِي عَنِ الحَقِّ. ويَتَضَمَّنُ (p-٣٠٨)أنَّهُ قَوْلٌ مُسْتَقْبَلٌ، وهو الخَلْقُ الثّانِي المُقابِلُ لِلْخَلْقِ الأوَّلِ، ولِذَلِكَ أُتِيَ بِكَلِمَةِ ”يَوْمَ“ لِلْإشارَةِ إلى أنَّهُ تَكْوِينٌ خاصٌّ مُقَدَّرٌ لَهُ يَوْمٌ مُعَيَّنٌ. وفِي قَوْلِهِ ﴿قَوْلُهُ الحَقُّ﴾ صِيغَةُ قَصْرٍ لِلْمُبالِغَةِ، أيْ هو الحَقُّ الكامِلُ لِأنَّ أقْوالَ غَيْرِهِ وإنْ كانَ فِيها كَثِيرٌ مِنَ الحَقِّ فَهي مُعَرَّضَةٌ لِلْخَطَأِ وما كانَ فِيها غَيْرَ مُعَرَّضٍ لِلْخَطَأِ فَهو مِن وحْيِ اللَّهِ أوْ مِن نِعْمَتِهِ بِالعَقْلِ والإصابَةِ، فَذَلِكَ اعْتِدادٌ بِأنَّهُ راجِعٌ إلى فَضْلِ اللَّهِ. ونَظِيرُ هَذا قَوْلُ النَّبِيءِ ﷺ في دُعائِهِ «قَوْلُكَ الحَقُّ ووَعْدُكَ الحَقُّ» . والمُرادُ بِالقَوْلِ كُلُّ ما يَدُلُّ عَلى مُرادِ اللَّهِ تَعالى وقَضائِهِ في يَوْمِ الحَشْرِ، وهو يَوْمُ يَقُولُ كُنْ، مِن أمْرِ تَكْوِينٍ، أوْ أمْرِ ثَوابٍ، أوْ عِقابٍ، أوْ خَبَرٍ بِما اكْتَسَبَهُ النّاسُ مِن صالِحِ الأعْمالِ وأضْدادِها، فَكُلُّ ذَلِكَ مِن قَوْلِ اللَّهِ في ذَلِكَ اليَوْمِ وهو حَقٌّ. وخَصَّ مِن بَيْنِ الأقْوالِ أمْرَ التَّكْوِينِ لِما اقْتَضاهُ التَّقْدِيمُ مِن تَخْصِيصِهِ بِالذِّكْرِ كَما عَلِمْتَ. ولِلْمُفَسِّرِينَ في إعْرابِ هَذِهِ الآيَةِ وإقامَةِ المَعْنى مِن ذَلِكَ مَسالِكُ أُخْرى غَيْرُ جارِيَةٍ عَلى السُّبُلِ الواضِحَةِ. وقَوْلُهُ ﴿ولَهُ المُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ﴾ جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وانْتِظامُها كانْتِظامِ جُمْلَةِ ﴿ويَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الحَقُّ﴾ إلّا أنَّ في تَقْدِيمِ المُسْنَدِ إلَيْهِ عَلى المُسْنَدِ قَصْرُ المُسْنَدِ إلَيْهِ عَلى المُسْنَدِ، أيِ المُلْكُ مَقْصُورٌ عَلى الكَوْنِ لَهُ لا لِغَيْرِهِ لِرَدِّ ما عَسى أنْ يَطْمَعَ فِيهِ المُشْرِكُونَ مِن مُشارَكَةِ أصْنامِهِمْ يَوْمَئِذٍ في التَّصَرُّفِ والقَضاءِ. والمَقْصُودُ مِن هَذا الظَّرْفِ تَهْوِيلُ ذَلِكَ اليَوْمِ. والنَّفْخُ في الصُّورِ مَثَلٌ ضُرِبَ لِلْأمْرِ التَّكْوِينِيِّ بِحَياةِ الأمْواتِ الَّذِي يَعُمُّ سائِرَ الأمْواتِ، فَيَحْيَوْنَ بِهِ ويَحْضُرُونَ لِلْحَشْرِ كَما يَحْضُرُ الجَيْشُ بِنَفْخِ الأبْواقِ ودَقِّ الطُّبُولِ. والصُّورُ: البُوقُ. ووَرَدَ في الحَدِيثِ: «أنَّ المَلَكَ المُوَكَّلَ بِنَفْخِ الصُّورِ هو إسْرافِيلُ»، ولا يَعْلَمُ كُنْهَ هَذا النَّفْخِ إلّا اللَّهُ تَعالى. ويَوْمُ النَّفْخِ في الصُّورِ هو يَوْمُ يَقُولُ: كُنْ فَيَكُونُ، ولَكِنَّهُ عُبِّرَ عَنْهُ هُنا بِـ ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ﴾ لِإفادَةِ هَذا الحالِ العَجِيبِ، ولِأنَّ اليَوْمَ لَمّا جُعِلَ (p-٣٠٩)ظَرْفًا لِلْقَوْلِ عُرِّفَ بِالإضافَةِ إلى جُمْلَةِ ﴿يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ . ولَمّا جُعِلَ اليَوْمُ ظَرْفًا لِلْمُلْكِ ناسَبَ أنْ يُعَرِّفَ اليَوْمَ بِما هو مِن شِعارِ المُلْكِ والجُنْدِ. وقَدِ انْتَصَبَ يَوْمَ يُنْفَخُ عَلى الظَّرْفِيَّةِ، والعامِلُ فِيهِ لِلِاسْتِقْرارِ الَّذِي في قَوْلِهِ ﴿ولَهُ المُلْكُ﴾ . ويَجُوزُ أنْ يُجْعَلَ بَدَلًا مِن ﴿يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ . ويُجْعَلُ ﴿ولَهُ المُلْكُ﴾ عَطْفًا عَلى ﴿قَوْلُهُ الحَقُّ﴾ عَلى أنَّ الجَمِيعَ جُمْلَةٌ واحِدَةٌ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: الصُّورُ هُنا جَمْعُ صُورَةٍ، أيْ يُنْفَخُ في صُوَرِ المَوْجُوداتِ. ولَمّا انْتَهى المَقْصُودُ مِنَ الإخْبارِ عَنْ شُؤُونٍ مِن شَأْنِ اللَّهِ تَعالى أُتْبِعَ بِصِفاتٍ تُشِيرُ إلى المُحاسَبَةِ عَلى كُلِّ جَلِيلٍ ودَقِيقٍ ظاهِرٍ وباطِنٍ بِقَوْلِهِ ﴿عالِمُ الغَيْبِ والشَّهادَةِ﴾ . وجاءَ أُسْلُوبُ الكَلامِ عَلى طَرِيقَةِ حَذْفِ المُخْبَرِ عَنْهُ في مَقامِ تَقَدُّمِ صِفاتِهِ. فَحَذْفُ المُسْنَدِ إلَيْهِ في مِثْلِهِ تَبَعٌ لِطَرِيقَةِ الِاسْتِعْمالِ في تَعْقِيبِ الأخْبارِ بِخَبَرٍ أعْظَمَ مِنها يُجْعَلُ فِيهِ المُخْبَرُ عَنْهُ مُسْنَدًا إلَيْهِ ويُلْتَزَمُ حَذْفُهُ. وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿مَقامُ إبْراهِيمَ﴾ [آل عمران: ٩٧] في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ، فَلِذَلِكَ قالَ هُنا عالِمُ الغَيْبِ فَحَذَفَ المُسْنَدَ إلَيْهِ ثُمَّ لَمْ يَحْذِفِ المُسْنَدَ إلَيْهِ في قَوْلِهِ ﴿وهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ﴾ . والغَيْبُ: ما هو غائِبٌ. وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ﴾ [البقرة: ٣] في سُورَةِ البَقَرَةِ، وعِنْدَ قَوْلِهِ ﴿وعِنْدَهُ مَفاتِحُ الغَيْبِ﴾ [الأنعام: ٥٩] في هَذِهِ السُّورَةِ. والشَّهادَةُ: ضِدُّ الغَيْبِ، وهي الأُمُورُ الَّتِي يُشاهِدُها النّاسُ ويَتَوَصَّلُونَ إلى عَمَلِها يُقالُ: شَهِدَ، بِمَعْنى حَضَرَ، وضِدُّهُ غابَ، ولا تَخْرُجُ المَوْجُوداتُ عَنِ الِاتِّصافِ بِهَذَيْنِ الوَصْفَيْنِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: العالِمُ بِأحْوالِ جَمِيعِ المَوْجُوداتِ. والتَّعْرِيفُ في الغَيْبِ والشَّهادَةِ لِلِاسْتِغْراقِ، أيْ عالِمٌ كُلَّ غَيْبٍ وكُلَّ شَهادَةٍ. وقَوْلُهُ ﴿وهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ﴾ عُطِفَ عَلى قَوْلِهِ ﴿عالِمُ الغَيْبِ﴾ . وصِفَةُ الحَكِيمِ تَجْمَعُ إتْقانَ الصُّنْعِ فَتَدُلُّ عَلى عِظَمِ القُدْرَةِ مَعَ تَعَلُّقِ العِلْمِ بِالمَصْنُوعاتِ. وصِفَةُ الخَبِيرِ تَجْمَعُ العِلْمَ بِالمَعْلُوماتِ ظاهِرِها وخَفِيِّها. فَكانَتِ الصِّفَتانِ (p-٣١٠)كالفَذْلَكَةِ لِقَوْلِهِ ﴿وهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ بِالحَقِّ﴾ ولِقَوْلِهِ ﴿عالِمُ الغَيْبِ والشَّهادَةِ﴾ .


ركن الترجمة

Say: 'Should we call in place of God one who can neither help nor do us harm, and turn back after having been guided by God, like a man beguiled by the devils who wanders perplexed in the wilderness while his friends call him back to the right path, saying: 'Come to us, this way?' Say: "God's guidance is (true) guidance, and we have been commanded to submit to the Lord of all the worlds.

Dis: «Invoquerons-nous, au lieu d'Allah, ce qui ne peut nous profiter ni nous nuire? Et reviendrons-nous sur nos talons après qu'Allah nous a guidés, comme quelqu'un que les diables ont séduit et qui erre perplexe sur la terre, bien que des amis l'appellent vers le droit chemin (lui disant): - «Viens à nous». Dis: «Le vrai chemin, c'est le chemin d'Allah. Et il nous a été commandé de nous soumettre au Seigneur de l'Univers,

ملاحظات :

يمكن أن تشثمل بعض الآيات على هفوات بسيطة مرتبطة أساسا بمواقع الهمزة أو بتشكيل الحروف .... والتصحيح مستمر على الدوام.... فالمرجو المساعدة في تبليغنا بهذه الهفوات فور اكتشافها و لكم الأجر.

االتراجم الموجودة في الموقع هي مأخوذة من الترجمات المتداولة وليس من عملنا الشخصي، وهي ليست إلا ترجمة لمعاني آيات القرآن رجوعا لبعض التفاسير الموجودة، وليست ترجمة حرفية أو مضبوطة، لأن القرآن لا يُترجم، فهو كلام الله، وهذه الترجمات للاستئناس فقط وموجه لغير المسلمين لكي تكون مجرد بداية للتعرف إلى القرآن، وليس أكثر من ذلك.

أنت الزائر رقم

موقع   الباحث في القرآن الكريم  من تطوير  

عليم للتقنيات الحديثة

Alim New Technologies) alim.new.tech@gmail.com ) - جميع الحقوق محفوظة © 2012

شارك الموقع عبر :